مقال: العنصرية التمويلية!! – د. عبد الرزاق كابا 

العنصرية التمويلية!!

بقلم عبد الرزاق كابا

من أنماط العنصرية ضد السود بعيدا عن اضطهاد الشرطة والتي لا تحظى بتغطية كافية من الإعلام، ما يتمثل في العنصرية الاقتصادية، ومن مظاهرها في المجال التمويلي، أن السود وخلال عقود كانوا يحرمون من الحصول على تمويلات من البنوك، وكانوا يصنفون بأنهم “عالي المخاطر” ومنذ إلغاء الرق، عانى السود من هذه العنصرية في المجال التمويلي، فالأعمال الحرة والشركات الصغيرة التي أنشـأتها السود لم تكن تحظى بدعم إقراضي من البنوك، مع أن البيض كانوا يحصلون على القروض بكل أريحية، وهذا احدى أسباب الفجوة الاقتصادية الكبرى التي نراها اليوم في أمريكا بين البيض والسود، وهناك عوامل مماثلة في مجال التعليم والصحة وغيرها.

وفي 1993 أدخل الرئيس بيل كلينتون تحسينات على هذا المجال، وقام بفرض تشريعات لسد فجوة تمويلية بين البيض والأقليات من السود والأسبان وغيرهم سماها Community Reinvestment Act قانون إعادة الاستثمار المجتمعي، هذا ساعد وعلى نطاق واسع في إزالة كثير من العقبات والقيود أمام السود للحصول على التمويلات، لكن حدث شيء مغاير بعد ذلك، فبعد إزالة هذه العقبات، تعمد كثير من المؤسسات المالية إلى استعطاف كثير من السود للحصول على رهونات عقارية عالية المخاطر وقروض مرتفعة الفوائد، وهذا ما يعرف ب Reverse redlining الخط الأحمر المعاكس، يعني مجموعة كبيرة يطلبون منتجا ذات مخاطر عالية، ففرضوا عليهم نسبة فائدة أعلى بكثير مما يفرضونها على البيض، حتى السود الأثرياء كانت المؤسسات المالية تستهدفهم لمنحهم قروضا ذات مخاطر عالية بفوائد مرتفعة بكثير مما كان يقترض به المتمول الأبيض من ذوي الدخل المنخفض.

وبعض هذه المؤسسات استهدفت الكنائس التي يتوارد عليها السود، فأقنعوا أساقفة هذه الكنائس بتشجيع أتباعهم للحصول على رهونات عقارية، والتي لم يعرف هؤلاء الأتباع أن هذه من الرهونات العقارية ذات المخاطر العالية، وأنهم كانوا يقترضون بفوائد أعلى بكثير مما يقترض بها الأبيض ذو دخل منخفض.

لقد تمت إدخال تحسينات كثيرة على الوضع المالي للسود، وعلى السياسات الإقراضية والتمويلية لتكون عادلة، لكن ما زال الطريق بعيدا، وحتى مليارات الدولارات التي منحتها دونالد ترمب للبنوك في هذه الأزمة الصحية لكوفيد 19 ليتم إقراضها للشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن الشركات التي تمتلكها البيض تحصل على هذه الأموال بكل سهولة، بينما يمنع 1 في كل أربعة شركة يمتلكها السود من الحصول على هذه القروض.

وفي هذه المظاهرات التي حدثت لقتل جورج فلويد، بدأ كثير من المؤسسات والشركات تحسن أداءها، وتعاهدت بعض الأثرياء بمساعدة الشركات المملوكة للسود، تعاهدت أمازون ب 10 مليون دولار للمنظمات التي تعزز العدالة للأقليات بما فيها منظمة لBlack Life Matter والآن هناك حركة جديدة تدعو إلى أن تتعاهد شركات التجزئة الكبرى وخاصة تلك التي تنشط في مجال بيع الأطمعة ومواد استهلاكية أخرى بأن تخصص 15% مساحة في أعمالها للمواد التي تبيعها السود، يعني مثلا، لو أن شركة تبيع البرتقال، فهي تتعاهد بأنها تشتري 15% من البرتقال التي تبيعها من المزودين السود، لأن من أكبر الإشكالات في أمريكا أن السود تشكل قوة شرائية كبيرة، لكن نادرا ما تشتري البيض منهم، بل إن الشركات الكبرى والتجزئة وحتى بعض السود لا يشترون من السود ولا من شركاتهم، وهذا يسبب فجوة كبيرة في معدلات الدخل.

على كل حال، ما زال الطريق طويلا، لكن كما قيل:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا