الزكاة ودورها في عدالة التوزيع
بقلم: بشر محمد موفق
من المعلوم أن نظام التوزيع في الإسلام هو أكثر الأنظمة الاقتصادية عدلا في توزيع الدخول لأفراد المجتمع، حيث يتكون هذا النظام التوزيع من ثلاث مراحل رئيسية:
- نظام التوزيع الأولي، وتتعلق هذه المرحلة باشتراك الناس في الثروات الطبيعية كالماء والكلأ والنار، وكذلك بالأساس المنشئ للملك هو العمل الاقتصادي الصالح، مثل إحياء الموات والإقطاع وغيرهما من الأعمال الاقتصادية، والأدلة الشرعية عليها كثيرة.
- نظام التوزيع الوظيفي، وهو الذي يختص بعوائد عوامل الإنتاج مثل:
أ ) الأرض، حيث تستثمر بعقود المساقاة والمزارعة، حسب نوع الأرض.
ب) رأس المال، وهو نوعان: رأس المال النقدي، وعائده الربا لا يجوز، وإنما يشارك عبر المضاربة أو المشاركة.
جـ) العمل: وعائده هو الأجر إن كان العامل أجيرا، والربح إن كان في عقد المضاربة.
- نظام إعادة التوزيع: حيث إن العدالة في التوزيع ليست محصورا في ضوابط التوزيع الأولي وضوابط التوزيع الوظيفي فقط، إنما أيضاً في ضوابط إعادة التوزيع (التوزيع اللاوظيفي)، وهذه المرحلة تشمل أداتين رئيستين هامتين في حياة الفرد والمجتمع المسلم، وهما: الزكاة والإرث، وحديثنا عن الأداة الأولى وهي الزكاة:
إن الزكاة في الإسلام مؤسسة حقوقية تتداخل بين النظام العقدي والنظام التشريعي والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، بل إن جاحدها الممتنع عنها يعتبر معوقاً لنظام التوزيع الإسلامي، وخير دليل على ذلك حروب الردة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه -حيث إنها كانت أشرف حرب قامت في التاريخ ولهدفٍ توزيعيٍ يتعلق بنصرة الفقراء وانتزاع حقوقهم من الأغنياء الذين منعوا الزكاة، وفي أدق ظرفٍ في تاريخ الإسلام !!.
أما الآثار الاقتصادية لفريضة الزكاة فهي أكثر من أن يتسع لها مقال مختصر، لكن من أهم هذه الآثار:
- أنها تنقل الدخول من الأغنياء إلى الفقراء، ومن المعلوم اقتصاديا أن الفقراء يتمتعون بارتفاع الميل الحدي للاستهلاك (MPC) مما يؤدي لارتفاع الطلب الكلي بعد أداء هذه الفريضة، وستشبع درجاتٍ أعلى على سلَّم الإشباع الاجتماعي.
- أنها تدرُّ دخولاً على الفقراء، مما يجعلهم يشتركون في مسؤولية الحفاظ على أموال الأغنياء وحراستها لأنها تدر عليها دخلاً زكوياً.
- أنها تعتبر إعلان حربٍ على الاكتناز وحبس الأموال عن التداول والاستثمار، وبلغة الاقتصاد تعتبر تكلفة ثابتة (FC) يتحملها مالك المال، فيدفعه رشده إلى توظيف أمواله ليدفع الزكاة من نماء المال لا من أصله.
- أن الأثر التوزيعي للزكاة لا يقف عند حدود نقل وتحويل بعض الدخل القومي؛ بل يتجاوزها إلى تحويل الثروات ورؤوس الأموال. أي أن الزكاة أداة لتوزيع الثروة والدخل معاً.
- أن فريضة الزكاة تعمل على هيكلة الطلب الاستهلاكي -ابتداءً -ثم الاستثماري -لأنه مشتقٌّ من الطلب الاستهلاكي -، فتقوم بهيكلته وِفْقَ تأمين الضروريات ثم الحاجيات وهكذا، وتمنع من الطلب الاستهلاكي الترفي الضار الذي يؤدي إلى التضخم أيضاً.
وهيكلة الطلب بهذه الصورة لا يخفى أنها تُفْضي إلى الاستقرار؛ فمن المعلوم أن منشأ دورات الأعمال يكمن -بشكلٍ رئيسٍ -في تركُّز الطلب في اتجاه معين حتى تنشأ الدورات التجارية والأزمات العالمية، والزكاة تحمي من ذلك -بإذن الله -من خلال هيكلة الطلب واستقراره.
ويكفينا أن نعلم أن الثروة النقدية الثابتة التي لا تستثمر؛ تنقل الزكاةُ ملكيتها وإدارتها خلال 40 سنة إلى مستخلفين جدد في المجتمع الإسلامي، لأن أقل نسبة للزكاة هي 2.5 %، ولذلك فإن الثروة تنتقل للآخرين المستحقين خلال 40 سنة.
وفي الختام نرى أن مرحلة إعادة التوزيع تعمل على تقريب خط توزيع الدخل الفعلي من خط التوزيع العادل أو المتساوي وفق مربع لورنس كما يلي:
أحدث التعليقات