المصارف الإسلامية.. الاندماج قبل الضياع
بقلم : أحمد حسين – الشارقة
أصبحت البنوك الإسلامية أمرًا واقعًا في الحياة المصرفية والدولية بعد أن شقت طريقها بصعوبة في بيئات مصرفية، بعيدة في أسسها وقواعدها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد التي تدار بها المصارف الإسلامية.
ومع ذلك نجحت البنوك الإسلامية – حسب بيانات صندوق النقد الدولي – في أن تنتشر في 48 بلدًا تمثل ثلث دول العالم الأعضاء في صندوق النقد، وأنها خرجت من نطاقها الطبيعي في أسواق الدول الإسلامية إلى أسواق الدول الأخرى، كما أشارت آخر إحصائيات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية عام 1998 إلى النمو السريع للمصارف الإسلامية خلال عقدين من الزمن، حيث كانت في نهاية السبعينيات خمسة بنوك فقط وصلت بنهاية عام 1998 إلى 176 مصرفًا بإجمالي أصول قدرها 176 مليار دولار، وإجمالي إيداعات أكثر من 112 مليار دولار، وحقوق مساهمين أكثر من 7 مليارات، وبمعدل نمو سنوي بلغ 15% سنويًّا.
عقد التحديات الضخمة
ومع أن عقد التسعينيات يعتبر الانطلاقة الدولية للبنوك الإسلامية فإنه يُعَدّ أيضًا عقد التحديات الضخمة التي تواجه كافة البنوك في العالم، غير أن نوعية التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية تبدو أكثر صعوبة؛ نظرًا لطبيعة البيئة المصرفية التي تعمل فيها، والتي تبدو متنافرة مع القواعد التي أقيمت عليها البنوك الإسلامية من حيث توافق عملياتها وأنشطتها مع روح الشريعة الإسلامية.. من هذا المنطلق بدا مؤتمر (المصارف الإسلامية.. اتجاهات المستقبل) الذي نظّمه معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية بالشارقة (11/4/2001) أكثر أهمية؛ لبحثه التحديات التي تواجه تلك المصارف في ضوء البيئات التي تعمل في نطاقها وتحرير تجارة الخدمات.
وطبقًا لرأي رئيس البنك الإسلامي للتنمية “د. أحمد علي” فإن البنوك نجحت في تعبئة مقدار كبير من الأموال في شكل مساهمات أو ودائع استثمارية، وتبلغ الأرصدة التي تقوم على إدارتها – حاليًا – 100 مليار دولار تنمو بمعدل 15% سنويًّا، كما استطاع العمل المصرفي الإسلامي أن يحقق تقدمًا ملموسًا كأسلوب من أساليب الوساطة المالية، وبدأت بعض البنوك في الآونة الأخيرة – بنوك عالمية متعددة الجنسيات في استخدام أساليب العمل الإسلامي، وهو ما يُعدّ أمرًا مشجعًا للمضي قدمًا في تطوير هذا المجال، خصوصًا وأن الوظائف المصرفية الإسلامية تتميز بملامح وسمات خاصة، منها:
1- المشاركة في المخاطر، والتركيز على الإنتاجية.
2 – يعمل البنك في إطار من القيم الأخلاقية المنبثقة من الإسلام، وتمويل اقتناء الأصول والسلع والخدمات بدلاً من بيع النقد بالنقد.
والحقيقة أنه على الرغم من الصورة المشرقة للعمل المصرفي الإسلامي، فإن هناك تحديات تعيشها المصارف تقتضي التعاون لمواجهتها، ومن هذه التحديات تلك المتعلقة بالنواحي القانونية، فقد وُضعت معظم قوانين التجارة والمصارف والشركات وفق النمط الغربي، وهي تحتوي أحكامًا لا تناسب أنشطة العمل الإسلامي، بل تحصره في حدود تقيد انطلاقه.
وفي حين تستطيع الأطراف المعنية وضع اتفاقياتها على أسس عقد إسلامي، إلا أن تنفيذ هذه الاتفاقيات في المحاكم يتطلب جهودًا وتكاليف إضافية.
ومن النواحي الإشرافية على البنوك الإسلامية فإنه في الوقت الراهن لا يوجد إطار إشرافي في كثير من الدول – يتناسب مع طبيعة العمل المالي الإسلامي – مما يشكل عائقًا أمام نمو وتقدم المصارف.
* وفي النواحي التشغيلية هناك العديد من الأمور السلبية، منها:
1 – إلزام البنوك الإسلامية بالاحتفاظ بنسبة من ودائعها لدى البنوك المركزية التي يدفع كثير منها فائدة على هذه الودائع، وهو ما لا يتفق مع منهجها.
2- تقوم البنوك المركزية بوظيفة المقرض الأخير للبنوك، ورغم أن البنوك الإسلامية في حاجة ماسة للتمتع بهذه الميزة التي تتوفر لغيرها من البنوك، فإنها لا تستطيع شرعًا الاستفادة من تسهيلات البنوك المركزية؛ لأنها تقدم على أساس ربوي.
3– تعاني معظم البنوك من ظاهرة صغر حجم رؤوس أموالها، مما يحدّ من انطلاقها لمواكبة الصناعة المصرفية المتقدمة، ويحدّ من قدرتها على الوفاء بحاجات المتعاملين معها، وهي بذلك تعرض نفسها لمصاعب جمّة قد تؤدي إلى خروجها من السوق في ظل المنافسة المتزايدة.
4- تواجه البنوك تحديًا هامًّا يتعلق بطبيعة الودائع التي تستثمرها لصالح المودعين، فهي ذات آجال قصيرة، في حين أن تمويل المشاريع في حاجة إلى أموال ذات آجال طويلة، مما ينتج عنه صعوبات بالغة للمواءمة بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل.
وأدت هذه التحديات والمصاعب التي تواجه البنوك الإسلامية إلى تعرض العديد منها لأزمات ومشكلات عملية، خصوصًا في الوقت الذي تعرضت فيه الاقتصاديات الآسيوية لانهيارات، غير أن العديد من البنوك الإسلامية لم تتعرض للانهيار بعكس بنوك عديدة أخرى، مثل بنك معاملات إندونيسيا الإسلامي الذي تدخل البنك الإسلامي للتنمية لإعادة هيكلته.
مقترحات للمواجهة
من هذا المنطلق – وكما يرى رئيس البنك الإسلامي للتنمية – يتعين على البنوك الإسلامية مواجهة هذه التحديات من خلال العديد من الخطوات الهامة، أبرزها:
– تضافر الجهود لوضع قوانين خاصة لممارسة العمل المصرفي الإسلامي.
– تنظيم الصناعة المصرفية والإشراف عليها، وضمان سلامة نظام التمويل وتحسين سياسة الرقابة المصرفية.
– التمويل على المدى البعيد من خلال سندات وأسهم طويلة الأجل، وبما أن البنوك الإسلامية لا تتعامل في السندات ذات الفائدة فإن حاجتها لأسواق الأسهم تكون كبيرة، الأمر الذي يفرض على البنوك الإسلامية إعداد نفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية.
– شجّع تطور النظام المصرفي الإسلامي العديد من البنوك على دخول السوق، وفي حين يمثل هذا اعترافًا بجدوى النظام إلا أنه يفرض المنافسة، وقد يجبر بعض البنوك على الخروج من السوق.
مخاطر العولمة على المصارف
تلقى العولمة الاقتصادية والمالية بمتغيراتها على الصناعة المصرفية سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، الأمر الذي يتعين على البنوك مواجهة مثل هذه المتغيرات، وفي حين يرى رئيس البنك الإسلامي للتنمية د. “أحمد علي” أن العولمة سوف تتيح فرصًا للبنوك لزيادة استخدام الصيغ التمويلية الإسلامية، وفتح المزيد من الفروع في البلدان الأخرى، شريطة إعادة هيكلتها وزيادة رؤوس أموالها وتنفيذ خطة محكمة للاندماج الذي يحقق لها مزيدًا من الكفاءة والتطوير والمنافسة وتحسين نوعية خدماتها وتطوير مشاريعها، ويجري بنك التنمية الإسلامي حاليًا دراسة لإمكانية اندماج المؤسسات المالية الإسلامية في منطقة الخليج باعتبارها تضم أكبر تجمع للعمل المصرفي الإسلامي.
الرئيس التنفيذي السابق لبنك شامل البحريني “نبيل نصيف” يتوقع سقوط الحواجز والقيود بالنسبة للصناعة المصرفية بنهاية 2010، ويعتبر السوق المحلية جزءاً من السوق العالمية والتي يمكن لأي مصرف دخولها وتقديم خدماته فيها؛ لذلك يجب على البنوك الإسلامية الاستعداد الفوري لهذا التحدي الكبير.
والسؤال هنا: هل تمتلك المصارف الإسلامية القدرة على مواكبة الصناعة المصرفية العالمية ومواجهة المنافسة من ناحية تطوير أنظمتها وجودة خدماتها ومنتجاتها، وعلى الأخص إصدار الصكوك المالية التي تساعد في حل مشكلة إدارة السيولة، وتضمن موارد للدولة، وتحديث أجهزة اتصالاتها وأنظمة تشغيلها، الأمر الذي سيعيق استمرارها إن لم تكن لديها الإمكانيات المالية والفنية لمجاراة السوق المالية؟!!
* وتفرض مواجهة تحديات العولمة على البنوك الإسلامية الكثير من القضايا الهامة، منها:
1- الدمج لتحقيق هدف الحجم الأمثل الذي يستطيع التنافس في عصر العولمة.
2- تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة الدولية، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، والتقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يضم في عضويته الجهات الرقابية المحلية والدولية.
المرجع
http://www.islamonline.net/arabic/economics/2001/04/article12.shtml
أحدث التعليقات