قراءة نقدية لكتاب نهاية التاريخ والرجل الأخير، للكاتب فرانسيس فوكوياما – مناقشة: د. بشر محمد موفق

مناقشة الفصل التاسع من كتاب نهاية التاريخ – بشر محمد موفق

قراءة نقدية لكتاب نهاية التاريخ والرجل الأخير، للكاتب فرانسيس فوكوياما – الفصل التاسع: الانتصار

مناقشة: بشر محمد موفق

 يقول فوكوياما: في العقد الأخير من القرن العشرين ثبتت حقيقة أن الرأسمالية ضرورة حتمية للبلاد المتقدمة.

ثم ذكر أن هناك مزايا نسبية للاشتراكية وهي مزايا موهومة أرجعها إلى نظرية التبعية، ومنها:

  1. أن الاتحاد السوفييتي استطاع أن يوجد مجتمعا حضريا صناعيا في مدة جيل واحد، من خلال الخوف والقهر في العشرينات والثلاثينات، ونفس العملية استغرقت في أمريكا قرنين من الزمن لإنجازها لكن بدون قهر.
  2. استمر التخطيط المركزي الاشتراكي جذابا لأنه قدم طريقا سريعة لتكدس رأس المال وإعادة التوجيه العقلاني للموارد في تطور صناعي متوازن.
  3. قويت الحجة التي تطرح الاشتراكية كإستراتيجية للتطور أمام دول العالم الثالث بسبب فشل الرأسمالية  في تحقيق نمو اقتصادي في دول أمريكا اللاتينية.

كما أن هذه النظرية نسبت فقر هذه الدول إلى الاستعمار، وبعد اختفاء الاستعمار نسبته إلى الاستعمار الجديد، ونقل عن لينين قوله: لقد حافظت الرأسمالية على نفسها عن طريق تصدير الاستغلال إلى المستعمرات حيث كانت العمالة الوطنية والمواد الخام قادرة على استيعاب فائض رأس المال الأوروبي.

ولاحظ الاقتصادي الأرجنتيني (راؤول بريبش) أن حدود التجارة بالنسبة لمحيط العالم تقترب دائما من مركزه، وعزا النمو الضعيف في العالم الثالث إلى النظام الاقتصادي الرأسمالي،؟ وبالتالي كانت ثروة الشمال مرتبطة بفقر الجنوب.

ورد فوكوياما بأنه وفقا لنظرية التجارة الحرة الكلاسيكية فإن الاشتراك في نظام مفتوح للتجارة في العالم سوف يصل بالجميع إلى أقصى درجة من المزايا، حتى إذا كانت هناك دولة تبيع البن وأخرى تبيع الكمبيوتر.

ولكن أقول: إن العبارة الأصح هي أنهم استغلوا العالم الثالث في ناحيتين:

  1. أنهم جعلوه مصدرا للموارد التي يبنون عليها تطورهم الصناعي الهائل.
  2. أنهم جعلوه سوقاً لبضائعهم وأرادوا أن يبقوه كذلك، لا أن يصحو أو ينتج للعالم أي شيء، ولا حتى يكتفي ذاتيا.

ثم يستدل فوكوياما على صحة النظام التجاري الحر من خلال نمو النمور الآسيوية في جيل أو جيلين، تماما كما تنبأت النظريات التجارية الأولى حسب كلامه، فهؤلاء المتطورون متأخرا في آسيا بداية من اليابان كانوا قادرين على شراء أحدث التكنولوجيا من أمريكا كما صاروا فيما بعد قادرين على منافسة الغرب منافسة قوية.

وأقول: إن هذا الكلام منافٍ للحيادية العلمية بل يكذبه الواقع العملي العالمي، حيث إن هذه الدول قد أنجزت ما أنجزته من التقدم والتطور حين استوردت الفن التكنولوجي ثم أغلقت الاستيراد من الخارج، بل وأقفلت الداخل عن التأثر بالغرب، حتى أنشأت جيلا منتجا لا يعتمد على الاستيراد من الخارج، تماما كما فعلت ألمانيا بعد الحرب، حين أغلقت الاستيراد من فرنسا، حتى استطاعت أن تبني قاعدة صناعية منافسة.

وأضيف: لو كان ما يقوله صحيحا: فلماذا يضرب عالمُه الغربي دول النمور الآسيوية في منتصف التسعينات؟ حيث إن التطور كان سيعود بالنفع على الغرب حسب نظرية التجارة الحرة الكلاسيكية!!!

ثم يقول فوكوياما: قام بعض أنصار نظرية التبعية بمحاولة القول أن النجاح الاقتصادي الذي حققته الاقتصاديات الصناعية الحديثة في آسيا كان راجعا إلى التخطيط، وأن السياسات الاقتصادية وليست الرأسمالية تمثل جذور نجاح هذا الاقتصاد.

ويرد على ذلك بأن معظم هؤلاء الذين يمثلون اليسار ويعتبرون آسيا مثلا إيجابيا على تدخل الدولة في الاقتصاد، لن يستطيعوا هضم الأسلوب الآسيوي الاستبدادي في التخطيط، فنوع التخطيط اليساري الذي يعمل باسم ضحايا الرأسمالية كان له من الناحية التاريخية نتائج غير مرغوبة.

ثم يتساءل الكاتب: إذا لم يكن النظام الرأسمالي عقبةً في سبيل التطور الاقتصادي في العالم الثالث، فلماذا لم تنمُ اقتصاديات السوق الموجهة الأخرى خارج آسيا على وجه السرعة؟ – أمريكا اللاتينية مثلا –

ثم يجيب بإجابتين:

  1. التفسير الثقافي: أي أن العادات والتقاليد والديانات والتركيب الاجتماعي لشعوب هذه المناطق تعترض إنجاز مستويات عالية من النمو الاقتصادي بطريقة لا تحدث مع شعوب آسيا وأوروبا، وإذا كانت هناك بالتالي  عوائق ثقافية هامة تجعل الأسواق لا تعمل في مجتمعات معينة فإذَنْ عالمية الرأسمالية كطريق نحو التحديث الاقتصادي ستكون موضع تساؤل.
  2. السياسة: فلم تنجح محاولة تطبيق الرأسمالية في أمريكا اللاتينية وأجزاء أخرى من العالم الثالث لأن هذه المحاولة لم تتم بشكل جدي، وقد تعثرت معظم الاقتصاديات الرأسمالية لأمريكا اللاتينية بفعل التقاليد التجارية المنتشرة في كل قطاعات الدولة تحت اسم العدالة الاقتصادية.

وبالطبع فإنه رأى أن التفسير الأول فيه طعن مباشر للرأسمالية مما جعله يرى أن التفسير الثاني هو المقنع إلى حدٍّ ما، وبرره بأن السياسة قابلة للتغير أسرع من تغيُّر الثقافة.

ولكنه عندما جاء يدافع عن الرأسمالية وفق التبرير الثاني فإنه طعنها من حيث لا يدري، حيث قال: لقد صار تقليدا عاما في أمريكا اللاتينية استخدامُ سلطة الدولة لرعاية المصالح الاقتصادية للطبقات العليا والتي كانت بدورها:

  1. تأخذ إشارتها من الطبقات العليا في أوروبا والتي كانت حكوماتها تمدها بالحماية.
  2. كانت حكومات هذه الطبقة العليا تحميها من المنافسة العالمية من خلال سياسات مثل “الاستيراد كبديل للإنتاج”.

فهو وإن أراد أن يبرئ الرأسمالية ويلحق السبب بسلطة الدولة والطبقة العليا إلا أنه كان واضحا في أن العالم المتطور في أمريكا هو من زرع هذه الطبقات العليا والتي صرح بأنها تستمد إشارتها من الطبقات العليا في أوروبا، بل وتنفذ سياسات اقتصادية تخدم الغرب المتطور مثل سياسة الاستيراد بديلا للإنتاج، مما يعني بقاء العالم الثالث مستوردا وسوقا للعالم المتطور.. وهذه الحقيقة التي يحاول إخفاءها وتعميتها.

ثم يأخذ الكاتب في ذكر مساوئ بعض التطبيقات للاشتراكية في العالم الثالث والصين وغيرها، ليصل في نهاية هذا الفصل إلى النتيجة التي كتب الكتاب من أجلها، حيث يقول:

إن القوة الجذابة لهذا العالم تخلق مناخا مهيأ لكل المجتمعات الإنسانية حتى تشترك فيه، إلا أن النجاح في الاشتراك يتطلب أولا تبني مبادئ الحرية الاقتصادية.. وهذا هو الانتصار..

وصدق من قال: لا أحد يقول عن زيته عكر!!

وقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الحالية فشل هذا الانتصار، وانكسار العالم المنتصر على حد زعمهم..

والحمد لله رب العالمين.