الابتكار والتطوير في المنتجات المالية الإسلامية
بقلم: بشر محمد موفق
إن الناظر إلى الساحة الاقتصادية، يشاهد عقوداً كثيرة في القطاع المالي والمصرفي والتأمين وغيرها تستجد يوماً بعد يوم، وما المشتقات المالية في المصافق الغربية إلا نوعٌ من هذه العقود والتوليفات المالية المستحدثة، ولكل عقدٍ مزاياه وأضراره وأهدافه التي أنتجه من أجلها المنتج والمفكر المالي.
أما إذا انتقلنا إلى الساحة الاقتصادية الإسلامية، فإننا نلمح فيها تقعيداً وتأصيلاً للعقود وأشكالها وشروطها وأركانها، بل والشروط فيها ومفسداتها وغيرها من الجوانب المتعددة.
ولكن كثيراً ما نسمع في المجتمع عن بعض من ينكرون الأخذ بالعقود المالية والمصرفية والتأمينية المستجدة، فيدمغونها بدمغة التحريم، بدعوى عدم الجواز وعدم وجودها في عصر النبوة!!
إلا أن الممحص والباحث في الكتب الفقهية يجد التأصيل والتقعيد المفصَّل الذي تقدم مما يحيط العقود بمنظومةٍ من الأحكام الشرعية في شتى جوانبها.
وعلى ذلك نرى المجامع الفقهية والفقهاء المعاصرين يأخذون ما استجد من العقود والمسائل، ويضعونه تحت المجهر الفقهي، بُغْيَةَ التوصّل إلى الحكم الشرعي الصحيح، ولهم في ذلك أدواتهم الأصولية في استنباطهم الحكمَ الشرعي من علم أصول الفقه.
ولذا رأينا من سبقنا من الباحثين والمفكرين المتعددين يتكلمون عن تأسيس مصارفَ إسلاميةٍ، ومؤسسات مالية إسلامية تغني المجتمع المسلم عن الاقتراب من البنوك الربوية المحرمة، وحلموا بذلك كما في أدبياتهم.
ولكنا رأينا أحلامهم واقعاً في حياتنا، وما ذلك إلا بفضل المشرع الحكيم سبحانه والذي جعل دين الإسلام صالحاً لكل زمانٍ ومكان، ثم بفضل علمائنا المجتهدين الأفذاذ، الذين رأوْا أن التطوير والابتكار لا ينافي الأصالة الإسلامية والانتماء لهذه الدين العظيم، ولا يعني نبذَ الدواوين الفقهية الزاخرة.
بل رأينا من خلال اجتهاداتهم أن هذه الاجتهاداتِ والأحكامَ صورةٌ أخرى من صور الإعجاز التشريعي في دين الإسلام الخاتم..
بل إن النظَرَ في هذه المستجدات ما هو إلا إعمالٌ للتراث الفقهي والعلمي الغني بالتشريعات الربانية السامية، حتى منظومة الشروط -وتفصيل العلماء فيها- قد كفلت حق تطوير العقود وأشكالها وصورها ما لم تخالف مقتضيات العقود الأصلية وأحكامَها.
ثم رأينا صنفاً من المفكرين يبحثون عن الحيل لإباحة المعاملات التي اتسمت بالحرمة، فلجؤوا إلى الحيل دفعاً للحرمة وتحليلاً للمعاملات المختلفة، سواء ما وافق الضوابط الشرعية أو ما خالفها، فأدخلوا في الإباحة ما ليس فيها.
ولكن الناظر في كتب الفقه يرى أن الحيل نوعان:
حيلٌ لاستدفاع الحكم المحرَّم، وهذه باطلة لا يجوز الأخذ بها.
وحيلٌ لاستدفاع علة التحريم، وهذه التي سماها الفقهاء بالمخارج الشرعية.
وأمثلة ذلك كما يلي:
أما الحيل لدفع الحكم: فهي تُبقي الشيءَ المحرَّم على أصله وصفة وحرمته، كالربا: فقد تحايل عليها البعض فسموها فائدة. وظنوا أنهم بذلك قد أضفَوْا صبغةَ الإباحة على الربا المحرم والعياذ بالله تعالى.
وأما الحيل لاستدفاع علة التحريم، فهي التي تزيل وجهَ التحريم وجانب التحريم من هذا الشيء المحرَّم، كعقود التأمين:
إن مبناها على المغامرة والمقامرة في صورتها الوضعية المحرَّمة، ولكن حين كان البديل بأن نخرج التأمين من المقامرة إلى التكافل والتعاون، فإن علة التحريم قد انتفتْ وزالت من العقد الأصلي، وأوجدنا بدلها صورةَ التكافُل المقبول شرعاً بل والمندوب أيضاً.
ومن هذا وغيره نرى أن الابتكار والتطوير لا ينافيان أصالة شريعتنا الغراء ما دمنا متمسكين بثوابتنا وأصول تشريعنا.. والحمد لله على نعمة الإسلام.
أحدث التعليقات