منظمة التجارة العالمية والعولمة الاقتصادية – د . محمد بن سعود العصيمي
د . محمد بن سعود العصيمي [*]
تمثل التجارة الدولية العصب المركزي لاقتصاديات دول العالم . ومع هذه
الأهمية ، فقد مرت النظرية الاقتصادية التي تعنى بدراسة التجارة الدولية بمراحل
تطورت من خلالها ، بدءاً بالنظريات التي كانت ترى الاكتفاء الذاتي لكل بلد أمراً
ممكناً . بل مرغوباً فيه من الناحية الاقتصادية ؛ وعليه فلا داعي للتجارة الدولية ؛
وهو ما يستدعي فرض قيود عليها . ووصولاً إلى النظريات الحديثة التي ترى
التوسع في التجارة البينية بين دول العالم ، وأنها تزيد من رفاه العالم والدول
المشاركة فيها على حد سواء ؛ فلا بد من تحريرها من القيود .
وتاريخياً ، وبناءً على الواقع السياسي والحربي لدول العالم ، كانت التجارة
الدولية تمر بموجات من المد والجزر في مجال الحمائية ( ويقصد بها وضع موانع
غالباً ما تكون مصطنعة أمام انسياب السلع من خارج البلد مثل الجمارك والقيود
الكمية والنوعية على الواردات ) . فقد كانت الحروب ، ولا تزال ، تشكل العائق
الأول أمام انسيابية التجارة الدولية بسبب فقدان الثقة بين البلدان المتحاربة . وكان
يصاحب قيام الحروب وقف تصدير واستيراد الذهب والفضة على وجه الخصوص
بسبب كونهما نقوداً مقبولة في أنحاء كثيرة من العالم لقرون طويلة ( أو غطاء
إلزامياً للنقود الورقية إلى عهد قريب ) . هذا هو السبب الأول الذي جعل أصحاب
النظرية التجارية ينادون بالاكتفاء الذاتي وعدم القيام بعمليات تجارة عالمية ؛ حيث
إن فقدان المعدنين الثمينين في أوقات السلم يجعل البلد عرضة للضعف الشديد حال
الحرب . ولذلك تزيد الموجات الحمائية ( بفرض القيود المالية والكمية والنوعية )
على التجارة بين البلدان أثناء وبعد الحروب . ولما تغير الوضع في النقود
وأصبحت لا تصرف بالمعدن الثمين ، خفَّت تلك الآثار من جهة ، وزادت من جهة
أخرى ؛ فأصبحت الدول المتحاربة تتعامل بعملات قوية مصدرة في بلد غير
مشمول بالحرب ، لكن النقد الخاص بالدول المتحاربة قد يتلاشى للصفر . وآثار
الحروب لا تتوقف على النقود ، بل كثير من الأدوات الاقتصادية التي تعتمد على
الثقة تتأثر تأثراً كبيراً بالحرب [1] .
ولذلك كانت الحربان العالميتان ذواتي أثر كبير على التجارة العالمية بناءً على
ما سبق . وقد استدعى ذلك من قادة العالم ( القادر على ذلك ) المبادرة لتصحيح مثل
تلك الاختلالات في سوق التجارة العالمية حتى لا تتضرر البلدان وخاصة المتقدمة
بعد الحروب . وقد قامت جهود كثيرة من دول العالم المتقدم لتصحيح الخلل الناشئ
من الحروب على التجارة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى ، ولكنها لم تلق الدعم
الكافي من بقية دول العالم ، وفتَّ في عضدها الكساد العظيم الذي ضرب أطنابه
على الولايات المتحدة وأوروبا من عام 1929م حتى 1933م ، وقيام الحرب
العالمية الثانية فيما بعد . وكانت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مناسبة
للولايات المتحدة الأمريكية ( البلد المنتصر في الحرب ) لفرض سياستها على العالم ،
وتشكيل ما تريد تشكيله من المؤسسات والمنظمات العالمية التي تحل بها كثيراً من
المشكلات التي نشأت من الحروب ؛ بحيث تستفيد الاستفادة القصوى من تلك
المنظمات . ومن هنا قامت منظمات دولية من أهمها : ( منظمة الأمم المتحدة )
والهيئات والوكالات التابعة لها ، و ( صندوق النقد الدولي ) ، و ( البنك الدولي
للإنشاء والتعمير ) . وكان الغرض منها ترتيب الشأن السياسي والاقتصادي
والتمويلي في العالم . وفي تلك الحقبة نفسها ، تم اقتراح إنشاء منظمة تعنى بالتجارة
الدولية تسمى : ( منظمة التجارة العالمية ) . وبالفعل تم ذلك ، وبدأت اللجان
المشكلة العمل بها منطلقة مما عرف فيما بعد بـ ( ميثاق هافانا ) الذي كان يراد منه
تنشيط العلاقات التجارية العالمية . ولكن هذه المنظمة لم تقم على سوقها ،
لاعتراض الكونجرس الأمريكي عليها نظراً لسحبها كثيراً من صلاحياته [2] .
غير أن حاجة الدول لمنتدى دولي للتداول حول الشؤون التجارية المختلفة كان
ملحاً على الرغم من رغبة الولايات المتحدة الأمريكية ، فكان أن قامت جهود منفردة
بين مسؤولي القطاعات التجارية والاقتصادية التي لها علاقة بانسيابية حركة التجارة
الخاصة بها ، ثم تبلورت تلك اللقاءات والاجتماعات عن أطر تلقى قبولاً عاماً بين
الدول ، مستمدة من ( ميثاق هافانا ) ، شكلت فيما بعد الإطار النظري الذي بنيت
عليه اتفاقية سميت : ( الاتفاقية العامة للرسوم الجمركية والتجارة ) ، واختصاراً من
الحروف الإنجليزية الأولى لاسمها ، تدعى ( جات ) [GATT] . وكان الهاجس
الأول فيها تحرير التجارة العالمية من القيود التي وضعت بعد الحرب ؛ وذلك
بخفض الجمارك ، والحد من القيود الكمية والنوعية المفروضة على السلع من قبل
الدول الأطراف في الاتفاقيات . وتولد عن تلك الاجتماعات اتفاقات بين دولتين أو
أكثر ، وتغطي في الغالب سلعاً صناعية من المهم لأطراف الاتفاقية وضع ضوابط
للتجارة فيها . ولحاجة كثير من دول العالم لمثل هذا النوع من الترتيبات التجارية ،
زادت تلك الاتفاقات وتعددت أطرافها ، وتوسعت بعض الاتفاقيات في أعضائها
والسلع الصناعية التي تشملها ، وأصبحت تلك الاتفاقيات مجالاً لإنضاج كثير من
الأفكار الاقتصادية في مجال التجارة العالمية . ومع كل ذلك ، لم تكن ( الجات )
منظمة بالمعنى الفني الدقيق ، وإن كان لها أعضاء مشاركون مشاركة فاعلة في كثير
من مجريات اتفاقياتها ، ولكنها قدمت للعالم وللفكر الاقتصادي كثيراً من الأفكار
الناضجة في مجالها ؛ ومن ثم اكتسب كثير من ممارساتها عرفاً دولياً مهماً ، وإن
كان غير ملزم للأطراف فيها ؛ وتبلورت تلك في خفض كثير من الرسوم الجمركية
على جملة السلع محل المفاوضات [3] . وكانت بعض الدول التي لا ترغب
في الانضمام لهذا الملتقى الاقتصادي غير الرسمي تدخل طرفاً أو « عضواً »
مراقباً فيه . وقد تبلور العمل التجاري العالمي المدار عن طريق اتفاقية ( الجات )
عن مبادئ مهمة ألخصها فيما يأتي [4] :
1- مبدأ عدم التمييز ( أو : قاعدة المعاملة الوطنية ) : والمقصود أن تتم
معاملة كل دولة لسلع الدول الأخرى معاملة السلع الوطنية سواء فيما يتعلق
بالضرائب المحلية أو الأنظمة المعمول بها . وفي هذا الإطار تعطى الدولة المشاركة
في الاتفاقية وضع « الدولة الأَوْلى بالرعاية » ؛ ويقصد به : حصول الدولة على
كل المزايا الممنوحة من بلد آخر للبلدان الأخرى تلقائياً حتى لو لم يكن البلد طرفاً
في اتفاقية محددة ، ويستثنى من ذلك البلدان الداخلة في ترتيبات تجارية إقليمية .
2- مبدأ حظر القيود الكمية : والمقصود أن يتم امتناع كل الدول المشاركة في
اتفاقية الجات عن استخدام القيد الكمي ( أي : تحديد الواردات بكمية معينة ) في
أساليب التعامل التجاري مع البلدان العالمية . ومعنى ذلك أن الدول ليس لها إلا
استخدام الرسوم الجمركية كآلية وحيدة لحماية الصناعة المحلية .
3- مبدأ تخفيض الرسوم الجمركية : والمقصود أن تتعاون الدول الأعضاء
في الاتفاقية بخفض رسومها الجمركية أمام الواردات الأجنبية تحفيزاً للتجارة
العالمية ، وتقليصاً للعوائق السعرية عليها ، أو على الأقل ربط تلك الرسوم بحيث
لا تزيد .
4- التعهد بتجنب سياسة الإغراق : والمقصود أن تحاول الدول الأعضاء عدم
دعم السلع الموجهة للتصدير دعماً مالياً مباشراً ؛ بحيث إن الاتفاقية تريد ترسيخ قيم
التنافس الحر بين الشركات والمنشآت التجارية بدون التدخل الحكومي .
ومن أهم أسباب التطورات التي حدثت في مسيرة ( الجات ) تلك الجولات
من المفاوضات بين الدول الأعضاء التي كانت تعقد كل عشر سنين تقريباً ، وتسمى
في البلد الذي تعقد فيه غالباً . وكانت هذه الجولات مجالاً لإنضاج التجارب في
الاتفاقيات المختلفة ، ولسماع الأطراف المختلفين ما عند الآخرين حول الاتفاقيات ،
وللنظر في إدخال سلع أخرى لتشمل في الاتفاقيات القائمة . وقد تم عقد ثماني
جولات ، كانت الأولى في جنيف عام 1948م . ولكن أهم تلك الجولات هي
الجولات الثلاثة الأخيرة : جولة كندي ( 1964 – 1967م ) ، وجولة طوكيو
( 1973 – 1979م ) ، وجولة أوروجواي ( 1986 1993م ) [5] ، وكانت جولة
أوروجواي أهم تلك الجولات على الإطلاق .
إرهاصات قيام منظمة التجارة العالمية [6] :
لقد تغير موقف الولايات المتحدة المعارض لإنشاء منظمة تعنى بالتجارة
العالمية على نحو غير معهود . ولا شك أن لذلك أسباباً تشترك فيها مصالح
الولايات المتحدة مع أوروبا ، وبقية البلدان الصناعية .
وأهم تلك المتغيرات في نظري :
– استعار المنافسة بين الولايات ودول أوروبا على المصالح ، خاصة بعدما
تبين لدول أوروبا أن الولايات المتحدة قد شكلت في السنوات الخمسين الماضية
أكبر تحد لدول أوروبا في جميع المجالات ، خاصة التجارية والثقافية . ومن هنا
ندرك أن تشكيل ( الاتحاد الأوروبي ) بين دول كانت متناحرة إلى عهد قريب لها
لغات متعددة وثقافات متغايرة ومصالح متعارضة لم يأت اعتباطاً ولا ترفاً اقتصادياً
أو سياسياً ؛ بل هو حل غالي الثمن لمعضلات باهظة التكاليف [7] . ومن المهم في
هذا السياق ربط الاندماجات الكبيرة التي حصلت بين الشركات العالمية ، والغربية
على وجه الخصوص ، في كثير من المجالات ، مثل الصيرفة ، والخدمات المالية ،
والاتصالات ، والتأمين ، والصناعات الأساسية وغيرها . ومن المهم الإشارة إلى
أن مثل تلك الممارسات كانت إلى عهد قريب تعد مخالفة للقوانين الخاصة بمكافحة
الاحتكار في بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن الصورة القانونية تغيرت
مع تغير ساحة الصراع الاقتصادي .
– كثرة الدول التي كانت مستعمرات لدول أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة
الأمريكية ؛ مما يجعل تقديم الدول الأوروبية لمزايا تجارية لهذه المستعمرات غير
مخالف للنمط التجاري المعروف والمألوف عالمياً . ولما كانت تلك المستعمرات
السابقة قد أصبحت بعد التحرير ( ! ) مجالاً خصباً لنشاط الشركات متعددة
الجنسيات ، فقد كانت الشركات حاملة الجنسية الأوروبية فيها مقدمة على غيرها من
الجنسيات ، خاصة الأمريكية في المزايا التجارية . وهذا يعني خسارة كبيرة لأسواق
كبيرة بإمكان الولايات المتحدة دخولها . والعكس صحيح ، فهناك دول ترغب
أوروبا أن تمارس فيها دوراً أكبر ، وهي تاريخياً مجال لصولات وجولات الشركات
الأمريكية . ومشكلة الموز التي ثارت بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
أوضح مثال على كسب الولايات المتحدة السجال في المستعمرات [8] ، ومشكلة
تسليح بعض دول الخليج مثال آخر على كسب أوروبا الجولة في بعض الأسواق
التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية .
– عيوب اتفاقية ( الجات ) السابقة في النطاق وآليات الإلزام والتنفيذ . فمثلاً ،
توجد ثغرات قانونية في اتفاقية ( الجات ) في مجالي الزراعة والمنسوجات ،
جعلت تلك الثغرات الباب مشرعاً أمام الدول للتنصل من التزاماتها القانونية ، مؤدية
لعرقلة انسيابية التجارة . وكمثال على هذا ، لم تستطع الولايات المتحدة إقناع
اليابان ولا الصين في ظل اتفاقية الجات بفتح أسواقهما كاملة أمام السلع الأمريكية .
ويضاف لذلك عدم شمول اتفاقية ( الجات ) تجارة الخدمات التي أثبتت أهمية
قصوى في التجارة العالمية [9] ، وقد اشتكت كثير من المنظمات الصناعية
والتجارية من اختلاف المعايير الوطنية لحماية حقوق الملكية الفكرية . كذلك فإن
كثرة النزاعات التجارية بين الدول في المجالات التجارية ، وعدم وجود الآلية
الكافية والقوية والمتفق عليها حسب نظم القانون الدولي كانت تعوق حل تلك
المشكلات . ثم إن كثيراً من الممارسين للتجارة الدولية قد تبين لهم بوضوح أثر
التغييرات والتعديلات التي تجريها دول العالم المختلفة على التنظيمات الخاصة بها
والتي لها صلة بالتجارة على انسيابيتها عالمياً . يضاف إلى ذلك ازدياد أهمية
الشفافية في التجارة الدولية وخاصة مع المعطيات الجديدة في النقود والأدوات المالية
الائتمانية ، وزيادة أهمية القدرة على التنبؤ في كل تلك المتغيرات الاقتصادية .
– خروج رؤوس أموال الشركات الكبرى من الدول الصناعية واستيطانها في
دول نامية ؛ مما شكل عبئاً كبيراً على إيرادات تلك الدول من الضرائب المفروضة
على تلك الشركات . أضف إلى ذلك أن الدول المتقدمة أصبحت تنوء بأعباء ثقيلة
من جراء حماية أسواقها المحلية ، وخصوصاً دعم المنتجات الزراعية ومشكلات
التنافس بينها حول تصريف فوائض الحاصلات الزراعية [10] ، وقد واكب ذلك
شكاوى من بعض تلك الشركات بخصوص بعض الأوضاع غير المواتية من
التصرفات والممارسات التجارية للدول النامية وغيرها ؛ مما يضيع مزيداً من
الفرص لتلك الشركات . وبطبيعة وضع البلدان الغربية وتركيبتها ؛ من حيث
الانتخاب السياسي والعلاقة بين الساسة ورجال المال وحاجة كل منهما للآخر ، كان
لا بد من تدخل الحكومات الغربية لتعديل الأوضاع الدولية لصالح شركاتها .
– التخوف من نجاحات ظهرت بوادرها في الأفق من دول نامية ، وآخذة في
النمو ، مثل تجربة ( النمور السبعة ) وغيرها . يضاف إلى ذلك انهيار المعسكر
الاشتراكي الذي لم تكن بلدانه من أنصار تحرير التجارة . وكان انتهاء الحرب
الباردة وإدخال إصلاحات اقتصادية مبنية على قوى السوق ( الأقرب للاقتصاد
الرأسمالي ) فرصة مواتية لطبع تلك الاقتصادات الجديدة بالطابع الرأسمالي . ثم
الاستفادة من تلك الفرص التجارية الضخمة في تلك البلدان ، يضاف إلى ذلك تغير
السياسات التجارية في البلدان النامية وذلك بترك سياسة الاستعاضة عن الواردات
واتباع سياسة تشجيع النمو الموجه نحو التصدير ، وما صاحب ذلك من تخصيص
كثير من نشاطات القطاع العام في تلك الدول .
– ثبوت نجاح المؤسسات والهيئات الدولية للدول الغربية لكونها أداة رخيصة
الثمن مقابل المصالح التي تجنى منها ؛ لذلك ربطت منظمة التجارة العالمية بالبنك
الدولي ، وصندوق النقد الدولي ربطاً إدارياً عضوياً . فالمنظمات الدولية أثبتت أنها
أداة قوية جداً لتثبيت أوضاع مناسبة للدول الصناعية ، ولتمرير حلول ومقترحات
تصبُّ في مصلحة الدول الغربية ، ولحل كثير من المشكلات الاقتصادية التي تمهد
لتوسع كبير في مبيعات الدول الصناعية . وكل تلك المزايا بكلفة قليلة ( مثل
المساهمة النقدية من الدول الصناعية في رؤوس أموال تلك المؤسسات ) ، مع مزية
قبول الدول الأخرى للقرارات بسبب كونها من منظمات دولية . ومما يدل على
استفادة الدول الكبرى الصراع الذي يدور بينها على تنصيب مسؤولي تلك المنظمات .
ما سبق وغيره من الأسباب جعل من قيام منظمة تعنى بالتجارة العالمية أمراً
ملحّاً جداً . وقد أدى ذلك إلى تغير قناعات دول كانت ترفض الفكرة من أساسها ،
مثل الولايات المتحدة الأمريكية [11] .
منظمة التجارة العالمية [12] :
التعريف : هي : « عبارة عن إطار قانوني ومؤسسي لنظام التجارة متعدد
الأطراف . ويؤمن ذلك الإطار الإلزامات التعاقدية الأساسية التي تحدد للحكومات
كيف يمكن صياغة وتنفيذ الأنظمة والضوابط التجارية المحلية . كما أن المنظمة
منتدى يسعى إلى تنمية العلاقات التجارية بين الدول من خلال المناقشات
والمفاوضات الجماعية والأحكام القضائية للمنازعات التجارية » [13] .
تاريخ التأسيس : بعد ختام جولة أوروجواي في 15 ديسمبر 1993م ، والتي
وقع بيانها الختامي في اجتماع مراكش أبريل 1994م ، تأسست منظمة التجارة
العالمية رسمياً في أول يناير 1995م .
المحاور : ستكون منظمة التجارة العالمية مكاناً عالمياً لتحديد القواعد
والأعراف العالمية للسلوك التجاري العالمي ، ولتكون منتدى عالمياً لإجراء
المفاوضات التجارية العالمية ، ولتقوم بمهام محكمة دولية للمنازعات ذات الصبغة
التجارية .
الأهداف : تهدف المنظمة إلى :
1- إيجاد بيئة آمنة وأجواء مستقرة للتجارة الدولية .
2 – استمرار تحرير التجارة من القيود ( والمقصود : النفاذ إلى الأسواق ) .
وفي سبيل ذلك تسلك سياستين مهمتين : الأولى الحد من سياسات الدعم للمنتجات
المحلية ، والثانية الحد من سياسات الدعم الموجهة للصادرات ( وتسمى الإغراق ) .
ومن الواضح أن هدف المنظمة من ذلك تكافؤ الفرص بين المصدِّرين في كل
الدول الأعضاء ، وأن لا تكون المنافسة بين الحكومات بل بين المنشآت الخاصة
والشركات لما سبق بيانه من الأسباب . ويستحق البلد العضو وضع « الدولة الأَوْلى
بالرعاية » حين ينضم للمنظمة . والمقصود حصول الدولة العضو على المزايا
الخاصة بالتجارة المتاحة من عضو من المنظمة لأحد الأعضاء الآخرين دون قيد أو
شرط وتلقائياً . ويستثنى من هذا تجمعات التكامل الاقتصادي التي تتم بين دول بينها
تجمع جمركي خاص ، ويستثنى كذلك بعض الترتيبات التفضيلية التي تقام بين
الدول النامية تشجيعاً لها على الانضمام [14] ، ثم يحصل العضو كذلك على أحقية
معاملة سلعه المصدرة معاملة السلع الوطنية في البلد الأجنبي . ولا شك بأهمية
هاتين المزيتين للعمل التجاري عموماً ، مع أنهما في نفس الوقت التزام من كل
عضو لكل الأعضاء بنفس ما حصل عليه من مزية .
الصكوك القانونية : هناك صكوك واتفاقات قانونية ملزمة للدول الأعضاء في
منظمة التجارة العالمية ، وهي :
1 – الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة ( جات ) [GATT] [15] ،
والاتفاقات المرتبطة به ( وهي تزيد عن 12 اتفاقية ، و 4 مذكرات ) ، وتطبق هذه
الاتفاقات على السلع .
2 – الاتفاق العام للتجارة في الخدمات ( الجاتس ) [GATS] الذي يطبق
على تجارة الخدمات .
3 – اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية ( تريبس )
[TRIPS] . أما الاتفاقات الملزمة للأعضاء الموقعين عليها فقط فهي : الاتفاق
الخاص بالتجارة في الطائرات المدنية ، والاتفاق الخاص بشأن المشتريات الحكومية ،
والاتفاق الخاص بشأن منتجات الألبان ، والاتفاق الخاص بشأن لحوم البقر [16] .
النطاق : لا شك أن من أهم عيوب اتفاقية ( الجات ) عدم شمولها قطاعات
تجارية واقتصادية مهمة ، ولا شك أن التوسع في التجارة العالمية حتَّم دخول كثير
من المجالات لمنظمة التجارة العالمية . ومن هنا شمل نطاق منظمة التجارة العالمية
التجارة في السلع الصناعية ومشتقاتها ، والتجارة في السلع الزراعية ، وتجارة
الملابس والمنسوجات ، والتجارة في الخدمات . ولإكمال الإطار القانوني للتجارة
السلعية ، فقد أدرجت الموضوعات التالية إما كمواد أو كاتفاقيات مستقلة ، وهي :
الوقاية من الإغراق ، القيود على الدعم والإجراءات التعويضية ، الحماية الطارئة
من الواردات على الصناعة المحلية ، الضوابط الفنية والمواصفات ، تراخيص
الاستيراد ، وقواعد تسعير السلع على الحدود ، وقواعد الفحص قبل الشحن ،
وإجراءات شهادات المنشأ [17] .
وقد نص الاتفاق العام بشأن تجارة الخدمات ( جات ) على مجالات كثيرة مثل
التعليم ، والأعمال المصرفية ، والتأمين ، والمعلومات ، والاتصالات السلكية
واللاسلكية ، ووسائل الترفيه . وحددت منظمة التجارة العالمية ما يزيد على 150
قطاعاً فرعياً للخدمات [18] ، وقد نص على قاعدة « التغطية الشاملة » بخصوص
الخدمات ، والمقصود شمول جميع الخدمات المتاجر بها دولياً في الاتفاق ، بغضِّ
النظر عن طريقة توصيل الخدمة . وقد عرفت الاتفاقية أربع طرق للتوصيل :
1 – الخدمات المعروضة من دولة عضو إلى أخرى ( مثل مكالمات الهاتف
الدولية ) .
2 – الخدمات المعروضة من أراضي عضو للمستهلكين ( مثل السياحة ) .
3 – الخدمات المقدمة عبر وحدة تجارية ( مثل البنوك ) .
4 – الخدمات المقدمة من أشخاص ( مثل الاستشارات ) [19] .
والوسيلة الرئيسة المتبعة لحماية المنتجات المحلية هي الأنظمة الوطنية ،
حيث لا يمكن وضع الرسوم الجمركية على الخدمات ؛ ولذلك تتبين أهمية الإفصاح
والشفافية للمنظمة وللمجتمع الدولي ؛ وعليه ، فتحرير التجارة في الخدمات يتم عبر
تقديم الدول تعهدات من خلال المفاوضات لتعديل أنظمتها المحلية تدريجياً وحيثما
أمكن نهائياً ؛ لتكون متوافقة مع مبادئ منظمة التجارة العالمية . وليست معاملة
الخدمات المقدمة من الأجانب معاملة مماثلة للخدمات المقدمة من المواطنين
ملزمة في الخدمات مثلها في السلع ، بل يكتفى بتقديم تعهدات لتعديل الأنظمة
المحلية [20] .
كذلك تشمل المنظمة التجارة في الحقوق الفكرية والأدبية : فقد نص اتفاق
الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ( تريبس ) التي تنصب على
إبداع العقل البشري ، على أن يشمل الاتفاق حفظ :
1 -حقوق التأليف ( الكتب والأعمال الفنية الأخرى ) .
2 -حقوق براءات الاختراع ( حقوق المخترعين ) .
3 – حقوق النماذج الصناعية ( أشكال الرسوم الزخرفية ) . ويعتبر هذا
الاتفاق مكملاً للاتفاقات التي وضعتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( وايبو )
[WIPO] [21] ، ويحدد الاتفاق الحد الأدنى لمعايير الحماية ومددها التي يتعين
توفيرها لحقوق الملكية الفكرية على اختلاف أنواعها . وتطالب الاتفاقية بمعاملة
المنتج الأجنبي معاملة مماثلة للمنتج الوطني ، ومراقبة تطبيق التشريعات على
المستوى الوطني [22] . وتتعهد الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بتنفيذ
إجراءات حماية الملكية الفكرية من خلال تشريعاتها المحلية ، وتطبيق الإجراءات
الرادعة لانتهاك هذه الحقوق ، بما في ذلك الإجراءات المدنية والإجراءات الجنائية ،
وطبقاً للاتفاق ، فإن الحد الأدنى لمدة حقوق الملكية الفكرية هو 50 سنة في حالة
حقوق الطبع ، و 20 سنة في حالة براءات الاختراع ، و 7 سنوات في حالة
العلامات التجارية [23] ، « وإثر إبرام اتفاق تعاون مع منظمة التجارة العالمية سنة
1996م ، بسطت ( الويبو ) الدور المنوط بها ، وأثبتت مدى أهمية حقوق الملكية
الفكرية في إدارة التجارة في عهد العولمة » [24] .
كذلك تطرقت المنظمة لترتيب إجراءات الاستثمار المتعلقة بالتجارة حيث إن
كثيراً من ممارسات الدول بخصوصها مشابه للدعم الذي تقدمه الدول لصادراتها ؛
ومن ثم فإنه يجب إلغاء معظم هذه الإجراءات حيث إنها تؤدي إلى تغيير مسار
التجارة الدولية وتشجيع الإنتاج غير الكفء ، وتصبح بهذا إجراءات مخالفة لقواعد
المنظمة ؛ لذلك سعت المنظمة لتخفيف القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية .
ويحدد الاتفاق إجراءات الاستثمار ذات الأثر في التجارة ( ترمز ) [TRIMS]
ومعنى هذه الإجراءات بأنها الشروط التي تضعها السلطات المحلية على
الاستثمارات الأجنبية التي ترغب في العمل في نطاق إقليمها ، والتي تنطوي على
تقييد وتشويه للتجارة الدولية . وبمقتضى الاتفاق ( المادة 15 ) يتعين على كل دولة
عضو في منظمة التجارة العالمية إلغاء الإجراءات المحظورة خلال سنتين من قيام
المنظمة إذا كانت من الدول المتقدمة . أما إذا كانت من الدول النامية فثمة معاملة
تفضيلية تتمثل في إطالة الفترة المذكورة إلى 5 سنوات للدول النامية ، و 7 سنوات
للدول الأقل نمواً . ويتم إلغاء مثل هذه القيود بعد ذلك عن المشروعات الجديدة
والمشروعات القائمة في الوقت نفسه . والشروط المحظور فرضها هي :
1 – شرط المكون المحلي أو شرط استخدام المستثمر الأجنبي لنسبة محددة
من المكون المحلي في المنتج النهائي .
2 – شرط إحداث توازن بين صادرات المستثمر الأجنبي ووارداته .
3 – شرط بيع نسبة معينة من الإنتاج في السوق المحلية .
4 – شرط الربط بين النقد الأجنبي الذي يتاح للاستيراد والنقد الأجنبي العائد
من التصدير [25] .
هذه المجالات هي المجالات الموجودة الآن ، ولا بد من تقرير أن نظام
المنظمة يتيح لها إدخال كثير من المجالات التجارية الأخرى التي لم تكن مجالاً لمثل
تلك الترتيبات العالمية من قبل .
قواعد الجات 1993م التي تطبق عند الحدود :
1 – تحديد القيم الخاضعة للرسوم الجمركية ( تحدد الرسوم حسب سعر البيع ،
وللسلطات الجمركية إن شكت أن ترفض القيمة المعلنة ، وتعطي الفرصة للتسويغ .
فإن لم تسوغ ، فللسلطات الجمركية التقدير حسب المعايير القانونية الخمسة
المقررة ) .
2 – تطبيق المعايير الإلزامية ( وهي معايير الصحة والسلامة للمواطنين ،
ولا يجوز وضعها بطريقة تسبب وضع حواجز أمام التجارة ؛ ولذلك يدعى لتطبيق
المعايير الدولية ، فإن لم توجد فتوضع على أساس المعلومات العلمية ) .
3 – تطبيق أنظمة الصحة ، والصحة النباتية ( كسابقتها ) .
4 -إجراءات الترخيص بالاستيراد ( وهي تعنى بإرشادات إصدار
التراخيص ) [26] .
قواعد دعم المنتجات الوطنية :
الدعم الحكومي للمنتجات الوطنية على نوعين :
أولاً : دعم محظور ، وهو نوعان :
أ – دعم التصدير ، ويسمى : ( الإغراق ) [27] .
ب – الدعم الذي يستهدف تشجيع استعمال السلع المحلية بدلاً من المستوردة .
ثانياً : الدعم المسموح ، وهو على نوعين أيضاً :
أ – دعم يسوِّغ التقاضي .
ب – ودعم لا يسوِّغ التقاضي : فيجوز في حال وجود دعم يسوِّغ التقاضي
لجوء البلدان المستوردة المضرورة إلى تدابير تصحيحية مثل الرسوم التعويضية إذا
ألحقت المستوردات المدعومة ضرراً بالصناعة المحلية . ولا يجوز ذلك في الذي لا
يسوِّغ التقاضي [28] .
التدابير التي يمكن للدول المستوردة أن تتخذها بناء على طلب الصناعة
المحلية :
1 – الإجراءات الوقائية : وذلك بزيادة التعرفة أو فرض قيد كمي لمدة لا
تزيد عن 8 سنوات بشرط أن الزيادة المفاجئة في الواردات قد تم التحقق من أنها
تضر ضرراً جسيماً بأكثر من شركتين محليتين تنتجان الجزء الأكبر من الإنتاج
المحلي لمنتوج شبيه .
2 – يحق فرض رسم تعويضي على المنتوجات المستوردة حين يمارس
المورِّدون ممارسات تجارية غير مشروعة ، وهي :
أ – الإغراق ؛ وذلك حين يكون سعر التصدير أقل من سعر البيع في السوق
المحلية للمصدر .
ب – بيع الشركات منتوجاتها بأقل بسبب تلقي دعم حكومي ، بشرط ثبوت
ضرر كبير لمنتجين محليين ينتجون 25% من إجمالي الناتج المحلي [29] .
الهيكل الإداري للمنظمة [30] :
يتكون الهيكل الإداري للمنظمة من المجلس الوزاري الذي يمثل فيه كل الدول
الأعضاء ، سواء كان العضو دولة منفردة أم اتحاداً جمركياً . ويلتقي المجلس
الوزاري كل سنتين على الأقل ، وتتخذ فيه القرارات الكبرى الخاصة بالمنظمة ،
من مثل الموافقة على دخول عضو جديد [31] . وتكون القرارات بالإجماع أو
التصويت بالأغلبية حسب نوع القرار . ويتفرع من المجلس الوزاري مجلس
عمومي ، وهو للعمل اليومي للمنظمة . وهو مثل سابقه ممثل فيه كل الأعضاء ،
ويرفع قراراته وما يتم النظر فيه للمجلس الوزاري . ويقوم المجلس العمومي
بعملين مهمين : متابعة حسم النزاعات التجارية ، ومراجعة السياسات التجارية
للدول الأعضاء . ويفوض في ذلك ثلاثة مجالس : مجلس التجارة في السلع ،
ومجلس التجارة في الخدمات ، والمجلس الخاص بحقوق الملكية الفكرية المرتبطة
بالتجارة . وهناك لجنتان مشكَّلتان من المجلس الوزاري : الأولى : « لجنة التجارة
والتنمية » وتعنى بحل مشكلات الدول النامية ، والثانية : « لجنة ميزان المدفوعات »
وهي للتشاور في شأن الدول التي تضع إجراءات تقييدية على وارداتها لمواجهة
صعوبة ميزان المدفوعات ، وترفع هاتان اللجنتان توصياتهما للمجلس العمومي .
أهم الفروق بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية [32] :
مع أن الفروق الآن قد باتت واضحة بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة
العالمية ، إلا أن بيان أهم الفروق قد يفيد في هذه العجالة . ف ( جات 1947م )
ليست منظمة بالمعنى الكامل للمنظمات الدولية ؛ ومن ثم فليس لها سكرتارية دائمة ،
ولا مبنى مستقل . وأما منظمة التجارة العالمية فهي منظمة عالمية بالمعني القانوني
الشامل لها ، مقرها جنيف ، ويعمل فيها ما يزيد على 450 موظفاً ، بميزانية تقارب
مائة مليون دولار . ومع كل ما سبق ، ترتبط المنظمة ارتباطاً وثيقاً جداً وعضوياً
مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . ثم إن التزامات الدول في اتفاقية الجات
مشروطة ومرتبطة بالاتفاقيات الثنائية الموقعة وذات أجل قصير ، وأما التزامات
منظمة التجارة العالمية فدائمة ونهائية وملزمة للأعضاء [33] ، وكانت اتفاقية الجات
تغطي بعض السلع الصناعية وشيئاً من السلع الزراعية فقط ، وأما منظمة التجارة
العالمية فتغطي كل التزامات الجات السابقة وما تمت الإشارة إليه في النطاق أعلاه .
ثم إن اتفاقية الجات تخلو من نظام متكامل وفعال لفض المنازعات ، بعكس منظمة
التجارة العالمية التي كان من أساس بنائها الإداري وجود مثل ذلك النظام ، بل
اعتني به ليكون فعالاً وسريعاً يتواكب مع إيقاع التجارة العالمية في العصر الراهن .
ثم إن اتفاقية الجات ليست لها علاقة بالمنشآت الفردية ولا الأفراد من باب أوْلى .
أما منظمة التجارة العالمية فيمكن للأفراد والمنشآت الفردية والشركات فضلاً عن
الحكومات الاستفادة منها ومن أجهزتها المختلفة ، وخاصة حين حدوث ممارسات
تخالف منطلقات المنظمة ، وفي حال النزاع القانوني حولها .
كيف تنضم الدول الجديدة للمنظمة :
من المهم التذكير أن معظم أعضاء المنظمة الحاليين هم الدول الأعضاء في
اتفاقية الجات الموقعين على جولة أوروجواي ، كما نصت على ذلك المادة الحادية
عشرة/أ من نظام المنظمة [34] ، أما الدول الأخرى فلا بد أن تتقدم للمنظمة
للحصول على العضوية . ولأي دولة أو إقليم جمركي حق العضوية ، حسب
المفاوضات التي يتفق عليها مع المنظمة . وفي حال رغبة دولة جديدة الدخول
«تقدم الدولة الراغبة في العضوية مذكرة تغطي جميع السياسات التجارية والاقتصادية
التي لها صلة بمنظمة التجارة العالمية . وتصبح المذكرة الأساس للفحص الشامل من
قبل فريق العمل . ويعرض موضوع انضمام العضو الجديد على أعضاء المنظمة ؛
بحيث يطلب من الأعضاء الذين لهم مصلحة في انضمام العضو الدخول في
مفاوضات الانضمام . وعليه ، تدخل حكومة البلد الجديد في مفاوضات ثنائية مع
حكومات الدول الأعضاء الذين لهم مصلحة لتأسيس الالتزامات والتنازلات الخاصة
بالسلع والخاصة بالخدمات . وهذه العملية الثنائية تحدد ، من بين أشياء أخرى ،
المنافع التي سيحصل عليها أعضاء منظمة التجارة العالمية من السماح للدولة
الراغبة في الانضمام من الدخول في منظمة التجارة الدولية . وبعد اكتمال فحص
النظام التجاري ومفاوضات الوصول إلى الأسواق ، يحدد فريق العمل الشروط
الأساسية للانضمام . ترفع مداولات فريق العمل المضمنة في تقرير ، ومسودة
بروتوكول الانضمام ، مع الجدول المتفق عليها من المفاوضات الثنائية إلى المجلس
العمومي أو المؤتمر الوزاري لتبنيها » [35] ، ولا بد أن يوافق ثلثا الأعضاء على
الأقل على قبول انضمام الدولة الجديدة .
دور منظمة التجارة العالمية في صنع السياسة الاقتصادية العالمية :
نصت المادة الثالثة / فقرة 5 على ما يأتي : « بغية تحقيق قدر أكبر من
التناسق في وضع السياسة الاقتصادية العالمية ؛ تتعاون المنظمة على النحو
المناسب مع صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، والوكالات
التابعة له » [36] . ويشكل هذا القرار أساساً مهماً للوصول إلى « انسجام أكبر في
صنع السياسة الاقتصادية العالمية » … « كما أدرك القرار مساهمة تحرير التجارة
في نمو وتنمية الاقتصادات الوطنية . فمن الملاحظ أن ذلك التحرير يمثل أهمية
خاصة لنجاح برامج التكيف الاقتصادي التي ينفذها عدد من أعضاء منظمة التجارة
العالمية ، وإن كانت تنطوي عادة على تكلفة تحول اجتماعي باهظة» [37] ومن
المهم ربط ذلك بما ترسله الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي
من معلومات مهمة ودورية عن جميع بيانات وإحصاءات الشؤون الاقتصادية .
مراقبة السياسات التجارية الوطنية :
« يحتل نشاط متابعة السياسات التجارية الوطنية أهمية أساسية في عمل
منظمة التجارة العالمية . ويرتكز هذا العمل على آلية مراجعة السياسة التجارية » .
و « تتمثل أهداف آلية مراقبة السياسة التجارية من خلال المتابعة العادية بزيادة
وضوح ( شفافية ) وتفهُّم السياسات والممارسات التجارية ، وتحسين نوعية
المناقشات بين الأجهزة الحكومية والعامة على المشاكل ، وإيجاد التقييم المتعدد
الأطراف لآثار السياسات على النظام التجاري العالمي . وتتم المراجعة على أساس
معتاد ودوري . ويجري فحص أكبر أربع دول تجارية في العالم الاتحاد الأوروبي
والولايات المتحدة واليابان وكندا مرة كل سنتين تقريباً . أما الدول الست عشرة
التالية على أساس حصتها في التجارة العالمية ، فيتم فحصها كل أربع سنوات ،
وبقية الدول كل ست سنوات مع إمكانية تمديد الفترة التحضيرية للدول الأقل نمواً .
ويتولى المراجعة جهاز مراجعة السياسة التجارية المؤسس على مستوى مماثل
لمستوى المجلس العمومي على أساس وثيقتين : وثيقة السياسة المقدمة من الحكومة
محل المراجعة ، ووثيقة مفصلة معدة بشكل مستقل من سكرتارية منظمة التجارة
الدولية » . « وإلى جانب جهاز مراجعة السياسة التجارية ، تحتوي معظم اتفاقات
منظمة التجارة العالمية على إلزام للحكومات الأعضاء بإبلاغ سكرتارية منظمة
التجارة العالمية بالإجراءات الجديدة أو المعدلة . على سبيل المثال : يجب إبلاغ
الجهاز المختص في منظمة التجارة العالمية عن تفاصيل أي تشريع جديد لمكافحة
الإغراق والتعويض ، والمواصفات الجديدة التي تؤثر على التجارة ، وتعديلات
التشريع الذي يؤثر على تجارة الخدمات ، والقوانين والتشريعات الخاصة باتفاقية
مظاهر التجارة ذات العلاقة بحقوق الملكية الفكرية . كما يتم تأسيس مجموعات
خاصة لفحص الترتيبات الجديدة لمناطق التجارة الحرة والسياسات التجارية للدول
المنضمة » [38] .
فض المنازعات التجارية والاستئناف والتنفيذ :
ينص التفاهم على القواعد والإجراءات التي تحكم فض المنازعات التجارية
على أن « نظام فض المنازعات التجارية لمنظمة التجارة العالمية يشكل عنصراً
أساسياً لتأمين الثقة والقابلية للتنبؤ للنظام التجاري متعدد الأطراف . ويلتزم أعضاء
منظمة التجارة العالمية بعدم اتخاذ أي إجراء من طرف واحد ضد التصور بالإخلال
في قواعد التجارة ، بل اللجوء إلى نظام فض المنازعات متعدد الأطراف وبقبول
قواعده ونتائجه . ويجتمع المجلس العمومي للمنظمة بصفته جهاز فض المنازعات
للبت في الخلافات التي تنشأ من أي اتفاقية في الوثيقة الختامية لجولة أوروجواي..
وتهدف آلية فض المنازعات لـ » التحقق من الحل الإيجابي للخلاف « . وأنه
حل مُرْضٍ منسجم مع شروط منظمة التجارة العالمية ، من خلال المشاورات بين
البلدين المتنازعين . وفي حال إخفاق المشاورات ، ترفع للأمين العام لبذل المساعي
الحميدة للتوفيق بين وجهات النظر . وإذا لم تنجح المشاورات في الوصول إلى حل
بعد 60 يوماً ، يستطيع المدعي أن يطلب من جهاز فض المنازعات تأسيس هيئة
لفحص الحالة ، وتحديد اختصاصها وأعضائها ، على أن تعطي الهيئة تقريرها
النهائي بعد 6 أشهر ، يمكن تخفيضها إلى 3 أشهر [39] ، ويمكن الاستئناف ضد
حكم صادر ، ولكنه مقيد بالقضايا المتعلقة بالقانون المستخدم في تقرير هيئة الفحص
والتفسيرات القانونية المقدمة منها . وجهاز الاستئناف معد من قبل جهاز فض
المنازعات ، من سبعة أشخاص ، يخدمون 4 سنوات ، لهم سمعة مميزة في القانون
والتجارة الدولية وغير مرتبطين بأية حكومة . ويتبنى جهاز حسم المنازعات تقرير
جهاز الاستئناف بعد ثلاثين يوماً من إصداره ، ويقبل من أطراف النزاع بدون شرط ،
إلا مع الإجماع ضده . ويجب على الطرف المعني إظهار عزمه على تنفيذ
التوصيات المتوصل إليها من جهاز فض المنازعات ، ويمكن إعطاؤه فترة معقولة
من الزمن تحدد من جهاز فض المنازعات للقيام بذلك . وفي حال إخفاق العضو في
تنفيذ ما تقرر ، يتفاوض على حل تعويضي للمدعي ، كتخفيضات جمركية في
بعض الجوانب المهمة للمدعي . وفي حال الإخفاق ، يطلب المدعي من جهاز فض
المنازعات سحب الامتيازات والالتزامات من الطرف الآخر ، في نفس القطاع الذي
تخوصم فيه ، إلا إن كان غير عملي أو غير فعال ، فيمكن سحب الامتيازات من
قطاعات أخرى . وعلى أية حال ، فإن جهاز فض المنازعات سيتابع تنفيذ
التوصيات والقرارات المتبناة ، وستبقى أية حالة معلقة على جدول أعماله حتى تحل
المشكلة [40] . ولا شك أن آليات فض المنازعات قد تم التوسع فيه مقارنة بالآليات
الخاصة بـ ( جات 1947م ) [41] .
ملحوظات :
1 – هناك نظر في المنطلقات التي قامت عليها المنظمة . فمثلاً تدعي
المنظمة أنها تقوم على تحرير التجارة ، ولكن ليس من المتوقع تحرير تجارات
الدول الغربية ولا فتح أسواقها كما تطلب من الدول الأخرى ، ولا تمكين العمال من
كل دول العالم لدخولها [42] . ثم يقال إنها منظمة ترغب في منافسة عادلة بين
المنتجين وليس بين الحكومات . وليس من العدالة ترك قوى السوق ( والآليات
الرأسمالية ) تصطرع بين خصمين : قوي جداً وضعيف جداً [43] . ثم يقال إنها
تريد ترسيخ مبادئ قانونية وأعراف دولية في المجالات التجارية . ولكن السؤال :
مَنْ وضع تلك القوانين ، ومَنْ أقر تلك الأعراف ؟ إنها الدول الكبرى ، ولا يراد
للدول النامية إلا الإذعان لها وفتح أسواقها للمنتجات الغربية . ثم يقال إنها منتدى
للحوار بين الدول . وكيف تتحاور دول ضعيفة مع أخرى متمكنة وقوية ؟ بل كيف
السبيل إلى ذلك بين الشركات ، فضلاً عن الحكومات ؟ فميزانية بعض الشركات
الكبرى الأمريكية مثلاً تفوق ميزانية دول نامية مجتمعة ! ومن الأمثلة الواضحة عدم
جدية الدول الصناعية في الوصول لعقد اتفاقيات تكامل لأسواق العمل [44] . ثم من
يضمن حياد المنظمة في التحكيم بين الدول المتنازعة ، وفي مجال فهم وتفسير
الاتفاقات الموقعة ، وفي مجال الرقابة الدورية على التجارة المحلية وقوانينها
المستجدة ، ومن يضمن حياد الخبراء الذين يقومون بتلك الأعمال ، وجلهم بل كلهم
من الغربيين ! [45] وهذا لا يعني عدم حيادية الأسس التي قامت عليها المنظمة ،
ولكن القوي سيستفيد من حيادية الأسس أكثر من الضعيف .
2 – الأهمية القصوى لمنظمة التجارة العالمية في صياغة منظومة التجارة
العالمية ، وخاصة مع التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . وفي المقابل ،
نجد اهتماماً بارداً من الدول الإسلامية ، سواء المنضمة لها أو التي على وشك
الانضمام . ولذلك ، تستفرد المنظمة والدول الفاعلة فيها بحياكة مصالحها داخل
المنظمة ، ومع الدول الراغبة في العضوية بشكل قوي بل ومقزز أحياناً .
والموضوع له أبعاد كثيرة ، فهو ليس موضوعاً اقتصادياً بحتاً ، بل فيه الجانب
العقدي والاجتماعي والاستراتيجي والسياسي والفكري والأمني والحضاري .
والخلاصة هو أمر أمة لا بد من القيام نحوه بما يستحقه . ويستوي في الأهمية
النظر للدول الإسلامية والعربية الأعضاء أو المتوقع دخولهم ، وإن كان للأخيرين
أهم قليلاً في المدى القصير نظراً لظروف المفاوضات المسبقة للانضمام . وقد مر
قيام منظمات دولية كثيرة في غيبة من ذوي الرأي والحجا والدين ، بل كانت فيه
الدول العربية والإسلامية مستعمرات في الغالب ، ولكن ذلك الوضع قد تغير كثيراً
الآن . فلا بد من التنسيق على أعلى المستويات بين الدول الإسلامية والنامية حيال
الموضوع وعلى جميع الأصعدة ، سواء داخل المنظمة أم خارجها . ولا بد من
سياسات إعلامية مناسبة ، تصب في خانة توضيح عمل المنظمة لكل الأطراف
المتأثرين بها ، وهم كل ساكني الدول ، وعلى وجه الخصوص مسؤولي المجالات
التجارية والاقتصادية في الدول ، وقطاع رجال الأعمال . ولا بد كذلك من رصِّ
الصف تجاه المنظمة والشركات التي توجهها ، وتجميع أوراق الضغط على الدول
القوية كاملة ، سواء في المجال التجاري أم غير التجاري . ولا بد من أن تنسق
الدول النامية والإسلامية منها على وجه الخصوص كثيراً من خططها ورؤاها
المستقبلية عبر منظمة التجارة العالمية ، وأن تجعل منها إطاراً للفوز بمكاسب في
التجارة العالمية ، ومن أهم تلك المكاسب المتوقعة إدخال السلع والمواد الأولية التي
لم تكن مجالاً لعمل المنظمة التي انطلقت من مصالح الغرب الصناعي . ولعل في
هذه النقطة مجالاً للتعاون بين الدول الإسلامية لم يكن أصلاً موجوداً في الأجندة
السياسية ، خاصة مع كون منظمة التجارة العالمية قابلة للتوسع في المجالات التي
تشملها .
3 – من أهم مساوئ قيام المنظمة بكامل عملها المنصوص عليه أن يتم الدمج
الكامل للاقتصاد الإسرائيلي في اقتصاديات باقي الدول العربية والإسلامية . ولا شك
أن بعض الدول العربية لم تكن عضواً كاملاً في الجات بسبب المقاطعة العربية
الإسرائيلية . ومع سير تلك المقاطعة نحو التلاشي ، والتقارب العربي الإسرائيلي ،
لم يبق إلا وضع النقاط على حروف العلاقات التجارية . ولا شك أن الدول العربية
مجتمعة ، والدول الإسلامية ، قد تعاني من تفوق الإسرائيليين في بعض الجوانب
التجارية . ولكن العبرة ليست في الجانب التجاري ، ولكنه في الجانب الاستراتيجي
العقدي والفكري في صراع المسلمين مع يهود .
4 – تثور بعض الأسئلة التي تتفاوت درجة إلحاح الجواب عليها من بلد إلى
آخر : فإلى أي مدى تتحمل الدول النامية التغيرات الكبيرة التي ستنقص كثيراً من
الصلاحيات ( السياسية والتنظيمية والمالية والتجارية ) غير المحدودة التي تتمتع
بها ؟ وهل في مقدور تلك الدول تحمل النفقات الناتجة عن تخفيف الجمارك التي
تشكل مصدراً لدخل كثير منها [46] ؟ وهل بديل الرسوم الجمركية وهي الضرائب
(أو زيادتها ) بديل عملي وبدون تكلفة اجتماعية [ومن ثم سياسية] عالية ؟ وهل تمت
دراسة أثر العوامل السلبية الناتجة من تفعيل منظمة التجارة العالمية لكل أدواتها
واتفاقياتها على اللحمة السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية للدول النامية ؟
خاصة أن الاتفاقية نصت على سموها على النظم المحلية [47] . وهل تحررت فائدة
الانضمام بالنسبة للدول التي يغلب على اقتصادياتها الجانب الاستهلاكي ؟ وما
موقف الدول المنضمة لمنظمات تعنى بمنتوجاتها ، مثل أوبك ، أو غيرها من
المنظمات التي قد ينظر لها على أنها تكتلات تجارية ( كارتل ) تمنع انسيابية
التجارة العالمية ؟
5 – حرص الدول الغربية على مصالحها التجارية . وحتى مع النزاعات
الكبيرة التي بينها ، يجد المراقب بعداً استراتيجياً في التعاون بينها لمصالحها ،
والتنسيق في المواقف بينها . ولولا النزاعات التي تند عن التنسيق لم يعرف المتابع
كثيراً من خفايا دهاليز السياسات التنسيقية ! وقد انعكس ذلك جلياً في الضغوط
الموجهة للدول التي تريد الانضمام ، كالصين و تايوان و السعودية و ماليزيا
وغيرها . وقد كان لكثير من الضغوط بعد غير تجاري ، كما صرح بذلك بعض
مسؤولي تلك الدول ، كالبعد الثقافي والديني والسيادي لتلك الدول . وقد تبين من
لقاء المنظمة السابق في سياتل ( واللقاءات الدولية الأخرى للمنظمات العالمية )
وجود الخلافات العميقة بين الدول الغربية ، ومقدار التعامل الحضاري بينها في
تفويت المفاسد الكبرى للحصول على المصالح المرجوة ، ومقدار المرونة مع
الشارع السياسي لصالح الشارع التجاري ( ولو كان تمثيلاً ) . والدول الإسلامية
والنامية أولى بذلك بدون شك . وقد تبين كذلك بوضوح مقدار ما تكنه تلك الدول
الغربية للدول النامية من احتقار وتسفيه حيث لم تأبه لها ولم تترك مجالاً لمندوبيها
للكلام ، بل إن بعضهم لا يدعى لحضور بعض الجلسات كما صرح بعضهم بذلك
لوسائل الإعلام . وقد تبين من حجم المعارضة الشعبية الغربية للمنظمة مدى نضج
الفرد الغربي مقارناً ببقية العالم ، فحيث مست بعض مصالحه مسا يسيراً فقد قام
وسعى ضد من مسها ، ولم نر المثل لا من حكومات الدول النامية والإسلامية ولا
من شعوبها . بل قد شملت المعارضة المنظمات التي لها سنوات طويلة من العمل
العالمي ، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير . وأرى أنه لا بد
من استغلال تلك التجمعات الشعبية المعارضة لصالح العمل العربي والإسلامي في
فضح الممارسات الشائنة للمنظمات العالمية .
6 – لا ينكر أن للمنظمة والانضمام إليها فوائد . ومما ذكر منها على سبيل
الإجمال : خفض تكاليف المعيشة بسبب خفض الضرائب الجمركية ، وزيادة نفاذ
صادرات الدول النامية إلى الأسواق المتقدمة ، والتعامل الحاسم والبناء مع الخلافات
التجارية العالمية ، مع إمكانية ذلك لكل من الأفراد والمؤسسات التجارية فضلاً عن
الحكومات ، وتقليل الأعباء المالية على التجار بسبب توحيد الإجراءات التجارية ،
وحيادية آليات المنظمة يجعلها صالحة لجميع الدول بدون استثناء ، والاعتماد على
قوى السوق وترك السياسات التعويضية المكلفة لكل من الدول والأفراد ، وتقليص
المفاجآت في النظم التجارية في دول العالم حيث لا بد من إخبار المنظمة عن ذلك
مسبقاً ، ثم إن أحكام بعض الاتفاقات خاضعة للمراجعة والتعديل بعد التفاوض عليها ،
ثم إنه قد ثبت أن جعل بعض الصلاحيات في يد منظمات عالمية يقلل الفساد
الإداري في الدول التي يوجد فيها التسلط الفردي والمحسوبية . وفي المقابل ،
ذكرت بعض السلبيات في عمل المنظمة ، منها : ارتفاع الأسعار بعد تطبيق نظم
حقوق الملكية الفكرية التي تزيد من الاحتكار وتحميه ، وخفض الموارد المالية
للدول التي تعتمد على الرسوم الجمركية ، والحد من نقل التقنية للدول النامية ،
وتوقع إفلاس عدد كبير من الأعمال في الدول النامية بعد دخول الشركات الكبرى
ومنافسة الصناعات المحلية وما يترتب على ذلك من البطالة ، ومن ثم التغييرات
السياسية والاجتماعية ، خاصة أن آليات المنظمة هي آليات السوق وهي لا ترحم
الضعفاء ولا عديمي الخبرة . أضف إلى ذلك قضية التحاكم إلى محكمة دولية لا
تحكم بشرع الله سبحانه وتعالى .
7 – قرر أحد الكتاب القانونيين المختصين بالمنظمات العالمية أن أهم جانب
يمكن للدول النامية الإفادة منه تأخر تطبيق كثير من مبادئ وآليات التنظيمات
الدولية . فليس من المستغرب أن يعرف أن بعضاً من استثناءات صندوق النقد
الدولي سارية المفعول بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إقرارها [48] .
يضاف إلى ذلك فضفاضية بعض المصطلحات والحقوق المنصوص عليها في
الاتفاقيات . مثال ذلك : التفريق في الدعم المسموح بين نوعين : الأول يسوغ
التقاضي ، وهو ما أحدث آثاراً سلبية على الصناعة المحلية للدولة المستوردة . ولا
شك أن مثل تلك الآثار مما يطول النقاش حوله . وخاصة أن المنظمة مع ما يقال
عن قوتها وتسلطها قد عانت من إخفاق ذريع في دورة سياتل . وقد يكون لحوادث
التفجيرات في الولايات المتحدة الأمريكية أثر كبير في إعاقة سير عولمة المنظمة .
والغاية هي الإفادة من تلك الثغرات والفرص في إعادة ترتيب الصف العربي
والإسلامي نحو المنظمة .
8 – ختاماً : هل ما سبق يعني عدم الانضمام للمنظمة ؟ لا ، بل أرى أن
الانضمام بأقل التكاليف وبأسرع وقت ، وبأكثر قدر من الضغط المعاكس على الدول
المفاوضة حين الانضمام ، وبأكبر قدر من التنسيق بين الدول الأعضاء الحاليين
الذين لهم مصلحة في دخول الدولة الجديدة ، وبلعب كافة الأوراق الأخرى التي قد
لا يكون لها دخل كبير بالعمليات التجارية أو بمتطلبات الانضمام ، كل ذلك أوْلى
من الانتظار . والذي يظهر والله أعلم أن الانضمام للمنظمات الدولية من المصالح
المرسلة ، التي يجب الموازنة فيها بين المصالح والمفاسد إجمالاً ، ثم لكل دولة على
حدة . لكن ما سبق تقريره هو الرأي الذي أراه ، بالشروط المذكورة ( خاصة ما
ذكرت في رقم 2 أعلاه ) . ولا شك أن بعض المفاسد التي ذكرت في الانضمام
كبيرة جداً ، ولكن النظر إلى واقع المسلمين وما هم عليه من فرقة يكرس القول إن
الانضمام والاتحاد بين الدول العربية والإسلامية من الداخل سيكون فرصة لتوحيد
الكلمة . والله سبحانه وتعالى أعلم .
__________
(*) أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك ، كلية الشريعة الرياض ، مدير إدارة الرقابة الشرعية شركة الراجحي المصرفية للاستثمار .
(1) منظمة التجارة العالمية واقتصاديات الدول النامية ، عبد الناصر نزال العبادي ، 1999م، الطبعة الأولى ، دار الصفاء للنشر والتوزيع ، عمان ، ص 15 ، [وسيشار له لاحقاً بـ : منظمة التجارة العالمية] ، ومنظمة التجارة العالمية ، التجارة في المستقبل ، ترجمة د ، سليمان التركي ، نشر مجلس الأعمال الأمريكي السعودي ، بدون تاريخ ، 9 [وسيشار له لاحقاً بـ : التجارة في المستقبل] .
(2) منظمة التجارة العالمية ، ص 89 93 .
(3) فبعد أن كانت هذه الرسوم الجمركية تعادل في المتوسط 47% في الدول الأعضاء في اتفاقية الجات عام 1947م ، انخفضت إلى ما بين 6% و 8% في بداية السبعينيات ، أما بعد جولة طوكيو فقد أصبحت هذه التعريفة تعادل 6% في المجموعة الأوروبية ، و 4 ، 5% في اليابان ، و 9,4% في الولايات المتحدة الأمريكية ، منظمة التجارة العالمية ، ص 49 50 .
(4) منظمة التجارة العالمية ، ص 30: 38 ، التجارة في المستقبل ، ص 6 7 .
(5) انظر الكلام حول الجولات الثلاث الأخيرة مفصلاً في منظمة التجارة العالمية ، ص 38 89 .
(6) منظمة التجارة العالمية ، ص 55 – 60 ، مركز التجارة الدولية الأونكتاد/ منظمة التجارة العالمية والأمانة العامة للكومنولث ، دليل الأعمال إلى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ، ترجمة مكتب طلال أبو غزالة الدولية ، جنيف ، 1995م ، ص 2 -3 (وسيشار له لاحقاً بـ : دليل الأعمال) .
(7) هناك اتحادات تجارية دولية كثيرة الآن ، ومن أهمها الاتحاد الأوروبي (15 عضواً) ، آسيان (6 أعضاء) ، السوق المشتركة لشرق إفريقيا وجنوبها (23 عضواً) ، حلف دول الإنديان (5 أعضاء) ، النافتا (3 أعضاء) ، دليل الأعمال ، ص 79 .
(8) تتلخص مشكلة الموز بأن الاتحاد الأوروبي يضمن لبعض الدول اللاتينية استيراد جزء من إنتاجها من الموز وبيعه فيها ؛ مما يعني منافسة غير عادلة اقتصادياً مع الموز القادم من بقية الدول والشركات التي قد تواجه بالحجز الجمركي ، وخاصة التي لها صلة بالشركات الأمريكية ، ولما اشتكت الشركات الأمريكية التي تصدر للاتحاد الأوروبي من هذا التصرف حيث يعطي امتيازاً لمنافسيهم ليس بمقدورهم دفعه ، قامت الولايات المتحدة برفع شكوى على المنظمة من أن هذا التصرف يعارض الأسس الجديدة المتفق عليها في المنظمة ، فرفض الاتحاد الأوروبي الانصياع ، فردت الولايات المتحدة بزيادة الجمارك على الواردات من الاتحاد الأوروبي ، ثم حسم الجدل قانونياً لصالح الولايات المتحدة في المنظمة انظر قائمة بإحدى وعشرين قضية مرفوعة لمنظمة التجارة العالمية ، في : منظمة التجارة العالمية ، ص 98 101 .
(9) بلغت تجارة الخدمات عام 1993م قريباً من ألف مليار دولار للصادرات ومثلها تقريباً للواردات لنفس السنة ، دليل الأعمال ، ص 289 290 ، وهي بهذا تصل إلى 20% من إجمالي التجارة العالمية ، منظمة التجارة العالمية ، ص 75 .
(10) منظمة التجارة العالمية ، ص 117 .
(11) من الجدير بالذكر أن دخول الولايات المتحدة الأمريكية الجدي في موضوع المباحثات الخاصة بالتجارة العالمية بدأ في عام 1975 بعد إقرار الكونجرس الأمريكي إعطاء صلاحيات واسعة للرئيس الأمريكي ، منظمة التجارة العالمية ، ص 44 – 45 .
(12) ركز الباحث في المعلومات المباشرة عن منظمة التجارة العالمية على الكتاب الصادر منها بعنوان : التجارة في المستقبل ، ما عدا ما عزي إلى غيره من المراجع .
(13) التجارة في المستقبل ، ص 1 .
(14) تتيح منظمة التجارة العالمية ترتيبات إقليمية بين الدول لزيادة تحرير التجارة ، استثناء من مبدأ الدولة الأولى بالرعاية ، بشرط عدم زيادة الحواجز على التجارة مع بقية العالم ، ويمكن أن تكون هذه التجارة الإقليمية بصفة اتحاد جمركي ، أو منطقة التجارة الحرة حيث يحتفظ العضو بسياسته التجارية الخارجية مع تجارة الدول غير الأعضاء في التجمع ، وفي كلتا الحالتين يجب إزالة جزء كبير من الرسوم والعوائق الجمركية بين الدول الداخلة في التجمع ، التجارة في المستقبل ، ص 21 .
(15) سميت الاتفاقات السابقة المشمولة باتفاقية الجات القديمة : (جات 1947م) ، وأما الجديدة فهي : (جات 1993م) ، وتشمل الثانية الأولى حين الإطلاق الآن ، ويشتهر اسم (منظمة التجارة العالمية) أكثر من اشتهار (الجات) الآن .
(16) دليل الأعمال ، ص 4 – 5 ، التجارة في المستقبل ، ص 54 – 56 .
(17) التجارة في المستقبل ، 45 – 52 .
(18) ولذلك قامت كثير من دول العالم بتحرير سوق الاتصالات استعداداً للمنافسة القادمة التي تحتمها الحقائق التقنية الحديثة ، ومتطلبات المنافسة العالمية حسب قواعد منظمة التجارة العالمية .
(19) التجارة في المستقبل ، ص 34 .
(20) دليل الأعمال ، ص 13 .
(21) على الرغم من تأسيس منظمة عالمية للملكية الفكرية (WIPO) منذ أكثر من ربع قرن (1967م) أصبحت تضم في عضويتها 132 دولة ، إلا أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد أصرت على إدراج هذا الموضوع في مفاوضات جولة أوروجواي ، وعلى الوصول إلى اتفاق بشأنها في إطار منظمة التجارة العالمية ، منظمة التجارة العالمية ، ص 80 .
(22) دليل الأعمال ، ص 14 15 ، والجدير بالذكر أن اتفاقية الخدمات تتيح للدول الأعضاء استثناءات عامة من تطبيق قواعده لحماية الأخلاق العامة أو النظام العام وحماية الأمن القومي ، على ألا تنطوي الإجراءات المتخذة على التمييز بين الدول أو حماية مقنعة ، منظمة التجارة العالمية ، ص 74 .
(23) منظمة التجارة العالمية ، ص 80 .
(24) منظمة الملكية الفكرية ، من موقع (الويبو) على شبكة الإنترنت .
(25) منظمة التجارة العالمية ، ص 78 -79 ، باختصار .
(26) دليل الأعمال ، ص 8 .
(27) ويجوز هذا للدول النامية التي يقل دخل الفرد فيها عن 1000 دولار سنوياً ، وكذلك أقل البلدان نمواً (!) ، دليل الأعمال ، ص 9 (ولا أدري كيف تدعم مثل تلك الدول صادراتها ؟ !) .
(28) دليل الأعمال ، ص 9 .
(29) دليل الأعمال ، ص10 – 11 .
(30) التجارة في المستقبل ، 16 – 17 ، دليل الأعمال ، وانظره موسعاً جداً في (قواعد الجات: الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارية) ، مصطفى سلامة ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1998 ، ص 47- 67 ، (وسيشار له لاحقاً بـ : قواعد الجات) .
(31) وقد كان اللقاء الأخير في قطر ، حيث تم قبول الصين وتايوان عضوين جديدين .
(32) التجارة في المستقبل ، ص 14 – 15 ، قواعد الجات ، ص 8 -9 .
(33) شرط الانضمام للاتفاقات المرتبطة بمنظمة التجارة العالمية شرط جديد ، » وكان في السابق اختيارياً ، وكانت النتيجة أن انضمت قلة قليلة جداً من البلدان النامية إلى الاتفاقات المرتبطة بالجات مثل اتفاق التقييم الجمركي ، وترخيص الاستيراد ، والحواجز الفنية أمام التجارة ، وأما قاعدة الالتزام المتكامل فقد جعلت جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية ، بما في ذلك البلدان النامية وبلدان مرحلة التحول ، أطرافاً في الاتفاقات المرتبطة باتفاق جات وفي غيره من الاتفاقات المتعددة الأطراف « ، ولأجل الصعوبات العملية ، تتيح معاملة خاصة وتفاضلية وفترات انتقالية للبلدان النامية ، وأقل البلدان نمواً ، وبلدان مرحلة التحول ، مع توفير المساعدة الفنية ، دليل الأعمال ، ص 15 .
(34) قواعد الجات ، ص 160 ، والجدير بالذكر أن الدول العربية الذين منحوا عضوية تلقائية هم : مصر ، و تونس ، و المغرب ، و الكويت ، و قطر ، و البحرين ، و الإمارات ، وقد قبلت المنظمة عمان ، والأردن بعد مفاوضات ، ولا تزال السعودية والجزائر في طور المفاوضات ، أما باقي الدول العربية فلم تتقدم للحصول على عضوية المنظمة .
(35) التجارة في المستقبل ، ص 19 – 20 ، بتصرف يسير .
(36) قواعد الجات ، ص 152 .
(37) التجارة في المستقبل ، ص 22 .
(38) التجارة في المستقبل ، ص 22 – 23 .
(39) التجارة في المستقبل ، ص 23 – 24 ، بتصرف ، وللنظر في الإجراءات المفصلة لعمل الهيئة ، انظر الكتاب نفسه ، ص 25 – 26 .
(40) التجارة في المستقبل ، ص 26 – 27 ، بتصرف ، وباختصار .
(41) قواعد الجات ، ص 44 .
(42) فقد تبين مثلاً من ضغط الدول أوبك على الدول الصناعية أن المشكلة ليست في سعر النفط المحدد في السوق والمتأثر بجهود منظمة أوبك ، ولا في الجمارك المفروضة على النفظ من قبل الدول الصناعية ، بل المشكلة في ضريبة القيمة المضافة التي تفرضها الدول الغربية على مبيعات النفط داخلياً ، ولا شك في عدم قدرة الدول الصناعية على إلغائها بسبب ضخامتها وأهميتها للموارد المالية لتلك الدول ، وأما الجهود التي تبذل من الدول الصناعية لإغلاق أسواقها أمام العمال الأجانب فهي لا تحتاج إلى تعليق .
(43) يرى مصطفى سلامة أن أهم أثر للمنظمة هو عولمة الاقتصاد الرأسمالي وآلياته ، قواعد الجات ، ص 80 .
(44) منظمة التجارة العالمية ، 77 ، وكذلك 187 .
(45) انظر ما كتبه مصطفى (أستاذ القانون الدولي) عن الدور المؤثر للدول الفاعلة الأعضاء، وإقحام الاعتبارات السياسية من أجل التحايل على التزاماتها التجارية قواعد الجات ، ص 78 ، وقد صرح بحيف المنظمة في ترتيباتها التجارية ، ص 22- 23 ، وقال إن التنظيم التجاري الدولي الجديد نتاج لتوافق بين الدول المتقدمة ، ص 83 .
(46) ذكر بعض الباحثين أن نسبة الجمارك في إيرادات غالبية الدول الإسلامية تصل 15% ، بينما لا تشكل إلا 1% للدول الصناعية فقط ! .
(47) قواعد الجات ، ص 37 .
(48) قواعد الجات ، ص 84 ويقول أيضاً : » فلقد أسفرت وأثبتت ممارسات المنظمات الدولية الاقتصادية المختلفة أن الإعفاءات أو الاستثناءات قابلة للاستمرار والامتداد مراعاة ونزولاً على واقع الدول المختلفة ؛ بحيث أصبح هناك ما يسمى بالتحلل المشروع من الالتزامات الدولية ، إن هناك خطورة تتمثل في إمكانية أن يصبح تنفيذ الالتزامات المتولدة عن اتفاقات 1994م اختيارياً« ، قواعد الجات ، ص 75 – 77 .
المصدر: مجلة البيان
أحدث التعليقات