السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحو بناء نظرية متكاملة في مجال الاقتصاد والمالية الإسلامية. د. عبد السلام بلاجي أستاذ الدراسات الإسلامية والاقتصاد الإسلامي والعلوم السياسية والاقتصاد الإسلامي والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
حين نتحدث عن الاقتصاد الإسلامي يجب أن نميز بين عدة أمور منها:
أولا: أصول الاقتصاد الإسلامي وهذه نأخذها من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الإسلامي. وهي في الغالب أحكام تتعلق بالمعاملات.
ثانيا: الفكر الاقتصادي الإسلامي وهذا مبثوث في مختلف المصادر مثل: تفاسير القرآن الكريم، شروح السنة النبوية، الكتب المتخصصة (كتب الأموال، والسياسة الشرعية، والحسبة… وغيرها)، وحتى كتب أصول الدين التي يوجد فيها مبحث عن الأرزاق لا يوجد في غيرها، وكتب تاريخ الإسلام، وكتب الخطط مثل خطط المقريزي… وحتى بعض كتب الزهد والتصوف (رغم المواقف المختلفة منه) فقد وجدنا في ثرات إبراهيم ابن أدهم حديثا عن الاكتفاء الذاتي وعن الأسعار والتضخم…
ثالثا: كتب الاقتصاد الإسلامي المعاصر منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حيث بدأ الحديث عن علم الاقتصاد كعلم مستقل وبدأت جهود العلماء في بناء نظرية للاقتصاد الإسلامي.
وينبغي التذكير أن النظرية هي مجهود بشري في مجال معين، ولذا لا يجب الخلط بينها وبين الأصول والأحكام. فمجال الاقتصاد في الإسلام غني بالأصول والأحكام. وكذلك بالفكر الاقتصادي. أما بناء نظرية متكاملة تنتظم الملكية وأصلها ومجالاتها والإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك والأسعار والعمل والتضخم والانكماش…. فهنا نحتاج إلى جهد وعقول بشرية مؤمنة تنطلق من الأصول والأحكام لبناء نظرية إسلامية في مجال الاقتصاد الإسلامي. وهذا ما قام به بمقادير مختلفة ومتفاوتة علماء أفاضل من أمثال عيسى عبده والدكتور النجار والدكتور أبو الفتوح والدكتور محمد المبارك والدكتور إبراهيم دسوقي أباظة والدكتور فاروق النبهان والدكتور نجاة الله صديقي والدكتور معبد الجارحي والدكتور عمر شابرا والدكتور أحمد لسان الحق والدكتور عبد الرحيم الساعاتي وغيرهم الكثير… لكن أقرب الجهود لبناء نظرية متكاملة هي جهود الدكتور عمر شابرا حفظه الله والدكتور أحمد لسان الحق رحمه الله تعالى.
وعلى سبيل المثال فحينما نقول إن ابن خلدون بنى نظرية متكاملة في علم الاجتماع البشري… فليس معنى ذلك أن مصادر الشريعة لم تتعرض لأصول وأحكام الاجتماع البشري من أسرة وزواج وطلاق وحكم وقضاء وحضارة وتمدن وصنائع وغيرها. فمنها أنطلق ابن خلدون لبناء نظريته.. ولكن بناء النظرية لا ينسب للإسلام بل ينسب إلى صاحبه لأن النظرية ولو ارتكزت على مرجعية الوحي من قرآن وسنة فإنها تنسب إلى مؤسسها مثل نظرية مقاصد الشريعة التي تنسب إلى الغزالي والعز بن عبد السلام والقرافي والشاطبي وابن عاشور وعلال الفاسي والريسوني…. وكذا نظرية أصول الفقه… وغيرها… وهذا لا يغض من قيمة النظرية ولا يعني انتهاء بنائها بمجهودات علماء الأمة. أما المالية الإسلامية فينطبق على أصولها وأحكامها وفكرها ما ينطبق على الاقتصاد الإسلامي. مع العلم أن علم المالية الإسلامية برز مبكرا في كتابات الخراج لأبي يوسف والأموال لكل من أبي عبيد القاسم بن سلام وابن نفطويه وأبي نصر الداودي وكتاب الخراج وصناعة الكتابة للمقدسي وكتاب الأحكام السلطانية لكل من الماوردي وأبي يعلى وكتاب شذور العقود في ذكر النقود للمقريزي وكتاب إصلاح المال للبلاطنسي وكتاب الحلال والحرام للوليدي… وغيرهم من القدماء. وقد عالجت هذه المؤلفات مالية الدولة والمجتمع ومصادرهما ونفقاتهما مثل الخراج والجزية والفيء والغنائم والوقف والزكاة والإقطاع وأجور الولاة والموظفين وأعوانه الدولة والتجهيزات العامة… اما المالية الإسلامية المعاصرة فقد اهتمت بإحياء المعاملات المالية الإسلامية بعد قضاء الاستعمار عليها. واستقرت في عمومها على دراسة وتحليل المواضيع التالية: مؤسسات الزكاة، وصناديق الحج، ومؤسسات الوقف، والصكوك الإسلامية، والأسواق المالية الإسلامية، والتأمين التكافلي، والبنوك الإسلامية، والتمويلات الصغرى… ولم تتوسع بعد لمدارسة مالية الدولة بمختلف أقسامها والمالية الدولية الإسلامية. وهو ما أعتزم إنجازه بحول الله تعالى إن بسط الله تعالى في الجسم والعمر. ولذلك نرى أنه لم تبن بعد نظرية متكاملة للمالية الإسلامية تنتظم المال والتمويل مصادره كالمصارف والشركات المالية ومالية الدولة وميزانيتها والتوازن المالي والعجز المالي وطرق سده ومالية الجماعات والبلديات والجهات والمالية الإسلامية الدولية ومالية الشركات متعددة الجنسيات وغيرها مما ينبغي أن تتضمنه النظرية الإسلامية المتكاملة في مجال المالية.
وما نتداوله اليوم عن البنوك الإسلامية ليس إلا عنوانا جزئيا من عناوين المالية الإسلامية. والله الموفق وهو أعلم بالصواب.
أحدث التعليقات