نظرية القيمة – عبد اللطيف أطلوبة

 عبد اللطيف أطلوبة

لم يتجادل الاقتصاديون والمفكرون عبر التاريخ عبر تاريخ التفكير الاقتصادي حول أي من المفاهيم المرتبطة بالعلم الاقتصاد أكثر من تجادلهم حول مفهوم القيمة . ذلك أن هذا المفهوم يرتبط بالعلوم الأخرى كالفلسفة وعلم الاجتماع والقانون . بل إن مفهوم القيمة وما يتعلق بها رتب ظهور مذاهب مختلفة في الاقتصاد ارتبط خلالها بنظرتها إلى مفهوم القيمة وكيفية تمديدها .
يقصد بالقيمة مقدار ما تساويه كل سلعة مقارنة بالسلع الأخرى . أي النسب التي يتم على أساسها مبادلة هذه السلع بعضها ببعض ولهذا نجد أن نظرية القيمة نتجت أساسا من حاجة الإنسان إلى مبادلة ما لديه بما لدى الآخرين ، وهى حاجة إنسانية ضرورية بسبب حاجة الفرد إلى سلع وخدمات في حياته اليومية يعجز بقدرته الذاتية عن إنتاجها بينما يزيد ما ينتجه عن حاجته فيلجأ إلى مبادلة ما لديه بما لدى غيره وهو تصرف إنساني اقتصادي ظهر بظهور المجتمع المدني لدى بني البشر منذ آلاف السنين لتطور نظرية القيمة .
تطور نظرية القيمـــــــة : ـ
تحدث المفكرون عن القيمة منذ أن بدأ التفكير الفلسفي البشري ، وأول ما وصلنا عن الأفكار والنظريات في تحديد القيمة كان في عصر اليونان ، فقد توصل أرسطو إلى التفريق بين القيمة الاستعمالية للمادة وهى ما اصطلح عليه فيما بعد بالمنفعة ، والقيمة التبادلية لها وهى ما يحدده لها السوق أي السعر وهذا التفريق في حد ذاته يعتبر تقدماً مهماً في نظرية القيمة في ذلك الوقت .
وقد استمر التفريق بين القيمتين حتى وقتنا الحالي ، فبقيت قيمة الاستعمال معبراً عنها بما عرفه في الاقتصاد باسم المنفعة أو الإشباع ، وأضيفت لفكرة قيمة المبادلة محدداً قياسياً هو عدد ساعات العمل المبذولة في إنتاج هذه السلعة كمعيار لمبادلتها بغيرها من السلع في السوق أي أن السلعة، أي سلعة تساوي في السوق عدد ما بذل في إنتاجها من ساعات عمل .
ثم أضافت النظريات اللاحقة إلى عنصر العمل بقيمة تكاليف الإنتاج كمحدد لقيمة أي سلعة فأصبحت التكاليف الإجمالية للإنتاج هي محدد القيمة التبادلية أو السعر للسلعة .
إلا أن أكثر من تحدث عن القيمة وتأثيراتها في مختلف النظريات الاقتصادية كان كارل ماركس من خلال نظريته في فائض القيمة والتي تبناها على الأساس السابق وهو أن قيمة السلعة تتحدد بعدد ساعات العمل المبذولة في إنتاجها ، واعتبر ماركس إضافة لذلك أن عنصر العمل أيضاً هو سلعة مثل أي سلعة أخرى ، وبالتالي تتحدد قيمته بعد ساعات العمل اللازم لإنتاج عامل يعمل 8 ساعات عمل مثلاً ، وتشمل قيمة المواد الغذائية اللازمة للمحافظة على حياة واستمرار عمل هذا العامل .
وأضاف أيضا أن أصحاب الأعمال يقومون بتشغيل العمال لساعات أطول من عدد الساعات المدفوعة عنها الأجر ، فهم يدفعون أجر 8 ساعات مثلاً ولكنهم دائماً يحاولون الحصول على إنتاج من العمال يفوق هذه الساعات وبذلك يحصلون على فرق أرباح من بيع إنتاج العمال سماه ماركس بالتراكم الرأسمالي الذي يجعل الرأسماليون يراكمون أرباحهم بشكل متواصـــــل .
وتعرض مفهوم القيمة للكثير من الجدل والتحليل في القرن التاسع عشر الذي اتسم بظهور الكثير من الاقتصاديين الذين تركوا بصماتهم على تاريخ التفكير الاقتصادي . وأضافت المدرسة الحدية في أواخر القرن التاسع عشر تحليلات مهمة لمفهوم قيمة الاستعمال في ما يعرف باسم المنفعة الحدية لاستخدام السلع وهى مبنية على أن السلعة عند استعمالها من قبل أي فرد لابد أن تنشأ عنها له قيمة وتتحدد هذه القيمة بما يحصل عليه منها من منفعة وتختلف هذه المنفعة من فرد لآخر .
كما أنها تختلف باختلاف الكمية المستخدمة من السلعة نفسها ، فكلما استهلك أو استخدم الفرد وحدات إضافية من السلعة كلما تناقصت المنفعة المتحصلة منها وهو ما يعرف في الاقتصاد بنظرية المنفعة الحدية للسلعة أي المنفعة المتحصلة من استهلاك الوحدة الأخيرة من السلعة . فمثلاً كوب الشاي الأول يعني لمستهلكه قيمة معينة إلا أنه كلما استهلك كوبا آخر كلما تناقصت المنفعة المتحصلة منه وبالتالي تقل الرغبة في الحصول على كوب آخر منه . وهذا ما يحدد قيمة السلعة التبادلية أي أن القيمة الاستعمالية للسلعة تحدد القيمة التبادلية لها وبهذه الطريقة تمكنوا من حل لغز قيمة الكثير من السلع وأهمها لغز قيمة الماء والماس ، إذ أن الماء سلعة ضرورية أي أن قيمتها التبادلية أو سعرها في السوق يجب أن يكون كبيراً والعكس من ذلك الماس سلعة غير أساسية للحياة وبالتالي يجب أن تكون قيمته التبادلية أو سعره منخفضاً ولكن الواقع غير ذلك ، وهذا ما فسره أصحاب هذا المذهب بالمنفعة الجدية للسلعة أي منفعة الوحدة الأخيرة . والسبب في ذلك حسب تحليل المدرسة الحدية هو أن الماء بمجرد الحصول على وحدة واحدة منه يفقد قيمته أي أن الفرد يصل إلى الإشباع منه بسرعة ولذا فسعر الوحدة التالية منه تنخفض بسرعة فينخفض سعره بالتالي ، والعكس يحصل لسلعة الماس التي لا يشعر الفرد بالتشبع أو الإشباع من امتلاك وحدات إضافية منه وبالتالي تبقى منفعته الحدية عالية وكذلك سعره بناء على ذلك .
ومع هذا لا تزال قضية القيمة محل جدل واسع بين الاقتصاديين كما قلنا في أول الحلقة بسبب ارتباط هذا المفهوم بالأساس الايدولوجي للمفكر أو المنظّر والأساس الفكري الذي ينطلق منـــــه .

المصدر: http://www.jolyana.com/veiwpage.aspx?sf=1508