مقال : الأزمه المالية العالمية………الاسباب ……. والنتائج ؟؟ – د. وديع أحمد كابلي

الأزمه المالية العالمية………الاسباب ……. والنتائج ؟؟

بقلم : د. وديع أحمد كابلي

أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز                      (1/2)

تابع معظم القراء أخبار الازمة المالية العالمية متسائلين عن أسبابها ونتائجها علي الاقتصاد العالمي بمجمله واقتصادهم المحلي بشكل خاص ؟  وسأحاول هنا القاء بعض الضوء علي أسباب هذه الازمة المتشابكة بشئ من الايجاز غير المخل وبدون الدخول في التفاصيل الفنية التي لا يفهما سوي القليل من الخبراء المختصين ، وكذلك توضيح بعضاً من نتائجها الخطيرة علي الافراد والمجتمعات المختلفة .

وحتي تتضح الصورة كاملة لابد أن نرجع الي الوراء قليلا وبالتحديد بعد 11/9/2001 عندما أصيب الاقتصاد الامريكي بصدمة إقتصادية نتيجة لتدمير مركزي التجارة العالميين في نيويورك وخشية المسئولين في أن يؤدي ذلك حالة إنكماش اقتصادي محدق .

وكما هو معروف فإن فلسفة الحزب الجمهوري الاقتصادية ترتكز علي مبدا عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي والمالي وأن تترك حل المشاكل الاقتصادية لقوي السوق وحدها بدون أدني تدخل من الحكومة ، ومع ذلك فقد قامت الحكومة بتشيع البنوك علي الاقراض عن طريق سياسة البنك المركزي ( الفدرال رزيرف) بالتخفيض المتتالي لاسعار الفائدة ، مما أدي الي هبوط أسعار الفائدة الي مستويات متدنية جدا خلال الفتره من 2002 الي نهاية 2005 .

لقد نجحت تلك السياسة في البداية في إخراج الاقتصاد الامريكي من كساد محقق !! ولكن الشئ إذا زاد عن حده ….انقلب الي ضده ، فقد شجعت تلك السياسة أيضا علي زيادة التوسع في الاقراض وحتي بدون ضمانات كافيه وبدون حذر من العواقب المتوقعة .

وقد استغل قطاع البنوك تلك السياسة وتوسع في الاقراض الاستهلاكي والاقراض العقاري من أجل تحقيق أرباح سريعه وطائلة من وراء الاقراض لقطاع الانشائات والمساكن  بشكل غير مسبوق في التاريخ وبدون تكوين الاحتطياطيات الكافية وبتجاهل مبادي وأصول العمل المصرفي في عدم الاقراض لقطاع واحد أكثر من النسب المتعارف عليها عالميا ، فزاد إنكشاف تلك البنوك EXPUSUER لقطاع الاسكان بشكل مخيف .

وقد ادت تلك السياسة الي حدوث طفرة عقارية كبيرة في أرجاء أمريكا وأرتفعت أسعار العقارات بشكل فقاعة أخذت تكبر وتكبر بشكل مضاعف خلال الفتره من 2002 الي 2006 م .

لقد أستطاعت بنوك الاقراض العقاري في تمويل تلك القروض الهائلة  عن طريق الاقتراض من البنوك الاخري المحلية والعالمية ( عملية إعادة بيع القروض) محققا بذلك أرباح خيالية .

عدم كفاية الضمانات

من المعروف أن البنوك العقارية تقرض المشتري بحد أقص 80% من قيمة العقار مقابل رهن العقار للبنك وبأسعار فائدة ثابتة طويلة الأجل  بنسبة تتراوح بين 6% ـ 8 % ولفتره حوالي (20ـ30 عام) ، ولكن لاسباب غير واضحة كسرت البنوك تلك القاعدة الذهبية وأخذت في إقراض كل من هب ودب بدون ضمانات كافية وبدون النظر الي القدرة المالية للمقترض وبنسب تصل الي 95% من قيمة العقاري الذي هو مبالغ فيه من البداية .

كما قامت بإقراض أصحاب العقار السابقين بضمان عقاراتهم الحالية المتزايد السعر ، بما يعرف بالـ   SECOND MORGAGE ، كما تم إختراع أسلوب جديد في إحتساب الفوائد بشكل متغير Variable Interest Rate بحيث يمكن إعطاء القرض بسعر فائده منخفض جدا في البداية ثم رفعه بعد سنتين أو ثلاثه الي مستويات أعلي من المتوسط المعروف ، لقد كانت تلك الأساليب الجديدة تحتوي علي عنصر خداع للمقترض وغش وتدليس علي المقترض البسيط الذي ليس لديه خبره في الاقتراض العقاري ولا يقرأ شروط العقد بالكامل ، وخصوصا ما هومكتوب بالخط الصغير جداً . ويرى أن القسط الشهري مناسب لدخله وأن أسعار العقار في إرتفاع مستمر ….. ومستمر ….ومستمر ، فلا خوف من الاقتراض.

لقد كان جشع البنوك المتزايد وراء إعطاء المزيد ثم المزيد من القروض بدون النظر لقدرة هؤلاء علي التسديد ، فكل شئ علي يسير علي مايرام فالبنوك تحقق أرباح خيالية وأسعار العقارات في تزايد مستمر والكل سعيد وفرحان بهذه الفقاعة التي أصبحت تكبر وتكبر كل يوم .

نهاية الطفرة العقارية

وكما أن لكل شئ بداية ونهاية ، فقد أنتهت طفرة العقارات في منتصف عام 2006 ، وبدات أسعار الفائدة في الارتفاع خوفا من تزايد معدل التضخم ، ومن هنا بدأت بنوك الرهن العقاري في رفع الفوائد علي القروض السابقة ، مما ترتب عليه رفع الاقساط الشهرية علي المقترضين ، ولم يكن أغلبهم يعلم أن القسط الشهري يمكن أن يزيد ، فرجع لقرائة العقد من جديد وقرائة البنود المكتوبة بالخط الصغير في نهاية العقد مع إستعمال المكبر الذي يتناسب مع قوة نظره ، ووحد بعد فوات الاوان أن البنك سيستولي علي منزله ويعرضه للبيع إن عجز عن التسديد المنتظم للاقساط الشهرية !!!

وبدات حالات العجز عن التسديد تتكاثر ، وعجزت البنوك عن إعادة بيع تلك المنازل وتحصيل أموالها المقترضة ، وظهرت أزمة الرهن العقاري مع بداية عام 2007م وأخذت في التزايد والانتشاركالنار في الهشيم و في أرجاء جميع الولايات الامريكية بدون استثناء .

وبدل أن تنتبه الادارة الامريكية لتلك الازمة من البداية وتحاول حلها بطريقه حكيمة وجزرية قبل انتشارها واستفحالها، أخذت موقف المتفرج بحجة عدم التدخل في الامور الاقتصادية والمالية وأن كل واحد مسئول عن تصرفاته ، ولم تقم بدورها المفترض وهو حماية الضعيف من القوي وضمان نزاهة وقانونية العقود المالية وحماية أفراد المجتمع من بعضهم البعض !!!

فقد كان هناك الكثير من الخداع والغش في تلك العقود التي تبدوا في ظاهرها(القانوني) الرحمة وفي باطنها (الحقيقي ) العذاب والمعاناة للمقترضين .

لقد كانت الادارة الجمهوريه في تلك الايام 2006 و2007 مشغولة لشوشتها في الحرب علي العراق وفي الاعداد للحرب علي إيران وحكاية الملف النوي والعقوبات الاقتصادية عليها !!!

وتركت مشكلة الرهن العقاري الاخذة في التوسع لأن تحل نفسها بنفسها بدون تدخل ( إشتراكي) من الدولة في الشئون الاقتصادية .

وبدون أن يخطر ببال أحد حينها أنها ستقوم  بتأميم (شراء) شركة مثل AIG .

 

هذه بإختصار شديد بعض الاسباب المهمة للأ زمة ، أما النتائج فسنشرحها في الحلقة القادمة إنشاء الله .

الأزمه المالية العالمية………الاسباب ……. والنتائج ؟؟

بقلم : د. وديع أحمد كابلي

أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز                      2)/2)

 

لقد توقع كثير من الاقتصاديين هذه الازمة قبل حدوثها وحذروا من نتائجها الوخيمة ، ولكن لم يسمع لهم أحد ، لأن الطفرة العقاريه أعمت عيون الكثيريين عن رؤية الحقائق ، كما حدث عندنا بالضبط أثاء طفرة سوق الاسهم (الفقاعة) خلال العامين 2004/2005 م.

إن ارتفاع أسعار العقارجعلت الناس والبنوك تتسارع في الاقراض والاقتراض لتحقيق أرباح سهلة وسريعة في المجال العقاري فقد كانت أسعار العقارات تتزايد بمعدل 20% ـ 30% سنويا خلال الغتره من2004/2006 .

ومن خلال ما سبق يتضح أن الازمة المالية الحالية كانت نتيجة طبيعية لابد من حصولها وذلك لسبب بسيط للغاية وهو ( لايصح الا الصحيح ) وستظل قوانين الاقتصاد تسري علي الجميع ، وأن تجاهل أو تناسي الحقائق والضوابط الاقتصادية يؤدي الي كوارث اقتصادية ومالية نحن في غني عنها ، وكان بالامكان تجنبها ببعد النظر .

في منتصف 2007 بدأت حالات العجز المالي لدي الافراد تتزايد ، وطرحت عقاراتهم للبيع العلني ، مما خفض قيمة العقارات الاخري ، نتيجة لزيادة العرض من المساكن عن الطلب الكلي ، هذا بدوره أدي لتفاقم الازمة لأن العقارات الآخري هي في الحقيقة ضمانات لقروض أخري من بنوك أخري ، وعندما لايستطيع البنك العقاري إسترداد أمواله المقرضه للمواطنين  فإنه لايستطيع تسديد ودائع العملاء ، والقروض التي أقترضها من البنوك الاخري (داخلية أو خارجية ) لتمويل عملياته .

نتيجة لذلك فإن (الموقف المالي) لبنوك الاقراض العقاري هي التي بدات تضعف في البداية ، وكان يمكن تدارك المشكله من بدايتها عن طريق أن تتولي الحكومة الفدرالية حماية صغار الملاك بتحمل الفرق بين القسط الشهري قبل الزيادة وبعد الزيادة لفترة سنتين أو ثلاثه حتي يقوم المقترض بتصحيح أوضاعه، أومنح فترة سماح للمقترصين Grace Period يقوم بعدها المقترض إما بتسديد القرض أوبيع المنزل بطريقته الخاصه بدون ضغط من البنك ، وفي هذه الحاله تقل عمليات الافلاس العقاري والبيع المكثف للعقارات في فترة قصيرة .

وكانت مثل تلك الخطة لن تكلف الحكومة الفدرالية (دافعي الضرائب) سوي عشر ما ستكلفه الآن،حيث تصل تقديراتنا المبدئية الي أن حجم المبلغ المطلوب لعملية الانقاذ الحالية تصل الي حوالي 1,5 ترليون دولار علي اقل تقدير خلال سنة من الآن !!! وذلك أكثر من ضعف ما هو مطلوب من الحكومة حالياً ، وذلك حسب التقديرات المتحفظه لسوق الرهن العقاري والتي تتراوح بين 3-4 ترليون دولار .

السؤال الذي يتبادر الي الذهن الآن هو : هناك أزمة رهن عقاري في أمريكا ، طيب وإحنا مالنا ؟ يعني ماهي علاقتنا بذلك ؟؟؟

هذا الكلام قد ينطبق علي كل دول العالم ، ولكن لاينطبق علي أمريكا ، وليس ذلك لأنها لازالت أكبر إقتصاد في العالم (حوالي 15 ترليون) فقط ، بل هي أكبر مركز مالي عالمي ، أي أن شبكات المال والتمويلا العالمية تلتقي هناك ، أضف الي ذلك أن ودائع وثروات العالم تصب هناك للإستثمار مقابل فوائد أو أرباح مجزية ، وكان سوق الرهن العقاري أحدهم ، كما أن هناك حقيقة أخري في غاية الآهمية وهي كون الدولار هو العملة الكونية الرئيسة ، وكون الدولار هو أداة التسعير للبترول والذهب وكافة السلع الدولية ، وأخيرا وليس بأخراُ الدولار هو عملة الاحتياط الاولي التي تحتفظ بها كافة البنوك المركزية في العالم .

وبذلك نجد أن هناك ترابط (تورط) وثيق بين البنوك العالمية فكل بنك لديه فوائض يمكن أن يقرضها أو يستثمرها في أمريكا !!!

من هنا نري كيف اننا وبقية دول العالم دخلنا في اللعبة ، وكلما كانت العلاقات الاقتصادية والمالية مع أمريكا أقوي ، كان الضرر أشد .

فجميع بنوكنا لديها ودائع ضخمة في مختلف بنوك أمريكا ، وصحيح أننا نأخذ عائد سنوي علي تلك الودائع أو الاستثمارات ، ولكن مقابل ذلك فإن البنوك الامريكية تقوم بإقراضها لمن تشاء . وليس لدي إحصائات دقيقة عن حجم تلك الاموال الخليجية المودعة أو المستثمرة هناك، ولكن بعض المصادر تقدرها بـ 3-5 ترليون .

الأثار الجانية

لن ينتهي الآمر عند إفلاس عدد من البنوك الامريكية وتدخل الحكومة لإنقاذ البعض الآخر ، بل سوف يتعداه لبقية السلسلة الاقتصادية بكاملها ، فليست الحلقة المالية سوي أحد حلقات السلسلة الاقتصادية ، وسوف تتأثر بقية قطاعات الاقتصاد الامريكي لما حدث في قطاع البنوك ، فسوف يتأثر القطاع الزراعي والصناعي والنقل والعائلي و … الخ بسبب إفلاس تلك البنوك وسوف تزيد نسبة البطالة ، وسينكمش الطلب الكلي علي جميع السلع والخدمات ، مما يؤدي الي انخفاض الانفاق الكلي ، وبالتالي ستنخفض الدخول الفردية ، وستنخفض حصيلة الضرائب ، مما سيزيد العجز في الميزانية الفدرالية والذي تجاوز الـ 500 مليار هذا العام ، كما تجاوز الدين العام الـ 10 تريليون ، وهو رقم في غاية الخطورة بالنسبه لهم ولنا أيضا، لأننا نقرض الحكومة الامريكية عن طريق شراء سندات الخزانة الامريكة بكميات مهولة !!

ولذلك فقد تأثر قطاع الاعمال لدينا ولدي جميع الدول المرتبطه بالاقتصاد الامريكي لانهيار القطاع المالي الامريكي تحت وطأت الديون العقارية الفاسدة ، وعدم القدرة علي استردادها في الوقت الحالي ، كما أن محاولات البنك المركزي الامريكي بضخ حوالي 700 مليار دولار لإنقاذ المصارف المفلسة أو المتعثرة وهي متأخرة جداً وغير كافية ، ويخشي أن الاقتصاد الامريكي بكل قوته قد لا يستطيع تحمل هذه الصدمة القوية ، وقد يؤدي الي تحول الانكماش الاقتصادي الي حالة كساد ، مما يؤدي الي إنخفاض الطلب الامريكي علي الواردات المختلفه من جميع دول العالم مثل البترول والمعادن وبقية السلع الاستهلاكية الاخري مما سيؤدي الي انتقال الكساد الي باقي دول العالم كما حدث خلال الكساد العالمي الكبير في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي والذي إستمر قرابة الاربع سنوات .

ففي تقرير اخير لصندوق النقد الدولي بأن الازمة المالية الحالية مرشحة للتزايد وأن تتحول الي أزمة اقتصادية عالمية كاملة وأن الأسوأ قد يكون قادماً ، مما يبعث القشعريرة في أرجاء العالم !!! إن أحد عيوب العولمة هوإنفتاح الاسواق العالمية بعضها علي بعض بشكل هائل ، مما يؤدئ الي إنتقال المرض بالعدوي من الاقتصادات المريضة الي الاقتصادات السليمة بسرعة فائقة ، وقد لا يسلم من شرها أي دولة في هذا المالم .

الحـــلــول

قد يكون هناك بصيص أمل باقي في تعاون بقية الدول الاخري مع أمريكا في الوقوف صفا واحدا في مواجهة هذه الازمة التي تواجه الجميع وذلك عن طريق التوصل الي إتفاق بإصلاح النظام المالي والنقدي العالمي الذي لازال يعتمد علي الدولار الضعيف والذي لم يعد في قوته ومكانته التي كان عليها في نهاية الحرب العالمية الثانية(64عاماً) حينما كان الاقتصاد الامريكي يمثل 40% من الانتاج العالمي وأصبح الان أقل من15% .

وحتي يمكن الخروج من هذه الازمة وعدم تكرارها في المستقبل لابد من إعادة رسم الخارطة الاقتصادية العالمية بحيث تتعدد المراكزالاقتصادية والمالية العالمية وتصبح هناك سلة عملات عالمية ، تحل محل الدولار كعملة دولية رئيسية وأن يحد من هيمنة الاقتصاد والمال الامريكية علي بقية دول العالم .