المال أمانة وفق نظرية الاستخلاف – من خطب الشيخ يوسف القرضاوي

المال أمانة وفق نظرية الاستخلاف – من خطب الشيخ يوسف القرضاوي

المال أمانة

وأضاف القرضاوي : والمال أمانة ووديعة يجب أن ترعي .. فهناك نظرية في الإسلام تسمي نظرية الإستخلاف .. إن الانسان مستخلف في مال الله فأنت حينما تزرع فهل أنت الذي خلقت التربة او جعلت الأرض ذلولاً ؟ هل أنت الذي أمددت التربة بعناصر التغذية ؟ هل أنت خلقت الحبة ككائن حي والهواء ؟ والشمس ؟ الله الذي فعل ذلك وأنت لم تعمل شيئًا.. ” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه” فأنت نائب عن صاحب المال ووكيل عنه ، أنت أمين الصندوق ولست صاحب الصندوق .

واعتبر فضيلته أن المال أمانة ، وقال إنها يجب أن ترعي كما أنه ضرورة يجب أن تحفظ : فقد اتفق العلماء علي أن المال من الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها ولإقامتها ولإتمامها : الدين والنفس والعقل والنسل والمال وبعضهم أضاف العرض .. المال إحدي هذه الضروريات : ضرورة للفرد وضرورة للمجتمع لايستطيع الإنسان أن يعيش بغير المال ولا يستطيع المجتمع أن يعيش بغير المال .

وتابع فضيلته : ولذلك قال فقهاؤنا المحققون إن كل علم تحتاج إليه الأمة في دنياها أو في دينها وكل صناعة تحتاج إليها الأمة حتي النجارة والحدادة والزراعة والصناعة اعتبروها فروض كفاية هي من الضروريات وإذا فرطت الأمة في أحد هذه الجوانب تكون كلها آثمة وبخاصة أولي الأمر فيها ؛ الحكام أولا وأهل الرأي والعلم معهم الأمة يجب أن تتوافر فيها مقومات الحياة العزيزة الكريمة .

وأضاف فضيلته : لا يمكن أن تعز أمة وتقوي وهي لا تملك قوت يومها، للأسف أمتنا أمة زراعية في معظم بلادها ومع هذا كثير من بلادنا الإسلامية تحتاج لأكثر من نصف قوتها تستورده من غيرها لو كف يده عنها لماتت جوعًا ، لماذا لا نزرع أرضنا؟! لماذا لا نصنع؟! نحن أمة سورة الحديد(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ” آية نسمعها ونقرأها : فهل أتقنا صناعة الحديد ؟!

وأبدى فضيلته أسفة قائلا: إننا مازلنا عالة علي غيرنا ، حتى لم نستطع أن ننشئ بأيدينا سيارة مائة في المائة .. في وقت من الأوقات كنا على القمة لم نكن في السفح ، أصبحنا الآن في الذيل نستورد ما نشاء من أدوات الحضارة مما ينتجه غيرنا.

المال فتنة

ولفت فضيلته إلى المعنى الذي تدل عليه الآية الكريمة (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ” قائلا : المال من غير شك فتنة ولذلك حذر الله أن نفتتن به كما حذر أن نفتتن بالأولاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، ووصف الله تعالى رواد مساجده فقال (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)  

واستدرك فضيلته بقوله : المال فتنة لمن افتتن به ، فيمكن أن يكون عند الإنسان الملايين ولكنها في يده وليست في قلبه ، مذكرًا بملك سيدنا سليمان عليه السلام ، وبصحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان البعض منهم من الأغنياء مثل عبد الرحمن بن عوف وطلحة وغيرهم ، بقوله : هؤلاء لم يأخذهم المال من دينهم بل جعلوا المال في خدمة الدين لم يجعلوا الدين في خدمة المال .

وأضاف فضيلته : للأسف بعض الناس أصبحوا وكل همهم المال : همه مع البورصة ومع الأرض ومع الربح لايهمه أن يستورد الشيء الذي يضر الناس ، أو يغش الناس ؛ هناك أناس لايقتنعون بالشبهات بل يرتمون في الحرام الصرف في الكبائر في الربا في أخذ الرشى في الإختلاس في الإحتكار في إغلاء الأسعار علي الناس على الضعفاء ؛ هؤلاء عبدوا المال من دون الله ، لن يغني عنهم المال شيئا لقد نسوا ما هو أهم من المال يقول الله تعالي(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)

وقال القرضاوي محذرًا : إذا لم يزل عنك المال أنت زائل عنه ، ومذكرًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا يارسول الله كلنا مالنا أحب إلينا من مال وارثنا، فقال فإن ماله ماقدم ومال وارثه ما خلف. من قل ماله قل حسابه ومن كثر ماله كثر حسابه كل عند الله لايضيع (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ).

المصدر: http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=5919&version=1&template_id=104&parent_id=15