انبثقت منظومة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، بفضل الله، ثم بفضل جهود عديد من المخلصين لتحقق الوجود العملي للاقتصاد الإسلامي وتكون إحدى أدواته الفاعلة، ورغم أن عمر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يعد يسيراً مقارنة بالعمر الزمني للنظام المصرفي التقليدي في العالم، إلا أن الخطى التي سارت عليها المصرفية الإسلامية كانت سببا، بعد الله، في نجاحها بشكل كبير لم يتوقعه من قام عليها، فضلا عمن حاربها وتربص بها.
مما لا يخفى أن من أهم أهداف القائمين على المصرفية والتمويل الإسلامي هو الارتقاء بها من خلال التركيز على الابتكار والتميز في كل ما تقدمه بما في ذلك تطوير منتجات وخدمات متكاملة ومنسجمة بشكل كامل مع أحكام ومبادئ، بل ومقاصد الشريعة، وفي سبيل ذلك تواجه المصرفية الإسلامية عديدا من التحديات قد تفوق ما تواجهه المصرفية التقليدية، وذلك مع الأسف لطبيعة الأنظمة المعمول بها في أغلب الدول حتى الإسلامية.
وحول هذا الموضوع تحدثت عديد من الدراسات ورصدت التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية عالميا، وفي مقدمتها قلة علماء الشريعة المؤهلين والذين يجمعون بين الفهم العميق للشريعة وإدراك طريقة ومتطلبات العمل البنكي، كما يعد عدم وجود سوق مصرفية أو مالية إسلامية منظمة بشكل كاف يساعد البنوك الإسلامية على التعبئة والاستخدام الأمثل لمواردها أحد أبرز المعوقات، خاصة أن معظم هذه البنوك يعاني مشكلة نقص فرص التوظيف ونمو فوائض السيولة، ولعل من أهم المعوقات إلزام البنوك الإسلامية من جانب السلطات المصرفية في بعض الدول بعمليات ربما لا تتفق مع أساس عملها، مثل إلزامها بالاحتفاظ بنسبة من ودائعها في البنوك المركزية ويتم دفع فائدة عنها، وهو الأمر الذي لا يتفق مع منهج هذه البنوك، إضافة إلى نقص التشريعات والخبرات المحلية والقواعد التنظيمية، فضلا عن نقص الموارد البشرية القادرة على قيادة التمويل الإسلامي، ما يمثل عائقا أمام قدرة واستمرار البنوك الإسلامية.
في مقال سابق كنت قد تحدثت عن المعوقات، ولعلي في هذا المقال أركز على أبرز الأمور المطلوبة لتطوير الأداء، ويأتي في مقدمتها تصميم الإطار التنظيمي والرقابي والمزيد من التعاون المكثف والمتطور بين السلطات والأجهزة الرقابية والمؤسسات المالية في السوق، إضافة إلى ضرورة قيام الحكومات بدور حيوي في مجال تأمين البنية التحتية الأساسية، التي يفتقر إليها قطاع المصرفية الإسلامية، إلى جانب منح الحكومات، خاصة في البلدان الإسلامية، المزيد من الدعم لتعزيز انتشار الخدمات المالية الإسلامية.
إن المؤسسات المالية الإسلامية تستطيع تحسين أدائها عن طريق الاستفادة من الأفكار والتقنيات والخبرة المطورة خارج الصناعة المصرفية، وذلك بإقامة شبكات جادة مع الجامعات ومراكز الأبحاث للاستفادة من إمكاناتها، خاصة في مجال الهندسة المالية الإسلامية. كما يجب على المصرفية الإسلامية التوسع في طرح وابتكار المزيد من المنتجات المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة، وذلك لاستيعاب السيولة الكبيرة المتوافرة لديها، إلى جانب ضرورة معالجة عديد من الصعوبات والمشكلات التنظيمية والتشريعية الخاصة بعمل البنوك الإسلامية من أجل توفير المناخ الملائم لنمو هذا القطاع. من النقاط الأساسية التي يجب أن نوليها اهتماما كبيرا تدريب وتأهيل الكوادر البشرية على تولي المناصب القيادية لإعداد جيل من الكفاءات من أجل تنمية رأس المال البشري في التمويل الإسلامي العالمي، ما يساعد على الابتكار والإبداع وتأمين استمرار التنافسية السوقية لمواجهة التحديات التي تعترض صناعة الخدمات المالية الإسلامية، كما أن توسع المصارف الإسلامية عبر الحدود، يساعد على تقليل المخاطر وتوفير فرص جديدة لها ويؤدي إلى تطوير واستقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية.
في الختام يجب ألا تغفل البنوك الإسلامية توعية عملائها وشرح كيفية وضوابط العمل المصرفي الإسلامي لهم حتى يكون المتعامل معها على بصيرة ومدركا لماهية منتجات التمويل الإسلامية، كما ينبغي على البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية العمل على الاندماج المصرفي، والتوجه نحو التكتل والتكامل فيما بينها لخلق تجمعات مصرفية ذات حجم أكبر وقاعدة أوسع على المستويين المحلي والدولي، إلى جانب تضافر الجهود لوضع قوانين خاصة بممارسة العمل المصرفي الإسلامي، وتنظيم الصناعة المصرفية، وضمان سلامة النظام التمويلي. وسيأتي، بإذن الله، اليوم الذي نرى فيه النظام المالي الإسلامي نظاما عالميا يتعامل به جميع الناس، والأمل معقود بالله ثم القائمين على هذه المصرفية الإسلامية.
المصدر: http://www.aleqt.com/2009/12/05/article_311189.html
أحدث التعليقات