طريقة تشجير العلوم الشرعية

طريقة تشجير العلوم الشرعية ..

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وصلاة وسلاماً إلى أزواجه المطهرين ، وأصحابه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..

أما بعد :
فهذا شرح لطريقة تشجير العلوم الشرعية ، وهي مما استفدته من شيخي ووالدي العلامة الأستاذ الدكتور محمد رواس قلعه جي حفظه الله تعالى ، فهو ليس من قبلي ولا من ابتكاري ، والله تعالى هو صاحب الفضل أولاً ، ثم شيخي حفظه الله ثانياً .

والتشجير هو : أن يتم حصر ما في باب ما من أبواب الشريعة وجمع مسائله ثم وضع عنوان خاص بكل جملة من هذه المسائل ضمن نظرية هذا الباب ، ثم ترسم على شكل شجرة يتفرع منها مسائل وعناوين لمادة التشجير ، وذلك ليقرب إلى الفهم ويسهل حفظه لمن يريد عدم الرجوع إلى المطولات من الكتب في هذه الباب .

وبداية لابد أن يكون طالب العلم الذي يريد تشجير شيء من علوم الشريعة أن يكون ملماً في نوع العلم الذي يريد تشجيره ، ويكون إلماماً عاماً وفهماً دقيقاً ليمكن تشجير ما أراد .

وهذا الأمر يسميه أهل العلم اليوم ( نظرية ) كنظرية العقد ، أو نظرية الحق ، أو نظرية الملك ، ونحو هذه النظريات ، وللإفادة في هذا الباب فعليكم بكتاب ( الفقه الإسلامي وأدلته ) لوهبه الزحيلي ، فإنه نافع في هذا الباب ، ويمكن استخراج النظرية ثم وضع عناوينها الرئيسة في ورقة لتفهم ما في النظرية .

فمثلاً ..
نظرية العقد لا بد أن يكون فيها : التعريف ، والأنواع أو الأقسام ، والشروط ، والأركان ، وغيرها من مسائل تضبط هذا العقد .

ولا أظن أن من لم يضبط النظرية التي يريد تشجيرها سيستطيع التشجير بلا مشقة ، لأن التشجير قائم على هذه النظرية ، فمن أحسن ضبطها أو فهمها أمكنه أن يشجر ما يشاء في هذا الباب .
فالتشجير هو نظرية مقلوبة الشكل لتسيهل حفظها وضبطها ، فمن لم يعرف النظرية لن يستطيع أن يضبط تشجيرها هكذا أظن .

ولعل الله يسهل شرح النظريات هذه في وقت قريب إن شاء الله تعالى .
وعمدة القول فيها : أن كل شيء إذا أردت الكلام عليه فلا يخلو من وجوه :

الوجه الأول : تعريف الشيء .
الوجه الثاني : أنواع وأقسام الشيء .
الوجه الثالث : أركان وشروط الشيء .
الوجه الرابع : مبطلات الشيء .
الوجه الخامس : أثر ولوازم الشيء .
الوجه السادس : حصول الاختلاف في الشيء إذا كان عقداً بين طرفين .
الوجه السابع : حكم الشيء .
الوجه الثامن : مشروعية الشيء .

وقد يزيد بعضهم على هذا ، ولا بأس بذلك ، لأن غرضي هو التسهيل لا استقصاء كل هذه الوجوه .

ولندخل في موضوعنا وهو التشجير ..

فإذا أردنا تشجير في مادة الفقه وفي باب معين منه ، فلا بد أن يكون عندك الكتاب الذي تريد استخراج تشجير منه ، أو يكون عندك أكثر من كتاب تعتمده في التشجير إن كنت تريد إخراج أكثر من قول واحد .
فإذا أردت أن تخرج قول مجتهدين معينين كالإمام أحمد بن حنبل ، أو الإمام الشافعي ، والإمام مالك ، والإمام أبي حنيفة ، والإمام داود أو ابن حزم ، أو الإمام سفيان الثوري ، أو الإمام إسحاق بن راهويه وغيرهم من أهل الاجتهاد فعليك بالكتب التي تذكر قولهم في هذا الباب المراد تشجيره .
وسأقوم بالعمل معكم مع الشرح لتتضح الطريقة وتسهل لمن طلبها ، وسأعرضها على خطوات تعين من لم يضبط النظرية ضبطاً تاماً كذلك .

خطوات العمل تكون كالتالي ..

أولا ..
تحديد الباب الذي تريد تشجيره ..

سواء كان في الفقه أو اللغة أو الحديث أو غيره ..
ونحن سنختار مثلاً عقد البيع وباب الطهارة عند الإمام ابن حزم فقط ..
حتى لا نتشتت في البحث ..

ثانياً ..
تحديد مصادر التشجير لهذا الباب وتجهيزها ..

فتحدد الكتب المراد أخذ أقوال المجتهدين منها ..

ونحن سنختار مثلاً : المحلى ..
أو الإحكام ، ومراتب الإجماع ، والفصل ، والنبذ ، والتلخيص لوجوه التخليص وغيرها من كتب الإمام .

ثالثاً ..
بدأ الجمع لقول مجتهد واحد فقط ..

فتقرأ الكتاب ثم تجمع قول هذا المجتهد ولا تخلطه بغيره ..
ونحن سنختار الآن على سبيل المثال الإمام ابن حزم الظاهري ..
ونطبق ذلك أيضاً إن كان جمعنا لأكثر من إمام ..
بحيث يكون كل جمع منفرداً عن غيره ..

رابعاً ..
وضع عناوين رئيسة لكل مسألة جمعتها لهذا المجتهد بحيث تميزها عن غيرها ..

فإذا ورد لديك نص لإمام ما فاقرأ النص جيداً وانظر هل هو في تعريف أو في تحديد أقسام لهذا النوع ، أو لتحديد شروط ، أو أركان ، أو مبطلات ، أو غيرها من عناوين للنظرية ..

فإن كنت لا تعرف النظرية معرفة تامة فيمكنك السير على الوجوه التي ذكرتها آنفاً ..
أو تضع لها ما تراه من عنوان إن لم تستطع فهم ما تندرج تحته هذه النصوص ..
ويكون وضع مبدئي فقط لحين الانتهاء من العمل فتغير العناوين وفق التسمية الصحيحة ..
ويعينك الرجوع إلى كتب أخرى في الفقه لتفهم العنوان الذي تندرج تحته هذه المسائل ..

خامساً ..
محاولة فهم النص والفقرة وتحديد موضعها ..

فتحاول قدر ما تستطيع فهم هذه النصوص وأن تدخلها تحت عنوانها في النظرية نفسها ..
أو بحسب ما تراه مناسباً مما يكون مميزاً عن غيره ..
لأن الغرض من التشجير ضم المتشابه من المسائل مع بعضها وإفرادها بعنوان يجمعها كلها ..

فمثلاً الطهارة ليس فيها نظرية معروفة ..
فيجتهد كل طرف في وضع عناوين رئيسة عند التشجير ..

فالشيخ قلعه جي حفظه الله وضع عناوناً لمسألة الآنية التي يتكلم عليها الفقهاء في باب الطهارة ..
فوضع العنوان هكذا ( أدوات الطهارة ) أي الأدوات التي تستخدمها في الطهارة ..
ويأتي غيره فيقول ( وسائل الطهارة ) أي الوسائل التي يمكن استخدامها للتطهر وهو بعيد نوعاً ما ..
لأنه يناسب الأشياء التي يحصل منها التطهر لا الأشياء المستخدمة في عملية التطهر ..
وهكذا كل ناظر يضع ما يجده أقرب للفهم ويميزه عن غيره في نفس الباب ..

سادساً ..
وضع ورسم التشجير لهذا العقد والباب الذي فرغنا منه .

وهنا تبدأ بالرسم بقلمك على ورقة فتضع العنوان الرئيس للموضوع في أعلاه ثم يتفرع منه ما تحت من مسائل .

سابعاً ..
إن كان هناك جمع لأكثر من مجتهد فتتبع نفس الخطوات السابقة ..

ثامناً ..
ضم كل قول متشابه للأئمة مع بعضه البعض ..

بحيث يكون في التعريف مثلاً إذا وافق عليه ثلاثة من الأئمة تقرير الثلاثة فتقول بعد أن ترمز لكل إمام منهم برمز أو باسمه فأنت بالخيار ..

حز حن مك : البيع هو كذا وكذا ..
وحز اختصار لابن حزم ، وحن اختصار لأبي حنيفة ، ومك اختصار لمالك .
وهذه أنت حر في رسمها ووضعها ولو شئت وضعتها بالاسم لكان أفضل برأيي .
لكن يغلب على شيخي الحبيب أنه يضع الاختصار للاسم لئلا يطول التشجير بتعداد الأسماء .
فهذه تنفع صاحبها فقط أما إذا نشرت فالعزو بالحروف المختصرة سيكون شاقاً على من لم يحفظ هذه الحروف ..

تاسعاً ..
فصل الأقوال التي اختلفوا فيها في العنوان مثلاً أو الأقسام وهكذا في كل جزء من البحث ..

حتى تجعل التعريف الذي اختلفوا فيه يخرج منه فرع لكل قول ..

عاشراً ..
مراجعة عناوين التشجير لتثيبت العنوان الصحيح وتغيير الخطأ ..

 المصدر: http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=689