العولمة.. هل تعزز المصارف الإسلامية؟
عبد الكريم حمودي- قدس برس
بعدما أصبحت “العولمة” أهم الظواهر التي تجتاح البشرية في القرن الحادي والعشرين، أضحت مناقشة آثارها على الاقتصاديات العربية والإسلامية أمرا بالغ الأهمية، خاصة أن العولمة تقتحم كافة الأسوار والحواجز وتضع المؤسسات والشركات، بل والمجتمعات النامية أمام رياح العولمة العاتية.
ونظرا لأهمية النظام المصرفي في الاقتصاد الحديث، ركّزت بعض الجهود التي بذلت في ذلك الأمر حديثها على المصارف في ظل العولمة.
وقد شكل الملتقى الذي نظّمته الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية -جدة، والبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار لمناقشة تحديات العولمة للمصارف الإسلامية الذي عُقد في عمان في الفترة من 19 – 21 أيار (مايو) الماضي – مناسبة جيدة لعرض القضية.
وأجمع المتحدثون ومقدمو أوراق العمل في المؤتمر على أنه لا بد من مواجهة الظاهرة والإفادة من إيجابياتها، والعمل على التقليل من آثارها السلبية في ظل فقدان الدول العربية والإسلامية لأي أداة من أدواتها والتي هي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسية.
وركّزت العديد من أوراق العمل على تحليل الجوانب الإيجابية والسلبية للظاهرة بكافة مستوياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والقضائية والاجتماعية.
على صعيد الإيجابيات، فإن العولمة تعمل على جذب الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية وزيادة النشاط التجاري الدولي والسماح بتحرك الكفاءات البشرية؛ حيث ستتم إزالة الحواجز وتخفيض التعريفة الجمركية والتخصص في الإنتاج إلى تقليل الأسعار للسلع والخدمات المستوردة، وبالتالي تخفيف العبء على المستهلك، بالإضافة إلى الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، وزيادة التنافس في مجال السلع والأسعار وزيادة حجم النشاط التجاري، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي على المستوى العالمي.
أما بالنسبة للسلبيات، فإن العولمة ستؤدي إلى إضعاف سيطرة الدولة القطرية، وانخفاض التوظيف والوظائف للعمالة الماهرة، وانخفاض الأجور، وتعميق الهوة بين الدول الغنية والنامية، كما سيكون للعولمة آثارها السلبية على البيئة، خاصة من خلال استنزاف وإتلاف الأراضي الزراعية، وتشجيع الاستثمارات غير المنتجة لصالح تلك التي تدر ربحًا سريعًا.
التنمية في الإسلام: أهداف وأولويات
ساهم العديد من المتخصصين إسهامات فعالة في تقعيد ( أي وضع قواعد) التنمية الاقتصادية من وجهة نظر إسلامية، مع تقديم عرض لأهم العقبات التي تقف أمام تنمية البلدان الإسلامية هذا من جهة، ومن جهة أخرى معالجة موضوع تحديات العولمة للمصارف الإسلامية، فعلى صعيد (التقعيد) الإسلامي للتنمية، وكما جاء في ورقة قدمها الدكتور “محمد أنس الزرقا” المستشار في شركة المستثمر الدولي بدولة الكويت في المؤتمر سابق الذكر، فإن التنمية تكون إسلامية إذا كانت أهدافها وأولوياتها شرعية، وسياساتها ووسائلها مباحة، فأما الأهداف فقد حددها في ثلاثة كبرى، وهي:
- كفالة حد أدنى من المعيشة لكل فرد.
- تحقيق القوة والاستقلال الاقتصادي.
- تخفيف التفاوت في الدخل والثروة بين الناس.
وأما الأولويات الشرعية فهي:
- توفير أمن كل فرد على حياته وماله وعرضه وحقوقه الأساسية بما فيها توفير الأمن من العدوان الخارجي.
- توفير وسائل حفظ الصحة ومعالجة المرضى.
- توفير الغذاء والكساء والمأوى.
- إعطاء أهمية أكبر للأمور المعيشية لحاجات الفقراء على الأغنياء والأضعف على الأقوى.
- تقديم الضروريات والحاجيات على الكماليات في كل نفقة عامة وكل عمل عام.
وأما السياسات الاقتصادية، فيكفي أن تكون مباحة، بمعنى أن لا تخالف حكمًا شرعيًا.
عقبات أمام تنمية الدول الإسلامية
أما على صعيد العقبات التي تقف أمام تنمية الدول الإسلامية، فيمكن اختصارها في النقاط التالية:
– المبالغة والتضخيم لوجوه الاختلاف بين التنمية في إطار إسلامي والتنمية الاقتصادية عمومًا، وإغفال القواسم المشتركة الكثيرة بينهما.
- تخلف نظم التربية والتعليم.
- إفساد نظام الحوافز.
- عدم الاستناد إلى معيار الكفاءة في توظيف قوة العمل.
- الإسراف الاستهلاكي.
- الاستبداد وكبت حق النقد والتصحيح.
أما الدكتور “سامي الحمود” الرئيس التنفيذي للمركز العالمي للاستثمارات التمويلية والمصرفية الإسلامية – الأردن، فقد أوضح في ورقة بعنوان: “إطار العولمة للاقتصاد الإسلامي “أن مفهوم العولمة ليس جديدًا بالمنظور الإسلامي الشامل إذا كان المقصود بالعولمة الانفتاح العالمي بلا حدود ولا قيود في الاتصال والتجارة والعبور، بل ذهب أبعد من ذلك حيث أكد أن الحرية التجارية لا تتعارض مع المنهج الاقتصادي الإسلامي القائم على العالمية والمساواة بين الناس، لكن العولمة اليوم تعني إزاحة المعوقات الوطنية أمام التبادل التجاري ليتنافس القوي المؤهل أمام الضعيف الأعزل في صراع حُسمت نتيجته من قبل اللقاء المرتقب.
المصارف الإسلامية والتقليدية جنبا إلى جنب!
على الرغم من أن العمل المصرفي الإسلامي يقوم على أسس تختلف في وسائلها عن وسائل العمل المصرفي التقليدي فإن هناك تخوفاً من انعكاسات التلاقي المفتوح في المستقبل بين النظام المصرفي العالمي المؤهل والقوي وبين النظام المصرفي الإسلامي أو بتعبير أدق البنوك الإسلامية، سواء في الدول التي قامت بتحويل النظام المصرفي لديها ليصبح إسلاميًا بالإلزام القانوني لعدم التعامل بالفائدة، وذلك على نحو ما جرى في باكستان وإيران والسودان، أو الدول الإسلامية الأخرى التي أقرت مبدأ التعايش المزدوج للنظام المصرفي الإسلامي للعمل جنبًا إلى جنب مع النظام المصرفي التقليدي، وذلك على نحو ما هو معمول به في ماليزيا والأردن ومصر وعدد من دول الخليج العربي، في حين أن هناك دولاً إسلامية أخرى ما زالت قوانينها لا تسمح بأي ترخيص للعمل المصرفي الإسلامي.
حضور قوي للعمل المصرفي الإسلامي
في ظل هذا الوضع يمكن الحديث عن كيانات مصرفية إسلامية تتباين في قوتها وضعفها من دولة لأخرى، مع التأكيد على أن القواعد المالية والأسس التي قام عليها النظام المصرفي الإسلامي قد قطعت شوطًا بعيدًا في تكريس هذا العمل، علاوة على أن العمل المصرفي الإسلامي أثبت حضورًا متميزًا، سواء من خلال الوسائل الاقتصادية التي أدخلها للسوق المصرفي أو من خلال معدلات النمو السنوية التي سجلها القطاع المصرفي الإسلامي والتي تجاوزت الـ15%.
لكن غياب الإطار المؤسسي والتنظيمي الخاص بتكامل العمل المصرفي الإسلامي، سواء من حيث وجود السوق الثانوية للمصارف الإسلامية أو توفير أسواق رأس المال الإسلامي بأدواتها وتنظيماتها المختلفة، يجعل الحديث عن مواجهة العولمة في ظل الوضع القائم لبنوك إسلامية عاملة لا فائدة منه بالأساس.
وعن دور المصارف الإسلامية في الحد من الآثار السلبية للعولمة، أوضح الأستاذ “بكر ريحان” المدير التنفيذي للبنك الإسلامي الأردني، أنها تتجلى في الآثار السلبية للفائدة المصرفية التي تتقاضاها البنوك التقليدية؛ حيث أكد أن استبعاد عنصر الفائدة المصرفية من العمل المصرفي الإسلامي يعطي حصانة ضد السلبيات التي تنطوي عليها العولمة في اقتصاديات الدول الفقيرة، وذلك بالعمل على:
- الحد من التضخم من خلال عدم الإسهام في ظاهرة تولد النقود التي ينتجها نظام “الجاري مدين” (Over Draft) والإقراض بفائدة.
- الحد من الركود من خلال تمويل المشروعات الإنتاجية التي تُولِّد الدخل، فيزداد الطلب وتزداد العمالة وتدور عجلة الاقتصاد الوطني.
- الحد من سوء توزيع الثروة وذلك باهتمام المصرف الإسلامي في تمويل الصناعات الصغيرة بالمشاركة والمضاربة، وتحويل جزء من العمال إلى ملاك.
- الحد من هدر الموارد الاقتصادية، وذلك بتقديم التمويل للمشروعات أو السلع المعتبرة شرعًا وعدم تقديم التمويل لإنتاج سلع ضارة أو لأهداف غير إنتاجية، إضافة إلى عدم الدخول في أي مشروعات إلا بعد ثبوت جدواها الاقتصادية.
العولمة: وسائل ونتائج
ساهم الباحث “مروان عوض” المدير العام للأولى الدولية للاستشارات والتحكيم في الأردن في رصد تحديات العولمة التي تواجه المصارف في الدول النامية والمصارف الإسلامية بشكل خاص، من خلال تناوله وسائل العولمة بالتفصيل، خاصة تلك الناتجة عن ثورة المعلوماتية والاتصالات، وذلك للأسباب التالية:
- نسف الحواجز الحمائية التي كانت تضعها الدول أو حتى المؤسسات.
- رفع درجة التنافسية في عمل المصارف إلى حد يجعل المصارف غير قابلة للاستمرار أو الصمود إذا ما فتحت عليها البنوك الخارجية.
- تقليل هوامش الأرباح لمختلف أنواع العمليات المصرفية، وإذا كانت الهوامش هي الضامن في الماضي لقاء واستمرار هذه المصارف، فإن الأمر يصبح الآن موضع تساؤل كبير.
- ضعف إمكانية الكثير من المصارف في الاستجابة لمتطلبات التأهيل التي تفرضها ثورة المعلومات، وهو ما سيؤثر على أعمالها.
كما تحدّث عن التغيرات التي أحدثتها شبكة الاتصالات الدولية (الإنترنت) في القطاع المصرفي، والتي ستزيد الأعباء على المصارف التقليدية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، وهذه التغيرات نوجزها في النقاط التالية:
- تخفيض هائل في كلفة العمليات المصرفية؛ حيث يصل هذا التخفيض إلى حدود عشر الكلفة الأصلية للعمليات المصرفية التي كانت تتم بشكل مباشر.
- تسهيل التعامل عبر الحدود وتقديم خدمات مختلفة ومتنوعة للعملاء، وبما يزيل حواجز الحدود وكأنها غير موجودة.
- ازدياد التحديات المرتبطة بمواضيع الأمن والحماية للعملاء وسرية التعامل وتعديل الأنظمة الحالية بما يخدم هذا الغرض.
- انحسار العلاقة التي كانت قائمة في السابق بين المصرف وعملائه؛ نتيجة الخيارات التي توفرها الإنترنت للعميل.
الحذر واجب للمصارف الإسلامية
من التغيرات السابقة رصد الباحث أربع نقاط جديرة بالاهتمام بالنسبة للمصارف الإسلامية، وهي:
- أن المصارف الإسلامية لم تتح لها الفرصة الحقيقية للمشاركة في وضع السياسات أو تطوير الفنيات والتقنيات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات وأعمال الإنترنت، أو المساهمة في إيجاد الحلول لقضاياها ومشكلاتها.
- غياب رؤية موحدة لهذه المصارف بالنسبة لظاهرة العولمة، وكيفية التعامل معها.
- عدم إهمال خصوصية وتميز أعمال وأنشطة المصارف الإسلامية عن غيرها من المصارف التقليدية ولما يمكن أن تلاقيه المصارف الإسلامية بسبب تكنولوجيا المعلومات وعالم إنترنت المصارف بشكل خاص.
- إدراك هذه المصارف للمشكلات والمعوقات التي تعترض طريقها كمصارف إسلامية حديثة النشأة، سواء تلك المرتبطة بأعمالها وأنشطتها أو تلك المرتبطة بالبيئة والأجواء المحيطة بها.
وقد أورد الباحث مجموعة من التحديات التي قد تؤثر على قدرة المصارف الإسلامية، منها:
- عدم وجود معايير موحدة لتحديد المنتجات والأدوات التمويلية.
- عدم قدرة المصارف الإسلامية على تطوير المنتجات الرديفية لمنتجات البنوك التقليدية؛ مثل: منتجات الخزينة، والتحوط، والسندات، وغيرها.
- عدم استطاعة المصارف الإسلامية منافسة التقليدية في قضية الأرباح؛ لأن أرباح المصارف الإسلامية حدية بطبيعتها وذلك لأسباب عديدة.
- عدم جدوى توسع المصارف الإسلامية في الفروع الآلية نتيجة التنافس الذي ستوجده التجارة الإلكترونية.
دور فعال للبنك الإسلامي للتنمية
عن الدور الذي يمكن أن يلعبه البنك الإسلامي للتنمية في مواجهة تحديات العولمة، قدّم الباحث الدكتور “سامي الحمود” ثلاثة مقترحات في هذا المجال، وهي:
أولاً: الإسهام الفعلي في تطوير التجارة البينية، وزيادة تأهيل قدرة الدول الأعضاء على تنمية الصادرات، وذلك عن طريق إنشاء السوق التجارية الحرة للعالم الإسلامي والمعرض التجاري الدائم للدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية.
ثانيًا: دفع المسيرة التشريعية لوضع الأدوات التمويلية الإسلامية موضوع التنفيذ؛ بهدف بناء القواعد التأسيسية لإنشاء سوق رأس المال الإسلامي المتكامل بأدواته وأنظمته ومعلوماته.
ثالثًا: رعاية العمل المصرفي الإسلامي بصورة تنظيمية بهدف توفير فرص التكامل المصرفي، من خلال وجود المؤسسة المصرفية العالمية للبنوك الإسلامية من جانب، وإقامة سوق رأس المال الإسلامي بأدواته وتنظيماته من الجانب الآخر.
وفي الختام يمكن القول: إن المصارف الإسلامية ذات خصوصية تميزها عن باقي المصارف سواء لجهة العملاء أو لجهة الأدوات الاستثمارية، إلا أن حصتها في أسواق الدول الإسلامية لا تزال متواضعة، ولكن أمامها مساحة كبيرة للنمو يمكن أن تساعدها في التصدي للكثير من الأزمات التي تفرضها مفردات العولمة.
كما أن الممارسات الخاطئة التي نتجت عن العولمة والمرتبطة بعمليات غسيل الأموال وتجارة الممنوعات والاقتصاديات غير النظامية قد تدفع العالم إلى محاربتها؛ لذلك فإن نجاح المصارف الإسلامية في ظل العولمة مرهون بتفهمها لما يجري حولها والتعامل معه بتطوير أنظمتها وإدارتها، ومن خلال إستراتيجية إسلامية موحدة تأخذ بعين الاعتبار جميع حاجات الدول الإسلامية المصرفية.
المصدر: http://www.islamonline.net/arabic/economics/2001/06/article4.shtml
أحدث التعليقات