حكم أعمال البُرصة في الفقه الإسلامي – علاء الدين بن محمد حسين يعقوب

حكم أعمال البُرصة* في الفقه الإسلامي

الشـيخ  : علاء الدين بن محمد حسين يعقوب

*البُرصة (بضم الباء وبدون واو )من الكلمات المستحدثة التي أقرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله

أما بعد : فإن ديننا العظيم الذي شرع العبادات نظَّم المعاملات ، فجاء والناس يتعاملون ، فأخذ يُنظِّم معاملاتهم حَرَّم منها ما حَرَّم ، وأحلَّ منها ما أحلّ ، وعدَّل منها ما عدَّل .

أحل البيع وحرم الربا ، ووجدت أسواق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان هو بنفسه عليه الصلاة والسلام يمر على هذه الأسواق ، ويرسل من يراقب هذه الأسواق في مكة لما كان في المدينة ، والخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم كانوا أيضا يراقبون الأسواق ، ونعرف أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان لا يسمح لتاجر بأن يدخل سوق المسلمين إلا إذا كان عالماً بفقه المعاملات ؛ حتى لا يقع في الربا 

وكان يلاحظ عندما يدخل السوق ألا يلحق ضرراً بالمشترين ولا بالبائعين ؛ وقد ورد أن أحد البائعين أراد أن يبيع بسعر أقل من السوق فقال له : إما أن تبيع مثلهم وإما أن ترحل عن سوقنا .

إذن هناك حماية للمشترين وحماية للبائعين ؛ وفرق كبير بين

أولئك البائعين الذين يستحقون الحماية ، وبين بائعين محتكرين

مستغلين جشعين .

ولما تطورت الأسواق في ظل النظام الإسلامي كان التطور في حضانة الإسلام ، ولذلك نشأت عقود جديدة ومعاملات مستحدثة في تلك العصور : في القرن الثاني معاملة مثلاً تعتبر مستحدثه بالنسبة للقرن الأول ، وعقد ينشأ في القرن الثالث يعتبر مستحدثاً بالنسبه لما قبله ،وهكذا كانت النشأة في حضانة الإسلام ، ولذلك كانت تتفق مع كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي ضوء المبادئ الإسلامية العامة .

بعد هذا نأتي إلى عصرنا ، نُظُم الاقتصاد في العالم المعاصر بعيدة عن الإسلام ، لأنها نشأت بعيدة عن الإسلام ، ولذلك رأينا كيف أن البنوك نشأت نشأة يهودية ربوية

فدخلت بلاد الإسلام كما هي – يهودية ربوية – ولا تزال .

وتعالوا لننظر في موضوعنا وهو البرصة : وهي تختلف عن الأسواق في بعض الأشياء ، فصفقاتها مثلاً عمليات كبيرة في أشياء مثلية متجانسة ….إلخ 

ونريد أن نقف عند الصفقات التي تعقد في البرصة لنرى جانب الحل والحرمة .

ما دامت البرصة قد نشأت في غير ظل الإسلام فإننا لا نتوقع

أن تكون إسلامية ، قد يكون فيها شيء يتفق مع الإسلام ولكن لا نتوقع أن تكون إسلامية خالصة ؛ بل إننا عندما ننظر في أعمال البرصة فإننا سنجد أن أكثر أعمالها بعيدة عن الإسلام .

فعندنا مثلاً برصة الأوراق المالية : يباع فيها السندات والأسهم ، وبرصة سلع حاضرة ، وآجلة ، وبرصة نقود يباع فيها النقود . ننظر إلى ما يتم في تلك البرص .

السندات التي تباع ، ما حقيقتها ؟

السندات سواء أكانت حكومية أم تصدرها هيئة أم شركة : هي قروض طويلة الأجل أو قصيرة الأجل ، وهذه القروض تكون الهيئة أو الشركة أو الحكومة التي أصدرتها ضامنة لها ، فتدفع فائدة سنوية محددة ، سند مثلاً بمائة وله فائدة سنوية عشرة ، فلو فرضنا أن شركة من الشركات هي التي أصدرت السندات فإنها في نهاية العام – قبل توزيع الأرباح على المساهمين – تخرج الزيادة الربوية للمقترضين وما تبقى يوزع على المساهمين فإذا لم تربح الشركة أخذ من أصولها ، وإذا أفلست الشركة دخل أصحاب السندات مع الدائنين ،

والمساهمون لا يأخذون شيئا إلا بعد الديون .

فلا خلاف حول أن السندات قرض بزيادة في مقابل الزمن ، وهذا هو ربا الديون الذي حرمه الإسلام .

كأن البرصة إذن عندما تبيع سندات إنما تبيع قروضاً ربوية .

أمر عجيب أن القرض نفسه يباع ، وأيضاً قد يباع ربوياً في الحال ، وقد يباع بالأجل ، فما دام السند له فائدة محددة مقابل الزمن بالقيمة الإسمية فهذه الزيادة الربوية تجعل السند قرضاً ربوياً وما دام قرضاً ربوياً فلا يحل بيعه ولا شراؤه ولا تملكه ولا إصداره ولا حيازته ، وكل من تعامل في سندات فقد أذن بحرب من الله ورسوله .

هذا بالنسبة للسندات ، ونأتي للأسهم :

ما هي الأسهم ؟

الأسهم جمع سهم ، وهو في اللغة له عدة معان منها : النصيب وجمعه السُهمان بضم السين ، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمى به عن القوس وجمعه السهام ، ومنها : بمعنى القدح الذي يقارع به ، أو يلعب به في الميسر ، ويقال أسهم بينهم أي أقرع ، وساهمه أي باره ولاعبه فغلبه ، وفي القرآن الكريم (فساهم فكان من المدحضين )أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين .

والاقتصاديون يطلقون السهم مرة على الصك ، ومرة على النصيب ، والمؤدى واحد .

مثلاً وجدنا إثنين أو ثلاثة يكونون شركة بينهم ، وكلٌ دفع جزءاً من رأس المال في شركة صغيرة عادية ، غير أننا نجد في بعض الشركات – وبالذات في عصرنا – أن رأس المال يكون كبيراً ، فبيع الأسهم يعني أن رأس مال الشركة قسم إلى أجزاء والسهم يمثل جزءاً من هذه الأجزاء .

فلو فرضنا أن الشركة طرحت ألف سهم واشترى واحد عشرة أسهم ، فهو إذاً يملك من الشركة عشرة في الألف

(1%) الشركة هذه التي تكونت من الأسهم أصبح المساهمون يمثلون أصحاب رأس مال الشركة . ومعنى هذا أن الربح للمساهمين والخسارة أيضاً على المساهمين . أو كما قيل : الغُنم بالغُرم .

وأحياناً نجد شركة تريد أن تزيد في رأس المال ، فتصدر أسهماً جديدة فيصبح من اشترى هذه الأسهم شريكاً بنسبة أسهمه إلى مجموع الأسهم .

ولكن الشركة أحياناً تصدر سندات بدلاً من الأسهم لماذا ؟

لأن الشركة تنظر بتفكير ربوي معاصر ، هل الأفضل لها إصدار السند بفائدة كذا ؟ أو إصدار أسهم ؟ فإذا وجدت أن السند بفائدة يحقق للمساهمين أرباحاً أكثر أصدرت سندات ، وإذا وجدت أن الأسهم تحقق أرباحاً أكثر أصدرت أسهماً .

وقد تكون السندات لوقت قصير حتى يعاد القرض ويبقى عدد الأسهم كما هو .

إذن فالفرق بين الأسهم والسندات أن السندات قرض ربوي ، وأن الأسهم جزء مشاع في شركة ، ومعنى هذا أن من اشترى أسهماً أصبح شريكاً في الشركة . وهل هذا يعني أن شراء الأسهم في البرصة حلال ؟

ننظر هنا : الأسهم هذه لأية شركة ؟

لابد أن ننظر أولاً للشركة التي أصدرت الأسهم :

فلنفرض أنها شركة تتعامل بالحرام : (مصنع خمور أو تجارة خمور)  ، بديهي أن من اشترى أسهماً أصبح تاجر خمور

( شركة لإنشاء بنك ربوي) : إذن فشراء سهم من أسهم البنك الربوي يعني أن المشتري أصبح أحد المرابين .

وهكذا لابد أن ننظر إلى عمل الشركة :

لنفرض أن الشركة تتعامل في الحلال ( شركة نقل بحرية مثلاً

أو شركة صناعية ) ولكن لهذه الشركة فائضاً من أموالها : فأين تستثمره ؟

إنها عادة تضعه في البنوك الربوية بفائدة ربوية ، ولذلك فإن المشترك في هذه الشركة سيكون من كسبه هذا الجزء من الربا وحتى لا يلتبس الأمر ، وحتى نضع حداً فاصلاً لمن أراد أن يشتري الأسهم وضعت هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي شرطين لابد من تحققهما إذا أراد المصرف شراء أسهم أي شركة :

 وهذا الشرطان هما : 

أن تكون الشركة ( مالكة الأسهم ) شركة إسلامية ولها رقابة شرعية .

فإذا نظرنا إلى البرصة : فأين الشركات المساهمة الإسلامية التي لها رقابة شرعية وتتعامل في البرصة ؟

إذا وجدت هذه الشركات يكون الاشتراك في الشركات حلالاً ، أما إذا لم توجد وقد لا توجد – إلا إذا وجدت سوقاً إسلامية – فمعنى هذا أن الأسهم في البرصة معظمها – إن لم يكن كلها – يحرم التعامل فيها بالشراء والبيع والحيازة وغيرها ما دامت الشركة ليست إسلامية .

أمر آخر لو فرضنا أن الأسهم في الشراء حلال فكيف يتم

البيع والشراء في البرصة ؟

من المعلوم عند عقد البيع وجوب قبض البدلين كليهما أو أحدهما فإما أن نقبض السلعة أو الثمن ، أما الدين بالدين فالأئمة يمنعونه .

كيف يتم الشراء في البرصة ؟

في البيع في السوق العاجل يشتري المتعامل أو يبيع ويقبض ، فإذا كان السهم حلالاً فالعقد صحيح حلال ، ولكن نأتي إلى البيع الآجل سواء أكان هذا في أسواق الأوراق المالية ، أم البضائع ، أم النقود . هذا البيع الآجل ماذا يعني ؟

له صور مختلفة : منه ما يسمى بالبيع البات ؛ وهو بيع آجل وبات ، أي نهائي ، بمعنى أن المشتري والبائع يتفقان على شراء أسهم معينه محددة تسمح بها نظم البرصة ، فالبرصة تجعل البيع لعدد معين ومضاعفاته ، وتتم الصفقة والثمن كم هو ؟ أزاد عن وقت الإتفاق ؟ أم قل ؟ أم بقي كما هو ؟ فإذا كان أكثر أو أقل ننظر هنا : ألصالح البائع أم المشتري ؟

نضرب مثلاً : البائع والمشتري اتفقا على شراء أسهم معينه بسعر مائة ، معنى هذا أن البائع ملتزم ببيع أسهم من هذا النوع في وقت التصفيه بسعر مائة ، وأن المشتري يلتزم بشراء هذه الأسهم بسعر مائة ، فإذا كان السعر السائد في وقتها مائة انتهى الأمر بلا كسب ولا خسارة إلا بقدر ما يخسره المتعاملون في البرصة ، وهو ما يدفع للإدارة والسماسرة .إذن يسلم الأسهم ويأخذ الثمن ، ولكن لاحاجة إلى هذه ، لأنه لا بيع ولا شراء أصلاً في الواقع ، وإنما هو ما يسمى بالمضاربة .

والحقيقة أن في البرصة أسماء تلتبس مثل كلمتي مضاربة ومرابحة المضاربة في الإسلام تعني : شركة يكون فيها رأس المال من جانب والعمل من جانب . والربح يقسم بين الإثنين بالنسبة المتفق عليها ، أما المضاربة في البرصة فتعني المقامرة !

كيف هذا ؟ المشتري عندما اشترى بمائة لأنه يضارب ـ يقامرـ على الزيادة ، والبائع عندما باع بمائة إنما باع لأنه يتوقع النقصان ، فمثلاً :

السهم الذي اتفق عليه بمائة في موعد التصفية أصبح يباع حالاً في السوق العاجلة بمائة وعشرة ، المشتري اشترى بمائة  فمعنى هذا أنه يأخذ من البائع بمائة ويبيع هو بمائة وعشرة ، والمسألة لاتحتاج إلى تعب وتسليم وتسلم، وإنما الوسيط الذي يقوم بالعمليتين ـ يسجل العملية الأولى بأن المشتري اشترى مثلاً ألف سهم بسعر مائة ، ثم الآن له هذا الألف بسعر مائة وعشرة ، فالمكسب عشرة آلاف يقيد لحسابه ـ وهذه تعني أنها تخصم من حساب البائع ، ولذلك  فإنه لاكسب لأحد إلا على حساب الآخر ، تماماً كالمقامرين .

لنفرض أن هذا السهم جاء على غير ما توقع ، المشتري توقع أن يزيد فإذا به ينخفض كما توقع البائع ، فأصبح بخمسة وتسعين ، فالبائع يستطيع أن يشتري من السوق الحال بخمسة وتسعين ويبيع بمائة ، ولكن الوسطاء والقائمين على البرصة يسهلون المسألة ، لاحاجة إلى تسليم وتسلم ، ما جاء به الإسلام من مسألة القبض والتسليم والتسلم هذا أمر لاحاجة إليه عند هؤلآء ، أنت الآن بعت واتفقت على أن تبيع بمائة ، والسعر الآن أصبح خمسة وتسعين ، يعني إذن إذا اشتريت بخمسة وتسعين تبيع بمائة وتكسب خمسة فلك خمسة الآف ، فيكون هذا كسباً لمن باع خصماً من حساب المشتري . هذه حالة ، فهل مثل هذا يمكن أن يعد بيعاً وشراء ؟

شيء آخر : المشتري قد يحتاط لنفسه ، يخشى أن تنخفض الأسعار لدرجة كبيرة جداً ، فيشتري مع خيار شرطي ، بأن يتم الصفقة أو يدفع تعويضاً للبائع . وتوضيح هذا : أن المشتري يشتري ويجعل لنفسه الخيار : يتفق مع البائع بأن له الخيار: إما أن يتم البيع ، أو يدفع له تعويضاً ، ففي الحالة السابقة قد يشتري المشتري بمائة مع شرط التعويض بخمسة إذا رغب في عدم إتمام الصفقه ، فعندما يأتي الوقت إما أن يشتري بمائة ، أو يترك الصفقة ويدفع خمسة عن كل سهم ، فلو فرضنا أن السعر في وقتها أصبح بمائة فإنه يشتري حتى لايخسر ، وإن كان بمائة وعشرة فهي فرصة للكسب ، لأنه يشتري ويبيع بمائة وعشرة ، وإن كان بخمسة وتسعين استوى عنده إتمام الصفقة وعدم إتمامها ، فهو خاسر حتماً ، والخسارة واحدة : إذا اشترى بمائة وباع بخمسة وتسعين خسر خمسة ، وإذا لم ينفذ العملية خسر خمسة ، فالوسيط يقيد عليه عدد الأسهم وخسارتها ، ولو أن قيمة الأسهم قلّت عن هذا فأصبحت مثلاً بثمانين فإنه يخسر عشرين في كل سهم إذا أتم الصفقة ، ولهذا فإنه لا يتمها ، ويكتفي بدفع التعويض للبائع . هذا بالنسبة للمشتري .

أما البائع فإنه على عكس هذا ، يتوقع انخفاض السعر فيبيع مع شرط الخيار له أيضاً في أن يتم الصفقة أو يدفع تعويضاً فإذا اتفق بمائة ، ثم أصبح سعر السهم عند التصفية تسعين يشتري بتسعين ويبيع بمائة ويربح عشرة ، وإذا أصبح بمائة يبيع ويشتري ولا يدفع تعويضاً ، ولا يربح ولا يخسر إلا الخسارة التي أشرت إليها من قبل – وهي ما يأخذه السماسرة وإدارة البرصة . وإذا وصل سعر السهم إلى مائة وخمسة ، وكان قد اتفق أن يبيع بمائة ، فلو اشترى من السوق العاجل بمائة وخمسة وباعه بمائة خسر خمسة ، والتعويض أصلاً خمسة ، فهو سيدفع التعويض لا محالة . وإذا ارتفع السعر أكثر من هذا ، أصبح مائة وعشرة أو مائة وعشرين ، فهنا لا ينفذ العملية وإنما يدفع التعويض وهو خمسة .  فهذا كما نرى شرط للمشتري أو شرط للبائع ، ولا ثمن ولا سلعة ولا تسليم ولا تسلم ، وإنما هي مسألة أن هذا يتوقع أن يكون السوق في اتجاه الارتفاع ، والآخر يضارب –أي يقامر- في اتجاه الانخفاض ، فإذا جاء – كما توقع أحدهما – ربح على حساب الآخر الذي جاء على خلاف توقعه .

ننتقل بعد هذا لبيان صورة أخرى من صور التعامل في البرصة وهي : أن يحدد سعر أدنى وأعلى للبيع والشراء على أن يكون للمشتري أوللبائع الخيار ..في ماذا ؟ السعر مثلاً قد اتفق على أنه من سبعين إلى ثمانين ، والخيار للمشتري .

والخيار للمشتري يعني أنه إما أن يبيع بسبعين ، وإما أن يشتري

بثمانين . ومعنى هذا أن المشتري ـ عندما يأتي وقت التصفية ـ إما أن يظل مشترياً ، وإما أن يتحول هو إلى بائع ، والبائع يتحول إلى مشتري .  فإذا كان السعر سبعين باعه بسبعين ، وإذا كان ثمانين اشترى بثمانين ، وإذا كان السعر بين السبعين والثمانين فإن البائع يربح ، لأن المشتري إذا اختار أن يكون بائعاً فسيبيع له بسبعين ، يعني لو فرضنا مثلاً أنه كان بخمسة وسبعين فالمشتري الذي له الخيار : إذا قال أنا أبيع فإنه يبيع بسبعين ، ويخسر خمسة ، أو يشتري بثمانين ، فالبائع يشتري بخمسة وسبعين ويبيع بثمانين ، أي أن البائع في حالة الخيار للمشتري يربح إذا كان السعر بين السعرين : السبعين والثمانين ، أما إن زاد عن الثمانين أو قل عن السبعين فإن البائع لابد أن يخسر والمشتري الذي قامره يكسب بقدر خسارة خصمه ، بأن يتحول إلى بائع ، ويظل مشترياً والعكس بالنسبة للبائع لو أن الخيار كان له .

ونترك المضاربة ونأتي إلى مايسمى في البرصة بالمرابحة :

قد يأتي الوقت المحدد للتصفية ، ولا يستطيع المشتري أن يتم الصفقة لأن الأسعار تطورت تطوراً كبيراً على خلاف ما توقع ، فقد يكون اشترى بمائة وثلاثين فإذا به يصل إلى مائة ، فعليه –عندئذ – أن يشتري الأسهم بمائة وثلاثين ويبيع بمائة ، فيخسر ثلاثين في كل سهم ويمكن أن يكون اشتري فإذا وجد المشتري أنه لا يستطيع أن يتم الصفقة في الموعد ، فهنا يمكن أن يؤجل هذه الصفقة إلى التصفية التالية عن طريق التأجير بالمرابحة .  وقد يختلط الأمر عند سماع كلمة المرابحة ، ونحن نعرف أن المصارف الإسلامية تبيع بالمرابحة ، ولكن الأمر مختلف تماماً كالمضاربة في البرصة والمضاربة في الإسلام .

فالمرابحة في البرصة لا تعني المرابحة في المصارف الإسلامية ؛ لأن المرابحة في المصارف الإسلامية تعني أن المصرف له الحق في بيع السلعة متى اشتراها وامتلكها وحازها ، وضمن هلاكها قبل التسليم ، ثم يقع على المصرف تبعة الرد بالعيب الخفي بعد البيع .   أما التأجيل بالمرابحة هنا فمعناه أنه يبحث عن ممول يخرجه من ورطته هذه مقابل زيادة (فائدة) فسمي هذا : زيادة بالمرابحة أو تأجيلاً بالمرابحة أي أنه قرض ربوي مقابل التأجيل .

فالأسواق المالية يحدث فيها أشياء عجيبة ويذكرون حيلاً يلجأ إليها هؤلاء أحياناً للتلاعب بالأسعار ، كأن تتفق مجموعة مثلاً على حيازة سلعة معينة أوأسهم معينة ثم تشترى بالأجل ، فإذا جاء وقت الأجل يبحث البائع عن السلعة فلا يجدها ، لأن المجموعة احتفظت بها ، ويسمى هذا (الكورنر) ويعني هذا وضع السلعة بحيث لا يمكن أن تتحرك

وبعد أن عرفت كل ما سبق عن البرص ومعاملاتها هل هذا هو البيع الذي أحله الإسلام ؟ هل هذا هو الذي يحقق المصلحة التي من أجلها أحل الله البيع وحرم الربا ؟

ولذلك فإن الأسواق المالية هذه لا يجوز لمسلم أن يدخلها بائعاً ولا مشترياً ؛ إلا إذا كان يريد بالفعل أن يشتري أسهماً

إسلامية ، وأن يتسلم الأسهم ، ويدفع الثمن ، أويدفع الثمن ويتحدد موعد الأسهم ، أما بيع الدَين بالدَين فلا .

وهنا كذلك : إذا كانت الأسهم تمثل نقوداً فمن شروط بيع النقود بعضها ببعض – وهو ما يسمى بالصرف في الفقه الإسلامي – التقابض في المجلس فلا يجوز التأجيل .

وأما برصة السلع فلها نفس العمليات التي قلناها هناك ، وأحياناً يقوم بعمليات مركبة ؛ فعالم البرصة هذا عالم عجيب ، لأنه كما قلنا نشأ بعيداً عن حضانة الإسلام ، وعن أحكام الإسلام .

وهناك أنواع من البرص تبيع سلعاً حاضرة بحيث أن الإنسان يشتري ويتسلم السلعة ويدفع الثمن ، فلا شيء هذا .

ومن قبل قامت برص فعلاً بهذا مثل برصة مينا البصل ، وبرص

معينة كانت تقوم بهذا البيع فعلاً ، وتيسر البيع والشراء ، لأن الكميات كبيرة فيمكن شراء كميات كبيرة أو بيع كميات كبيرة ، أو جمع كمية كبيرة وبيعها ما دام الاتجاه للشراء الفعلي . ولو فرضنا أنه اشترى معادن بالأجل ، وتسلم المعادن والثمن مؤجل أو باع المعادن والثمن مؤجل ، أو تسلم الثمن والمعادن مؤجلة فهل هذا حلال أم حرام ؟

قلنا أنه يوجد في الفقه بيع آجل وبيع سلم ، وتبعاً للبيع الآجل فإن هذا ممكن ، وتبعاً لبيع السلم هذا أيضاً ممكن ، ولكن يبقى هنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ، يدا ًبيد سواءً بسواء مِثلاً بمِثل ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ؛ الآخذ والمعطي فيه سواء )

معنى هذا أن تبادل ذهب بذهب لابد أن يكون بنفس الوزن ، والنقود كذلك تلحق بالذهب والفضة . ولذلك قلنا بأنه أصبح عندنا الآن أجناس كثيرة ، ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان هناك جنس الذهب وجنس الفضة ، أما في هذه الأيام فإننا نجد الفضة والذهب والعملات الورقية ، كل دولة لها عملة وكل عملة تعتبر جنساً : فالجنيه المصري جنس ، والريال السعودي جنس ، والريال القطري جنس ودرهم الإمارات جنس وهكذا فيمكن التبادل ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )

وقول سيدنا عمر رضي الله عنه بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (الذهب بالورِق- العملة الفضية- ربا إلا هاء وهاء ) أي : خذ وهات

ولذلك كانت الفتوى الإجماعية للمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بأنه لا يجوز بيع الذهب والفضة والنقود الورقية بعضها ببعض إلا مع التقابض الفوري ، وأن البيع الآجل هو من الربا المحرم .

ومعنى هذا أننا إذا أردنا أن نشتري سلعة والسلعة ستتأجل ،

أو الثمن سيتأجل فإن هذا يمكن في غير الذهب والفضة .

بعد هذا العرض السريع نقول : إذا دخلنا في برصة سلع لنشتري ، فلنشتري بالسعر الحال ، أما أن نشتري في موعد التصفية ولا سلعة تقبض ، ولا ثمن يقبض لهذا لا يبيحه الإسلام ، وعلى هذا فلو أصبح في مقدورنا كمسلمين – ونحن نمثل أكثر من خمس العالم – لو أصبح في مقدورنا أن ننشئ برصة إسلامية – سوقاً إسلامية- لاستطعنا أن ننشئها كما كانت في الإسلام ، في ظل عقود المعاملات في الفقه الإسلامي ، ولا نتخطى هذه العقود .

إننا نحن المسلمين لا حياة لنا إلا إذا تمسكنا بكتاب ربنا عز وجل ، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وآمنا أننا لا يمكن أن

ننجح إلا إذا تعاملنا كمسلمين : في الحرب ، في السلم ، في أي مجال : نقود الحرب كمسلمين ..نبيع كمسلمين .. نشتري كمسلمين .. وإلا فلا خير فينا ولا في أموالنا ، نسأل الله تعالى أن يزكي نفوسنا ، وأن يزكي أموالنا ، وأن يقنعنا بالحلال ويغنينا به ، وأن يجنبنا الحرام ويبعده عنا ويبعدنا عنه ، هو نعم المولى ونعم النصير .

*ونختم هذا البحث بعرض قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة والتي قررت ما يلي :

1- بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعاً .

2- لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها .

3- لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا ، وكان المشتري عالماً بذلك .

4- إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا ،

 ثم علم فالواجب عليه الخروج منها والتحريم في ذلك واضح ،

لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا ، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا ، مع علم المشتري بذلك ، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا ، لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة ، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة ، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة ، فللمساهم نصيب منه لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه ، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز .

                 وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين

            المراجع

1-                  موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي

                              أ.د/ علي أحمد السالوس

2- الاستثمار في الأسهم

                             د/ علي محي الدين القره داغي

3-                  فقه النوازل

د/  محمد حسين الجيزاني

المصدر :

http://www.yaqob.com/site/docs/articles_view.php?a_id=60&cat_id=13