تأهيل الموارد البشرية في المصارف الاسلامية – د. عبد المنعم

تأهيل الموارد البشرية في المصارف الاسلامية – د. عبد المنعم

بسم الله الرحمن الرحيم

}فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{

(الكهف:110).

لكل مؤسسة اقتصادية في العالم المعاصر رسالة خاصة فيها وثقافة تقوم على مبادئ مستمدة من المجتمع الذي تقوم فيه .

والمصارف الإسلامية هي واحدة من بين تلك المؤسسات المعاصرة تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية ورسالتها مستمدة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

ولكن عدم الالتزام الديني للعاملين في المصرف ليس خطأ تكوني في المصرف بل هل مشكلة ضعف تأهيل الموارد البشرية بالجانب الشرعي والأخلاقي والتركيز على الجانب الفني (العمليات المصرفية) وهذه مشكلة تبدأ في استقطاب الموارد البشرية ومن ثم تعيينها وتأهيلها ومتابعتها, وقد ظهرت هذه المشكلة لأن القائمين على أقسام الموارد البشرية غير مختصين بما فيه الكفاية من الناحيتين الشرعية والفنية.

إن نظرة الإسلام للفرد نظرية كلية لا تتجزأ في كل أدوار الإنسان الحياتية, فالإنسان هو الإنسان سواء كان في المؤسسة (المعمل) أم كان في المسجد أو بيته وهو الأساس وهو الهدف, كما رفع الله سبحانه وتعالى من أهمية العمل وجعله نوعاً من أنواع العبادة }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ (الذاريات:56).

ويتميز العمل الذي يثاب عليه ويعتد به في الإسلام عن غيره بمقومات معينة من أبرزها “النية” أو ما يمكن أن نسميه الإرادة, ففي الإسلام يفترض أن يصدر العمل عن نية طيبة, وهو يقاس بدرجة “طيبة” وسمو وخلوص هذه النية. وأساس ذلك القاعدة العامة التي وضعها الحديث المشهور “إنما الأعمال بالنيات” والتي استلهم فيها روح القرآن عندما حقق للإنسان حرية الاختيار }فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى{ (الليل:5-11).

النية تجعل الأعمال اليومية عبادة فمن كان يشرب أو ينام بفكرة المحافظة على صحته وأن يقوم بواجبه نحو نفسه وأولاده وبلده، ويستطيع الوفاء بالتزاماته الإسلامية فإن هذه الأفعال كلها تصبح عبادات ويثاب عليها.

والعمل الإسلامي يجب أن يكون صالحاً أي زال عنه الفساد } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ{ (البقرة:11)

فمعنى كلمة الصالح والصالحات لا يمكن أن يقتصر على الشعائر والفرائض الدينية، كما يتصور الناس وأن الرجل الصالح ليس هو بالدرجة الأولى، من يلتزم بالعبادات والمساجد فقط, ولكنه النافع والمناسب والعادل والكفء والبريء من شوائب الفساد أو الظلم.

واستخدام هذين المقومين: النية والصلاحية لتقويم العمل والحكم على مدى إسلاميته – بمعنى أن كل عمل يؤمن صاحبه أن ممارسته له توفر له مورد العيش الذي يفضله، أو لا يستطيع احتراف غيره في ظروفه وملابساته، وأن هذا العمل يفيد المجتمع، ويسد ثغرة من احتياجات المسلمين، فإنه يعد إسلامياً يثاب عليه، وان تقويم العمل قد لا يكون بالعمل نفسه قدر مما يكون بالنية فيه ومكانه في خدمة المجتمع, فقد تكون بعض الأعمال مرهقة ومتعبة، تضطر صاحبها إلى صنوف من الأذى والقذر، ولكنها مع هذا تكون إسلامية يثاب صاحبها عليها، وبل قد يضاعف له الثواب لقاء ما يعانيه من إرهاق وأذى.

فالنية والصلاح يفرضان على جميع الموارد البشرية العاملة في المؤسسات المصرفية الإسلامية أن تلتزم في المبادئ والقيم الإسلامية وتحمل رسالة الإسلام.

 

بالنسبة لعمل النساء في المصارف الإسلامية:

أن المؤسسات المعاصرة ومنها الإسلامية تستقطب بعض النساء لسد حاجاتها من الموارد البشرية ولكن عند استئجار المرأة الأجنبية لخدمة الرجل، منعه الشافعية مطلقاً سداً للذرائع، والحنفية قالوا بكراهته للأعزب، وجوازه بدون الخلوة للمتزوج الذي معه أهله، ووافقهم المالكية وأضافوا شرطاً آخر وهو كونه مأموناً، في حين أجازه الحنابلة مطلقاً بشرطين هما عدم الخلوة وعدم النظر إليها، والراجح هو قول المالكية، لأن الأعزب لا يؤمن من الوقوع في محرم، وأن اشتراط كون المتزوج مأموناً شرط جيد يدرأ الفساد. وهذا يجب أخذه بعين الاعتبار في المؤسسات الإسلامية.

 

بالنسبة لعمل غير المسلمين:

لا ينبغي للمؤسسات الإسلامية أن تستخدم عمالاً غير مسلمين مع إمكانية استخدام المسلمين، لأن المسلمين خير من غير المسلمين لعدة أسباب أهمها:

1ـ توافق أهداف العامل المسلم مع المنظمة فالعامل غير المسلم قد يدعو إلى الأعمال المحرمة[1].

2ـ ينسجم العامل المسلم مع ثقافة المؤسسة الإسلامية.

3ـ وخير مما سبق قول الله تعالى: }وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ{ (البقرة:221). ولكن إذا دعت الحاجة إلى استخدام عمال غير مسلمين فإنه لا بأس به بقدر الحاجة فقط, وعلى إدارة الموارد البشرية أن تؤهل هؤلاء العمال وأن توعيهم لسياسات وثقافة المؤسسات الإسلامية.

 وأخيراً أدعو القائمين على المصارف الإسلامية الاهتمام بتأهيل الموارد البشرية العاملة في هذه المصارف  تأهيل شرعي وفني وسلوكي لأنهم مسؤولون أمام الله والمجتمع.

 

 المرجع : www.dr-dahman.com

www.syriannlp.com

 


[1] – القرطبي محمد بن أحمد الأنصاري, الجامع لأحكام القرآن (المجلد الثاني). دار احياء علوم الدين , بيروت , صفحة (80).