تِقَنيّة الدّردشة الآلية (Chatbot) وآفاق استخدامها في الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية (الجزء الأول) – د. مهنَّد الدكّاش 


مازلنا في رحاب الحديث عن التقنية المالية وآفاق استخدام تطبيقاتها بما يخدم عمل الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية، وسيتركّز حديثنا اليوم عن تقنية الدردشة الآلية (Chatbot) وآفاق استخدامها، حيث شهدت هذه التقنية تَغيُّرات كبيرة في السنوات الأخيرة طَوَّرَت من قدراتها، وانعكس ذلك على توسع استخدامها في كثير من الشركات.

الدردشة الآلية (Chatbot) تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI)  في إجراء محادثة مع الطرف الآخر، وإعطاء إجابات للاستفسارات الموجهة إليها من خلال البيانات التي تم ربطها بتلك التطبيقات، حيث تعتمد على الكلمات المفتاحية في الاستجابة عند المحادثة.

ولا تعتبر خدمة الدردشة الآلية جديدةً نسبيا، فقد تم إنشاء هذه الخدمة لأول مرة عام 1966، إلا أن الجديد فيها هو قدراتها الجديدة والإمكانيات الجبارة لها بعد أن تم استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) فيها، وبالتالي فكأنها أصبحت شيئاً جديداً بعد كل تلك التطورات.

وقد ظهرت خدمة الدردشة الآلية  بشكلها الجديد في العديد من الشركات كشركات الاتصال والمصارف وغيرها؛ حيث تُستَخدَم بشكل رئيس في خدمة المتعاملين وتحديداً في التعامل مع الاستفسارات والطلبات الروتينية، في محاولة للاستجابة السريعة لاستفساراتهم وبالتالي رفع مستوى رضاهم عن الخدمة، وأيضاً تخفيف الضغط على العنصر البشري والاستعانة به في الأمور الأكثر فعالية، كما وتم ربط تلك التطبيقات في بعض المصارف مع أنظمة البنك بحيث يمكن أن تتمّ مراجعة بيانات المتعامل بالنظر إلى حسابه وتقديم الرد المناسب خلال وقت قياسي.

سنتحدث تفصيلاً عن عدد من الأمثلة لاستخدام الأقسام الشرعية في المصارف الإسلامية لتطبيق الدردشة الصوتية والذكاء الاصطناعي، وسنتناول في هذه الخاطرة مثالاً واحداً، على أن نتناول الأمثلة الأخرى في خواطر لاحقة إن شاء الله تعالى.

 

المثال الأول: استخدامها بين أقسام الاستشارات الشرعية وبين أقسام العمل (طالبة الاستشارة) .

تُقدّم أقسام الاستشارات الشرعية الرأي الشرعي (وفق المرجعية الشرعية المعتمدة) لما يُوجّه إليها من استشارات من أقسام العمل الداخلية في المصرف، ونتكلم هنا عن الفروع والخزينة والتجارة الدولية والتمويل العقاري وغيرها من أقسام العمل، ولا يخفى على العاملين في قطاع المصارف الإسلامية أن نسبة كبيرة من الاستشارات الموجهة للمستشارين الشرعيين من أقسام العمل استشارات مكررة أو متقاربة مع فارق بسيط لا يؤثر على الرأي الشرعي عادة، وتشكل تلك الاستشارات المكررة عبئاً على المستشارين، بحيث تأخذ من أوقاتهم ما يمكن استثماره في الاستشارات غير النمطية التي تتعلق بعمليات أخرى، إضافة إلى أنه وبسبب ذلك الضغط، فقد تتأخر الإجابة أحياناً إلى اليوم الثاني أو أكثر، ولا يخفى ما لذلك من تبعات، وبالتالي فإن التفكير في بدء استخدام تقنية الدردشة الآلية في العمل الشرعي في المصارف الإسلامية أمرٌ لا بدَّ منه، فذلك يعدُّ تماشياً مع التغيير المتسارع من جهة، وهي فرصة للاستفادة من تلك التقنية في رفع كفاءة العمل الشرعي واستغلال الأوقات والجهود في الأمور الأكثر أهمية من جهة أخرى.

فالمأمول أن يتم إنشاء تطبيق للدردشة التفاعلية يربط بين قسم الاستشارات الشرعية وبين أقسام العمل، بحيث يتم ربط جميع البيانات الضخمة المتاحة بالتطبيق كالقرارات الشرعية الصادرة عن الهيئة الشرعية الداخلية للمصرف، وكذلك القرارات الصادرة عن الهيئة الشرعية المركزية في البلد (إن وُجِدَت) وكذلك المعايير الشرعية وأي مرجعية أخرى يلتزم المصرف بها، وكذلك يتم ربط بيانات الاستشارات السابقة وإجاباتها بحيث تصبح جميع البيانات متاحة، وبعد ذلك تتم هيكلة تلك البيانات في تطبيق الدردشة التفاعلية، ويتم التأكد من سلامة تلك الهيكلة بأن تكون الإجابات المطلوبة قد تم ربطها بشكل صحيح مع الأسئلة المتكررة، علما أن الدردشة التفاعلية لديها القدرة على حصر محل السؤال من خلال إعادة طرح أسئلة بسيطة على الطرف السائل، فمثلا إذا سأل أحد موظفي الفروع عن حلٍ لمشكلة خطأ في عقد، فيقوم التطبيق بسؤال الموظف، هل الخطأ الذي حدث في العقد يتعلق بـ: ويعطيه خيارات مثلاً: البيانات – حسبة  الأرباح – التواريخ، فيختار الموظف الإجابة وهكذا حتى يتم حصر السؤال بدقة للوصول إلى الإجابة الدقيقة.

وبعد التأكد من سلامة البيانات يمكن أن تبدأ المرحلة التجريبية للتطبيق، وتكون مراقبة 100% في الأشهر الأولى، فإن تم الاطمئنان إلى الخدمة، يمكن أن تتولى خدمة الدردشة التفاعلية (Chatbot) قسماً من الاستشارات الروتينية لأقسام العمل الداخلية وكذلك قسماً من أسئلة المتعاملين الروتينية، وهو ما يرفع كفاءة الأداء ويختصر الأوقات ويعين على تركيز جهد العنصر البشري على الأمور الأكثر أهمية.

إن تطبيق ما ذُكر أعلاه سيكون له فوائد جمّة على المصارف الإسلامية لا تنحصر بما ذُكر أعلاه، فالبيانات التي سنملكها من تلك التقنيات تُعَّد كنزا يمكن استثماره لإجراءات أكثر فعالية، فمن خلال الأسئلة المطروحة على تطبيقات الدردشة الآلية يمكن أن نستخلص الأخطاء الأكثر تكرارا لكل قسم، وأن نكتشف الموظفين الأكثر وقوعا في الخطأ، وأن نكتشف الأماكن الضغيفة في دورة كل منتج، وبالتالي فيسهل على القسم الشرعي العمل على تطوير تلك المنتجات والإجراءات، كما ويمكن أن نحدد البرامج التدريبية التي يحتاجها الموظفون في كل قسم، ويمكن أن تكون تلك البيانات مؤشرا لقسم التدقيق الشرعي الداخلي خلال قياسه للمخاطر، وغير ذلك من الأمور النافعة للأقسام الشرعية. والله تعالى أحكم وأعلم.

يتبع..

(هذه الخاطرة تعبر عن رأي كاتبها فقط)

د. مهنَّد الدكّاش

mohanadaldakash@hotmail.com