تقنيّة الدردشة الآلية (Chatbot) وآفاق استخدامها في الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية (الجزء الثاني
نتابع حديثنا عن تقنية الدردشة الآلية (Chatbot) وآفاق استخدامها، وننتقل إلى الحديث عن أمثلة أخرى لاستخدامها في دعم وتطوير عمل الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية، حيث تناول المثال الأول في الخاطرة السابقة استخدام تقنية الدردشة الآلية بين أقسام الاستشارات الشرعية وبين أقسام العمل (طالبة الاستشارة).
المثال الثاني: استخدامها كمنصة خاصة بموظفي الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية
ظهر من خلال جلسة مناقشة مع أحد الفنيين الخبراء أنه وبالاعتماد على ما يسمى الخدمات المصغَّرة (Microservices) وهي خدمات مصغَّرة تُربَط مع التقنية الأصلية لتصبح منظومة متكاملة معها لتقديم خدمات إضافية وكأنها من أصل التقنية، فيمكن استخدام (Chatbot) كمحرك بحث متخصص، ويمكن حصر صلاحية الدخول والوصول بالعاملين في الأقسام الشرعية مثلاً ليكون خاصاً بهم، ولكن ماذا نعني بمحرك بحث في هذا السياق؟ بداية لا بدَّ من الإشارة إلى أن المرجعية الشرعية للمصارف الإسلامية تزداد مع مرور الزمن من خلال ما يُصدر من قرارات شرعية جديدة، كما واعْتُمِدَت المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في بعض الدول كمرجعية إلزامية للمصارف الإسلامية العاملة فيها، إضافة إلى ما يصدر عن الهيئة الشرعية المركزية (إن وجدت) من قرارات ومعايير، ومع وجود بعض المصارف الإسلامية التي تجاوز عمرها الأربعين سنة، والتي تعني بالمقابل مئات بل آلاف القرارات الشرعية الصادرة عن الهيئة الشرعية للمصرف، كان لا بدَّ من التفكير في آلية تُعين موظف الإدارة الشرعية على اتخاذ القرار، بحيث تكون مخرجات العمل صحيحة ومتناسقة مع المرجعية الملزمة، وهنا يأتي دور تقنية الدردشة الآلية والخدمات المصاحبة لها، التي يمكن أن تتحول إلى محرك بحث متخصص، يحتوي على ما يحتاجه العاملون في الأقسام الشرعية من معلومات، فجميع المعايير الشرعية، وقرارات الهيئة الشرعية الداخلية وكذلك المركزية، وكل ما يحتاجه أصحاب المصلحة من المستخدمين موجود، كما ويمكن ربط قرارات المجامع الفقهية وبعض الكتب الشرعية التخصصية، وكل تلك البيانات تتم معالجتها وفق آليات الذكاء الاصطناعي لتكون وفق هيكلية منظمة، وسريعة الاستدعاء ليس نصاً فحسب، بل يمكن استدعاء الملف بصيغته مثل (PDF , Excel ,PPT , Word)، إضافةً إلى إمكانية إلحاق خدمة الأرشفة الذكية بتلك التقنية، وهو ما يوفر جهداً كبيراً على العاملين في الأقسام الشرعية، ومن خلال الأرشفة الذكية؛ فإن تلك التقنية توفر بنفسها عدة خيارات لحفظ وتصنيف الملفات مثلا بحسب تاريخ الإنشاء، أو بحسب نوع الملف، أو بحسب الموضوع، أو بحسب الشخص أو القسم الذي أنشأ الملف وغيره الكثير، وسأتناول فُرَصَ استخدام تلك التقنية في نفس السياق لبعض أقسام الإدارات الشرعية:
1) قسم الاستشارات الشرعية:
يمكن أن يستخدمها المستشار الشرعي في الاستشارات غير الروتينية، فيسأل التطبيق عن القرارات والمعايير الشرعية التي تتعلق بالمسألة محل الاستشارة ولنقل مثلاً (عملية تورق) وسيقوم التطبيق باستحضار ما لديه من قرارات ومعايير تتعلق بالمسألة، وبالتالي فسيجد المستشار الشرعي ما يحتاجه من قرارات ومعايير جاهزة بين يديه، وسيضمن أن إجابته ستكون متسقةً مع المرجعية المعتمدة في هذه الحالة، بل يمكن كذلك أن يقدم تطبيق الدردشة إجابة مقترحة للمستشار الشرعي، وله أن يرفضها أو يُعَدّلها أو يأخذها كما هي إن وجدها مناسبة، وكل ذلك من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI).
2) قسم التدقيق الشرعي الداخلي:
يَقيسُ المدققون الشرعيون الداخليون عادةً مخاطر عدم الالتزام الشرعي مرتين، الأولى عند وضع خطة التدقيق السنوية عند اختيار الأقسام التي ستدرج في الخطة، والثانية عند بدء مهمة التدقيق لمعرفة الأماكن ذات المخاطر المرتفعة للتركيز عليها خلال مراحل التدقيق، وبالتالي ففي المرحلة الأولى من قياس المخاطر يمكن للمدقق الشرعي أن يستخدم الإحصائيات المقدمة من تطبيق الدردشة الآلية عن نسبة الأخطاء التي وقعت في الأقسام خلال التنفيذ كواحدة من العناصر التي يعتمد عليها، وأما في المرحلة الثانية، فيمكن أن يستفيد المدقق من هذه التقنية بالتركيز كذلك على مواطن تكرار الأخطاء وفق ما ورد من استشارات بخصوصها، كما ويمكن أن يستفيد منها في تحديث أوراق العمل بجميع القرارات والمعايير الشرعية الجديدة التي صدرت.
3) قسم تطوير المنتجات:
خلال هندسة أي منتج مالي، يجب الإحاطة بجميع ما يتعلق به من قرارات ومعايير شرعية؛ ليكون متسقا معها سالماً من محاذيرها، وتساهم تطبيقات الدردشة الآلية هنا في جانبين، الأول: الإشارة إلى المَوَاطِن الأكثر ضعفا في المنتجات القائمة من خلال نسبة الاستشارات التي وردت حولها إن كانت تتعلق بأخطاء في التنفيذ، وبالتالي فيقوم قسم تطوير المنتجات (التابع للإدارة الشرعية) بالعمل على تعديل المنتج بما يسهل الوصول للمقصود بكفاءة أعلى مع تدارك مواطن الضعف، والثاني: من خلال استحضار ما يلزم من قرارات ومعايير شرعية يحتاجها الموظف الشرعي عند العمل على ذلك. وفي نفس السياق يمكن الحديث كذلك عن أمانة الهيئة الشرعية، إذ تستفيد من استخراج ما يلزم من معايير شرعية وقرارات سابقة للهيئة نفسها، وقرارات الهيئة الشرعية العليا (إن وجدت) بيسر وسهولة لعرضه مع مشروع القرار المقترح أو المسألة محل المناقشة، وكذلك يمكن الاستفادة من ذلك عند مراجعة قسم الالتزام للسياسات والإجراءات الصادرة عن أقسام العمل؛ للتأكد من سلامتها.
المثال الثالث: استخدامها للرد على استفسارات المتعاملين المتعلقة بالجوانب الشرعية
إذ إن معظمها بسيط ومكرر، ويدور حول شرعية المنتجات وآلية عملها وأساسها الشرعي، وكذلك الاستفسار عن الأرباح المحصلة والرسوم المقتطعة وحكم ذلك وما شابهه، وهذا وقد أثبتت تقنية الدردشة الآلية خلال استخدامها مؤخرا من قبل بعض الشركات والمصارف قدرتها على التعامل مع استفسارات المتعاملين بطريقة مرضية جدا، فسرعة الرد والتفاصيل المبسطة المقدمة من خلالها تجعلها مؤهلة لتولي هذا الجزء من العمل، وهو ما يسهم في تقليل نسبة الأخطاء البشرية في الإجابات وخاصة في حالات تعديل المعلومات كالرسوم ونسب الربح وغيرها والموظفين الجدد.
إن تلك التطبيقات المستحدثة تحتاج إرادة قوية للتغيير من أصحاب القرار، فلنبدأ الآن، ولنواجه ما سيظهر من عقبات، ولنحاول حلها، ليكن مشروعاً للسنوات الثلاث القادمة، حتى إذا مضت وجدنا أنفسنا نقف على شيء، وأما الركون إلى الواقع والابتعاد عن تلك التقنيات، فلن ينفعنا في شيء، بل سيبعدنا عن اللحاق بقافلة التطور التقني التي يبدو أنها تسير مسرعة لا تنظر خلفها. والله تعالى أعلم وأحكم.
(هذه الخاطرة تعبر عن رأي كاتبها فقط)
12/12/2020
mohanadaldakash@hotmail.com
أحدث التعليقات