إصرار أوروبي على المصرفية الإسلامية
الاربعاء 22 ذو الحجة 1430 الموافق 09 ديسمبر 2009م
آن ميشيل
ترجمة/ محمد بدوي
حَاول البعض تفسير الأزمة المالية التي تمرُّ بها دبي على أنها تمثل اختبارًا قاسيًا لنظام المصرفية الإسلامية، إلا أن خبراء الاقتصاد -حتى الغربيين منهم- أكدوا أن تلك الأزمة تعدّ أحد مظاهر الأزمة المالية العالمية الناتجة عن الركود الذي أصاب سوق العقارات حول العالم، ولا علاقة لها بالبنوك الإسلامية العاملة في القطاع المصرفي.
صحيفة “لوموند” الفرنسية نشرت مقالًا للكاتب “آن ميشيل” أشار فيه إلى استمرار “الافتتان” الغربي بنظام المصرفية الإسلامية برغم الأزمة الحالية في دبي، ونقل عن خبراء ماليين أن مشكلة دبي ليست أزمة المصرفية الإسلامية، ولا تغير شيء من قناعة فرنسا بنظام الاقتصاد الإسلامي الذي تسعى لتقنينه ومنافسة بريطانيا (عاصمة المصرفية الإسلامية) فيه، وهذه ترجمة المقال:
هل تقضي أزمة دبي على افتتان الغرب بنظام المصرفية الإسلامية؟ خلال العام الأخير تتبَّعَت العديد من الدول الأوروبية، ومنها فرنسا وألمانيا، خطى بريطانيا في العمل على تطبيق نظم المصرفية الإسلامية فيها، وإدخال الأسواق المالية “الحلال” إلى أراضيها.
وشرعت تلك الدول الأوروبية في تعديل قوانينها بما يتماشى ومبادئ المالية الإسلامية، الأمر الذي أثار غضب المدافعين عن العلمانية، وقامت بتمويل الأقسام الجامعية الخاصة بدراسة النظم المالية الإسلامية لتخريج خبراء لهم في هذا المجال القائم على مبادئ الشريعة الإسلامية -ومن بين ذلك القسم الذي افتُتح بجامعة باريس دوفين في 25 نوفمبر الماضي- وضاعفت أيضًا من عقد المؤتمرات المتعلقة بنظم المصرفية الإسلامية.
وبدون أن تُخفِي تلك الدول الأوروبية هدفها المشترك -وهو جذب رءوس الأموال الخليجية لتساعدها في الخروج من الأزمة المالية التي استنزفتها- فهي تنشغل بتعدد مزايا نظم المصرفية الإسلامية.
ولأن نظام المصرفية الإسلامية يهدف إلى تمويل السلع أو الأصول المحددة (مثل العقارات والمصانع وغيرها)، وليس إقراض المال للمضاربة في البورصات والأسواق المالية، فهو نظام اقتصادي صحيّ وأكثر احترامًا للنظم الأخلاقية، وبالأحرى أكثر استقرارًا من نظم المصرفية الغربية الرأسمالية، وبالتالي فإنه يشكل نوعًا من “الدروع” المضادة للأزمات المالية.
وحين وصلت الأزمة المالية إلى إمارة دبي حاول البعض القول بأن المصرفية الإسلامية قد تنطوي هي أيضًا على مصاعب، فهل كان ذلك تسرّعًا من الدول الأوروبية حين جرت وراء هذا القطاع الذي لا يمثل سوى حوالي 1٪ من المصرفية العالمية؟ هل كان مجرد تأثر بموضة عابرة؟ وهل كان مجرد وهم نسجته الدول الغربية؟
خبراء الاقتصاد المتخصصين في دراسة نظام المصرفية الإسلامية، الجديد من نوعه بالنسبة للغرب، يقرُّون بأن أزمة دبي جديرةٌ بالتأمل، ولكنهم يحذرون من الخلط والأحكام المتسرعة، يقول جيل سان مارك، الخبير في شركة جيد لوايريت نويل الفرنسية للاستشارات القانونية: “إن الأزمة الحالية في دبي ليست أزمة المصرفية الإسلامية، إنما هي انفجار فقاعة المضاربات الناتجة عن الإفراط في الاستدانة وإرساء بنية تحتية مُبالغ فيها في وقتٍ يمرّ فيه الاقتصاد العالمي بحالة من الضعف”.
ويؤكد مارك، رئيس “لجنة المصرفية الإسلامية” التابعة لمؤسسة “باري يوروبلاس” الفرنسية، أن “فوائد المالية الإسلامية لفرنسا لا يمكنها أن تتأثر من هذه الأزمة، ففرنسا في حاجة أكثر من أي وقت مضى لرءوس الأموال لتمويل نموها والحفاظ على فرص العمل بها”، مشددًا على أن المبادئ السديدة التي تقوم عليها المصرفية الإسلامية لا تزال قائمة لم تتغير على الرغم من أزمة دبي، وأهمها استنادها على الاقتصاد الحقيقي وتمتعها بالشفافية.
نظام بديل
من جانبهم؛ يعتقد خبراء الاقتصاد في فرنسا أن تأثير أزمة دبي مسألة نسبية، لأن الإمارة، من الناحية المالية، ليست مقرضًا محتملًا للاقتصاد الأوروبي، ولكن مقترض في الأسواق المالية.
وبعبارة أخرى: نعم سوف يتعرض سوق الصكوك في الإمارة إلى الاهتزاز إذا لم تسدّد دبي ديونها في مواعيدها، حتى لو أن قدرة “ضامنها” أبو ظبي على تسديد ديونها أمر لا شك فيه، إلا أنه لن تتأثر تلك الرؤية التي يُنظر بها إلى نظام المصرفية الإسلامية باعتباره نظامًا بديلًا يساعد على النمو الاقتصادي.
“إمارة دبي ليست وحدها التي تعاني من الإفراط في الاستدانة، فهناك أيضا أيسلندا واليونان” كما يقول أوليفيه باستريه، الأستاذ بجامعة باريس وأحد مؤلفي كتاب “المصرفية الإسلامية.. هل هي الحلّ للأزمة؟”، الذي يؤكد أن “على فرنسا اللحاق ببريطانيا، في سوق يبلغ 800 مليار دولارًا من الأصول، ستصل إلى 1200 مليار دولار خلال عشرة أعوام”.
هذا الرأي يؤيّده الكثير من النواب الفرنسيين، الذين يبحثون عن الأموال اللازمة لتمويل مشاريع البنية التحتية في سياق النقص الذي تعاني منه الميزانية المالية، ومن هؤلاء كريستيان سوتيه، نائب التنمية الاقتصادية والعمالة والجذب الدولي في بلدية باريس، الذي يؤكد بكل وضوح أن “المصرفية الإسلامية تأتي بمدخرات البلدان التي تمتلك موارد كبيرة وتبحث عن أماكن للاستثمار في حقبة ما بعد النفط، ونحن لدينا استثمارات لعرضها عليها في إطار خطتنا باريس 2020”.
وبالنسبة لسوتيه، الذي يمشي على خطى وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاجارد التي تشجّع العمل على تقنين نظام الاقتصاد الإسلامي في بلادها، فإن نمو المصرفية الإسلامية في باريس يمثل مسألةَ منافسة بين المراكز المالية.
من ناحيته؛ يشير إلياس جويني أستاذ المصرفية الإسلامية في جامعة باريس دوفين إلى ضرورة دراسة أزمة ديون دبي لما تكشفه عن نظام المصرفية الإسلامية، مضيفًا أن هذه الأزمة تدل على أن “مبدأ تقاسم الأرباح والخسائر بين المقرِض والمقترِض ليس كلامًا باطلًا”، وبالتالي، فإن المصارف التي موّلت دبي تعرضت للهشاشة، إلا أن جويني يُعرب مع ذلك عن اقتناعه بأن نظام المصرفية الإسلامية يسمح بتجنب الانحراف الذي أدى إلى وقوع الأزمة المالية في عام 2008.
بدوره؛ يعتقد لوران ويل، أستاذ المصرفية الإسلامية بكلية الإدارة في ستراسبورج، وهي أول كلية تدرس “الاقتصاد الإسلامي” في فرنسا، أن “قضية ديون دبي تكشف عن أن هذا النوع من المصرفية، الأكثر صلاحًا واحترامًا للأخلاقيات، يشتمل أيضًا على مخاطر، ولا ينبغي أخذه على اعتبار ما ليس هو عليه”.
المصدر: http://www.islamtoday.net/albasheer/artshow-15-123989.htm
أحدث التعليقات