تأصيل نظريات الإستخلاف ،الحق، التعسف في استعمال الحق في كتاب الإمام الشاطبي – رانية العلاونة

تأصيل نظريات الإستخلاف ،الحق، التعسف في استعمال الحق في كتاب الإمام الشاطبي رحمه الله

*تأصيل نظرية الحق في الجزء الأول من كتاب الموافقات للشاطبي
قال الامام الشاطبي في انواع الحقوق: (الحقوق الواجبة على المكلف على ضربين: حقوق الله { الصلاة، الصيام، الحج} وحقوق الآدميين: {ديون، نفقات، نصيحة، اصلاح ذات البين} واحدهما: حقوق محدودة شرعاً وهي لازمة لذمة المكلف ترتب عليه دينا حتى يخرج منه { مثل: اثمان المشتريات، قيم المتلفات، مقادير الزكوات، وفرائض الصلوات} والدليل التحديد والتقدير فإنه مشعر بالقصد إلى ايداء ذلك المعين فإذا لم يؤده فالخطاب باق عليه ولا يسقط عنه بدليل.
وثانيهما: حقوق غير محدودة شرعاً لازمة له وهو مطلوب بها ولا تترتب في ذمته لأنها مجهولة المقدار والتكليف يجب تقديره {مثل: فروض الكفايات} حينئذ يترتب في ذمته حق واحد وقيم كثيرة بعدد الازمان الماضية وهذا غير معقول شرعاً ولان ذلك يكون عيناً ولا كفاية وعلى كل تقدير يلزم اذا لم يقم به أحد ان يترتب على ذمة احد وهذا لا يعقل أو ذمم جميع الخلق مقسطاً والجهل بمقدار ذلك القسط لكل واحد يبطل لأنه لابد من العلم وأيضاً أنه لو ترتب في ذمته لكان عبثاً ولا عبث في التشريع فإنه إذا كان المقصود دفع الحاجة فعمران الذمة ينافي المقصود فالمقصود ازالة العارض لا غرم قيمته وهذا عبثاً غير صحيح).

*تأصيل نظرية الاستخلاف في الجزء الأول من كتاب الموفقات للإمام الشاطبي رحمه الله:
قال الامام الشاطبي في المحاججة العقلية لإثبات الخالقية لله سبحانه وتعالى: (ماهيات الاشياء لا يعرفها على الحقيقة إلا بارئها فتور الإنسان فيها رمي في عماية هذا في التصور أما في التصديق ما كانت فيها مقدمات الدليل ضرورية أو قريبة من الضرورية وهذا ما ثبت طلبه في الشريعة كقوله جل شأنه ” افمن يخلق كمن لا يخلق” وقوله تعالى: (” الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحيكم هل من شركائكم من يفعل من ذالكم من شيء”).

*تأصيل نظرية التعسف في استعمال الحق في الجزء الأول من كتاب الموافقات للإمام الشاطبي رحمة الله:
قال الإمام الشاطبي: ” أصول الدين قطعية لا ظنية كـ ” لا ضرار ولا ضرار” وكل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائماً لتصرفات الشرع ومأخوذ معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه”
وبالنظر إلى مآلات الأفعال قال: ” الاستحسان ينظر إلى لوازم الادلة ويراعى مآلاتها إلى أقصاها فلو أدت بعض الجزئيات إلى عكس المصلحة التي قصدها الشارع حُجز الدليل العام عنها واستثنت وفاقاً لمقاصد الشارع” وقوله: ” لا تعتبر المصلحة مصلحة إلا إذا وافقت قصد الشارع”.
وذكر الإمام رحمه الله في كتاب الإحكام:
” المباح ليس مطلوب الاجتناب لامور وذكر منها: ترك المباح فعلاً مباحاً وذلك لقاعدة انما الاحكام تتعلق بالافعال أو التروك بالمقاصد وذلك يستلزم رجوع الترك إلى الاختيار كالفعل فإن جاز ان يكون تارك المباح قطعياً وذلك تناقض محال لأن ذلك معارض بان فعل المباح سبب في مضار كثيرة أو أنه انشغال عن الموجبات ووسيلة إلى الممنوعات
وقال أيضاً وكأنه أشار إلى مآل الفعل: ” وقد يكون مباح متساوي الطرفين ولكنه ذريعة إلى ممنوع فيصير ممنوعاً من باب سد الذرائع لا من جهة كونه مباحاً (ضرب مثالاً المال الذي لم تؤدى زكاته).
ذكر الامام أن الترك دائماً أفضل بإطلاق وذكر في ذلك: ” قسم يكون المباح ذريعة إلى منهي عنه فيكون مطلوب الترك.
وذكر ايضاً في مسألة المآل: ” مشروعية الاسباب لا تستلزم مشروعية المسببات وان صح التلازم بينهما، وبناءً عليه” لا يقال ان الاستلزام موجود في اباحة عقود البيع والاجارات وأن ذلك يستلزم اباحة الانتفاع بها فإذا تعلق بها محرم كالغرر والربا الجهالة استلزم تحريم الانتفاع المتسبب عنها” وقوله ” كل تكليف خالف قصد شارع فباطل…”
وقوله” … المحظور إنما هو ان يقصد خلاف ما قصده الشارع” وأن قصد المسببات لازم في العاديات لظهور وجوه المصالح فيها بخلاف العبادية لأنها ليست معقولة المعنى فهنالك يتسبب عدم الالتفات إلى المسببات لأن المعاني المعلل بها راجعة إلى جنس المصالح فيها أو المفاسد وهي ظاهرة في العاديات فالمعاني هي مسببات الإحكام”
قوله المشير إلى رفع الضرر في حالة التسبب (ابطال فعل المضار) ” إذا كان التسبب مهنياُ عنه فلا اشكال في طلب رفع التسبب سواء كان المتسبب قاصداً لوقوع المسبب أم لا وأن كان غير منهي عنه فلا يطلب رفع التسبب”.
” إذا اعتمد المتسبب على جريات العادات وكان الغالب فيها وقوع المسببات عن اسبابها وغلب على الظن ذلك كان ترك التسبب وكذلك إذا ابلغ اعتقاده مبلغ القطع العادي”
وقال أيضاً في اعتبار المآل: ” إيقاع السبب بمنزلة ايقاع المسبب قصد ذلك أو لا …” ” وقد عد كأنه فاعل له مباشرة..”
وقال في تعويض الضرر: ” الفاعل ملتزم لجميع ما نتيجته السبب في المصالح والمفاسد وان جهل ذلك. وفي ترتب الجزاء والثواب على الفعل الضار قال رحمه الله:
” ان الثواب والعقاب إنما ترتب على من فعله وتعاطاه لا على ما لم يفعل لكن الفعل يعتبر شرعاً لما يكون من المصالح والمفاسد.
وقال ايضاً في مناقضة قصد الشارع: ” ان فاعل السبب قاصداً ان يكون ما وصفه الشارع منتجاً غير منتج وما وصفه سبباً فعله على ان يكون سبباً لا يكون له مسبب….
له كنكاح التحليل أو المحلل عند القائل بمنعه فإنه قاصد بنكاحه التحليل لغيره ولم يضع الشارع النكاح لهذا المسبب فقارن هذا القصد العقد فلم يكن سبباً شرعياً… لأنه باطل”.
” وفي العاديات فإنه لا يغش إلا استعجالاً للربح الذي يأمله في تجارته أو للنفاق الذي ينتظره في صناعته”.
اشار إلى ان المآل مانع للفعل: إذ نظر المتسبب إلى مآلات الأسباب فربما كان باعثاً على التحرز من امثال هذه الاشياء اذ يبدوله يوم الدين من ذلك مالم يكن يحسب” اشارة إلى العقاب الاخروي وعلى ما تسبب من ضرر”.
” الحيلة التي تبطل حقاً.. ممنوعة وان اثمرت…”
وقال: ” فأما لوفر هنا أن السبب الممنوع لم يثمر ما ينهض سبباً لمصلحة أو لسبب المشروع لم يثمر ما ينهض سبباً للمفسدة فلا يكون عن المشروع مفسدة تعقد شرعاً ولا عن الممنوع مصلحة تقصد شرعاً وذلك كحيل أهل العينة في جعل السلعة واسطة في بيع الدنيار بالدينارين إلى اجل فهنا طرفان وواسعة، طرفاً لم يتعهد سبباً ثابتاً على حال كالحيلة المذكورة وطرف تضمن سبباً قطعاً أو ظناً..”
” أن كون الشارع لم يشرع هذا السبب لهذا المسبب المعلن دليل على ان في ذلك التسبب مفسدة لا مصلحة… فإذا النكاح مثلا للتوصل إلى أمر فيه ابطاله كالمحلل أو البيع للتوصل إلى الربا مع ابطال البيع من الامور التي يعلم أو يظن ان الشارع لا يقصدها فيكون لا يقصدها فيكون هذا العمل باطل لمخالفته قصد الشارع بالنكاح والبيع..”
ذكر الامام رحمه الله: الكيفية التي ينتج عنها التسبب في الضرر: هناك ضربان:
الأول: العاقل لا يقصد التسبب اليه لانه عين مفسدة عليه لا مصلحة فيها”
الثاني: اذا قصد فهو على وجهين:
أ‌- ان يقصد المسبب الذي منع لأجله لا غير ذلك (جواز انتفاع الغاصب بالمغصوب)
ب‌- ان يقصد توابع السبب وهي التي تعود عليه بالمصلحة. مثل الغاصب يغير المغصوب ليضمنه فيملكه)
وعلق على هذا الوجه: هذا التسبب باطل وليس في خطاب الشارع”
وينظر: ” إذا كان التسبب المخصوص مناقضاً في القصد لقصد الشارع عيناً فإنه يعامل بنقيض مقصودة حتى لا يترتب عليه ما قصده المتسبب”
وأيضاً: ” أو يعتبر جعل الشارع ذلك سبباً للمصلحة المترتبة ولا يؤثر في ذلك قصد هذا القاصد فيستوي بالحكم مع الأول.
وقال الإمام رحمه الله ( اشارة للتهرب من الوجوب في الافعال…”
“… وان كان فعله أو تركه من جهة كونه شرطاً قصداً لاسقاط حكم لاعتقاد في السبب أنه لا يترتب عليه اثره فهذا عمل غير صحيح وسعيٌ باطل دلت على ذلك دلائل الشرع والعقل معاً.
وذكر الأمثلة التالية: ” نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع وشرط وعن بيع وسلف وعن شرطين في بيع وحديث التصرية ولتيس المستعار والخلابة والنجش والغش.
وقوله في بطلان الفعل المناقض للقصد: “… ومعناه لقصد الشارع من جهة ان السبب لما انعقد وحصل في الوجود صار مقتضياً شرعاً لمسببه لكنه توقف على حصول شرط هو مكمل للسبب مضار الفاعل قاصداً لمناقضة الشارع ما وصفه السبب وهذا باطل كالأربعون شاه فيها شاه شرط الافتراف وبصفتها بشرط اختلاطها باربعين اخرى مثلاٌ فإذا جمعها بقصد اخراج النصف ذلك المنهي عنه…”
هناك تساؤل عرضه الإمام: ” هذا العمل هل يقتضي البطلام أم لا؟
قال: ” فيه تفصيل”: ق1: لا تخلو ان يكون الشرط الحاصل في معنى المرتفع أو المرفوع في حكم الحاصل معنى أو لا فإن كان كذلك فالحكم الذي اقتضاه السبب على حاله قبل العمل والعمل باطل ضائع لا فائدة فيه ولا حكم له”.
ق2: ” ان لم يكن كذاك ففيه ثلاثة أوجه: 1- ان مجرد انعقاد السبب كافٍ فإنه الباعث على الحكم وإنما الشرط أمر خارجي مكمل له… القصد فيه صار مخالفاً لقصد الشارع فهو في حكم ما لم يعمل (باطل) ( عمن انفق النصاب قبل الحول أو فرق التجميع أو جمع المتفرق)”.
2- “انه مجرد انعقاد غير كافٍ كباعث قد جعل مفيداً بالشرع لوجود الشرط…”
ذكر الإمام في كتاب الموانع القضايا الخاصة بمناقضة قصد الشارع وقد جاءت على النحو التالي:
” الموانع ليست مقصودة للشارع بمعنى انه لا يقصد تحصيل المكلف بها ولا رفعها وهي على صورتين: 1- نوع داخل تحت خطاب التكليف مثل الاستدانة المانعة لوجب الزكاة وان وجد النصاب فهو متوقف على فقدان المانع وينظر له من جهة التكليف وليس المقصود.
2- الثانية: ” هو المقصود الداخلي تحت خطاب الوضع من حيث هو كذلك فليس للشارع قصد في تحصيله من حيث هو مانع ولا في عدم تحصيله…”
أدلته في قوله صلى الله عليه وسلم: ” يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة اشياء بخمسة اشياء يستحلون الخمر باسماء يسمونها والسحت بالهدية والقتل بالرهبة والزنى بالنكاح والربا بالبيع..” فكأن المستحيل هنا رأى ان المانع هو الاسم فنقل المحرم إلى اسم آخر حتى يرتفع ذلك المانع فيحل له”
وفي قوله تعالى: ” من بعد وصيه يوصي بها أو دين غير مضار” فاستثنى الاضرار فإذا أمر بدين أو أمر أو أوصى لوارث في مرض موته أو أوصى بأكثر من الثلث قاصداً حرمان الورثة أو نقصه بعض حقه بابداء هذا المانع من تمام حقه كان مضاراً والإضرار ممنوع بالاتفاق”.
ماذا ” ماذا يترتب في الصحة والبطلان (إذ خالف الفاعل قصد الشارع):
قال الامام رحمه الله: ” اذا كان رده الصحة ترتب آثار العمل عليه في الدنيا (كجواز الانتفاع) وترتب عليه ثواب الآخرة”
أما كان باطلاً: ” فله معنيان أحدهما: ان يراد به عدم ترتب آثار العمل عليه في الدنيا كما العادات نقول أنها باطلة بمعنى عدم حصول فوائد بها شرعاً من حصول أملاك، واستباحة مزوج وانتفاع بالمطلوب ولما كانت العاديات في الغالب راجعة إلى مصالح الدنيا كان النظر راجعاً فيها إلى اعتبارين: 1- من حيث هي أمور مأذون بها أو مأمور فيها شرعاً وخالفوا قصده فيها بإطلاق وخروجهم هذا هو مخالفة لقصده والخروج في الإعمال عن خطاب الشارع يقضى بأنها غير مشروعة وغير المشروع باطل.
2- ان يراد بالبطلان عدم ترتب الأثر في العمل عليه في الآخرة وهو الثواب فقد لا يترتب عليها آثار فالعقود مفسوخة شرعاً والأعمال التي يكون الحامل عليها مجرد الهوى والشهوة….”

المصدر: الموقع العالمي للاقتصاد الإسلامي