أسباب قسوة القلب؛ اقتصادياً
الجمعة 22/جمادى الأولى/1425 هـ
كما أن الشجرة إن سقاها ورعاها صاحبها نمت وأثمرت، وإن تركها ذبلت ويبست؛ كذلك الإيمان إذا حافظ الإنسان على عوامله تعمق وتجذر، ونمى وأثمر، وإلا خبا ضوؤه وصار إلى النقصان.
وذكر الله هو وسيلة نمو الإيمان في النفس: إذا تساقطت عنها الحجب وخشعت، أما إذا قست وتكلست لا تنتفع بالذكر، كما لا تنتفع الشجرة اليابسة بالماء ولو كان عذباً فراتاً.
ولذلك يحذر الله المؤمنين من قسوة القلب، ويعاتبهم على عدم خشوعهم لذكره وللحق، فيقول:
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله] .[وما نزل من الحق
ومن أسباب قسوة القلب من الناحية الاقتصادية والمادية: حب الدنيا، والتعلق بها، والتشبث بها، والحرص على ما فيها؛ فمن الطعام أطيبه، ومن الثياب أجدها، ومن المساكن أوسعها، ومن السيارات أحدثها، ويعيش في دوامة التجديد والتطوير، والتشكيل والتنويع، كل يوم أو كل أسبوع جهاز هاتف (موبايل جديد)، وكل شهر أو كل سنة سيارة جديدة، وكل سنة أو كل خمس سنين بيت جديد.
ومن الحرص على الدنيا التطلعrوملذاتها: البحث عن المناصب، والسعي إلى تقلد مراكزها، وقد كره رسول الله للمسؤولية والبحث عن المناصب، إذ قال: لا تأمرن على اثنين
ومن أسباب قسوة القلب: أنه كلما تقدم الإنسان في السن كان أحرص على المال وجمعه، وأرغب في الحصول عليه : “يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال،rوكنـزه، وفي حديث رسول الله والحرص على العمر”(رواه مسلم).
فتراه يلهث وراء المال ويسعى إلى اكتسابه؛ ليلا rًونهاراً، وفي كل أوقاته وأحيانه، ولو على حساب دينه وأخلاقه، يقول رسول الله محذراً من الحرص على حب المال: “لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابنِ آدم إلا التراب”(رواه مسلم).
مع أن حب المال فطرة إنسانية، وغريزة ، ولكن المذموم أن[ وإنه (الإنسان) لحب الخير (المال) لشديد]بشرية، كما قال تعالى: تكون الدنيا هي الهم والاهتمام، والشغل والانشغال.
ومن أسباب قسوة القلب: أكل الحرام، وما أدراك ما أكل الحرام، فقد تعددت صوره، وتنوعت أشكاله، وتزينت أفعاله، وأكل الحرام يشمل:
أكل أموال الناس بالباطل، عن طريق البيع والشراء؛ غشاً في الأفعال، وتدليساً في الصفات، وزوراً وكذباً وبهتاناً في الأقوال، حتى عدت الشطارة في أن الزبون إذا دخل فعليك أن تجعله يشتري؛ بأي شكل من الأشكال؛ ولو بالخداع والمواربة، والتحايل والملاعبة، وتردد على ألسنة الباعة والتجار: التجارة شطارة، والشَّاطِرُ هو: الذي أَعْيا أَهله ومُؤَدِّبَه خُبْثاً، والأصح أن نقول فن ومهارة.
ومن أسباب قسوة القلب: الأرباح الزائدة والفاحشة، بالضعف والضعفين، وأكثر لدى البعض، بل والأرقام الخيالية والفلكية التي يحلم أن يحققها في ليلة وضحاها، أو في صفقة وأختها؛ غير مبالٍ بالمستهلكين، وأصحاب الدخل المحدود، أو المفقود.
ومن أخطر أنواع التدليس ما يعرض في الدعايات ويزين في المحلات مما يغري المستهلكين في شراء ما لا يحتاجون إليه، بدافع الرغبة في حب التقليد، والظهور بمظهر المتابعين للجديد.
ولا يقتصر الأمر على أصحاب التجارة والبيع، بل ينطبق ذلك على الصناع وأصحاب الحرف والمهن، المسوفون في أقوالهم، والمتراخون في إنجاز أعمالهم، : “ويل للصناع؛ من: غداً،rالطامعون في أموال غيرهم، وهم الذين قال فيهم رسول الله وبعد غدٍ”.
وأما ما يخص أفراد المجتمع بأسره فهو الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى: الرشوة، وقد جرى على ألسنة الناس قولهم: ما بتمشي لترشي، واستخدموا آيات من ، يقصد الرشوة، وغفل أن[ادفع بالتي هي أحسن]القرآن في غير موضعها، إذ يقول قائلهم: الآية تؤصل لِخُلُق العفو والصفح عن أخطاء الآخرين.
وهي كبيرة من أخطر كبائر الذنوب التي تسبب أضراراً اقتصادية وسياسية واجتماعية، كما أنها دليل على ضعف الوازع الديني، وانتشار الفساد الأخلاقي، والانحراف السلوكي في المجتمع.
والرشوة مجمع على تحريمها؛ لأنها من أهم العوامل التي تؤثر في مجرى العدل بين الناس وتغيير موازينه، وهي التي تمهد للظلم، وتنشر الفساد الإداري والاجتماعي.
فلا يحل أخذها بحال من الأحوال؛ حتى لا تتعرض حقوق الناس ومصالحهم للضياع، وحتى لا يستشري الفساد في المصالح الحكومية والشركات وغيرها من سائر الأعمال.
وللرشوة أنواع أربعة؛ ثلاثة منها محرمة:
الأول: أن يدفع إنسان لآخر شيئاً من المال، أو يقوم له بخدمة من الخدمات من أجل أن يعطيه شيئاً ليس من حقه أن يأخذه.
والثاني: أن يقصد الراشي من المرتشي تفويت حق لإنسان؛ حقداً وحسداً ومكيدة له، ونكاية فيه.
والثالث: أن يقصد الراشي من المرتشي أن يوليه عملاً ليس كفئاً له.
ومن أشكال الرشوة أن يأتيك صاحب حاجة فتشفع له عن وتتوسط من أجله، لتخرجه من أزمة، فتشترط عليه أن يقدم لك هدية، أو جرى العرف أن تقدم الهدايا في مثل هذه الأحوال، وما علم الناس أن رسول قال: “مَن شفع لأrالله خيه بشفاعة؛ فأهدى له هدية عليها؛ فقبلها: فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا”(رواه أبو داود).
وسئل ابن مسعود عن السحت؟ في قوله وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم]، [سماعون للكذب أكَّالون للسحت]تعالى: والعدوان،وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن ، فقال هو: أن تشفع لأخيك شفاعة[قواهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون فيهدي لك هدية فتقبلها، فقال له: أرأيت إن كانت هدية في باطل، فقال: ذلك كفر.
وهذه الأنواع الثلاثة من أشد الجرائم التي توعد الله مرتكبيها أشد العذاب.
ومن جهة أخرى تُلاحظ أفعال تقسي القلب، ليس في العطاء والبذل والإقدام، بل في المنع والحجب والإحجام، من خلال الشح على النفس، والبخل عن الآخرين، وقبض اليد عن الإنفاق في مجالات الخير.
ولم يعرض القرآن الكريم مشهداً تمثيلياً بالصورة والصوت لأسلوب العذاب في جهنم كما عرضه لذلك البخيل الكانز، والجشع المانع، والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم]إذ يقول تعالى: بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما ، فهل عرض القرآن مثل هذا المشهد لِمَن ترك[كنـزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون الصلاة، أو الصيام؟!!، أو لِمن عق والديه أو قطع رَحِمه؟!!!.
لماذا: لأن الجزاء من جنس العمل، يأتي المحتاج إلى صاحب المال، فيطلب منه، فيقطب حاجبيه، ويعبُس في وجهه، وإذا ألح المحتاج أعرض عنه بكتفه، وإذا زاد إلحاح المحتاج ضجر منه وغادر المكان مولياً ظهره، فكان من عدل الله أن يعاقبه بمثل ما كان يحرم المحتاجين يُعرف المجرمون بسيماهم]من قسوة وغلظة، ولتكون له علامة يُعرف بها، قال تعالى: .[فيُؤخذ بالنواصي والأقدام
أما النوع الرابع من أنواع الرشوة، فهو: أن يعطي الإنسان المرتشي شيئاً؛ لتخليص حقه إذا لم يجد سبيلاً لتخليصه إلا بالرشوة، أو أراد أن يتقي بدفعها ضرراً يلحق به أو بأولاده.
المصدر: موقع الدكتور علاء الدين زعتري
أحدث التعليقات