مدى تدخل الدولة في فرض الضرائب وتوظيف الأموال – عثمان جمعة ضميرية
مع اتساع سلطات الدولة في العصر الحديث ، وتغير بعض الظروف ، وتجدد
الحوادث والوقائع ، نجد من الواجب دراسة بعض المسائل التي تتصل بحياة الناس
وواقعهم لبيان حكم الإسلام فيها ، ومن ذلك ما نجده من تدخل الدولة في ملكيات
الأفراد الخاصة بفرض ضرائب متنوعة وتوظيف الأموال على القادرين من أفراد
المجتمع . فما هو حكم الإسلام في ذلك ؟ وما مدى مشروعيته ؟ .. هذا ما سنعالجه
في هذا المقال معالجة موجزة مركزة تتفق مع طبيعة المجلة – بإذن الله تعالى .
تعريف الضريبة :
الضريبة عند علماء المالية هي : فريضة إلزامية ، يلتزم الفرد بأدائها إلى
الدولة تبعا لمقدرته على الدفع ، بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء
الخدمات التي تؤديها السلطات العامة ، وتستخدم حصيلتها في تغطية النفقات … العامة [1] .
حماية الملكية :
والأصل العام والقاعدة المقررة في الشريعة الإسلامية : أن المسلم إذا ما التزم
بدفع الواجبات المالية التي تتعلق بملكية المال الذي بيده ، فإنه لا يجوز بعد ذلك
التعرض لما في يده من أموال دون حق ، إلا إذا اقتضت ذلك الضرورة والمصلحة
ضمن القواعد الشرعية المقررة ؛ لذلك رأينا كثيراً من النصوص الشرعية تتوارد
منددة بالمكوس وأخذ الأموال دون حق ، ومن ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر –
رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (لا يدخل
الجنة صاحب مكس) [2] ، وعن عبد الله بن عمرو قال : ( إن صاحب المكس لا
يُسأل عن شيء ، يؤخذ كما هو ، فيُرمى به في نار جهنم ) [3] .
* وكتب عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – إلى عدي بن أرطأة أن : ( ضع
الفدية ، وضعْ عن الناس المائدة ، وضع عن الناس المكس ، وليس بالمكس ، ولكنه
البخس الذي قال الله – تعالى – : [ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تَعْثَوْا فِي
الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ] [ هود : 85] ، فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه ، ومن لم يأتكِ بها
فالله حسيبه ) .
* وكتب أيضاً إلى عبد الله بن عوف القاري أن :( اركبْ إلى البيت الذي
برفح ، الذي يقال له : بيت المكس ، فاهدمْه ، ثم احملْه إلى البور فانسفْه فيه … نسفاً ! [4] .
* ولهذا قال الإمام أبو يوسف القاضي – رحمه الله – :( ليس للإمام أن
يُخرج شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف ) [5] ، وقال : ( وكل مَن أقطعه
الولاة المهديون أرضاً من أرض السواد وأرض العرب والجبال ، من الأصناف التي
للإمام أن يقطع منها – فلا يحل لمَن يأتي بعدهم من الخلفاء أن يرد ذلك ، ولا
يخرجه من يد مَن هو في يده ، وارثاً أو مشترياً ، فأما إن أخذ الوالي من يد واحد
وأقطعها آخر فهذا بمنزلة الغاصب ؛ غصب واحداً وأعطى آخر ، فلا يحل للإمام ،
ولا يسعه أن يقطع من الناس حق مسلم ولا معاهد ، ولا يخرج من يده من ذلك شيئاً
إلا بحق يجب له عليه ، فيأخذه بذلك الذي وجب له عليه .. والأرض عندي بمنزلة
المال ) [6] .
الآثار الاقتصادية للضرائب :
وعقد العلاَّمة الاجتماعي ابن خلدون فصلاً في مقدمته المشهورة بعنوان ( في
ضرب المكوس أواخر الدولة) بيَّن فيه الأسباب التي تدعو الدولة لفرض المكوس
على الرعية ، وآثار ذلك على النشاط الاقتصادي ، وعلى الدولة ، حيت تكسد
الأسواق لفساد الآمال ، ويؤذن ذلك باختلال العمران ، ويعود على الدولة – ولا
يزال يتزايد – إلى أن تضمحل [7] .
ثم عقد فصلاً آخر( في أن الظلم مُؤْذن بخراب العمران) ؛ فقال فيه :
ولا تحسبن الظلم إنما هو أخْذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض
ولا سبب – كما هو المشهور – بل هو أعم من ذلك ، وكل من أخذ ملك أحد أو
غصبه في عمله ، أو طالبه بغير حق ، أو فرض عليه حقاً لم يفرضه المشرع فقد
ظلمه .. فلما كان الظلم مؤْذناً بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كانت
حكمة الحظر (المنع) فيه موجودة ، فكان تحريمه مهماً ، وأدلته من القرآن الكريم
والسنة النبوية كثيرة ، أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر … ) [8] .
الحكم يدور مع علته :
هذا الذي تقدم يبين لنا أنه من الظلم المحرم العدوان على ملكيات الناس
وأموالهم بغير حق ثابت ؛ ولهذا جاءت النصوص الشرعية بتحريمه ، وتبين أن هذا
الحكم بالتحريم معلَّل بأنه ظلم وعدوان ، وهو ما دفع ابن خلدون وغيره إلى القول
بعدم جواز أخذ شيء من المال ، وهو ما أقرته الشريعة الإسلامية ، لكن إذا زالت
العلة ، فلم يعد الأخذ بغير حق ، وإنما هو أمر تستوجبه المصلحة العامة ، وتضبطه
القواعد الشرعية المقررة – فهل يكون هذا الأخذ أو التوظيف للأموال حراماً ؟
نصوص فقهية :
عرض فقهاء الشريعة الإسلامية توظيف الأموال على الأغنياء عند الحاجة وقرروا جواز ذلك ، وفيما يلي نصوص عن بعض الأئمة الفقهاء : … …
* رأي الغزالي : قال الإمام الغزالي – رحمه الله – : ” إذا خلت أيدي الجنود
من الأموال ، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر ، ولو تفرق
العسكر واشتغلوا بالكسب لَخيف دخول العدو بلاد الإسلام ، أو خِيف ثوران الفتنة
من أهل العرامة في بلاد الإسلام – فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار
كفاية الجند ؛ لأنا نعلم أنه : إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد
الضررين وأعظم الشرين ، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر
به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام من ذي شوكة ، يحفظ نظام الأمور ويقطع
مادة الشرور . ومما يشهد لهذا : أن لولي الطفل عمارة القنوات ، وإخراج أجرة
الطبيب وثمن الأدوية ، وكل ذلك تنجيز لتوقع ما هو أكثر منه ) [9].
* رأي الجويني : وقد نص على ذلك أيضاً إمام الحرمين الجويني ، وهو
شيخ الغزالي ، في كتابه ” الغياثي ” ، فقال : ” إذا صفرت يد راعي الرعية عن
الأموال ، لحاجات ماسة ، فلا يخلو الحال من ثلاثة أنحاء :
الأول : أن يطأ الكفار ديار الإسلام – والعياذ بالله – فقد اتفق حملة الشريعة
قاطعة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا إلى مدافعتهم زرافات ووحداناً .. وإذا
كان هذا دين الأمة ومذهب الأئمة ، فأي مقدار للأموال في هجوم أمثال هذه الأهوال ، لو مست إليها الحاجة ؟ ! وأموال الدنيا لو قوبلت بقطرة دم لم تعدلها ، ولم توازنها ، فيجب على الأغنياء في هذا القسم أن يبذلوا فضلات أموالهم ، حتى تنجلي هذه
الداهية ، وتنكف الفئة المارقة الطاغية .
والثاني : أن لا يطأ الكفار ديار الإسلام ، ولكنا نحاذر ذلك ونستشعره ،
لانقطاع موارد الأموال واختلال الأحوال ، فلا يحل تأخير النظر للإسلام والمسلمين
إلى اتفاق استجراء الكافرين ، والدفع أهون من الرفع ، وأموال العالمين لا تقابل
غائلة وطأة الكفار قرية من قرى المسلمين ، فليلحقْ هذا القسم بما تقدم .
وأما القسم الثالث : وهو أن لا نخاف من الكفار هجوماً ، لا خصوصاً في
بعض الأقطار ، ولا عموماً ، لكن الانتهاض للغزو والجهاد يقتضي مزيد عتاد
واستعداد ، فللإمام أن يكلف الأغنياء من فضلات الأموال ما تحصل به الكفاية
والغناء ، فإن إقامة الجهاد فرض على العباد ” .
ثم يضع إمام الحرمين ضوابط لهذا التدخل فيقول :
ليس للإمام في شيء من مجاري الأحكام أن يتهجم ويتحكم ، فعل من
يتشهى ويتمنى ، ولكنه يبني أموره كلها على وجه الرأي والصواب ، في كل باب ،
والأمر في أخذ الأموال يجري على هذه الأحوال . فليشر على أغنياء كل صقع بأن
يبذلوا من المال ما يقع به الاستقلال .
فإذا عسر التبليغ إلى الاستيعاب، ورأى في وجه الصواب أن يخصص أقواماً ، ثم يجعل الناس في ذل كفئاتٍ ، فيستأدي عند كل ملمة من فرقة أخرى وأمة – اتبع في ذلك كله أوامره – واجتنب زواجره . ثم ليكن في ذلك على أكمل نظر ، وأسدّ فكر وعبر … فإذا اقتضى الرأي تعيين أقوام على التنصيص تعرض لهم على التخصيص ، ونظر إلى من كثر ماله وقل عياله ، وقد يتخير من خيف عليه من كثرة ماله أن يطغى ، ولو تُرك لفسد ، ولو غض من غلوائه قليلاً لأوشك أن يقتصد [10] .
* رأي الشاطبي : وقال الإمام الشاطبي – رحمه الله – في كتابه النفيس
(الاعتصام) : إذا قررنا إماماً مطاعاً مفتقراً إلى تكثير الجنود لسد حاجات الثغور …
وحماية الملك المتسع الأقطار ، وخلا بيت المال ، وارتفعت حاجات الجند إلى مالا
يكفيهم ، فللإمام – إذا كان عدلاً – أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في
الحال إلى أن يظهر مال بيت مال المسلمين ، ثم إليه ينظر في توظيف ذلك على
الغلات والثمار وغير ذلك ، كيلا يؤدي تخصيص الناس به إلى إيحاش القلوب ،
وذلك يقع قليلاً من كثير- بحيث لا يجحف بأحد -ويحصل المقصود .
وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين ؛ لاتساع مال بيت المال في زمانهم ،
بخلاف زماننا (زمان الشاطبي) ؛ فإن القضية فيه أحرى ، ووجه المصلحة هنا
ظاهر ، فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك النظام لبطلت شوكة الإمام ، وصارت ديارنا
عرضة لاستيلاء الكفار .
وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام مع عدله ، فالذين يحذرون من الدواهي لو
تنقطع عنهم الشوكة – يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها – فضلاً عن اليسير
منها ، فإذا عورض هذا الضرر العظيم بالضرر اللاحق لهم بأخذ بعض أموالهم ،
فلا يتمارى في ترجيح الثاني على الأول ، وهو مما يعلم من مقصود الشرع قبل
النظر في الشواهد .
ثم قال : ( والملاءمة الأخرى أن الأب في طفله أو الوصي في يتيمه ، أو …
الكافل فيمن يكفله مأمور برعاية الأصلح له ، وهو يصرف ماله إلى وجوه من
النفقات أو المؤن المحتاج إليها ، وكل ما يراه سبباً لزيادة ماله – مال الطفل أو
القاصر – أو حراسته من التلف جاز له بذل المال في تحصيله . ومصلحة الإسلام
عامة لا تتقاصر عن مصلحة طفل ، ولا نظر إمام المسلمين يتقاعد عن نظر واحد
من الآحاد في حق محجوره .
فهذه ملاءمة صحيحة ، إلا أنها في محل ضرورة ، فتقدر بقدرها ، فلا يصح
هذا الحكم إلا مع وجودها … وهذه المسألة نص عليها الغزالي في مواضع من كتبه ، وتلاه في تصحيحها ابن العربي في أحكام القرآن . وشرط جواز ذلك كله عندهم
عدالة الإمام ، وإيقاع التصرف في أخذ المال وإعطائه على الوجه المشروع) [11] .
* رأي ابن حزم : وممن عرض لهذه المسألة ، وأيدها بالنصوص الشرعية
والحجج القوية الإمام ابن حزم في كتابه العظيم ( المحلَّى) ، فقال :( وفرض على
الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم
تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين ما يقوم بهم ، فيقام لهم بما يأكلون
من القوت الذي لابد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يكنهم
من المطر والصيف والشمس وعيون المارة .
برهان ذلك : قول الله – تعالى – : [ وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ
السَّبِيلِ ] [الإسراء : 26] ، وقال – تعالى – : [ وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً وبِذِي القُرْبَى
والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ ذِي القُرْبَى والْجَارِ الجُنُبِ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وابْنِ
السَّبِيلِ ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ] [النساء : 36] ، فأوجب تعالى حق المساكين وابن
السبيل وما ملكت اليمين مع حق ذي القربى ، وافترض الإحسان إلى الأبوين وذي
القربى والمساكين والجار وما ملكت اليمين ، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا ،
ومنْعه إساءة بلا شك .
وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)[12] . قال أبو محمد (ابن حزم) : ومن كان على فضلة ورأى أخاه المسلم جائعاً عريان ضائعاً فلم يُغثه فما رحمه بلا شك .. وقد قال -صلى الله عليه وسلم- :
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ..) [13] ، ومن تركه يجوع ويعرى – وهو قادر على إطعامه – فقد أسلمه .
والنصوص من القرآن ، والأحاديث الصحاح في هذا تكثر جداً [14] .
ويذهب ابن حزم إلى أن المسلم لا يعتبر مضطراً لأكل لحم الميتة أو الخنزير
وهو يجد طعاماً فاضلاً عن حاجة أخيه ، وله أن يقاتل للحصول على هذا
الفضل ، فيقول :( ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل لحم خنزير أو ميتة وهو يجد
طعاماً فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو لذمي ؛ لأن فرضاً على صاحب الطعام إطعام
الجائع فإذا كان ذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى الخنزير).
وله أن يقاتل عن ذلك ، فإن قُتل فعلى قاتله القود ، وإن قتل المانع فإلى
لعنة الله ؛ لأنه منع حقاً ، وهو طائفة باغية ؛ قال – تعالى – : [ فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا
عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ ] [الحجرات : 9] ، وما
منع الحق باغٍ على أخيه الذي له الحق ، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق مانع الزكاة [15]. شبهة مردودة :
وعلى هذا لا يحتج على منع توظيف الأموال بما رواه ابن ماجه عن فاطمة
بنت قيس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ( ليس في المال حق سوى
الزكاة ) [16] ؛ لأنه قد ثبت أن هناك حقوقاً أخرى في المال سوى الزكاة ، منها :
النفقات على الأبوين المحتاجين ، وعلى الزوجة وعلى الرقيق وعلى الحيوان ،
ومنها الديون والأروش (ديات الأعضاء) ، وفكاك الأسير ، وإطعام المضطر ؛ فإن
هذا قام الإجماع على وجوبه .
والحديث أيضاً معارَض بما رواه الترمذي:« إن في المال حقاً سوى الزكاة»، ويمكن القول بأنه ليس في المال حق سوى الزكاة بطريق الأصالة ، وقد …
يعرض ما يوجب فيه حقاً كوجود مضطر ، فلا تناقض بينه وبين الخبر السابق ؛
لما تقرر من أن ذلك ناظر إلى الأصل ، وهذا ناظر إلى ما قد يطرأ فيوجب حقاً
جديداً [17] .
بين الزكاة والضريبة :
وبناءاً على هذه النصوص أجاز الفقهاء المحدثون فرض ضرائب جديدة عند
الحاجة إلى ذلك ، فقد سئل الشيخ أبو الأعلى المودودي – رحمه الله – : ما هي
وسائل الدخل للحكومة الإسلامية ، والمعروف عامة أنه لا ضريبة في الإسلام إلا
الزكاة والجزية والخراج ؟ .
فقال :( من الخطأ القول : إنه لا يجوز في الإسلام أن نفرض ضريبة لسد
نفقات الحكومة ، وكذلك لا يصح أن يقال : إن الزكاة هي ضريبة توضع على
الناس لتسد بها نفقات الحكومة ، إنما الزكاة مال من أموال التأمين الاجتماعي .
يؤخذ من الأغنياء ليرد إلى من يستحق من الفقراء .
أما حاجات الحكومة فما هي إلا حاجات الجمهور أنفسهم ، فكل ما يطالبون به
الحكومة من واجبهم أن يكتتبوا لها من الأموال ما تحقق به مطالبهم ) [18] .
(فلا بد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية على النظام التصاعدي – …
بحسب المال لا بحسب الربح- يعطى منها الفقراء طبعاً، وتجبى من الأغنياء
الموسرين، وتنفق في رفع مستوى المعيشة بكل الوسائل المستطاعة. ومن لطائف
عمر -رضي الله عنه- أنه كان يفرض الضرائب الثقيلة على العنب ؛ لأنه … فاكهة الأغنياء في ذلك الوقت ، والضريبة التي لا تُذكر على التمر ؛ لأنه طعام الفقراء ، فكان أول من لاحظ هذا المعنى في الحكام والأمراء -رضي الله … عنه – [19] .
الشروط والضوابط :
وبذلك تحدد لنا المجال الذي تعمل فيه هذه النصوص السابقة ، ومدى
مشروعية هذه الفرائض أو الضرائب ، إلا أن ذلك ليس موكولاً إلى هوى الحكام
وشهواتهم ، ليفرضوا على الرعية ما تنوء به الكواهل من الواجبات التي تدخل إلى
خزائن المترفين منهم والمترهلين باسم المصلحة العامة ، كما أنه لا يجوز فرض
هذه الضرائب والخزينة في غنى عنها ؛ لذلك وضع العلماء شروطاً لابد من توافرها
حتى يصح القول بمشروعية هذه الضرائب ، ومن هذه الشروط :
1- أن تكون هذه الضرائب أمراً استثنائياً تدعو إليه المصلحة العامة للمجتمع، وتدبيراً مؤقتاً ، حسبما تدعو إليه الضرورة التي تقدر بقدرها ، ينتهي ويزول بزوال العلة والحاجة .
2 – أن يكون الحاكم الذي يفرض هذه الضرائب عادلاً ، تجب طاعته،
ليكون في هذا ضمان لعدم الظلم والعسف ، ولتحقيق العدل .
3 – أن لا يكون هناك في بيت المال والخزينة العامة ما يكفي لسد هذه الحاجات ، ولا ينتظر أو يرجى أن يكون شيء من ذلك ، نظراً للظروف الطارئة،
وأن يرد الحاكم وحاشيته ما عندهم من أموال فائضة إلى بيت مال المسلمين.
4 – أن يقع التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع
5 – كما يشترط أن تكون أحكام الشرع في تلك الحال نافذة كما يجب ، وحدوده مقامة كما يرضى ، وأن تكون الوظائف في جهاز الحكم بقدر الحاجة ، لا تزيد عليها [20] .
هذا ما يسر الله -تعالى- كتابته في هذا الموضوع الذي يتساءل الناس
عن الحكم فيه وللتفصيل والوقائع مجال آخر قد لا يتحمله مقال عاجل أو مجلة ثقافية عامة . والله الموفق .
__________
(1) انظر : الملكية في الشريعة الإسلامية ، د عبد السلام العبادي : 2/ 285 ، والمرجع المشار إليه هناك .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الإمارة ، 4/197 (مختصر المنذري) ، والدارِمي في الزكاة : 1/393 وصححه الحاكم في المستدرك : 1/404 ووافقه الذهبي ، وأخرجه ابن خزيمة ، 4/51 ? والإمام أحمد، 4/143 ? قال الخطابي : ” صاحب المكس هو الذي يعشّر أموال المسلمين ويأخذ من التجار إذا مروا عليه وعبروا به مكساً باسم العشر ، وليس هو بالساعي الذي يأخذ الصدقات وأصل المكس : النقص .
(3) أخرجه أبو عبيد في الأموال ، 703-704 .
(4) أخرجه أبو عبيد في الأموال ، 703-704 .
(5) الخراج لأبي يوسف ، 71 ? وانظر : الأشباه والنظائر ، لابن نجيم ، 124 .
(6) الخراج لأبي يوسف ، 66 .
(7) مقدمة ابن خلدون ، 280-281 .
(8) المصدر نفسه ، وانظر الفصل بكامله ، 286-290 .
(9) انظر : المستصفى من علم الأصول للغزالي 2 /304-305 ، مطبوع مع مسلَّم الثبوت .
(10) انظر : الغياثي للجويني ، 256-273 بتحقيق د عبد العظيم الديب ، طبعة قطر .
(11) الاعتصام للإمام الشاطبي ، 2 /121-123 .
(12) أخرجه البخاري في التوحيد ،13/385 (فتح الباري) ، ومسلم في الفضائل ، 4/1808-1809.
(13) قطعة من حديث أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب ، 4/1986 .
(14) المحلى لابن حزم ، 6/224-227 وانظر بحث الدكتور إبراهيم اللبان في مجمع البحوث الإسلامية ، 1/248 وما بعدها .
(15) المُحلى ، 6/330 .
(16) أخرجه ابن ماجه في الزكاة ، 1/570 قال النووي : ضعيف جداً وقال ابن القطان : فيه أبو حمزة (ميمون الأعور) : ضعيف انظر : فيض القدير للمناوي ، 5/375 .
(17) انظر : الملكية في الشريعة ومدى تدخل الدولة في تقييدها لعثمان جمعة ضميرية ، 218-220 .
(18) نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون للمودودي ، 312-313 .
(19) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، ص 405 .
(20) انظر بالتفصيل هذه الشروط والوقائع التاريخية ونصوص العلماء في : الغياثي للجويني ، (270) وما بعدها ، والاعتصام للشاطبي ، 2/123 واشتراكية الإسلام للدكتور مصطفى السباعي ، 123-126 ونظرات في كتاب اشتراكية الإسلام للشيخ محمد الحامد 124-125 ، والملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي ، 2/294-299 وخطوط رئيسية في الاقتصاد للأستاذ محمود أبو السعود ، 46 والثروة في ظل الإسلام للبهي الخولي / 224 .
المصدر: المكتبة الشاملة
أحدث التعليقات