نقطة ضوء حول المرأة والعمل التطوعي وسيلة الحلبي |
للمرأة أياد بيضاء كثيرة في الأعمال التطوعية الخيرية.. وإن التطوع هو ما تبرع به الإنسان من ذات نفسه، قال تعالى: { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}، والمتطوعون هم أشخاص نذروا أنفسهم لمساعدة الآخرين بطبعهم واختيارهم؛ بهدف خدمة المجتمع الذي يعيشون فيه. والتطوع كعمل خيري هو وسيلة لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس، ويقوي الرغبة بالحياة والثقة بالمستقبل عند من يتطوع، حتى أنه يمكن استخدام العمل التطوعي لمعالجة الأفراد المصابين بالاكتئاب والضيق النفسي والملل؛ لأن التطوع في أعمال خيرية للمجتمع يساعد هؤلاء المرضى على تجاوز محنتهم الشخصية والتسامي نحو خير يمس محيط الشخص وعلاقته، ليشعروا بأهميتهم ودورهم في تقدم المجتمع الذي يعيشون فيه؛ ما يعطيهم الأمل بحياة جديدة أسعد حالا.
وديننا الإسلامي يحثنا على العمل التطوعي ويثني على من يُسَخِّر نفسه لخدمة الآخرين ورسم الابتسامة على وجوههم والأخذ بأيديهم نحو طريق الصلاح والسداد، وهو ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتآلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم (كالجسد الواحد). والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن نعتني بها كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها تدعو إلى عمل الخير والبذل في سبيل الله سواء بالمال أو الجهد أو القول أو العمل.
فكل إنسان ذكراً كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقا من قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال عليه الصلاة والسلام (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار)، ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، ويقول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، كل هذه النصوص، وغيرها الكثير، الهدف منها جعل المسلمين جميعاً ذكوراً وإناثاً يشعرون بروح الجماعة الواحدة المرتبطة ببعضها البعض مادياً ومعنوياً.
فأشكال العمل التطوعي كثيرة ومتعددة، ويمكن أن نميز بين شكلين من أشكال العمل التطوعي:
– الشكل الأول: السلوك التطوعي: ويقصد به مجموعة من التصرفات التي يمارسها الفرد، وتنطبق عليها شروط العمل التطوعي، ولكنها تأتي استجابة لظرف طارئ، أو لموقف إنساني أو أخلاقي محدد، مثال ذلك أن يندفع المرء لإنقاذ غريق يشرف على الهلاك، أو إسعاف جريح بحالة خطر إثر حادث ألمَّ به.. وهذا عمل نبيل لا يقوم به للأسف إلا القلة اليوم. في هذه الظروف يقدم المرء على ممارسات وتصرفات لغايات إنسانية أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، ولا يتوقع الفاعل منها أي مردود مادي.
– الشكل الثاني: الفعل التطوعي: وهو الذي لا يأتي استجابة لظرف طارئ بل يأتي نتيجة تدبر وتفكر.. مثال: الإيمان بفكرة تنظيم الأسرة وحقوق الطفل بأسرة مستقرة وآمنة، فهذا الشخص يتطوع للحديث عن فكرته في كل مجال وكل جلسة، ولا ينتظر إعلان محاضرة ليقول رأيه بذلك، ويطبق ذلك على عائلته ومحيطه.
أما أنواع العمل التطوعي فأتحدث في هذه العجالة عن نوعين هما:
– العمل التطوعي الفردي: وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة، ولا يبغي منه أي مردود مادي، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية.. في مجال محو الأمية – مثلا – قد يقوم فرد بتعليم مجموعة من الأفراد القراءة والكتابة ممن يعرفهم، أو يتبرع بالمال لجمعية تعنى بتعليم الأميين.
– العمل التطوعي المؤسسي: وهو أكثر تقدما من العمل التطوعي الفردي وأكثر تنظيماً، وأوسع تأثيراً في المجتمع. في الوطن العربي توجد مؤسسات متعددة وجمعيات أهلية تساهم في أعمال تطوعية كبيرة لخدمة المجتمع، فجمعية تنظيم الأسرة على سبيل المثال هي من الجمعيات التي تهتم بقضايا اجتماعية متعددة للتنمية الاجتماعية من مكافحة المخدرات إلى صحة الأسرة، وصحة الأم إلى المساهمة في دراسة وحل مشكلات الشباب وتجنيبهم المشكلات الصحية الخطرة أو الانحرافية المضرة بالمجتمع.
أما عن دور المرأة في العمل التطوعي فلا بد أن ألقي الضوء على هذا الدور الكبير؛ فللمرأة دور كبير في العمل التطوعي وهو أن تبذل شيئا من جهودها ووقتها بإرادتها في منفعة الآخرين وتقديم الخدمة لهم، ومن أهم الأعمال التي تستطيع المرأة في وقتنا الحاضر القيام بها، المشاركة في الجمعيات الخيرية التطوعية، ومن أهم النشاطات التي تقوم بها هذه الجمعيات هي النشاطات الاجتماعية المتنوعة الكثيرة والعظيمة، وأهمها تقصي أحوال الأسر والأفراد ذوي الحاجة وتقديم المساعدات لهم، والمشاركة في الأسواق والأطباق الخيرية التي يستفاد من ريعها في تموين المشاريع الخيرية.. أما إذا كانت المرأة من ذوات المؤهلات العلمية المتخصصة فيمكنها المشاركة في إقامة محاضرات ودروس توعوية للمرأة في كل المجالات، ولا بد لكل متطوعة للعمل الخيري من الاتصاف بصفات عدة منها:
– إخلاص العمل لله وحده.
– الإيثار.
– حُسن التعامل مع الآخرين؛ لأن العمل التطوعي يتطلب منها التواصل مع الآخرين.
ولن ينجح العمل إذا كان صاحبه عبوسا وفظّاً في تعامله معهم.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
ما الذي يجب أن نعمله لكي نزيد من العمل التطوعي؟ وأجيب عنه بقولي: النظر إلى أهمية تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة، وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في نفوس الأطفال منذ المراحل المبكرة، وأن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي، ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية؛ ما يثبت هذه القيمة في نفوس الشباب مثل حملات تنظيف محيط المدرسة أو العناية بأشجار المدرسة أو خدمة البيئة، ودعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي ماديا ومعنويا بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها، وإقامة دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئات والمؤسسات التطوعية؛ ما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، وكذلك الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، والتركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج، ومطالبة وسائل الإعلام المختلفة بدور أكثر تأثيراً في تعريف أفراد المجتمع بماهية العمل التطوعي ومدى حاجة المجتمع إليه وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية التنمية، وكذلك إبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم الاحترام الذاتي واحترام الآخرين، وتدعيم جهود الباحثين لإجراء المزيد من الدراسات والبحوث العلمية حول العمل الاجتماعي التطوعي؛ ما يسهم في تحسين واقع العمل الاجتماعي بشكل عام، والعمل التطوعي بشكل خاص، واستخدام العمل التطوعي في المعالجة النفسية والصحية والسلوكية لبعض المتعاطين للمخدرات والمدمنين أو العاطلين أو المنحرفين اجتماعيا، واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية وإعطاء بيانات دقيقة عن حجم واتجاهات وحاجات العمل التطوعي الأهم للمجتمع.
وفي النهاية إن للعمل الاجتماعي التطوعي فوائد تعود على الفرد المتطوع نفسه وعلى المجتمع بأكمله، وتؤدي إلى استغلال أمثل لطاقات الأفراد وخاصة الشباب في مجالات غنية ومثمرة لمصلحة التنمية الاجتماعية.
لحظة دفء:
العمل التطوعي نبراس في جبين الأمم، فلننادِ به لنكون يداً واحداً في تحويل الحزن إلى فرح والدمعة إلى ابتسامة.
أحدث التعليقات