تحقيق العدالة الاجتماعية بنظام الملكية المتعددة – الطاهر قانة

تحقيق العدالة الاجتماعية بنظام الملكية المتعددة – الطاهر قانة

يقوم التوزيع العادل في الاقتصاد الإسلامي على أساسين؛ الأول: أن العامل أحق بثمرة عمله من غيره، وهذا ما يحفزه على بذل جهد أكبر في الإنتاج، رفعا لكميته أو تحسينا لنوعيته، مما يعود بالرفاهية والتقدم للمجتمع ككل.

والثاني: التوفيق بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة للمجتمع قدر الإمكان، فإن حدث تعارض؛ تُقدّم مصلحة المجتمع بلا شك، فالتضحية بالواحد من أجل الجميع مما اتفقت عليه الشرائع والعقول.وتبعاً لذلك فإن التوزيع غير العادل يزيد من التعارض وعدم الانسجام بين الطلب الكلي والعرض للكلي للسلع والخدمات الاستهلاكية والاستثمارية على السواء، والذي ينجم عنه من الأزمات الاقتصادية والأمراض الاجتماعية ما يصرف المنتجين عن العمل والإنتاج، وبالتالي تحل البطالة والفقر، وتتزايد الصراعات الاجتماعية، مثلما تم التعرض إليه عند الحديث عن أحوال المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية ومن سار في ركبها.وهذه محاولة لتحليل العلاقة بين تطبيق الملكية في الاقتصاد الإسلامي بأشكالها الثلاثة، خاصة وعامة ودولة، والنتيجة المتوخّاة من ذلك على توزيع الدخل والثروة في المجتمع، وذلك ببيان دور الملكية في الاقتصاد الإسلامي في تحقيق التوزيع الأمثل للدخول والثروات، ومن ثم الوصول إلى العدالة الاجتماعية المطلوبة، كما تضمن هذا الفصل نظرةً مستمدةً من الواقع المُعاش لما يتطلبه تطبيق نظام الملكية في الاقتصاد الإسلامي من تغيير للنفوس وإصلاح للأوضاع حتى ينال المجتمع ثمار هذا التطبيق، دون أن يكون عرضة لشبهة عدم صلاحية هذا النظام للتطبيق في العصر الحاضر، ولا اتهام للقائمين على الدعوة إليه بأنهم يعيشون في غير عصرهم.

دور الملكية في تحقيق العدالة التوزيعية في الاقتصاد الإسلامي:هناك”دراسات متعددة تحمل عنوان النظام الاقتصادي الإسلامي في حين أنها في الواقع مقصورة على جزء من أجزاء ذلك النظام.

مثال ذلك الدراسات التي تتركز حول الخلفيات القانونية للنظام الاقتصادي مثل قضايا الملكية وتفصيلاتها القانونية أو الدراسات التي تقتصر على عرض المبادئ العامة للنظام الاقتصادي وحدها دون أن تخطو خطوة أخرى لتحليل نتائج تطبيقها ودراسة كيفية تفاعلها. إن دراسة تقتصر على المبادئ العامة للاقتصاد الإسلامي وتسمي نفسها دراسة للنظام الاقتصادي في الإسلام إنما هي أشبه بدراسة تقتصر على قواعد الإعراب وتزعم شمولها لفنون اللغة أجمعها!”.([1])

دور الملكية في التوزيع العادل في الاقتصاد الإسلاميالتوزيع العادل للدخل والثروة من أهداف الاقتصاد الإسلامي التي جاءت مبادئه ونظمه لتجسيدها في واقع المسلمين الملتزمين بها، ونظام الملكية ذات الأشكال المتعددة من بين تلك النظم التي يعوَّل عليها في تحقيق هذا الهدف الاجتماعي السامي، سواء في التوزيع الأولي للثروات الطبيعية قبل انطلاق عملية الإنتاج، أو بعد الانتهاء منها والاتجاه نحو التوزيع الوظيفي لعوائد عوامل الإنتاج التي يقرّها الاقتصاد الإسلامي.دور الملكية في التوزيع العادل للثروات الطبيعية في الاقتصاد الإسلاميتعتبر الأرض أهم مصادر الثروة، لأنها مصدر جميع الثروات والموارد الطبيعية المختلفة، وكل استخراج أو إنتاج لهذه الموارد فإنه يعود إلى هذه الأرض التي تعتبر في الاقتصاد الإسلامي إما ملك خاص أو ملك عام أو ملك للدولة([2])، كما تم ذكره في بيان مجالات الملكية.

وقد اهتم الاقتصاد الإسلامي في معالجة التوزيع منذ انطلاقته الأولى بتوزيع الثروات الطبيعية ومصادر الإنتاج الأولية على أشكال الملكية الثلاث؛ الخاصة والعامة والدولة، حيث أعطى لكل شكل منها نصيبا أو مجالا تؤدي فيه وظيفتها وتشبع به الحاجات العامة والخاصة لأفراد المجتمع، كما تحقق التوازن الاجتماعي والاقتصادي بينهم، وهذا بيان لنصيب كل شكل منها:أولاً: نصيب الملكية الخاصةلقد تمت ملاحظة أن الملكية الخاصة قد أخذت نصيبها من الطبيعة وثرواتها؛ حيث يسمح الاقتصاد الإسلامي لأفراد المجتمع بالملكية الخاصة للموارد الطبيعية، أعيانا ومنافع وحقوق، إما بسبب العمل المباشر فيها بالإحياء أو التحجير أو الصيد والإحراز وغير ذلك، أو بالإقطاع من وليّ الأمر لحاجة اجتماعية أو اقتصادية ارتآها باجتهاده.([3])

فالاقتصاد الإسلامي يمنح للفرد ملكية المورد الطبيعي الذي أصابه بعمله وجهده، على شرط أن يكون في حدود كفايته، ودون تصادم مع حقوق الآخرين، وأن لا يكون من ضمن ملكية الدولة أو الملكية العامة للمجتمع، كما يسمح الاقتصاد الإسلامي للفرد بتملك المورد الطبيعي مؤقتاً عن طريق التحجير؛ أي ضرب الحدود حول ما يريد إحياءه من الموات([4])، لمدة لا تفوق ثلاث سنوات عند فقهاء الحنفية، وتقدّر حسب العرف عند غيرهم، فإن لم تكن هناك عمارة أو استصلاح لهذا المورد طيلة هذه المدة؛ يُنتزع منه ليُمنَح إلى غيره، كما في إقطاع الأراضي وإحياء الموات.([5])

وهذه القيود أو الشروط على الملكية الخاصة يخدُم بها الاقتصاد الإسلامي النوعين الآخرين للملكية؛ العامة والدولة، في بقاء الحيِّز الكافي لهما من الطبيعة، لما يترتب عن تقلُّصِ هذا الحيّز من تضخّم للثروات الطبيعية في أيدي الأقلية على حساب غالبية أفراد المجتمع، كما هو مشاهد في البيئات الرأسمالية التي تتبنى الملكية الخاصة والمطلقة، ولا توافِقُ على أي تقييد لحرية أصحابها، بناء على نظرتها التقديسية للفرد وفلسفتها في الوصول إلى مصلحة المجتمع ورفاهيته، كما تمّ عرضه وبيانه في الفصل الأول من هذه الدراسة.ثانياً: نصيب الملكية العامةيمنح الاقتصاد الإسلامي لمجموع الأفراد المشكلين في جماعاتٍ بعينها، أو للمجتمع الإسلامي بأكمله؛ الحق في الملكية العامة للموارد الطبيعية والمصادر الأساسية للإنتاج؛ وبالخصوص ما كانت حاجة الجميع إليه ماسّة؛ كالماء والكلأ والنار، أو كان من الموارد الضخمة ذات الدخول الكبيرة التي لا تقابلها جهود وتكاليف موازية لها عند استغلالها؛ كالمراعي الواسعة والمعادن الظاهرة، وما شابه ذلك مما يلبي الحاجات الأساسية للمجتمع، التي تتميز بالعموم والاشتراك.([6])

وأساس الاعتراف بالملكية العامة لهذه الثروات الطبيعية هو مصلحة الجماعة وحقها في تلبية ضرورياتها وحاجياتها المختلفة من الطبيعة، لذلك كان نصيب الملكية العامة منها يتمثل فيما كان من مرافق الجماعة ومستلزماتها، أو ما كانت طبيعته لا تسمح بتملكه ملكية خاصة للأفراد أو الدولة، بالإضافة إلى ما كانت موارده وإدراراته كبيرة، بحيث يؤثر تملكها الخاص على التوازن الاقتصادي والاجتماعي لفئات المجتمع.([7])

ولا شكّ أن تمكّن أفراد محدودي العدد من وضع أيديهم على الموارد الاقتصادية والمصادر الإنتاجية، التي هي في الأصل ملك للمجتمع، وليست حقاً لهؤلاء الأفراد، كما أنهم لا يستطيعون تشغيلها كلها؛ سيؤدي حتماً إلى خلل في التوزيع من أساسه، إذ تتضخم ثروات أفرادٍ قليلين في مقابل حرمان المجتمع بأكمله من هذه الموارد، وبالتالي انعدامٌ للميادين الطبيعية للاسترزاق والكسب أمام الجموع الغفيرة من أفراد المجتمع، وقضاءٌ على الوسائل الطبيعية لتملّك المباحات بالإحراز والاستيلاء، مما يؤدي بالباحثين عن العمل إلى الدخول تحت سيطرة واستعباد المستحوذين الخواص على الثروات الطبيعية العامة، باعتباره السبيل الوحيد للعمل والحصول على القوت، وهو ما يخالف العدالة والمساواة بين بني البشر.كما أنّّ هدف هؤلاء المستحوذين على أنصبة الملكية العامة من الطبيعة؛ هو زيادة ثرواتهم وتضخيمها، فمن المستبعد أن يكون غرضهم القيام بتوظيف جميع أفراد المجتمع فيما استولوا عليه من ثروات، لأن ذلك يتناقض مع حساباتهم التوسعية للثروة وتعظيمها، فتطال البطالة والفقر شرائح اجتماعية واسعة نتيجة هذا الاستيلاء المجحف على الطبيعة كما تشهده المجتمعات الرأسمالية.

ولهذا فإن الاقتصاد الإسلامي يعطي الحق، من البداية، لكل فرد قادر أو عاجز في المجتمع المسلم؛ أن ينتفع بالملكية العامة للموارد الطبيعية ومصادر الإنتاج، وله الحق في امتلاك ما يستطيع منها، وفقاً لقدرته، وبقدر حاجته، ودون تعارض مع مصلحة الآخرين، فإن كان هناك تعارض؛ فالكل سواء في الانتفاع بذلك المورد الطبيعي.([8])

ثالثاً: نصيب ملكية الدولةيعطي الاقتصاد الإسلامي للدولة الإسلامية ممثَّلة في وليّ الأمر، أن تمتلك من الطبيعة الكثير من الموارد؛ كالأراضي البيضاء (الموات)، والثروات الباطنية من المعادن المختلفة، الجامدة والسائلة، كما أن لها أن تحمي ما تشاء من الأراضي الخاصة والعامة؛ باجتهاد من وليّ الأمر، ويكون كل ذلك وما شابهه من الثروات الطبيعية تحت تصرفه، ضمن صورة ثالثة من صور الملكية في الاقتصاد الإسلامي؛ وهي ملكية الدولة، استجابة لحاجاتها السلطوية في الاضطلاع بمسؤولياتها الأمنية والدفاعية والرقابية، والقيام بشؤونها الاقتصادية والاجتماعية المختصة بها.([9])

وبهذا يتبين أن الطبيعة في الاقتصاد الإسلامي بما تضمّه من مصادر إنتاج ومواد أولية؛ تُوزّع ابتداء، وقبل الخوض في مجالات الإنتاج، على أشكال الملكية الثلاثة؛ الخاصة والعامة والدولة، فتأخذ كل ملكية نصيبها، تحقيقاً للعدل وتكافؤاً للفرص بين الجميع من البداية.ولو تمّ إمعان النظر في سبب إخفاق النظامين الرأسمالي والاشتراكي في علاج المشكلة الاقتصادية، وجانب التوزيع منها على الخصوص؛ لثبت أن توزيع الأصول(الأراضي مثلاً) له التأثير الأكبر على توزيع الدخول([10])، وهو ما أيّدته الدراسات الحديثة حتى عند الغرب.([11])

فالاقتصاد الإسلامي بهذا التوزيع الأولي للطبيعة، واعترافه بالملكية العامة فيها؛ يسدّ الباب أمام كل احتكار فردي واستغلال طفيلي لموارد المجتمع؛ بتقنين شريعة ظالمة، أو بسَبْقٍ في غفلة، كما هو الشأن في المجتمعات الرأسمالية؛ الذي نجم عنه التبديد العشوائي لهذه الموارد، وحرمان المجتمع من الاستفادة منها، وتضخم ثروات الأقلية من الأفراد على حساب مصالح الأغلبية، جرّاء تبني الملكية الخاصة والمطلقة إلى أبعد الحدود في النظام الرأسمالي؛ والتي كانت السبب في هدم أسس العدالة الاجتماعية فيه، بداية من التوزيع السيئ لثروات الطبيعة ومواردها.ولا شك أن الأنظمة الاشتراكية، المبنية على قاعدة الملكية العامة للطبيعة، وحرمان الأفراد منها؛ تخالف أيضاً ما ذهب إليه الاقتصاد الإسلامي في هذا الجانب([12])، بإقراره للملكية الخاصة لبعض الموارد الطبيعية، التي تُنال بالعمل فيها، أو بإقطاع من ولي الأمر لبعض الأفراد منها، وذلك قبل صيرورتها إلى دواليب الإنتاج، حيث قطع السبيل أمام أي تذرّع، أو تملّص من المسؤولية، من أولئك الذين يعلّقون حرمانهم وعدم إشباع حاجاتهم على عاتق المجتمع أو الدولة، دون التصدي للبطالة الإرادية والكسل المخيم عليهم، كما حدث في البيئات الاشتراكية؛ قال  تعالى :{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى، وََأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}.([13])

وخلاصة القول؛ أن الاقتصاد الإسلامي يقسم الثروات الطبيعية على ثلاث فئات: الفرد والجماعة والدولة، وكان الاعتبار الأول في هذا التقسيم هو الإقرار بحاجة الإنسان الفطرية لحيازة الثروة، فلم يمنعه من حيازتها، ولم يمنعه من السعي لها وتنميتها والتصرف بها، ولكن ضمن أسباب مشروعة تمنع الاضطراب والفساد الذي يسود علاقات الناس بسبب تفاوتهم في القوى الجسمية والعقلية وفي الحاجة إلى الإشباع، كما جعل الاقتصاد الإسلامي أموالاً بعينها مشتركة بين جميع الناس ومنع الأفراد من حيازتها، لكن جعلهم ينتفعون بها بشكل جماعي، كما جعل للدولة أيضا ملكية تخضع لتدبير وليّ الأمر يخصّ بعض الأفراد بشيء منها حسب ما يرى، وذلك كالجزية والفيء والخراج وغيرها، وتمكنها من رعاية شؤون الناس التي على رأسها توفير الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع.وبهذا التقسيم الأولي لمصادر الإنتاج الطبيعية؛ يكون الاقتصاد الإسلامي قد وضع القاعدة الأساسية للتوزيع العادل للثروات، ومن ثمّ للتوزيع الوظيفي للدخول الناشئة من الإنتاج، على اعتبار أن عوامل الإنتاج ما هي إلا موارد طبيعية وبشرية في حالة اشتغال، وبالتالي فملكيتها مقسمة على أنواع الملكية الثلاثة؛ الخاصة والعامة والدولة، انطلاقاً من التقسيم الأولي للطبيعة، وبهذا تتحقق العدالة في التوزيع بين جميع شرائح المجتمع، أفرادا وجماعات ودولة.دور الملكية في التوزيع الوظيفي للدخل في الاقتصاد الإسلامييُعرَّف الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي بأنه:”توظيف الفرد المسلم – أو الجماعة المسلمة- ماله الزائد عن حاجاته الضرورية بشكل مباشر أو غير مباشر في نشاط اقتصادي لا يتعارض مع مبادئ الشرع ومقاصده العامة، وذلك بغية الحصول على عائد منه يستعين به ذلك الفرد المستثمر – أو الجماعة المستثمرة- على القيام بمهمة الخلافة لله وعمارة الأرض”.([14])

ومثلما كان للملكية في الاقتصاد الإسلامي دورها في توزيع الموارد الطبيعية على الفرد والجماعة والدولة؛ كذلك كان لها الدور البارز في استثمار هذه الأموال في الأعمال المشروعة، وتحريم اكتنازها أو احتكارها، إلا لحاجة أو مصلحة مشروعة، وأبواب الفقه الإسلامي قد استوعبت كثيرا من طرق الاستغلال والاستثمار لهذه الأموال، ومن ثمّ الحصول على عوائدها المختلفة، وتداولها والتصرف فيها، وفق الأشكال الثلاثة للملكية.

أولاً: وظيفة الملكية الخاصة في توزيع الدخليعترف الاقتصاد الإسلامي بحق الأفراد في الملكية الخاصة لما ينتجونه، ولما يحصلون عليه من دخل العملية الإنتاجية، سواء كان أجراً أو ربحاً أو ريعاً، حسب وظيفة كل فرد في الإنتاج؛ عاملاً أو صاحب مالٍ أو صاحب أرضٍ، بناء على امتلاك كل فرد لعامل من عوامل الإنتاج.([15])

فالاقتصاد الإسلامي يكفل حق الفرد في الثروة التي اكتسبها بعمله، ويقرر حماية كاملة للمال الذي حصله بجهده وكفاحه، سواء كان هذا المال من وسائل وأدوات الإنتاج كالأراضي والمصانع والمباني والآلات ورؤوس الأموال، أو كان مما تنتجه هذه الوسائل والأدوات من سلع وخدمات استهلاكية كالمأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.وبذلك يرسي الاقتصاد الإسلامي قواعد العدالة في توزيع الدخل بناء على منح العامل نتيجة عمله، وتمليك المكافح ثمرة كفاحه وجهده، قال U:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِّلْعَبِيدِ}([16])، وقال I:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}.([17])

وعلى هذا الأساس يكون لكل فرد في المجتمع المسلم فرصة إشباع حاجاته الخاصة والمختلفة، التي لم تَقْوَ الطبيعة على إشباعها له في مرحلة التوزيع الأولي؛ وذلك عن طريق ملكيته الخاصة؛ بالحصول على منافعها الناشئة من استثمارها في المشاريع الإنتاجية المختلفة، ثم صرفها في أوجه الإنفاق المشروعة، وفق حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم :”ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا، يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك”.([18])

وبهذا يتأكد أن الاقتصاد الإسلامي، يعالج مشاكل الفقر ومساوئ التوزيع، في إطار النشاط الإنتاجي، أي من خلال العملية الإنتاجية، وقبل إعادة التوزيع واللجوء إلى التحويلات الاجتماعية من الأغنياء إلى الفقراء.([19])

ثانياً: وظيفة الملكية العامة في توزيع الدخللما كان من حق الأفراد، باعتبارهم جزءاً من المجتمع، أو هم المجتمع كله؛ إشباع حاجاتهم العامة، والتي تتسم بالعموم والشمول، كالصحة والتعليم والأمن والعدل؛ وحقهم أيضا في الاستغلال جماعياً لملكيتهم العامة للموارد الطبيعية ومصادر الإنتاج الأولية، التي لها صبغة العموم والاشتراك؛ فقد أقرّ الاقتصاد الإسلامي حق الجماعة في الملكية العامة للدخل الناجم عن العمليات الإنتاجية الدائرة في مجال اختصاصها([20])، بعد خصم تكاليف الاستثمار؛ مثل العمليات التي تباشرها الدولة نيابة عن المجتمع، أو تعطيها للخواص إجارة أو مشاركة، كالصيد البحري، والتنقيب عن المناجم، واستخراج المعادن وتحويلها، وما شابه ذلك.وفي الماضي كانت الأموال العامة تُجبَى وتُنفَقُ في الغالب على المستحقين، دون تنمية أو استثمار، أما اليوم فقد أصبح القائمون على إدارة هذه الأموال حريصين على تنمية المال العام وتحقيق الربح من خلال أنشطة اقتصادية مختلفة كالزراعة والصناعة والتجارة والخدمات.([21])

وقد ذهب الفقهاء إلى جواز استغلال الدولة للملكية العامة؛ كالأرض التي تحميها الدولة لمصلحة عامة، أو الأرض المأخوذة من الكفار، أو الموارد الطبيعية الباطنية، وذلك في صورة مشروعات أو شركات اقتصادية، وبالأخص المشروعات الإستراتيجية ومشروعات البنية الأساسية التي تدخل في نطاق النفع العام، كمشروعات استخراج المعادن وتصنيعها، ومشروعات المرافق العامة التي يلزم قيام الدولة بها، وغيرذلك.([22])

ووليّ الأمر بشخصيته الاعتبارية هو الذي يقوم بتنمية الملكية العامة وتثميرها، باعتباره وكيلا عن الأمة ومسؤولا عن رعاياها لا فرداً عادياً من أفرادها؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمَّا استُخْلِفَ أبو بكرٍ الصديقُ t قال:”لقد عَلِمَ قَوْمي أنَّ حِرْفَتي لم تَكُن تَعْجِزُ عن مَؤُنَةِ أهلي، وشُغِلْتُ بأمْرِ المسلمينَ، فسيأكلُ آلُ أبي بكرٍ من هذا المالِ، ويَحْتَرِفُ للمسلمين فيه”.([23])

وقد كانت الدولة في عهد النبي  صلى الله عليه وسلم  وخلفائه الراشدين  تعالى ، تستثمر أموال الزكاة، المحفوظة في بيت المال، كنوع من أنواع الملكية العامة؛ إذ كان لحيوانات الصدقة من إبل وبقر وغنم أراضٍ خاصة محميّة لرعيها وتناسلها، كما كان لها رعاة يشرفون عليها ويحفظونها؛ فعن أنس بن مالك t: أن ناساً من عرينة اجْتَوَوْا المدينةَ(اسْتَوْخَمُوهَا)، فرخَّصَ لهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن يأتوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فشربوا من ألبَانِها وأبْوالِها، فقَتَلوا الرَّاعي واسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فأرسل رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فَأُتِيَ بهم، فقَطَع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وتركهم بالحَرَّة يعُضُّون الحجارة”.([24])

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضاً قال: رأيت النبي  صلى الله عليه وسلم  في يَدِهِ المَيْسَمَ، يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ”.([25])وهذا يدل على أن المواشي التي تؤخذ من المزكّين كانت تُجمع في حظائر قبل أن تُقسم على المستحقين لها([26])”وفي الحديث اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه وجواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لاستغنى عن الوسم”([27])

ولا شك أن وسم حيوانات الصدقة، ووضع علامات لمعرفتها؛ يوحي بأنها تبقى زمناً تحت حماية الدولة؛ حتى يعرف كل مال فيؤدى في حقه، ولا يتجاوز به إلى غيره([28])؛ مما يُحتم استغلاله وبالتالي رعايته واستثماره؛ فعن زيد بن أسلم t أنه قال: شربَ عمرُ بن الخطابِ لبناً فأعْجَبَهُ، فسألَ الَّذي سَقَاهُ: مِنْ أينَ هذا اللَّبَن؟ فأخْبرَهُ أنَّهَ وَرَدَ على مَاءٍ قَدْ سَمََّاهُ، فإذا نَعَمٌ من نَعَمِ الصَّدَقَةِ، وَهُمْ يَسْقُونَ، فَحَلَبُوا لي مِنْ أَلْبَانِهَا، فَجَعَلْتُهُ في سِقَائِي فَهُوَ هذا. فَأَدْخَلَ عمرُ بن الخطابِ يَدَهُ فَاسْتقاءَهُ.([29])

وعلى هذا الأساس فإنه يجوز إنشاء المؤسسات الإنتاجية من أموال الزكاة، وجعلها وقفاً على مستحقيها، خاصة إذا دعت إلى ذلك ضرورة، فعن أبي لاَسٍ t قال:”حَمَلَنَا النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم  عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ”([30])، مما يدل على جواز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى القاصدين للحج والعمرة، مثلما يجوز للدولة إنشاء مصانع الأسلحة والمعامل الحربية من أموال الزكاة، وجعلها وقفاً على المقاتلين، من خلال مصرف”في سبيل الله”.([31])

كما أن المصلحة العامة تقتضي أن تقوم الدولة باستخراج المعادن الظاهرة والباطنة، كالنفط والحديد والرصاص والنحاس والملح وغيرها، لأن لكل فرد في المجتمع حق فيها، ويستحيل أن يتم ذلك إلا بأن تقوم الدولة بأعمال استخراجية وتحويلية وتصنيعية لهذه المعادن، ثم تنفق العوائد الناتجة منها على مصالح المسلمين، ولها أن تعطي الحق في ذلك للأفراد والشركات الخاصة، مع الإبقاء على ملكية المعادن لعامة المسلمين وليس لفرد أو شركة، وكذلك قطاع الخدمات العامة الذي تشرف عليه الدولة نيابة عن المجتمع، وتساهم في تنميته واستثمار موارده وتحصيل عوائده، وبالتالي التمكن من ترقيته وتحسين أدائه باستمرار.([32])

ولذلك يكون استخراج المعادن والتنقيب عن الوقود واستغلال الغابات وإقطاعها، كمثال عن النشاطات الاقتصادية في مجال الملكية العامة، الذي هو من اختصاص وليّ الأمر، سواء بقيام الدولة نفسها بذلك، أو بتكليف الخواص، أفرادا أو شركات بالقيام بذلك، وفق الشروط المتفق عليها والخاضعة لأحكام المشاركات والإقطاعات في الاقتصاد الإسلامي.ولا شك أن اعتبار موارد الأملاك العامة من ضمن مصادر تمويل النفقات العامة لبيت المال في الاقتصاد الإسلامي، يُستنتَجُ منه أن للملكية العامة دورها في الإنتاج والاستثمار، وبالتالي في توزيع الدخول والعوائد والإيرادات الناتجة من العمليات الإنتاجية، ولذلك جعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t، أراضي العراق والشام ملكية عامة، لاستغلالها والحصول على عوائدها المتمثلة في الخراج، من أجل تمويل بيت المال وتغطية احتياجات الإنفاق العام.([33])

وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن للملكية العامة دورها الذي لا يُنكَر في المساهمة في الإنتاج ومن ثم في توزيع الناتج، خاصة مشروعات البنية الأساسية، كالطرق والجسور وما إلى ذلك،”وقد أمر عمر ابن عبد العزيز ببناء المرافق العامة، والتي تسمى اليوم بمشاريع البنية التحتية، ولا تقوم التنمية إلا بهذه المرافق الضرورية من أنهار وترع ومواصلات وطرق”.([34])

كما أن الملكية العامة لازمة لحركة مشروعات الملكية الخاصة وملكية الدولة في نفس الوقت، من خلال مرافقها العامة، أو ما تعلقت به مصالح الناس وحاجاتهم العامة كالأراضي المتروكة حول المدن أو المناطق الصناعية، وبالتالي مساهمتها في العمليات الإنتاجية وما تدرّه من دخول، ولو بطريق غير مباشر.([35])

ثالثاً: وظيفة ملكية الدولة في توزيع الدخللم يغفل الاقتصاد الإسلامي مسؤولية الدولة وحاجاتها؛ ذات الأولوية الإستراتيجية؛ الدفاعية والأمنية والرقابية، والتي تعبّر عن سيادة الأمة ووحدتها، ورعاية الأفراد وحمايتهم، ويدخل في ذلك تسديد أجور موظفيها الإداريين، وموظفي الدفاع والأمن والقضاء والحسبة، والإشراف على تطوير البحوث العلمية، وتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية والتثقيفية وغيرها، ولها الدور الأكبر في تحقيق التوازن بين الملكية الفردية والملكية العامة، والاستمرار في الحفاظ عليه.وبما أن للدولة الحق في استثمار مواردها من الطبيعة، التي نالتها بمقتضى التوزيع الأولي للموارد الطبيعية السالف الذكر؛ فإن الاقتصاد الإسلامي يعترف بملكية الدولة، بشخصيتها الاعتبارية، للدخول والعوائد الناشئة من العمليات الاستثمارية والإنتاجية المختلفة، والتي تقوم بها نيابة عن الأمة ولمصلحتها، إما مباشرة بواسطة موظفيها، أو عن طريق الخواص أو الدول الأجنبية، حسبما تأذن به الشريعة الإسلامية، مشاركةً أو مضاربةً أو إجارةً أو غيرها من عقود الاستثمار وتنمية الأموال.([36])

ولذلك فإن دور ملكية الدولة في توزيع الدخل يتمثل في اعتراف الاقتصاد الإسلامي بامتلاك الدولة لعوائد عوامل الإنتاج المختلفة، سواء كانت أجرا أو ربحاً أو ريعاً، حسب مكانتها في العملية الإنتاجية؛ إذ قد يكون العامل هو الدولة بواسطة موظفيها، وقد يكون رب المال أيضاً هو الدولة بما تبذله من رؤوس أموال عينية ونقدية؛ مثلما هو الحال في التنقيب والاستخراج والتحويل للوقود والمعادن والمياه وغيرها، كما قد يكون صاحب الأرض هو الدولة في حالة استغلال أراضيها في العمليات الإنتاجية المختلفة.وإضافة إلى ذلك؛ فإن الخراج والفيء والغنيمة والجزية من موارد ملكية الدولة الإسلامية، بناء على العمل الذي تقوم به، والمتمثل في فريضة الجهاد في سبيل الله، التي من لوازمها حدوث انتصارات ومصالحات وغيرها، وعند النصر تكون الأراضي الخراجية، والغنائم في الأموال، وتفرض الجزية على رؤوس أهل الذمة، مقابل إبقائهم ببلدهم تحت حكم الإسلام وصونه([37])، إلى غير ذلك من إيرادات الجهاد.ومن الأدلة على إمكانية قيام الدولة بالعمل الإنتاجي والحصول على عوائده؛ ما رواه عبد الله بن عمر t، أن النبي  صلى الله عليه وسلم  عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير، فقسم عمر خيبر، فخير أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم  أن يقطع لهن من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق، وكانت عائشة رضي الله عنها اختارت الأرض([38])، فدور ملكية الدولة يظهر في هذا الحديث من خلال قيام الدولة ذاتها بالعملية الإنتاجية، إما عن طريق استغلال ملكيتها لأرض خيبر وتملكها للناتج الحاصل منها، أو من خلال استغلال الحصص المملوكة ملكية خاصة لأزواج النبي  صلى الله عليه وسلم  مقابل المشاركة معهن في ريع الأرض.ومن الأدلة كذلك حديث زيد بن أسلم t، عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب t: إنَّ في الظَّهرِ ناقةً عمياءَ، فقال عمرُ: ادفعها إلى أهلِ بَيتٍ ينتفعون بها قال: فقلت: وهي عمياءُ ؟ فقال عمر: يَقْطُرونَهَا بالإبل، قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ قال: فقال عمر: أَمِنْ نَعَمِ الجِزية هي أم من نَعَمِ الصَّدَقة ؟ فقلت: بل من نعم الجزية، فقال عمر: أَرَدْتم، واللهِ، أَكْلها، فقلت: إنَّ عليها وَسْمَ الجزية، فأمر بها عمر فنُحِرت وكان عنده صِحافٌ تِسْعٌ فلا تكون فاكهةٌ ولا طُرَيْفةٌ إلا جعل منها في تلك الصِّحاف، فبعث بها إلى أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم ، ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته، من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان، كان في حظِّ حفصة قال: فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجَزُورِ، فبعث به إلى أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم ، وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور، فَصُنِعَ فدعا عليه المهاجرين والأنصار([39])، وهذا يدل على أن وسم إبل الجزية كان يفعل في أيام الصحابة، لأن عمر t كان يَسِم المواشي بوسمين أحدهما لنعم الجزية والآخر لنعم الزكاة([40])، ومثلما تستثمر أموال الزكاة كملكية عامة، كما تمّ ذكره سابقاً؛ تستثمر أيضاً أموال الجزية كصنف من أصناف ملكية الدولة.وللإشارة فإنه لا يجوز للدولة مزاحمة الأفراد في المشروعات الاقتصادية التقليدية كما هو الحال في النظام الاشتراكي الذي يتبنى الملكية العامة لعوامل الإنتاج، مما يؤدي إلى التضييق عليهم في ممارسة تجارة السلع الاستهلاكية أو القيام بالأعمال الحرفية البسيطة، مما هو داخل في أعمال الملكية الخاصة؛ وإنما اختصاص ملكية الدولة بممارسة النشاط الاقتصادي في المشروعات العامة والضروريات والحاجيات التي لا يقوى عليها الأفراد أو ليست من اختصاصهم؛ كالمشروعات الإستراتيجية، وما تعلق منها بالأمن والدفاع، ومشروعات الموانئ والحدود، ومشروعات الطرق والنظافة والصرف الصحي، ومشروعات الكهرباء والغاز والمياه، وما شابه ذلك.([41])

ومن هنا كان تدخل الدولة في المجال الاقتصادي له ضوابط وحدود، أهمها أن يكون تدخلها من أجل المصلحة العامة للمجتمع ودون المساس بحقوق الأفراد الاقتصادية وحرياتهم المشروعة، فلا مجال للتدخل لمجرد رغبة في نفس ولي الأمر من أجل مصادرة أو منافسة لأي فرد أو مؤسسة في المجتمع.إن اعتراف الاقتصاد الإسلامي بالأشكال الثلاثة للملكية؛ يعطي الفرد المسلم مجالا واسعا لاكتساب الموارد المختلفة وبالتالي إشباعا كافيا لحاجاته الفردية والجماعية، وتوازنا أفقيا وعموديا بينه وبين أفراد مجتمعه من جهة، وبين جيله والأجيال اللاحقة من جهة أخرى، في الحصول على الثروات والدخول وعدم التفاوت الكبير فيها، ورغم كل ذلك فإن مجرد وجود تفاوت ولو قليل يبقى وارداً، وهو ما تكفّل نظام الملكية في الاقتصاد الإسلامي بعلاجه والتصدّي لمساوئه.دور الملكية الإسلامية في إعادة التوزيع وتحقيق العدالة الاجتماعيةيسعى الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق التوزيع الأمثل للدخول والثروات بين جميع أفراد المجتمع، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية وتقريب الفوارق المعيشية بين فئاتهم، وذلك بتوجيه الموارد بشتى أنواعها، لإشباع الحاجات الأساسية، وتوفير حدّ الكفاية منها- لا حدّ الكفاف- لكل فرد في المجتمع مهما كان انتسابه وصفته.حد الكفاية في الاقتصاد الإسلاميلا تتم معرفة حد الكفاية إلا بالتعرض لمفهوم الحاجات الإنسانية، وتقسيماتها، وكيفية إخضاعها لفقه الأولويات عند التعارض، حتى تتركز النظرة على  المفهوم الصحيح لحد الكفاية في الاقتصاد الإسلامي، وسموّ هذا المفهوم عن مفهوم حدّ الكفاف الذي يعتمده الاقتصاد الوضعي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي في تحديد مستويات الفقر ومعالجة مساوئ التوزيع.أولاً: مفهوم الحاجات في الاقتصاد الإسلاميتقوم الملكية في الاقتصاد الإسلامي بدورها في إعادة التوزيع بناء على النظرة الإسلامية للحاجات الفردية والجماعية لجميع شرائح المجتمع، هذه الحاجات التي تتسم بالشمول والتنوع والتدرج وفق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية في تحقيقها لمصالح العباد المادية والروحية، والتي تعطي التصور الواضح والعميق لأولويات الاقتصاد الإسلامي في مواجهته لمساوئ التوزيع التي قد تحدث في مرحلتي توزيع الثروة أو التوزيع الوظيفي، خصوصا مسألة علاج الفقر والفروق الاجتماعية بين أفراد المجتمع.ولذلك كان من اللازم الإلمام بهذه الحاجات، والتعرف على مراتبها وأولوياتها بناء على تقسيمات علماء الإسلام لمقاصد الشريعة الإسلامية؛ إلى مقاصد ضرورية وحاجية وتحسينية، فكانت الحاجات البشرية في تصور الاقتصاد الإسلامي؛ ضروريات وحاجيات وتحسينيات:([42])1

– الضروريات: وهي الحاجات التي تتوقف عليها حياة الناس ومصالح المجتمع واستقراره، وإذا فقدت حلّ الفساد وعمّت الفوضى واختل نظام الحياة وأصاب الناسَ الشقاءُ في الدنيا، والحسرة وفقدان النعيم في الآخرة، وهي خمس ضروريات: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.2- الحاجيات: وهي الأمور التي يحتاجها الناس ليعيشوا في يسر وسعة، وإذا فقدت لايختل نظام الحياة ولا تعم الفوضى، كما في الضروريات، وإنما ينال الناس الحرج والمشقة والضيق، وحفظ الحاجيات يعتبر وقاية للضروريات، وحماية لها مما قد يصيبها من خلل، وهي موزعة في كامل أبواب الشريعة من عبادات ومعاملات وعقوبات.3- التحسينيات: وهي كل ما يتعلق بمكارم الأخلاق وتقتضيه المروءة، وإذا فقدت لا يختل نظام الحياة، ولا يصيب الناسَ الحرجُ والمشقةُ، لكن تصبح حياتهم منافية للأذواق السليمة، ومخالفة للعقول الراجحة، وهي كذلك مفرقة في العبادات والعادات والمعاملات والعقوبات.وتعتبر الضروريات والحاجيات هي الحاجات الأساسية، نظرا للزوم توفّر الأولى ولوقوع الحرج عند انعدام الثانية، وأهم الحاجات الأساسية التي تُقدَّرُ النفقة بناء عليها، ما يأتي:([43])

– الطعام والشراب والعلاج
– الكساء- السكن ومتطلباته
– الخادم للعاجز والمريض
– الزواج
– نفقة الزوجة والأولاد
– احتياجات طلاب العلم من كتب وغيرها
– كل ما هو ضروري لحفظ النفس.

إن تخصيص الموارد المالية للملكية بأنواعها الثلاثة؛ الخاصة والعامة والدولة، وفق منهج الأولويات في الاقتصاد الإسلامي على نحو مقاصد الشريعة الإسلامية؛ يضمن إشباع الضروريات والحاجيات كهدف أول في القضاء على الفقر داخل المجتمع، ويمنع ثانياً الإسراف والتبذير لهذه الموارد؛ مما يحتم صرفها في الوجوه الاستثمارية والاجتماعية، والتصدي للفقر والبطالة، وما ينجم عن ذلك من صراعات اجتماعية.ثانياً: مفهوم حد الكفاية في الاقتصاد الإسلامييعرف البنك الدولي الفقر بأنه مادون دولار يوميا بالنسبة للفرد، وهذا المقياس لا ينطبق إلا على البلدان النامية، لأنه يخالف الشواهد الواقعية التي تؤكد أن هناك مجتمعات يصل دخل الفرد فيها إلى خمس دولارات يوميا لكنها تبقى تحت مظلة الفقر، عاجزة عن تلبية ضروريات الحياة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج وتعليم، كما أنه يتناقض مع مقاييس الحكومات الغربية والمنظمات الحكومية الدولية في تعريف الفقر وقياسه في البلدان المتقدمة.([44])

إن حد الكفاف الذي يعتمده الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي كمقياس لخروج الإنسان من الفقر، وعدم احتياجه للانتفاع بموارد الضمان الاجتماعي، يتمثل في القدر الذي يُبْقِي على حياته ويشبع الحاجات الضرورية له ولأسرته فقط، بحيث يُبْقيهِ قادرا على العمل وفي نفس الوقت عاجزاً عن زيادة الإنجاب.([45])وهذا مخالف تماما لحد الكفاية الذي يتميز به الاقتصاد الإسلامي في تحديد عدم اتصاف الإنسان بالفقر؛ ذلك أن حد الكفاية لا يعني القدرة على تلبية الحاجات الضرورية فقط، وإنما الاستجابة لكل ما تتطلبه الحياة الإنسانية من عيش كريم ورفاهة معتدلة، عن طريق تحقيق المطالب الضرورية والحاجية للإنسان، حتى يبلغ المستوى اللائق من الغنى المتعارف عليه في مجتمعه([46])، وقد كان عمال الدولة في العهد النبوي يأخذون أرزاقهم بقدر كفايتهم، ووفقاً لهذا المعنى؛ فعن المستورد بن شداد t قال: سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم  يقول:”من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً”.([47])

وكذلك العمال المكلفون بجمع الزكاة؛ “فيُدفع إلى كل واحد.. إذا اتسعت الزكاة ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى، وذلك معتبر بحسب حالهم، فمنهم من يصير بالدينار الواحد غنيا إذا كان من أهل الأسواق يربح فيه قدر كفايته، فلا يجوز أن يزاد عليه، ومنهم من لا يستغني إلا بمائة دينار فيجوز أن يدفع إليه أكثر منه”.([48])

لذلك كان اعتبار الثُّمُن في تحديد أجرة العاملين على الزكاة غير معتبرٍ؛ بل يُعطَوْنَ قدر عملهم من الأجرة بما يكفيهم ويكفي أعوانهم، لأنهم عطّلوا أنفسهم لمصلحة الفقراء، كالمرأة إذا عطّلت نفسها لحق الزوج كانت نفقتها ونفقة أتباعها من خادم أو خادمين على زوجها، ولذلك لا تقدّر أجرتهم بالثُّمُنِ، بل العبرة بالكفاية سواء كانت ثُمُناً أو أكثر.([49])وللفقهاء آراء مختلفة في تحديد القدر الذي يُعطى للإنسان للبلوغ به درجة الغنى في الاقتصاد الإسلامي؛ فمنهم من يرى إعطاءه ما يكفيه وأسرته العمر كله، ومنهم من اقتصر على إعطائه كفاية سنة، لما ورد عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم :”كان يحبس لأهله قوت سنة”([50])، ومنهم من اقتصر على توفير قوت كل يوم لوحده؛ اعتمادا على زكاة الفطر.ويَعْتَبِرُ الفقهاءُ قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” تنطبق على ضرورة توفير حدّ الكفاية؛ إذ”لو طبق الحرامُ الأرضَ، أو ناحية من الأرض يعسر الانتقال منها وانسدت طرق المكاسب الطيبة، ومست الحاجة إلى الزيادة على سد الرمق فإن ذلك سائغ أن يزيد على قدر الضرورة، ويرتقي إلى قدر الحاجة في القوت والملبس والمسكن، إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأشغال، ولا يزال الناس في مقاسات(لعلّها: مقاساة) ذلك إلى أن يهلكوا، وفي ذلك خراب الدين. لكنه لا ينتهي إلى التَّرَفُّهِ والتَّنَعُّمِ، كما لا يقتصر على مقدار الضرورة.وهو ملائم لتصرفات الشرع وإن لم يَنُص على عينه، فإنه قد أجاز أكل الميتة للمضطر، والدم ولحم الخنزير، وغير ذلك من الخبائث المحرمات”.([51])

دور الملكية الإسلامية في التوزيع التوازني وتحقيق حد الكفايةلا يتم التوزيع في الاقتصاد الإسلامي تلقائيا حسب أولويات السوق كما هو الشأن في النظام الرأسمالي، ولا حسب العمل فقط، كما هو الحال في النظام الاشتراكي؛ وإنما وفقاً للحاجة أولاً، ثم العمل ثانياً.ومن خلال النظر في وسائل الاقتصاد الإسلامي لإعادة التوزيع، سواء التي تتصف بالإلزام أو التي تتميز بالاختيار، يتضح أنها مقسمة بانسجام بين أشكال الملكية الثلاثة، الخاصة والعامة والدولة، مما يجعل مسألة إعادة التوزيع وتوفير حد الكفاية لجميع فئات المجتمع، لا يقع على عاتق الملكية الخاصة للأفراد فقط، ولا العامة، ولا الدولة، وإنما جميع أنواع الملكية، كل واحدة في نطاقها؛ تتحمل جزءاً من أعباء الضمان الاجتماعي وتوفير حد الكفاية لأفراد المجتمع.أولاً: دور الملكية الخاصة في إعادة التوزيعلقد أعطى الاقتصاد الإسلامي للملكية الخاصة من الأدوات الفعالة ما يجعلها تقوم بدورها كما ينبغي في إعادة توزيع الثروة والدخل على أفراد المجتمع، بالقضاء على الفقر والمشاركة في توفير حد الكفاية المطلوب للجميع([52])، كما منحها آليات تجنّبها التكديس والتراكم الاحتكاري للثروات، الذي من شأنه أن يؤدي إلى الغنى الفاحش للأقلية في مقابل الفقر المدقع للأغلبية كما تمت ملاحظته في المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية.([53])فلولا إقرار الاقتصاد الإسلامي للملكية الخاصة للأموال، ثروات ودخول؛ لما كانت هناك مسؤولية فردية عن متطلبات الضمان الاجتماعي وتأمين حد الكفاية للأفراد عن طريق فرض الزكاة، كما في قوله  تعالى :{وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}([54])، أو نفقة الأقارب كما ورد في السنة أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  “كان يحبس لأهله قوت سنة”([55])، وغير ذلك من الواجبات الواقعة على الملكية الخاصة، التي قد تصل إلى حدّ أن الفقهاء أجازوا للمحتاجين إلى السكن أن يسكنوا دار أخيهم الخالية، ويُجبر المالك على إيجار ملكه في حال أزمة المساكن.([56])كما أنه”لا يخفى أن توزيع أنواع المال التي تجب فيها الزكاة، على مستحقيها، يؤدي إلى إعادة شيء غير قليل من التوازن في توزيع الثروة في المجتمع، وما قد يترتب عليه من تهيئة موارد مالية تدفق نحو الاستثمار، بما يحدث نوعا من زيادة الإنتاج في المجتمع، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية متعددة”.([57])ولولا إقرار الاقتصاد الإسلامي للملكية الخاصة كذلك؛ لما كان باستطاعة الأفراد التطوّع بأموالهم والتبرع بها، صدقة أو وقفا أو وصية أو نذرا أو غير ذلك من الوسائل الاختيارية في إعادة التوزيع كما مرّ ذكره في الفصل السابق.إنَّ “للجماعة أو للدولة حقوق في أموال وملكيات الأفراد يترتب على أدائها تفتيت الثروات الضخمة؛ لأن الإسلام يكره تكديس الأموال واكتنازها وتضخيم الملكيات؛ قال U:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}([58])، وقال أيضاً:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}([59])، وقال I:{كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}([60])، فيجب مساهمة ذوي الحاجات في أموال الأغنياء تحقيقاً للعدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، كما يجب على الأغنياء المساهمة في دعم موارد الخزينة العامة للمحافظة على كيان الأمة”.([61])كما أن الإقرار بالملكية الخاصة جعل الدولة تحترم صاحبها، ولا تصادر أمواله ولو كانت بحاجة إليها، بل تلجأ للاقتراض منه وتسديد ما عليها تجاهه متى توفرت عندها الأموال في بيت المال، وهذا مالا أثر له في النظام الاشتراكي الذي لا حرمة للملكية الخاصة عنده، فالتأميم والمصادرات المجحفة للأملاك الخاصة هو السمة السائدة في المجتمع الاشتراكي وعلى أساسها أقام مبدأه في تبني الملكية العامة وإقصاء الخاصة من الوجود.ثانياً: دور الملكية العامة في إعادة التوزيعونفس الأمر بالنسبة للملكية العامة، فهي التي تحقق هدف الاقتصاد الإسلامي الكبير في تحقيق التكافل الاجتماعي وإعادة التوزيع، وذلك عن طريق التوازن الاجتماعي الذي تقوم به الدولة وكالة عن المجتمع.واعتراف الاقتصاد الإسلامي بالملكية العامة يعتبر معلوما من الدين بالضرورة، سواء من النصوص الشرعية أو من التطبيقات العملية للنبي  صلى الله عليه وسلم  وخلفائه عبر التاريخ الإسلامي الطويل، وكان من نتيجة ذلك قيام الملكية العامة بدورها في إعادة التوزيع حسب ما أتيح لها من وسائل في الاقتصاد الإسلامي، والتي تمّ ذكر بعضها في الفصل السابق؛ كخراج أراضي الملكية العامة وفيئها، ودخول المشروعات العامة، ومجانية استعمال واستغلال المرافق العامة، التي تعتبر دخولاً بالنسبة للفقراء والمحتاجين تُقدّم لهم في أشكال غير نقدية، إذ لو كانت تحت التملك الخاص لكانت الاستفادة منها ذات تكلفة مادية لا يستطيعها هؤلاء.ومن الأدلة على هذا الدور المناط بالملكية العامة في إعادة التوزيع ما جاء عن عمر بن الخطاب t من أقوال في أموال الغنيمة والفيء؛ منها قوله:”ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه”وكذلك قوله:”من أراد أن يسأل عن ذلك المال فليأتني، فإن الله تبارك وتعالى جعلني له عارفاً وقاسماً”.([62])

فولي الأمر يقوم نيابة عن المجتمع بإعطاء الفقراء والمحتاجين من الأملاك العامة؛ المنقولة والعقارية، لا ليسدّ رمقهم ويقضي حاجتهم الآنية فقط، وإنما ليملّكهم من الثروة ما يلبي حاجاتهم المختلفة باستمرار، خصوصاً عند حدوث تفاوت كبير في توزيع الثروات في المجتمع، وتكدس الأموال في أيدي فئة قليلة، ولهذا السبب وزّع النبي  صلى الله عليه وسلم  فيء بني النضير وقسم أرضهم على فقراء المهاجرين، الذين كانوا يعتمدون في سكناهم على أراضٍ وبيوتٍ للأنصار، بالإضافة إلى فقيرين من الأنصار؛ هما سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة لحاجتهما.([63])

كما تعتبر الملكية العامة، الطريق غير المباشر بالنسبة للملكية الخاصة وملكية الدولة، لسلوكه نحو إعادة التوزيع من جانبهما؛ فالملكية العامة هي التي تسمح بتكوّن الملكية الخاصة ونشأتها، خصوصا في مرحلة التوزيع الأولي للطبيعة، ومن ثمّ قيامها بمسؤوليتها في إعادة التوزيع، كما أن متطلبات الضمان الاجتماعي تحتّم على الدولة عند الحاجة أن تأخذ من موارد الملكية العامة المحرزة في بيت المال، ما يكفيها للقيام بواجباتها كدولة في مجال إعادة التوزيع، من إعالة للعجزة وإغناء للفقراء وتوفير لفرص العمل وتسديد لأجور الموظفين، وبالأخص إذا لم تكن مواردها كافية لذلك.ثالثاً: دور ملكية الدولة في إعادة التوزيعلا يقتصر دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي على إقامة العدل والسهر على الأمن الداخلي وتهيئة الحماية ضد الاعتداء الخارجي، مما يدخل ضمن الأعباء التقليدية فقط، وإنما تتعدى مسؤوليتها كل هذه الأعباء لتشمل أعباء أخرى؛ كالقيام بعدد من الوظائف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك النفقات الاجتماعية والتعليمية والصحية والضمان الاجتماعي.فيقع على عاتق الدولة تأمين حد الكفاية لجميع الناس الواقعين في دائرة إقليمها، كما يقع على عاتقها مسؤولية الإشراف المباشر على قطاع الخدمات، وضمان حق الفقراء والمحتاجين في الانتفاع بها مجاناً، كالعلاج والتعليم وما شابه ذلك، مما يستلزم نفقات كبيرة لتحقيق هذه المهام.ولا يكتفي الاقتصاد الإسلامي بضمان الدولة للمسلمين، بل يتجاوز ذلك إلى غير المسلمين؛ فالذميِّ الذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية إذا كبر وعجز عن الكسب، كفلته الدولة الإسلامية وأصبحت نفقته من بيت المال.ولهذا كله كان لملكية الدولة ما يبررها في الاقتصاد الإسلامي كغيرها من أشكال الملكية، ولها دورها الفعال كذلك في مجال إعادة التوزيع، طالما توفرت شرعية ولي الأمر، الذي تُمنح له في الاقتصاد الإسلامي كامل الصلاحيات في هذا المجال؛ وفق اجتهاده واستشارة العلماء من حوله، ولولا هذا الاعتراف بملكية الدولة لما كان ولاة الأمور رعاة مسؤولين عن رعاياهم ديانة وقضاء، سواء في مجال إعادة التوزيع وتوفير حد الكفاية لجميع الناس دون استثناء، أو في مجال حفظ التوازن بين الأفراد وتجنيبهم الصراعات الاجتماعية التي تتميز بها المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية؛ بين الأغنياء والفقراء.

ويعتبر الخراج من أهم الوسائل التي توظفها الدولة في مسألة إعادة التوزيع، والمقصود به التكليف المالي العام على أراضي غير المسلمين المفتوحة عنوة والباقية تحت أيدي حائزيها مقابل خراج مضروب عليها يدفعونه إلى بيت المال، أو الأراضي التي جلا عنها أهلها من غير قتال فأقطعها ولي الأمر إقطاع انتفاع لا إقطاع تمليك لبعض الأفراد مقابل خراجها، أو أراضي الصلح على بقاء الأرض بأيدي أهلها مقابل ما يؤدونه من خراج.والخراج فرض بالاجتهاد لتحقيق مصلحة عامة للمسلمين في ظل واقع معين، وقد تغير هذا الواقع الآن، وأصبحت الحاجة ماسة للاجتهاد بما يحقق المصلحة العامة للمسلمين في ضوء الواقع الجديد، ولذلك يرى بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، الاستمرار في عدم تطبيق الخراج الآن، والاستعاضة عنه بضريبة عامة على الأراضي إذا ما لزمت لتحقيق المصلحة العامة للمسلمين.([64])

ولا شك أن الإنفاق العام للدولة في الاقتصاد الإسلامي له أثره في إعادة توزيع الثروة والدخل بين أفراد المجتمع، من خلال تقديم بعض الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة ونحو ذلك، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين بإعانات مالية في شكل مدفوعات نقدية أو عينية، أو إنشاء مشاريع عامة توظّف أعدادا كبيرة من أفراد المجتمع الباحثين عن العمل، أو من خلال كفالة الحّد الأدنى اللائق من مستوى المعيشة لكافة أفراد المجتمع.ولا تزال خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية، على كل أولئك الذين يشككون في إمكانية إقامة نظام اقتصادي إسلامي وبرهاناً ساطعاً على أن الاحتكام لشريعة الإسلام هو وحده الذي يكفل للناس السعادة في الدنيا والآخرة، فقد ساس رعيته سياسة رحيمة، وأمَّن لهم عيشاً رغيداً وكفاهم مذلة الفقر والمسكنة، حتى بلغ الأمر في خلافته أن يكون تجهيز العاجزين لأداء فريضة الحج، وضيافة المسافرين في خانات وفنادق عبر أقاليم الخلافة وتعاهد دوابهم، بل وإعانة المنقطعين منهم بما يكفيهم من مال ليصلوا به إلى بلدانهم، كل ذلك من بيت المال، وقد عزّ في عهده t من يقبل الزكاة، فلا فقر ولا فقراء.([65])

ودور الملكية بأنواعها الثلاثة في إعادة التوزيع، ليس له ترتيب معين، ولا تحميل للمسؤولية بدرجة واحدة، وإنما المرجع في ذلك أحكام الشريعة ومقاصدها، ولا ينفي ذلك مسؤولية كل نوع من أنواع الملكية عمن في دائرته ونطاق قدرته.فمسؤولية مساعدة فقير مثلاً، وإخراجه من ضيق الفقر إلى سعة الغنى؛ تقع أولاً على عاتق الملكية الخاصة، ممثلة في أقارب هذا الفقير، كما قال  تعالى :{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([66])، فإن عجز أقارب الفقير أو افتُقِدوا؛ انتقلت مسؤوليته إلى الملكية العامة المحرزة في بيت مال الزكاة، قال U:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}([67])، فإن لم تكف الزكاة في القيام بهذا الفقير؛ تحمّلت ملكية الدولة مسؤوليته عند ذلك من أموالها الخاصة الموجودة ببيت المال، فإن لم يكن في بيت المال أموال للدولة، عادت المسؤولية من جديد على عاتق الملكية الخاصة؛ فتفرض الدولة من الضرائب على الأغنياء ما يكفي للقيام بهذا الفقير وإشباع حاجته والقضاء على فقره، لأنه من فروض الكفاية التي لا تبرأ ذمة الأمة إلا بالقيام بها وإلا أثم الجميع؛ قال  تعالى :{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}([68])، وفي الحديث:”لَيسَ المُؤمِنُ الذي يَشبَعُ وجارُهُ جائعٌ إِلى جَنْبِهِ”([69])، كما آخى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، على سبيل الإلزام الشرعي، بين المهاجرين والأنصار، ووضع مسؤولية فقر المهاجرين على عاتق الأنصار.والنتيجة أن المجتمع الإسلامي عبر تاريخه الطويل، ورغم الحرية المشروعة لجميع أبنائه؛ في العمل والتجارة وغيرها، إلا أنه لم يتعرض للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية، كما أن أفراده لم يصادفوا المشاكل التوزيعية والتناقضات الاجتماعية التي تعاني منها تلك المجتمعات، وذلك بفضل تنوع أشكال الملكية وتنوع آلياتها الإلزامية والتطوعية في مجال الإنفاق وإعادة التوزيع.

وتعتبر الزكاة من أهم البدائل الشرعية التي يُعوِّل عليها الاقتصاد الإسلامي في نقل الفقراء من حالة الفقر إلى حالة الغنى، ومن حد الكفاف الذي لا يملك فيه الفرد القدرة الشرائية، ويكون الحد الاستهلاكي عنده صفراً، والحاجة عنده إلى ضروريات الحياة كبيرة جدًّ، إلى حد الكفاية حيث تتوفر لديه القدرة الشرائية ويساهم في الدورة الاقتصادية بالتأثير في الطلب الفعّال الذي يعتمد على القوة الشرائية لأفراد المجتمع.والزكاة من وسائل إعادة التوزيع المشتركة بين أنواع الملكيات الثلاث؛ الخاصة والعامة والدولة، لأن الزكاة في الأصل مقدار معلوم من المال يخرج من الأموال المستثمرة سواء كانت هذه الأموال مملوكة ملكا خاصا أو عاما أو ملكا لبيت المال، وليس الهدف من الزكاةِ إشباعُ الحاجات الأساسية للفقراء مؤقتاً، وإنما هدفها الأساسي القضاء على فقرهم إلى الأبد، وذلك بجعلهم ملاكاً للوسائل التي يعيشون بها ويسترزقون منها بدل أن يكونوا أجراء، فيملك التاجر محلَّه، ويملك الفلاّح حقله، وبذلك يزداد عدد الملاكين، ويزداد معه اشتراك الناس في خيرات الطبيعة وما أودعه الله فيها، ولا تكون حكرا على طائفة منهم فقط، وبذلك يتحقق التوازن الاقتصادي والاجتماعي المرغوب، وتتوفر الحاجات الكمالية للجميع فضلاً عن الضرورية والحاجية.ورغم ذلك فإن الاقتصاد الإسلامي لا ينكر التفاوت في المعيشة بين أفراد المجتمع، بل يقرّه ويبني عليه نظمه ومبادئه في التوزيع، لأن هذا التفاوت راجع إلى الاختلافات الفطرية بين الناس في القدرات والكفاءات والمواهب، إلا أن هذا الإقرار ليس معناه إعطاء الفرصة للغني ليزداد غنىً على حساب ازدياد فقر الفقير، وتوسيع للهوة بينهما، حتى يصبح الأغنياء طبقة عليا والفقراء طبقة دنيا، إذ أنه لا طبقية في الإسلام.متطلبات الملكية في الاقتصاد الإسلامي لتحقيق دورها التوزيعيبعد أن توصل البحث إلى إثبات العلاقة بين الملكية والتوزيع، وأهمية وخطورة الدور التوزيعي للملكية في المجتمع؛ انطلاقاً من نتائج التطبيقات الرأسمالية والاشتراكية لنظام الملكية ذات الشكل الوحيد؛ الفردي أو الجماعي.واستناداً إلى النظرية الإسلامية في التوزيع القائمة على نظام الملكية ذات الأشكال المتعددة؛ الخاصة والعامة وملكية الدولة، وما تحققه من توزيع عادل للثروات والدخول، ورفع للمستوى المعيشي للأفراد، وقضاء على التباين الاجتماعي وتركيز الثروات في أوساطهم.

يتساءل الفكر عن سبب انعدام عدالة التوزيع في المجتمع المسلم؛ فالعقل يُحتّم أنه هو الأرضية التي ينعكس عليها نمط الملكية المتعددة، ويجني ثمارها التوزيعية جميع أبنائه؟لا ريب أن المشكلة الاقتصادية للمجتمع المسلم، ومنها جانب التوزيع؛ سببها عدم تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي، خصوصا مبدأه في الملكية، وعدم وصول الوعي والاقتناع بمنهج الاقتصاد الإسلامي إلى القائمين على سياسة المجتمع.وحتى يكون للاقتصاد الإسلامي دور مسؤول وفاعل في علاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للأمة؛ لابد أن يُفسح المجال لتطبيق أنظمته بما فيها نظام الملكية ذات الأشكال المتعددة(خاصة، عامة، دولة).وهذه محاولة لبيان ما يتطلبه نظام الملكية في الاقتصاد الإسلامي من واقع مُوَافقٍ وأفراد مُوَاتين؛ تتوفر فيهم القابلية لاحتضان هذا النظام وتطبيقه بإخلاصالمتطلبات الواقعية وطرق إيجادهاقد يتبادر إلى الذهن أن تطبيق الاقتصاد الإسلامي في واقع الناس معناه إلغاء المؤسسات الاقتصادية القائمة وكل البنوك والشركات غير المبنية على أسس الإسلام ومبادئه في الاقتصاد والمال؛ إلا أن الأمر ليس بهذه الصورة السطحية، التي قد تجعل الكثير ممن يكيدون للإسلام يتحجَّجون باستحالة هذه التغييرات الجذرية، أو على الأقل ترهيب قيادات الأمة ومسيّريها من تكاليفها الباهضة على جوانب الاقتصاد والسياسة والاجتماع.لم يكن الإسلام أبدا بهذه الصورة القاتمة وهو يرتقي بالإنسانية، في عصر النبوة، من ظلمات الجاهلية الأولى إلى نور الحضارة ورحابتها، وإنما كان مطهّراً للواقع، هادياً للنفوس، وفي نفس الوقت ترك ما وجده من خير، بل أضاف إليه وتمَّمَ نقائصه.ولذلك فتطبيق الاقتصاد الإسلامي، من هذا الجانب، يعني إحياء مؤسساته التي اندرست، وتفعيل وتنشيط الممارسات الاقتصادية والاجتماعية التي يتميز بها المجتمع الإسلامي، وتمثل جزءاً من خصوصياته، مما يجعل التطبيق سهلاً ومقبولاً ومؤيَّداً.إحياء المؤسسات العامة للاقتصاد الإسلاميفالاقتصاد الإسلامي يمتلك ما يكفي من المؤسسات المالية والنقدية والاجتماعية والرقابية، التي يزخر بها الفقه الإسلامي في جميع أبوابه التعبّدية والمعاملاتية؛ ومن أهم المؤسسات التي يجب مراعاتها في ذلك: مؤسستا الزكاة والأوقاف.أولاً: مؤسسة الزكاةإن من خصائص الزكاة؛ أنها لا تخرج إلا بعد بلوغ النصاب، ومعنى ذلك أنها تحافظ على الحاجات الأساسية للأفراد، بل إنها تحافظ على كرائم أموالهم، إلا إذا جادوا بها طائعة بها نفوسهم، وبالتالي فإن الفائض عن الحاجات الأساسية هو محل الزكاة، لأن هذا الفائض ذا نفع قليل بالنسبة للغني الذي ضمن حاجاته الضرورية، إذا ما قورن بالفقير الذي هو في أمس الحاجة لهذا الفائض؛ لأن ضروريات حياته ذاتها منعدمة أو تكاد.

ومن خصائص الزكاة أيضا أنها تقع على جميع أنواع الأموال المعروفة؛ نقدية أو عينية، منافع أوحقوق، وهذا الاتساع في وعاء الزكاة يضمن لها القدرة الكاملة والكافية لإعادة توزيع الدخول والثروات، كما أن نصاب الزكاة المعتدل، والمتراوح بين 2,5% و5% و10%؛ يجعل التكليف بها يتسع ليشمل أكبر عدد من أفراد المجتمع، مما يجعل هذا العدد من المشتركين يشكل قوة كبيرة وقاعدة ضخمة للإحاطة بفقراء المجتمع واحتوائهم بشكل فعّال.ومن خصائص الزكاة أيضا أنها لا تصرف على المحتاجين إليها من الفقراء والمساكين إلا إذا كانوا عاجزين عن العمل، أو انعدمت أسباب الرزق لديهم، فتكون الزكاة بذلك دافعاً للقضاء على البطالة الإرادية؛ سواء من جانب الأفراد بالسعي إلى العمل، أو الدولة بتوفير فرص الشغل للجميع حتى لا يقع كاهل فقرهم عليها.كما أن تمتع الزكاة بصفة التكرار والتجدد، وعدم اقتصار جمعها على موسم وحيد أو سنة واحدة فقط؛ يجعل من المكلفين بإخراجها من الأغنياء أو العاملين عليها من موظفي بيت مال الزكاة، يقومون بجمعها بصفة مستمرة وبشكل دوري ولو لم يكن هناك من يحتاج إليها، مما يضيف إليها بعداً اقتصاديا واجتماعيا في الاحتياط للمستقبل.كما أن العمل بالزكاة يعد بديلا للضرائب، حيث يؤدي دفع الزكاة إلى شريحة واسعة من المجتمع، إلى توفير ما كان مخصصا للإنفاق على تلك الفئات من خزينة الدولة(بيت المال)، مما يؤدي إلى تخفيف العجز في الميزانية.وتختلف الزكاة عن أنظمة التأمين والضمان الاجتماعي الرأسمالية والإشتراكية من عدة جوانب:([70])- فالزكاة عمل جماعي منظم على مدار السنة، وكل مال بلغ النصاب يقوم صاحبه بإخراج زكاته وصرفها إلى مستحقيها الذين حددهم القرآن الكريم، خلافاً للتأمينات الاجتماعية التي توصف بأنها اشتراكات ضريبية باسم مستعار.- كما أن تنظيم جمع الزكاة وإخراجها وصرفها يقوم به الأفراد أنفسهم أو من طرف جمعيات خيرية إذا لم تقم بذلك الدولة، أما تنظيم عمليات الضمان الاجتماعي والتأمين فمردّها إلى الدولة أو شركات خاصة ربحية.- ترتبط الزكاة بعقيدة المسلم فهي قنطرة الإسلام وركن أساسي من أركانه، وهذا ما يجعله يُقْدِمُ على دفعها انطلاقاً من وازعه الديني، عكس اشتراكات الضمان والتأمين الاجتماعية اللذان يتهرب الناس من دفعها إذا كانت إجبارية، أو يمتنعون عن ذلك إذا كانت تطوعية.- تُدفع الزكاة إلى مستحقيها دون النظر إلى كونهم من المزكين السابقين أم لا، خلافاً لأنظمة الضمان والتأمين، فإن المستحقين لها هم المشتركون فيها فقط، وحسبما سدّدوه من اشتراكات سابقة، لا حسب حاجتهم.ثانياً: مؤسسة الأوقافخاصة الأوقاف الخيرية التي يعود مردودها إلى المصلحة العامة التي حبست من أجلها، والتي انتشرت بكثرة في البلاد الإسلامية، كالجزائر في العهد العثماني؛ حيث أصبحت الأراضي الوقفية تستحوذ على مساحات شاسعة، لا يماثلها في الاتساع والأهمية إلا ملكيات الدولة والأملاك المشاعة، إذْ أن مدخول الأراضي الوقفية في الربع الأول من القرن التاسع عشر كان يساوي نصف مدخول كل الأراضي الزراعية.([71])وقد كانت الأوقاف الخيرية في مدينة الجزائر لوحدها، يقدر عددها بـ 2600 ملكية، وهي مرتبة كما يلي: أوقاف مكة والمدينة، سبل الخيرات، الجامع الكبير، الزوايا، أوقاف الأندلس، الانكشارية، المياه، الطرق، وتعتبر أوقاف مكة والمدينة أهم هذه الأوقاف لأن دخلها يشكل ثلاثة أرباع كل المؤسسات الوقفية، وكان يقسم إلى جزءين؛ جزء يبعث إلى فقراء مكة والمدينة، والجزء الآخر يوزع على شكل صدقات لفقراء مدينة الجزائر صباح كل خميس.([72])ويعتبر تطوير مؤسسة الأوقاف واستثمار مواردها؛ مما يزيد من ريعها، الذي يُصرف في مصالح المجتمع الموقوف عليها، وهي على العموم ذات صبغة اجتماعية وتحقق أهدافاً تكافلية، لا تستطيع الدولة ولا أغنياؤها تحقيقها على الوجه التي هي عليه، من انعدام للأغراض الربحية والنفعية والعوائق الإدارية، مما يساعد مؤسسات الضمان الاجتماعي الأخرى على  إعادة توزيع الدخول والثروات في المجتمع وتحقيق التوازن بين أفراده وفئاته اقتصاديا واجتماعيا.([73])إلى غير ذلك من المؤسسات التي تتصف بشمولها وإحاطتها بكافة ما يلزم الملكية بأشكالها المختلفة لتنصرف نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية في البلاد المسلمة.لذلك يجب إصلاح المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع بما يتفق مع التعاليم الإسلامية؛ كإلغاء نظام الربا من البنوك القائمة، واستبداله بالمعاملات الشرعية الكثيرة والمتنوعة، كالمضاربة والمشاركة والمرابحة وغيرها، كما يجب الاعتماد في ذلك على العلماء والمفكرين العدول، حتى لا يحدث تشويه لمبادئ الاقتصاد الإسلامي أو تحريف لمسيرته.تفعيل الممارسات الخاصة للمجتمع الإسلامي في مجال الملكيةومن أهم الممارسات التي يجب مراعاتها في هذا المضمار مايأتي:أولاً: الحمىوذلك من أجل إيجاد نطاقات للملكية العامة وملكية الدولة في الفضاءات الطبيعية، والمصادر الإنتاجية، لأن الحمى يمثل أحد مظاهر الملكية العامة وملكية الدولة أيضا، وبه تؤديان دورهما في إعادة التوزيع والقضاء على الفقر في المجتمع، لأنه يقع على قطع أرضية من الأملاك المباحة كأراضي الموات التي يُمنع إحياؤها، كما يمنع انتفاع الأغنياء من رعي مواشيهم فيها والانتفاع بالكلأ النابت فيها، وإنما هي محمية لمواشي الفقراء والمساكين، أو لمصالحهم العامة.([74])ومن الأمثلة عن حمى الأراضي لاستغلالها من طرف الفقراء؛ ما فعله عمر بن الخطاب t أيام خلافته، حيث حمى أرضًا تسمّى الشرف وعين مسؤولاً عنها يقال له (هني )، وأصدر إليه تعليمات صارمة، في الحرص على استغلال الحمى من طرف الفقراء فقط فقال له :”يا هني، اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم بن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى المدينة إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأَيْمُ اللهِ إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً”.([75])ومن هذه السياسة العُمَرِيَّة في إدارة الحمى، وتوجيهه نحو القضاء على مشاكل التوزيع والتفاوت في مستويات المعيشة بين أفراد المجتمع، يظهر ما للملكية العامة في الاقتصاد الإسلامي من دور فعال في إعادة توزيع الدخل والثروة، وذلك بجعل الحمى مقصورا على الفئات الفقيرة ذات الدخل المنخفض، وعدم السماح للفئات الغنية ذات الدخل المرتفع من مزاحمتهم في ذلك.ثانياً: الإقطاعارتبطت كلمة إقطاع بما كان سائداً في القرون الوسطى من أنظمة إقطاعية، حيث كان الملوك في أوربا يمنحون الأراضي الزراعية الواسعة لكبار القادة والأشراف من أجل استرضائهم، بحيث تكون علاقة الإقطاعي مع الفلاح علاقة سيد وعبد، فالفلاح في النظام الإقطاعي تابع للأرض كغيره من الآلات والحيوانات المملوكة، بينما إقطاع الأراضي في الاقتصاد الإسلامي؛ فهو بعيد كل البعد عن هذه المفاهيم المبنية على استرقاق البشر وهضم حقوقهم الإنسانية.([76])فالإقطاع في الاقتصاد الإسلامي هو أن يمنح وليّ الأمر لشخص من الأشخاص، مصدرا من مصادر الثروة الطبيعية، وذلك لتوسيع مساحة الاستثمارات المتعلقة بالأموال المباحة وأملاك بيت المال، سواء كان هذا الإقطاع تمليك عين أو منفعة أو هما معاً.([77])ولذلك يعتبر مبدأ الإقطاع في الاقتصاد الإسلامي أحد أوجه الاستثمار للملكية العامة وملكية الدولة، خاصة مصادر الثروة الطبيعية الخام، التي تتطلب بذل جهدٍ لاستغلالها والانتفاع بها، ولذلك فمن الطبيعي لوليّ الأمر أن يقوم باستثمار تلك المصادر، إما بممارسة ذلك مباشرة، أو بإيجاد مشاريع جماعية، أو بمنح فرص استثمارها للأفراد، تبعاً للشروط الموضوعية والإمكانات الإنتاجية، التي تتوفر في المجتمع من ناحية، ومتطلبات العدالة الاجتماعية من وجهة نظر الإسلام من ناحية أخرى.([78])والملاحَظُ هنا أن إقطاع التمليك يُشجع المستفيد على الاستثمار بعيد المدى والمحافظة على إنتاجية الأرض، لأنها صارت ملكاً له، بينما إقطاع الانتفاع دون تمليك لا يشجع إلا على الاستغلال السريع المردود، رغم أنه أقرب إلى العدالة والمساواة بين الناس، لذلك يخضع الإقطاع لاجتهاد أولياء الأمور في الموازنة والترجيح بين الكفاءة المرغوبة والمساواة المطلوبة.([79])ثالثاً: الإحياءخاصة إحياء الأراضي الموات، التي تكوّن نسبة كبيرة من أراضي العالم الإسلامي، بحيث لو تمّ استخدامها واستغلال ما فوقها وما في باطنها، لكان الريع الناتج منها فائضا على أهلها خيرا وبركة؛ فالأراضي الصالحة للزراعة في الجزائر مثلاً؛ لا تتجاوز 18% من المساحة الإجمالية، وتشكل الأراضي البور(أي الموات)37% من هذه الأراضي الصالحة للزراعة، والسبب في ذلك أن الأراضي البور يتوقف استرجاعها وإحياؤها على وسائل مادية متعددة وتكاليف باهضة.([80])وهذا ما يتطلب رعاية وإشرافاً من السلطات في البلاد الإسلامية، خاصة عند الشروع في استصلاحها، من أجل إيجاد مجالات واسعة للملكيات الخاصة التي تدعّم اقتصاد الدولة، وتخفف على كاهلها الأعباء الاجتماعية المكلَّفة بها، وذلك بالسماح بتملك الأرض الموات ملكية خاصة بالإحياء، وفقاً لأحكام الشريعة في المعاوضات، لأن تملك هذه الأرض والانتفاع بها لا يكون إلا بالإنفاق وبذل الجهد.([81])الطرق المؤدية إلى تطبيق أنظمة الاقتصاد الإسلاميالطرق المؤدية إلى تطبيق أنظمة الاقتصاد الإسلامي لا تخرج عن سبيلين؛ العلم والعمل، فبالعلم تتّضح هذه الأنظمة بمؤسساتها، ومنها نظام الملكية، وبالعمل تخضع للنقد والتجديد حتى تترسّخ في أفكار المجتمع، ويصبح احتضانها والعمل بها من ثوابت الأمة التي لا تنفك عنها.أولاً: تطبيق الاقتصاد الإسلامي بالتدرّج والمرحليةالتدرج في تطبيق الأحكام مبدأ أصيل من مبادئ الشريعة الإسلامية، جاءت به نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعمل به الصحابة  تعالى  والتابعون لهم بإحسان، كما أكدته القواعد الفقهية في المذاهب المختلفة، ولذلك يعتبر منهجاً طبيعياً ومقبولاً لتحديد المرونة في التطبيق الميداني للاقتصاد الإسلامي في خضم تحديات الواقع؛ لأنه يحقق التوازن بين الواقعية والمثالية، وبين الرخص والعزائم، وبين الوسائل والغايات([82])، فقد أجاز الفقهاء ترك بعض واجبات الشريعة وارتكاب بعض محظوراتها للضرورة.([83])ومن الأدلة على مشروعية التدرج؛ حديث جابر بن عبد الله t أن النبي  صلى الله عليه وسلم  لما بايع ثقيفاً على الإسلام اشترطت عليه أن لا صدقة عليها ولا جهاد، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بعد أن بايعهم:”سَيَتَصَدَّقُون ويجاهدون إذا أسلموا”([84])؛ “فها هو  صلى الله عليه وسلم  يقبل شرط ثقيف ألا يتصدقوا ولا يجاهدوا، وذلك لعلمه u أنهم إذا أسلموا وتمكن الإيمان من قلوبهم ستطيب أنفسهم بذلك.

فهو صورة من صور التدرج في الدعوة وفي امتثال أحكام الشريعة الإسلامية. ويلاحظ أن هذا التدرج وقع حال عز الإسلام وعلو كلمته وقوة سلطانه. فالحاجة إلى التدرج حال الاستضعاف من باب أولى”.([85])  ومن أمثلة التدرج عند السلف الصالح؛ مقولة عمر بن عبد العزيز لابنه، لما دخل عليه يستعجله في ردّ المظالم إلى أهلها، فقال له:”يا بني، إن نفسي مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني.

إني لو أتعبت نفسي وأعواني، لم يك ذلك إلا قليلاً، حتى أسقط ويسقطوا. وإني لأحتسب في نومتي من الأجر مثل الذي أحتسب في يقظتي. إن الله، جل ثناؤه، لو أراد أن ينزل القرآن جملة لأنزله، ولكنه أنزله الآية والآيتين، حتى استكن الإيمان في قلوبهم”.([86])ولا يوجد تعارض بين التدرج والأمر بالمسارعة إلى الخيرات في الإسلام، لأن التدرج هو التريث في تطبيق الأحكام إلى حين استكمال الأسباب ووجود الظروف الملائمة، ففرق بين تأخير العمل مع وجود سببه، وبين تأخيره إلى حين وجود السبب، لأن الأول تسويف مذموم، والثاني تأنٍّ محمود.([87])ومن الصور الحية للتدرج في تطبيق الاقتصاد الإسلامي في العصر الحاضر، تجربة ماليزيا في مكافحة الفقر، والتي تعتبر من”أبرز التجارب التي كللت بالنجاح على مستوى العالم الإسلامي الذي يعيش 37% من سكانه تحت خط الفقر، فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000) تخفيض معدل الفقر من 52,4% إلى 5,5% وهو ما يعني أن عدد الأسر الفقيرة تناقص بنهاية عقد التسعينات إلى ثلاثة أضعاف عما كانت عليه الحال في عقد السبعينات.

فقد انخفض معدل الفقر بحلول 2005 إلى 0,5% ويكون الفقر المدقع قد تم القضاء عليه.واللافت في تجربة ماليزيا أن الحكومة وجهت برامج تقليل الفقر التي تم تنفيذها لتقوية الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة للشعب الماليزي واستخدمت هذه البرامج كوسيلة سلمية لاقتسام ثمار النمو الاقتصادي.وتقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل، وأن وصول الفقراء إلى تعليم وصحة أفضل، يساهما بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.

وشجعت المواطنين المسلمين أفرادا وشركات على دفع الزكاة لصالح صندوق الزكاة القومي، مقابل تخفيض نسبة ما يؤخذ من ضريبة الدخل.ونفذت الحكومة في إطار فلسفتها وسياستها المواجهة للفقر برامج منها برنامج التنمية للأسر الأشد فقرا، وأمانة الأسهم، وأمان اختيار ماليزيا، ومنحت الحكومة إعانات مالية للفقراء مثل تقديم إعانة مالية تتراوح بين 130-260 دولار لمن يعول أسرة أو معوق أو غير قادر على العمل بسبب الشيخوخة، وقدمت قروضا بدون فوائد لشراء مساكن، وأسست صندوقا لدعم الفقراء المتأثرين بأزمة العملات الآسيوية عام 1997م، ووفرت مرافق البنية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق النائية، وقامت بأنشطة يستفيد منها السكان الفقراء مثل إقامة المدارس الدينية التي تتم بالعون الشعبي وتساهم في دعم قاعدة خدمات التعليم وتشجيع التلاميذ الفقراء على البقاء في الدراسة.

ومن المؤشرات الرسمية ذات الدلالة أن 94% من الفقراء في ماليزيا يتاح لأطفالهم التعليم الأساسي مجانا ويستفيد 72% من الفقراء من خدمات الكهرباء و65% منهم يحصل على مياه نقية وارتفعت توقعات الحياة لديهم إلى 74 سنة بدلا من 69 سنة”.([88])ثانياً: تطبيق الحيل الشرعية في الاقتصاد الإسلاميتُستَعْمَلُ الحيلة بمعنى جودة النظر واستعمال الفكر، والقدرة على التصرف في الأمور بدقة([89])، وهي وسيلة غير مباشرة للوصول إلى غرض لا يجوز التوصّل إليه مباشرةً، فيَتِمُّ الالتفاف على الطريق المباشر المحرّم من أجل الوصول إلى هذا الغرض.([90])وكل حيلة يُتوصَّل بها إلى مباح فيه مصلحة، أو استرداد لحق، أو إثباته، وكانت سالمة من الإثم؛ فهي جائزة، وإنما المحرم؛ الحيلةُ التي يُتوصَّل بها إلى إبطال مقصد شرعي([91])؛كأن”يُظهِرَ مباحاً، مُخادَعَةً وتَوَسُّلاً إلى فِعْلِ ما حَرَّمَ اللهُ، واسْتِباحَةِ مَحْظُوراتِه، أو إسْقاطْ واجِبٍ، أو دَفْعِ حَقٍّ، ونحو ذلك”([92])، ولذلك فإنَّ”الحيل المباحة المتفق على صحتها وسلامتها من سوء النية، هي مخارج من الضيق، وهي تُشْبِهُ الرُّخَص التي تَفَضَّلَ اللهُ بها على عباده للتخفيف عنهم من شدة التكاليف وقتَ الاحتياج لذلك، وإزالةِ الحرج عنهم في الدين.

أما المُختَلَفُ فيها فيمكن الأخذ بها عند الضرورة والحرج الشديد، إن ترجَّح دليلُها أو تساوَى مع دليل بطلانها، خصوصاً للمُضطرِ المُحرَجِ، فيجوز الإفتاء بها له لإخراجه من الحرج والضيق، ولإبقاء حرمة الدين في نفسه”([93])ومن أنواع الحيل الجائزة؛ التحيُّل على تعطيل أمر مشروع على وجه ينقل إلى أمر مشروع آخر؛ كإنقاص المال عن نصاب الزكاة ببذله في شراء السلع، فقد انتقلت مصلحة هذا المال من نفع الفقير إلى منافع عامة تنشأ عن تحريك المال، كما انتقلت من زكاة النقدين إلى زكاة التجارة([94])، وفي هذا التفاتة اقتصادية بارعة؛ فالمزكي بفراره من وجوب زكاة النقدين، مؤقتاً، بمثابة المترخِّص، مع ما في ذلك من جلبٍ لمصالح اقتصادية عامة؛ كترخيص الأسعار على الناس وخاصة الفقراء، بالإضافة إلى أن الفقير لم يضِعْ حقُّه من الزكاة، وإنما تمّ تأجيله فقط، مقابل تحقيق مصلحة عامة.([95])المتطلبات التربوية ووسائل بلوغها”العالم الإسلامي ليس بيده أن يغير أوضاعه الاقتصادية إلا بقدر ما يطبق خطة تنمية تفتّق أبعاده النفسية، وتخلصه من تركة عصر ما بعد الموحدين، من خرافاتها، وعقدها ومسلماتها الوهمية.يجب أن تتضمن النهضة الاقتصادية هذا الجانب التربوي الذي يجعل من الإنسان القيمة الاقتصادية الأولى، كوسيلة تتحقق بها خطة التنمية، وكنقطة تلاقي تلتقي عندها كل الخطوط الرئيسية في البرامج المعروضة للإنجاز”.([96])وفي هذا المطلب بيان لما يلزم توافره في المسلمين أفراداً وجماعاتٍ، من تصورات واضحة، وعقائد صحيحة، وسلوكيات تربوية لازمة، فيما يتعلق بملكية الأموال من جانب الإنسان في هذه الحياة، كفرد أو جماعة أو دولة، وما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقه، والواجبات الخاصة والعامة التي تناط به بسبب هذه الملكية.التربية العقائديةتعتبر العقيدة، هي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي تحدد نظرة المسلم الرئيسية إلى الكون بصورة عامة، وتملأ نفسه شعورا بالثقة والاطمئنان للشرائع والقوانين النابعة من تلك العقيدة، بصرف النظر عن المنافع المتوخاة من الالتزام بها؛ تحققت أو لم تتحقق.فالإسلام مثلاً؛ يرى أن الملكية حق يتضمن مسؤولية، وليس سلطاناً مطلقاً، كما يعطي للربح مفهوماً أرحب وأوسع مما يعنيه في الحساب المادي الخالص؛ إذ يدخل في نطاق الربح، بمدلوله الإسلامي، كثير من النشاطات التي تعتبر خسارة بمنظار آخر غير إسلامي.وقد سار الإسلام بالإنسان لغرس هذه العقيدة فيه، بتربية أبنائه على مجموعة من المبادئ والأسس، وترسيخها في أفكارهم وأفئدتهم، حتى تؤتي ثمارها في واقعهم وتكون سبباً في فلاحهم في الدنيا والآخرة، ومن أهم هذه المبادئ ما يأتي:أولاً: الاستخلافاستخلف الله U الإنسان بتمليكه هذا الكون ملكية استخلافية، مما يجعله يقوم بالمال ويحافظ عليه ويستمر في تنميته، ويحرص مع ذلك على تنفيذ الواجبات وأداء الحقوق المتعلقة بهذه الملكية، خصوصا ما تعلق منها بجوانب التوزيع بأنواعه المختلفة، التي تقدمت دراستها.والاستخلاف ليس معناه أنَّ الإنسان خليفة لله في أرضه، فالله لا يجوز له خليفة، بل هو I خليفة لغيره، كما في قوله  صلى الله عليه وسلم :”اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل”([97])، لأنَّ الخليفة لا يكون إلا عند موت المستخلِف أو غيبته، أو لحاجة المستخلِف إلى الاستخلاف، بينما الله تعالى حي، قيوم، لا يموت، ولا يغيب، غني عن العالمين، ومن جعل له خليفة فقد أشرك به.([98])ولذلك فمعنى الخليفة كما بيَّنه العلماءُ؛ الذي يخلُفُ مَنْ قَبْلَه، لأنَّ الذي يأتي خليفةٌ لمن يمضي، وهذا الوصفُ يُتصوَّرُ في جميع الأمم وسائر أصناف الناس، لكنه يليق بالأمة الإسلامية أن يُسمى أهلها بجملتهم خلائف للأمم، وليس لهم من يخلفهم، لأنهم آخر أمة.([99])ومبدأ الاستخلاف له من الأدلة في كتاب الله الكثير من الآيات من بينها:-   {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة}.([100])-   {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْض ِ}.([101])-   {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرضِ }.([102])- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَف َ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم}.([103])والملكية في الاقتصاد الإسلامي بأنواعها الثلاثة(الخاصة والعامة والدولة) ترتبط ارتباطا وثيقا بمبدإ الاستخلاف، الذي يعتبر أصلا للملكية، وإطارا يضبطها ويتحكم فيها من حيث اكتسابها واستثمارها والعوائد التي تتحقق منها.فمبدأ الاستخلاف يجعل الملكية بأنواعها الثلاثة تستمد مشروعيتها من المالك الأصلي الذي هو اللَّه I، مما يؤثر على المالك فردا أو جماعة أو دولة فيجعل تصرفاته في الملكية مقيدة بقيود الوكالة ومقتضياتها، فيلتزم بالأحكام التشريعية التي تنظم هذه الملكية سواء من حيث وسائل اكتسابها أو طرق استثمارها، أو التكاليف الاجتماعية المنوطة بها، وهذا ما يسمح للملكية بأداء دورها التوزيعي في رفع المستوى المعيشي لجميع أفراد المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.([104])وبالإضافة إلى ذلك فإن علاج مساوئ التوزيع، والقضاء عليها؛ يتطلب بيئة عقائدية صحيحة تحكم الملكية، ومبدأ الاستخلاف يوفر هذه البيئة العقائدية، التي تهيمن على كل الأساليب المادية التي تُواجَه بها مشاكل التوزيع والتفاوت الطبقي، مما يجعل الاقتصاد الإسلامي ينفرد بخصوصية أساليبه في محاربة الفقر ومشاكل التوزيع، عن النظامين الرأسمالي والاشتراكي، وذلك لتميزه بمبدإ الاستخلاف المهيمن عقائديا على كل الالتزامات المشاركة في مواجهة مساوئ التوزيع وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ انطلاقا من أن المستخلِف يُلزِمُ المستخلَف بأن يجعل جزءاً مما استُخلِفَ فيه للقضاء على الفقر.

هذا هو التميز الذي ينفرد به الاقتصاد الإسلامي والذي يتجسد في الأساليب ذات الصبغة العقائدية في أداء الأدوار التوزيعية.([105])إن الإسلام بإقراره نظام الملكية، وإضفائه مفهوم الاستخلاف عليها؛ جعل من الملكية وكالة في التصرف في الثروات، وأمانة في تأدية الواجبات، وبمجرد أن يسيطر هذا المفهوم للملكية على عقلية المالك؛ يصبح قوة توجهه في سلوكه الاقتصادي، وضابطاً صارماً يفرض عليه الالتزام بفرائض الله U، وحدوده المرسومة في سياسة الأموال، وبهذا يربط الاقتصاد الإسلامي القيمَ الماديةَ بالقيم الروحية، خلافاً للمذاهب الاقتصادية الوضعية؛ الرأسمالية والاشتراكية في انحرافاتها المادية السيئة.([106])ثانياً: التوازنينطلق الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي في بناء نظرياتهما الاقتصادية حول الملكية من التسليم المسبق بانعدام التوازن بين الموارد الاقتصادية وحاجات البشر؛ فالحاجات الاقتصادية حسبهم غير محدودة، والموارد الاقتصادية التي تستخدم لإشباعها محدودة، ويعبرون عن ذلك بمشكلة الندرة؛ التي تعتبر من المسلمات الرئيسية عندهم، ويجعلونها موضوع علم الاقتصاد.والنظام الرأسمالي في ارتباطه بمشكلة الندرة، يسلّم بتعارض مصالح البشر وعدم تناسقها، فوجود الفقر ليس سببه سوء توزيع الثروة بين الناس، وتكدسها عند البعض وانعدامها عند البعض الآخر؛ وإنما هو شح الطبيعة نفسها عن إمداد الإنسان بالموارد الكافية لإشباع حاجاته الاقتصادية.وهذا ما انعكس سلبا على السياسات الرأسمالية في معالجة مساوئ التوزيع ومحاربة الفقر والفوارق الطبقية؛ لأنَّ مَنْ بيدهم سلطة اتخاذ القرار مِنْ قادة واقتصاديين، يعتقدون مسبقاً أن المشكلة لن تُحَلّ، لأن الموارد الاقتصادية الموجودة لا تستجيب لجميع الحاجات.إلا أن الاقتصاد الإسلامي لا يقرّ بمشكلة الندرة؛ لأنها تخالف عقيدته في الاستخلاف والتسخير، فالله U قد ضمن الرزق لجميع الناس بما فيها الدواب الأخرى؛ يقول U:{وَمَا مِن ْدَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتاب مبين}.([107])فالتوازن بين الحاجات البشرية والموارد الاقتصادية مقرّر سلفا؛ ضمن العقيدة الإسلامية، وأكثر من ذلك؛ توازن الموارد فيما بينها، وتوازن حاجات الإنسان كفرد أو جماعة أو دولة، فهو توازن داخل الموارد فيما بينها، والحاجات فيما بينها أيضاً، يقول I:{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّله إلا بِقَدرِ مَعْلوم}.([108])ثالثاً: التسخيرالكون مسخّر للإنسان، بناء على أن المالك الحقيقي لهذا الكون، وهو الله U؛ سخّر كل ما فيه من موجودات لهذا للإنسان؛ مما يدفعه إلى عدم إهمال الجانب المادي للحياة، ويقبل على العمل لجمع المال والسعي لعمارة الأرض؛ قال  تعالى :{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}([109])، وعمارة الأرض في عقيدة المسلم لا تتعارض مع الغاية التي خلقه الله U لأجلها وهي العبادة بقوله I:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}([110])، لأن العبادة تشمل كل عمل صالح رافقه إخلاص لله  تعالى ، ويتجلّى ذلك بوضوح في قوله U:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([111])؛ فالانتشار في الأرض ابتغاء فضل الله يشمل كلّ صور عمارتها.([112])ومبدأ التسخير في التصوّر الإسلامي يجعل الفقر الذي يتعرض له المسلم الصادق بريئاً من أسباب الكسل أو عدم كفاية الموارد كما في النظامين الوضعيين، فالفقر المقبول في الإسلام؛ ما كان سببه تركاً لجمع المال، إما عجزا بَدنياً أو فكرياً أو يُتماً، كما قال U:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً}([113])، أو استضعافاً لا حيلة للخروج منه؛ كما في قوله  تعالى :{فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}([114])، وقوله:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}([115])، وقوله U:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ…}([116])، أو انصرافا عن جمع المال لما هو أولى؛ كتعلم القرآن والدعوة إليه، أو طلب العلم النافع والتخصص فيه وتعليمه، أوجهادا و دعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن زيدِ بن خالدٍ t أنَّ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  قالَ:”مَن جَهَّزَ غازياً في سبيلِ اللهِ؛ فقد غَزا، ومَن خَلَفَ غازياً في سبيلِ اللهِ بخيرٍ؛ فقد غَزا”.([117])ولذلك لا يقبل الاقتصاد الإسلامي إطلاق تسمية الفقير على من ترده اللقمة واللقمتان، أو الغني الذي عنده ما يكفيه، أو سليم الجسم المتفرغ لكسب قوته بنفسه دون شواغل تمنعه، فقد جاءت الأحاديث النبوية تَتْرَى في النهي عن تقمص نعوت الفقراء من هؤلاء؛ فمن ذلك حديث الزبير بن العوام t عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:”لأَنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيأتيَ بحُزمةِ الحطبِ على ظهرِه، فيبيعَها، فيكُفَّ الله بها وجهَهُ؛ خيرٌ لهُ من أنْ يسألَ الناسَ، أعطَوْهُ أو منعُوه”([118])، وكذلك قوله  صلى الله عليه وسلم :”لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي”([119])، وقوله  صلى الله عليه وسلم  أيضاً:”ما يزال الرجل يسأل الناس؛ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزْعَةُ لحم”.([120])والملاحظ أن انصراف الأفراد عن جمع المال في المفهوم الإسلامي؛ لابد وأن يكون خدمة للأفراد الذين انصرفوا لجمع المال، دون تكليف من أحد، وإنما برغبة وتلقائية جُبِلوا عليها، أو بفُرَصٍ أتيحت لهم، ولم يضيعوها، وتقديم هذه الخدمة من الفقراء إلى أغنياهم يكون بأشكال مختلفة تتسم بالتنوع والعمق والشمولية.فالجهاد التطوعي مثلا عمل دفاعي عن المال وصاحبه، والعلم تنمية مالية وبشرية بالكشف عن السبل والوسائل الناجحة لإيجاد المال وزيادته كما ونوعا؛ من إدارة وتقنية وعلم نفس ونحو ذلك، والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل وقائي وأمني للمال وصاحبه؛ يصرف عنه أصناف الاعتداءات المختلفة من الأفراد أو المسؤولين.بل إن وجود العاجز المعدم، والشيخ الفقير، واليتيم المسكين، وغير هؤلاء ممن حفلت بهم المجتمعات الإنسانية في كامل العصور؛ يضفي على جمع المال معنى، وعلى الغنى هدفا، بالنظر إلى ابتلاء الفقير وتمتع الغني، وتضرر القاصر وانتفاع القوي بقواه الإنتاجية كاملة.وهذه بدورها خدمة معنوية لأصحاب الأموال بشكل من الأشكال التي تدخل ضمن رفع المعنويات أو الإحساس بالأمن، أو الاطمئنان على المستقبل أو ما شابه ذلك، قال  تعالى :{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ؛ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُم من خَوْفٍ}.([121])التربية الأخلاقيةتقوم التربية الأخلاقية على مبادئ التقوى بمفهومها الواسع والأخوة بمعناها الشرعي؛ التي تشمل جميع الناس، وقد لخصها الحديث النبوي الشريف:”اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”.([122]) أولاً: التقوىلقد حرص الإسلام على تربية أبنائه على خلق التقوى، وتكثيف معانيها في أفكارهم وممارساتهم، فشملت كل جوانب حياتهم واستوعبت كل مكان يكونون فيه، كما قال r في الحديث السابق:”اتق الله حيثما كنت”، ذلك أن خلق التقوى يستأصل الأخلاقيات الفاسدة من حياة الفرد والمجتمع، ويحارب كل سلوك يتنافى مع الفطرة البشرية وكرامة الإنسان.

ولذلك كانت حياة الإنسان اليومية في الإسلام كلها عبادة؛ بداية من آداب النوم والاستيقاظ، إلى آداب الأكل والشرب واللباس، إلى آداب الجلوس والحديث، والعمل والسفر، إلى غير ذلك من الآداب والسلوكيات التي تهدف إلى غرس خلق التقوى، وتعميق معانيه في النفوس، حتى تصل بها إلى الالتزام، عن طواعية ورغبة، بمواصفات الشخصية الإسلامية السوية، المعطاءة، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية، المادية والمعنوية، التي تليق بالإنسان كمخلوق كرَّمه الله U وحمّله من المسؤوليات الفردية والجماعية ما يليق بهذا التكريم.كما أن للشعائر الإسلامية دور تربوي كبير في ترسيخ خلق التقوى في الأفراد، فأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج تُعتبَر بِحقٍّ أركان التقوى، لما لها من مواصفات الاجتماع والتربية والاستمرار، التي تهذّب شخصية الإنسان وتصوغ نفسيته صياغة سويّة، تربط الشكر بالغنى، والقناعة بالتنمية، مثلما تربط الحياة بالآخرة.فالتقوى أساس كل الأعمال، والاقتصادية منها على الخصوص؛ لقوله  تعالى :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}([123])، فهي التي توقظ الضمير الإنساني وتدفع به إلى الحلال وتبعده عن الحرام، محققة بذلك مراقبة الله U في السرّ والعلن، مستغنية عن المراقَبَات الإدارية والمحاسَبَات القضائية، إذ لا تجدي مراقبة البشر إذا انتفت مخافة الله U، وهذا ما أدى ببعض العلماء إلى اعتبار التقوى عاملاً من عوامل الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي.([124])ثانياً: الأخوةتمثل الأخوة دعامة أخلاقية أساسية في بنية المجتمع الإسلامي الذي تتجسد فيه نظم الإسلام وشرائعه، بما فيها نظام الملكية، ذلك أن الأخوة تعني التعاون والتعاطف والرحمة والإيثار، وما إلى ذلك من قيم المحبة التي يحملها الأخ لأخيه.وتعتبر الأخوة في الدين أوثق رابطة تؤلف بين قلوب المسلمين وتعمل على تماسكهم وتجعلهم على قلب رجل واحد، مثلما وصفهم النبي  صلى الله عليه وسلم  بقوله:”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”([125])، وبذلك يتحقق انتماء الأفراد للمجتمع، ومشاركتهم في انشغالاته الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فيكون ذلك سبباً في تحمّلهم واحتضانهم لأهدافه الخيرية وغاياته الحضارية، بحيث تكون الأخوة التي يحملها كل فرد بين جنبيه، دافعاً أساسياً للمبادرة والعطاء، سواء لإغناء النفس بعمارة الأرض، أو لإعانة الغير ببذل المعروف لهم، وكل ذلك من مواصفات الإيمان، كما قال  تعالى :{إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.([126])وبقدر هذا الشعور بالأخوة، يكون ذوبان الأثرة والأنانية والمصالح الخاصة في كيان المجتمع الإسلامي ومصالحه العامة([127])، مما يجعل خلق الأخوة ذا دور كبير في توجيه الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع وتحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي فيه.ولقد كانت المؤاخاة بين المسلمين من مهاجرين وأنصار؛ مثلا يحتذى به في ترقية الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، فهي الأساس المتين الذي أرسى به النبي  صلى الله عليه وسلم  قواعد الدولة الإسلامية الأولى بعد بناء المسجد النبوي في المدينة المنورة، حيث كان المهاجرون فقراء لا يملكون شيئًا بعد تركهم لأموالهم وأهليهم بمكة، فآخى النبي  صلى الله عليه وسلم  بينهم وبين الأنصار، مؤاخاة فريدة من نوعها، قائمة على المشاركة المعنوية في المؤازرة والولاء، والمشاركة المادية في الدُّور والأموال، وقد بلغت هذه المؤاخاة إلى حدّ التوارث بين المسلمين، بدل التوارث بين الأقارب الذي لم ينزل التشريع به بعد.([128])وأكثر من ذلك؛ فقد بلغت درجة الأخوة بين الأنصار والمهاجرين مبلغاً عظيماً قلّما يتصف به بنو البشر، إنه الإيثار الذي نال به الأنصار شرف مدحهم والثناء عليهم من ربهم، ووعْدِهم بالفلاح في قوله U:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.([129])الوسائل التربوية لبلوغ أهداف الاقتصاد الإسلامي أولاً: التعليمالاهتمام بالناحية التعليمية في ظل الإسلام، ظهر مُبكِّراً، منذ عهد النبوة، من خلال تعليم الصغار الكتابة، وجعله من ضمن طرق فداء الأسرى، فعن ابن عباس t قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل لهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.([130])كما كانت المدن في البلاد الإسلامية تشعّ نورا بما تضمنته من مدارس ومعاهد ومراكز علمية لا يزال التاريخ يذكرها، فمن ذلك أن صقلية في العهد الإسلامي، بلغ عدد المساجد بأحد مدنها ثلاثمائة مسجد، في كل مسجد معلم للقرآن، ومعلمو القرآن لا يكلفون بالخروج إلى الجهاد عند مصادمة العدو، كما كانت العلوم الإسلامية رائجة والأدب العربي متمكناً، حتى أصبحت صقلية من أصقاع العلوم الإسلامية الشهيرة، ومقصداً لأهل العلم، يرحل إليها الأندلسيون لأخذ العلم عن رجالها، وكانت رحلة العلماء إليها من أطراف بلاد الإسلام شائعة.([131])والتعليم له دور خطير في تنمية المجتمع وبعث حضارته؛ فيجب الاهتمام بإصلاح مناهج التعليم في كل مراحله، وفقاً لخصوصيات المجتمع الدينية والحضارية والتاريخية، بحيث تكون برامجه ومفرداته مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله r؛ باعتبارهما دستور المسلمين ومنهج حياتهم في شتى المجالات، والتي منها المجال الاقتصادي والاجتماعي، كما يجب الاهتمام بالمعلم والأستاذ الذي يبذل العلم لتلاميذه وطلابه، من خلال تكوينه وإعداده باستمرار وفعالية، وكفالته ماديا ومعنويا بما يليق بمنصبه الحيوي وتفرغه له، حتى يقوم بمهمته على أكمل وجه.([132])كما يجب”إحداث تحول جذري في التعليم ليتخلص من استخدامه كوسيلة لأقلمة الإنسان مع حاجات النظام القائم، وليصبح التعليم وسيلة تعين الإنسان على ابتكار المستقبل، ومن أجل ذلك لابد أن يتعلم الطفل أن العالم ليس حقيقة تم الانتهاء من صياغتها، ولكن العالم عمل ينتظر الابتكار.
إن المهمة الأولى للمثقفين كشف الأكاذيب التي تسود المراجع المدرسية، ووسائل الإعلام، وهما اللذان يخدمان الغرب للإبقاء على هيمنته بأيديولوجيات مغالطة عن حداثته، وليس ثمة افتراض واحد عن تلك الحداثة المزعومة لا يعد افتراء وكذبا”.([133])ولا شك أنّ من أسباب عدم تطبيق الاقتصاد الإسلامي؛ إقصاؤه من المراجع التعليمية المعتمدة في المدارس والمعاهد والجامعات، وحلّ محله تدريس المناهج والنظريات الغربية في الاقتصاد والاجتماع، والتي كانت السبب في جعل أبناء الإسلام يستوردون المناهج الاشتراكية أو الرأسمالية، لحلّ معضلات مجتمعهم ومشكلات اقتصادهم، “وفي البلاد الإسلامية على وجه الخصوص ليست المسألة بأن نعطي المال سلطانا لم ينزل به الله؛ بتركيزه في أيدٍ قليلة يتبعه انخفاض في مستوى المعيشة ونقص في القوة الشرائية وإفقار للجماهير الكادحة، وليست المسألة بأن ننتزع منه كل سلطان كذلك بإذابته في ضُرُبِ المساواة الطوباوية يَذهبُ بنجْعِهِ النافعِ في دفع الإنتاج”.([134])وعلى هذا الأساس كانت ترقية الدراسات الإسلامية في مجال الاقتصاد الإسلامي وتطبيقاته المواكبة للعصر؛ من أهم ما يجب أن تتوجه إليه همم القائمين على التخطيط لإرجاع الأمة إلى حظيرة الإسلام، وإخراجها من نفق التخلف والتبعية، لأن”المطلوب من علم الاقتصاد في السابق كان أقل بكثير من المطلوب منه اليوم، فالإنسان كان يتقبل في السابق معظم ما يجري على أنه طبيعي أو مقدر ومحتوم، بينما الإنسان اليوم لا يستسلم ولا يتقبل شيئا كما هو؛ وإنما يبحث ويفكر في الأسباب والنتائج والوسائل والغايات وغير ذلك”.([135])ولذلك فإنَّ من العوائق الواقعية؛ عدم وجود الكفاءات العلمية المتمكنة، وبالقدر الكافي، مما يعيق قيام أي فكرة، ويمنع تجسدها في الواقع المعاش، ومرد ذلك افتقاد المتعلمين للخلفية السليمة في تكوينهم وتعليمهم، وهذا يجعلهم غير متمكنين من نقل المعاني بصورة واضحة وسهلة والقدرة على إقناع الآخرين، بالإضافة إلى سوء العلاقات وانعدام الثقة بين العلماء الربانيين والقائمين على السلطة في المجتمع، فالطبيعة البشرية في الحقيقة ميالة إلى التمسك بالمعتقدات السابقة ورفض ما يعارضها من أفكار ونظريات، فلا تقبل إلا ما يتفق مع معتقداتها الأصيلة.([136]) ثانياً: الإعلامينبغي أن تُستغل وسائل الإعلام استغلالاً يخدم مبادئ الإسلام وحضارته، بما في ذلك الاقتصاد الإسلامي وأهدافه، سواء كانت هذه الوسائل مرئية أو مسموعة أو مقروءة، بحيث تعرض جوانب العظمة في هذه الحضارة وأسباب تفوقها، وتَقَدُّمَ المسلمين في جميع المجالات، والتعريف بعلماء الإسلام في شتى الميادين، ونشر تراثهم وأعمالهم، وأن تكون تلك الوسائل أداة بِنَاءٍ لا مِعْوَلَ هَدْمٍ كما هو الواقع في كثير من بلاد الإسلام.([137])ويعتبر المسجد أهم مؤسسة إعلامية قادرة على الإسهام في بعث حضارة الإسلام، وتكوين رأي عام يحتضن شرائعه وقيمه، ويدافع عنها، بما في ذلك مبادئه في الاقتصاد، وذلك لما لهذه المؤسسة من مكانة في قلوب المسلمين، قادتهم وعامتهم، ونظراً لارتباطها بدينهم ومكونات شخصيتهم، كما أن التاريخ أثبت أن المسجد قد أدى دورا هائلا في حياة الجماهير الإسلامية، روحياً وحضارياً.([138])ولا ينطلق الاقتصاد الإسلامي في المجال الإعلامي من فراغ، بل من رصيد تاريخي حافل بالصور الحية التي تبين مدى ما بلغته المجتمعات الإسلامية من رفاهية اقتصادية وعدالة اجتماعية لا يزال صداها يدوي إلى يومنا هذا، فمن هذه الصور في القضاء على الفقر:”قال رجل من ولد زيد ابن الخطاب: إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفاً، وذلك ثلاثون شهراً فما مات حتى جعل الرجلُ يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيهم فما يجده، فيرجع بماله قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس”.([139])ومن صور الرعاية الصحية وكفالة المرضى، فقراءهم وأغنياءهم على حدٍّ سواء؛ أحاديث نبوية وآثار للسلف الصالح كثيرة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خيمة في المسجد، ليعوده من قريب”.([140])ومرّ عمر بن الخطاب t بقوم مجذومين من النصارى عند مقدمه من دمشق فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم الوقف، كما وقف عثمان بن عفان محلة سلوان في ربض القدس على ضعفاء البلد، واشتهر الوليد بن عبد الملك بالاهتمام بالمرضى والزمنى والتوسيع عليهم؛ حيث أعطى لكل مُقعد خادما ولكل أعمى قائدا.([141])وهذه صورة عجيبة لأحد المستشفيات التي بُنيت بمراكش المغرب، بناه بها أحد الخلفاء الموحدين، وقد وصفه أحد علمائها بقوله:”ما أظن أن في الدنيا مثله، وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهاً كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه؛ إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين ديناراً في كل يوم؛ برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجاً عما جلب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعدّ فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم، من جهاز الصيف والشتاء، فإذا نقه المريض؛ فإن كان فقيراً أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنياً دفع إليه ماله وترك وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء؛ بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه، وعولج إلى أن يستريح أو يموت، وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله يعود المرضى”.([142])وخلاصة القول الاقتصاد الإسلامي لا يقر بأن يتغير شكل الملكية حسب حاجات الإنتـاج، أو حسب ميول دعاة التغيير والتبديل، بل له رؤية أخرى أعم وأشمل وأدق؛ إنها قضيـة إنسان له حاجـات أصيلة وميول فطرية تستوجب إشباعها دون المساس بإنسانيته وكرامته، ولذلك كان تنويعه لأشكال الملكية؛خاصة وعامة وملكية دولة، له دلالته الواضحة في القصد لإشباع تلك الحاجات.فالملكيـة الخاصة: تلبي الحاجات الخاصة للأفراد، باعتبار كل واحد منهم له شخصيته الخاصة، وكيانه الذي يميزه عن بقية الأفراد.والملكيـة العامة: تستجيب للحاجات العامة للأفراد، بوصفهم أعضاء في المجتمع، ولا يستطيعون العيش منفردين، فالإنسان اجتماعي بطبعه.أما ملكية الدولـة أو ملكية بيت المال: فإنها تقوم بإحداث التوازن الاجتماعي، وسد الخلل بين شرائح المجتمع، بإشباع الحاجات الخاصة أو العامة للأفراد الذين لم يتمكنوا من إشباعها عن طريق نوعي الملكية السابقين، كي لا يحدث تفاوت كبير بين الأفراد في الـدخول والثروات، ينجر عنه سوء في التوزيع وانعدام للعدالة الاجتماعية.وبذلك تلعب الملكية ذات الأشكال الثلاثة، دورها في التوزيع من خلال حصول كل شكل منها على نصيبه في الاقتصاد الإسلامي، مما يرفع من مستوى معيشة الأفراد والجماعات،  ويحقق الاكتفاء الذاتي للأمة ويغنيها عن التكفّف والسؤال، سواء في مرحلة ما قبل الإنتاج بتملك الثروات والمصادر الإنتاجية المختلفة؛ ملكية خاصة وعامة وملكية دولة، أو بعد الإنتاج بالحصول على عوائد متنوعة بتنوع أشكال الملكية، مما تدرّه العملية الإنتاجية من أرباح وأجور وريوع.كما تؤدي دورها التوزيعي في انصرافها إلى تلبية حاجات الأفراد الخاصة بإنفاقها في الاستهلاك، أو حاجاتهم العامة بإنفاقها في خدمة المجتمع باعتبار كل فرد جزءاً من المجموع، أو رفع المستوى الاقتصادي للجميع، أفرادا وجماعات ودولة، لبلوغ مصاف الغنى والقيام بمهمة الاستخلاف والعمارة بإنفاقها في الاستثمار.وكل ذلك يتم وفق منهجية متكاملة في الاقتصاد الإسلامي ومن رؤيته للحاجات الاقتصادية للإنسان، المستمدة من ترتيب الأولويات وفق مقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها.”إن الأنظمة الوضعية تتخبط تخبطا كبيرا في معالجة المشكلات الإنسانية، لبعدها عن هدي السماء، واعتمادها على اجتهاد البشر المعرّض للخطإ والصواب، والذي يتأثر بمختلف الأهواء والمصالح، لذلك رأيناها تتعرض للتغيير والتبديل بين فترة وأخرى…والواقع أنه لا خلاص لهذه البشرية الحائرة إلا بالعودة إلى شريعة الله وهديه…وما علينا إلا أن نعيد بناء كل زوايا حياتنا على ضوء مبادئ هذه الشريعة الإلهية، فنقيم بذلك مجتمع خير أمة أخرجت للناس، ونفوز بسعادتي الدنيا والآخرة…وإذا قال الإسلام كلمته فهي كلمة الله، فلا ينظر بعد ثبوت الأحكام الشرعية لشيء آخر غير تطبيقها والعمل بموجبها”.([143])

[1]- منذر قحف، الاقتصاد الإسلامي، ص110.
[2]- محمود محمد بابللي، الكسب والإنفاق وعدالة التوزيع في المجتمع الإسلامي، بيروت: المكتب الإسلامي، سنة1409هـ-1988م، ص وما بعدها.
[3]- عبد الله يونس، ص ص:352-353.
[4]- الرصّاع، ص537.
[5]- الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج5، ص562 ؛ رفيق المصري، أصول الاقتصاد الإسلامي،  ص175 ؛ مصطفى سانو قطب،  ص57.
[6]- الزرقا،  ص ص:12-13.
[7]- عبد الله يونس،  ص ص:216-217 ؛ رفيق المصري، أصول الاقتصاد الإسلامي،  ص49.
[8]- عبد الله يونس،  ص ص:354-355 ؛ البعلي، الملكية وضوابطها في الإسلام،  ص90.
[9]- عبد الله يونس،  ص355.
[10]- الزرقا،  ص12.
[11]- كلاوس دايننجر ولين سكواير، النمو الاقتصادي وعدم المساواة في الدخل، مجلة التمويل والتنمية، البنك الدولي، مارس 1997م، ص36 وما بعدها.
[12]- محمد المبارك،  ص89.
[13]- سورة النجم:53/39-40.
[14]- مصطفى سانو قطب،  ص24.
[15]- منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي، جدة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط3، سنة1425هـ-2004م، ص41 وما بعدها.
[16]- سورة فصلت:41/46.
[17]- سورة الزلزلة:99/7.
[18]- مسلم،  كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، ج2، ص ص:574-575 ؛ الألباني، غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، بيروت، دمشق: المكتب الإسلامي، ط3، سنة1405هـ-1985م، ص ص:267- 268.
[19]- رفعت السيد العوضي، عالم إسلامي بلا فقر، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة1421هـ-2000م، ص64.
[20]- منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي،  ص41 وما بعدها.
[21]- زيدان عبد الفتاح قعدان، منهج الاقتصاد في القرآن، بيروت: مؤسسة الرسالة للباعة والنشر والتوزيع، سنة1418هـ-1997م، ص152.
[22]- حسين شحاتة،  ص ص:28-29.
[23]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله يده، ج2، ص22.
[24]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب الزكاة، باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل، ج1، ص446.
[25]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعقّ عنه وتحنيكه، ج3، ص443.
[26]- محمد بن إدريس الشافعي، الأم- تحقيق وتخريج: رفعت فوزي عبد المطلب، المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، سنة1422هـ-2001م.، كتاب قسم الصدقات، باب الاختلاف، ج2،ص227.
[27]- الشوكاني، نيل الأوطار،  كتاب الزكاة، باب سمة الإمام المواشي إذا تنوعت عنده، ج4، ص177.
[28]- القرطبي،  ج5، ص ص:391-392.
[29]- مالك، الموطأ،  كتاب الزكاة، باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها، ص174.
[30]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى{وَفِي الرِّقَابِ والغَارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ج1، ص433.
[31]- القرطبي،  ج8، ص185.
[32]- البهي الخولي،  ص101 وما بعدها.
[33]- محمد الجمال،  ص286 وما بعدها.
[34]- علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ، عمر بن عبد العزيز- معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة، الشبكة الليبية، www.lib تعالى a-w صلى الله عليه وسلم b.n صلى الله عليه وسلم t في 19-02-2007 الساعة10:00سا، ص995.
[35]- البعلي، الملكية وضوابطها في الإسلام،  ص99.
[36]- منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي،  ص41 وما بعدها.
[37]- الرصّاع،  ص ص:227-228.
[38]- البخاري،  كتاب المزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه، ج1، ص508.
[39]- مالك، الموطأ،  كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس، ص170.
[40]- الشافعي،  كتاب الزكاة، باب الفضل في الصدقة، ج2، ص154 ؛ الشوكاني، نيل الأوطار،  كتاب الزكاة، باب سمة الإمام المواشي إذا تنوعت عنده، ج4، ص177.
[41]- حسين شحاتة،  ص28 وما بعدها ؛ عمر سليمان الأشقر ومن معه،  ج1، ص150.
[42]- محمد الطاهر ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تونس: الشركة التونسية للتوزيع، سنة1985، ص79 وما بعدها ؛ غازي عناية، أصول المالية العامة الإسلامية، بيروت: دار ابن حزم للباعة والنشر والتوزيع، سنة1414هـ-1993م، ص96.
[43]- سامر مظهر قنطقجي، مشكلة البطالة وعلاجها في الإسلام، بيروت: مؤسسة الرسالة ناشرون، سنة1426هـ-2005م، ص101.
[44]- ميشيل تشوسودوفيسكي،  ص:297 وما بعدها.
[45]- بن اشنهو،  ص200 ؛ أسامة الغولي ومن معه،  ص527 وما بعدها ؛ السيد عبد المولى،  ص249 ؛ أوسكار لانكة ومن معه،  ص 101 ؛ عقيل جاسم عبد الله، المدخل إلى التخطيطات الاقتصادية – منهج نظري وأساليب تخطيطية – طرابلس: الجامعة المفتوحة، سنة1996م، ص127 ومابعدها.
3- الطيب داودي، الوقف وآثاره الاقتصادية والاجتماعية في التنمية الشاملة، بسكرة: جامعة محمد خيضر، سنة1996، ص14.
[47]- أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أرزاق العمال، ج3، ص53 ؛ الألباني، صحيح سنن أبي داود،  كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أرزاق العمال، ج2، ص230.
[48]- الماوردي،  د.ت، ص156.
[49]- القرطبي،  ج8، ص177.
[50]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  ج2، ص349 ؛ الألباني، غاية المرام،  ص ص:268- 269.
[51]- الشاطبي، الاعتصام،  ص361.
[52]- العبادي،  ج3، ص57.
[53]- محمد كنعان،  ص ص:105-106.
[54]- سورة الأنعام:6/141.
[55]- الألباني، غاية المرام،  ص ص:268- 269.
[56]- محمد وحيد الدين سوار، النزعة الجماعية في الفقه الإسلامي وأثرها في حق الملكية، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، سنة1986م، ص116.
[57]- عبد الحميد البعلي، اقتصاديات الزكاة واعتبارات السياسة المالية والنقدية، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، سنة1412هـ-1991م، ص13.
[58]- سورة التوبة:9/34.
[59]- سورة الشورى:42/27.
[60]- سورة الحشر:59/7.
[61]- الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته،  ج5، ص524 وما بعدها.
[62]- الخفيف،  ص39.
[63]- أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة، جامعة قطر: مركز بحوث السيرة والسنة، سنة1411هـ-1991م، ج1، ص ص:310-311.
[64]- نجاح عبدالعليم أبو الفتوح، كيف يمكن تطبيق الخراج في العصر الراهن.. ؟، مستخلص بحث صادر عن مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، الرياض: جامعة الملك عبدالعزيز، سنة1424هـ-2003م،.
[65]- علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ،  ص849.
[66]- سورة البقرة:2/233.
[67]- سورة التوبة:9/60.
[68]- سورة الذاريات:51/19.
[69]- الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة،  ج1، ص278.
[70]- قنطقجي،  ص ص:101-102.
[71]- حمدي باشا عمر، نقل الملكية العقارية في التشريع الجزائري، عنابة: دار العلوم للنشر والتوزيع، سنة1420هـ-2000م، ص ص:56-57.
[72]- خديجة بقطاش، أوقاف مدينة الجزائر بعد الاحتلال الفرنسي 1830، مجلة الثقافة، العدد62، الجزائر: وزارة الإعلام والثقافة، سنة1401هـ-1981م، ص77.
[73]- هشام أسامة منور، الوقف تمويله وتنميته، بيروت: مؤسسة الرسالة ناشرون، سنة1426هـ-2005م، ص19 وما بعدها.
[74]- عبد الله يونس،  ص ص:207-208 ؛ الزرقا،  ص14.
2- مالك، الموطأ،  كتاب دعوة المظلوم، باب ما يتقى من دعوة المظلوم، ص587.
[76]- رفيق المصري، أصول الاقتصاد الاسلامي،  ص176.
[77]- الخفيف،  ص262 ؛ الرصّاع،  ص ص:537-538.
[78]- باقر الصدر،  ص458.
[79]- الزرقا،  ص16.
[80]- لزعر علي، الفلاحة في الجزائر بين الإنتاج والحاجة، مجلة آفاق، جامعة عنابة، ديسمبر1998م، ص ص:02-03.
[81]- الزرقا،  ص ص:15-16.
[82]- سامي بن إبراهيم السويلم، فقه التدرج في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، سنة1428هـ-2007م .http://www.islamtoda تعالى .n صلى الله عليه وسلم t/pdf/tadarg.pdf، يوم19/03/2007 الساعة:15:00سا، ص44.
[83]- ابن تيمية، الخلافة والملك- تحقيق: حمّاد سلامة، الزرقاء-الأردن: مكتبة المنار، ط2، سنة1414هـ-1994م، ص34.
[84]- الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة،  ج4، ص ص:509-510، رقم1888 ؛ الألباني، صحيح سنن أبي داود،  كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر الطائف، ج2، ص258.
[85]- السويلم،  ص ص:12-13.
[86]- ابن الجوزي، سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز، بيروت: دار الكتب العلمية، سنة1404هـ-1984م، ص127.
[87]- السويلم،  ص ص:13-14.
[88]- http://www.abrar.org.uk/ara/ind صلى الله عليه وسلم x.php?show=n صلى الله عليه وسلم ws&action=articl صلى الله عليه وسلم &id=4383 /19-03-2007. الساعة 14:30سا
[89]- محمد بن إبراهيم، الحيل الفقهية في المعاملات المالية، الدار العربية للكتاب، سنة1985، ص24.
[90]- السويلم،  ص36.
[91]- الشوكاني، نيل الأوطار،  كتاب الصلح وأحكام الجوار، باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما، ج5، ص289 ؛ القرطبي،  ج9، ص217.
[92]- ابن قدامة،  كتاب البيوع، باب الربا والصرف، ج6، ص116.
[93]- محمد بن إبراهيم،  ص ص:115-116.
[94]- محمد الطاهر ابن عاشور،  ص112.
[95]- محمد بن إبراهيم،  ص63.
[96]- مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد، بيروت-القاهرة: دار الشروق، د.ت، ص92.
[97]- المنذري،  كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، ص172 ؛ مالك، الموطأ،  كتاب الاستئذان، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر، ص571.
[98]- ابن تيمية، الخلافة والملك،  ص ص:53-54 ؛ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، لا يصحّ أن يُقال الإنسان خليفة عن الله في أرضه فهي مقولة باطلة، بيروت: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، سنة1416هـ-1996م، ص5 وما بعدها.
[99]- عبد الرحمن بن محمد الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، بيروت: دار إحياء التراث العربي، سنة1418هـ-1997م، ج2، ص536.
[100]- سورة البقرة:2/30.
[101]- سورة الأنعام:6/165.
[102]- سورة فاطر:35/39.
[103]- سورة النور:24/55.
[104]- القرطبي،  ج17، ص238.
[105]- باقر الصدر،  ص506 وما بعدها.
[106]-  محمد الجمال،  ص179 وما بعدها.
[107]- سورة هود:11/6.
[108]- سورة الحجر:15/19-21.
[109]- سورة هود:11/61.
[110]- سورة الذاريات:51/56.
[111]- سورة الجمعة:62/10.
[112]- عبد الله عبد العزيز عابد، مفهوم الحاجات في الإسلام، “دراسات في الاقتصاد الإسلامي – بحوث مختارة من المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي-“، جامعة الملك عبد العزيز: المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، سنة1405هـ-1985م، ص16.
[113]- سورة النساء:4/9.
[114]- سورة القصص:28/24.
[115]- سورة الإنسان:76/8.
[116]- سورة الكهف:18/79-82.
[117]- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازياً أوخلفه بخير، ج2، ص ص:278-279 ؛ المنذري،  كتاب الجهاد، باب أجر من جهز غازيا، ص289.
1- الألباني، مختصر صحيح الإمام البخاري،  كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، ج1، ص435.
[119]- الألباني، صحيح سنن الترمذي،  كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة، ج1، ص355.
[120]- البخاري،  كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثرا، ج1، ص ص:325-326 ؛ مسلم،  كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، ج2، ص594.
[121]- سورة قريش:106/3-4.
[122]- الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة،  ج3، ص362.
[123]- سورة الأعراف:7/96.
[124]- صالح حميد العلي،  ص173.
[125]- البخاري،  كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ج3، ص140 ؛ مسلم،  كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ج4، ص1587.
[126]- سورة الحجرات:49/10.
[127]- محمد عبد الله الخطيب، خصائص المجتمع الإسلامي، الجزائر: دار الصديقية، د.ت، ص163.
[128]- ابن تيمية، الخلافة والملك،  ص112 ومابعدها.
[129]- سورة الحشر:59/6.
[130]- الشوكاني، نيل الأوطار،  كتاب الجهاد والسير، باب المن والفداء في حق الأسارى، ص348 ؛ مهدي رزق الله أحمد، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: دراسة تحليلية، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، سنة1412هـ-1992م، ص359 ؛ إبراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، عمان-الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، سنة1415هـ-1995م، ص ص:192-193.
[131]- محمد الفاضل بن عاشور، الحضارة الإسلامية في صقلية، المجلة الزيتونية، مجلد5، عدد5، سنة1361هـ-1942م، ص85.
[132]- حسن بن إبراهيم الهنداوي، التعليم وإشكالية التنمية، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة1424هـ-2004م، ص111 وما بعدها ؛ محمد أحمد كنعان،  ص116 وما بعدها.
[133]- روجيه جارودي،  ص146.
[134]- مالك بن نبي،  ص47.
[135]- عارف دليلة، بحث في الاقتصاد السياسي، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2، سنة1987م، ص10.
[136]- خيري خليل الجميلي، الاتصال ووسائله في المجتمع الحديث، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، سنة1997، ص ص:39- 40.
[137]-  محمد أحمد كنعان، سبيل النهضة منهج وهدف، بيروت: دار البشائر الإسلامية، سنة1412هـ-1991م، ص125 وما بعدها.
[138]-  محي الدين عبد الحليم، الرأي العام في الإسلام، القاهرة، دار الفكر العربي، ط2، سنة1410هـ-1990م، ص312 وما بعدها.
[139]- علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ،  ص995، نقلا عن سيرة عمر لابن عبد الحكم ص128 ؛ ابن الجوزي،  ص94
[140]- البخاري،  كتاب الصلاة، باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، ج1،ص113 ؛ المنذري،  كتاب السير، باب الحكم فيمن حارب ونقض العهد، ص308 ؛ العسقلاني،  كتاب الصلاة، باب المساجد، ص74.
[141]- محمد عبد الحي الكتاني، الملاجئ الخيرية الإسلامية، المجلة الزيتونية، مجلد3، عدد5، سنة1357هـ-1939م، ص237.
[142]- عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، www.al-mostafa.comto TO PDF:، يوم 25/01/2007 الساعة:14:23سا، ص ص:139-140.
[143]- العبادي،  ج3، ص121.

المصدر: http://www.nashiri.net/articles/religious-articles/3898.html