مقال: مدخل آخر لتمحيص التورق المصرفي يبرر منعه – أ. د. محمد أنس مصطفى أحمد الزرقا

مدخل آخر لتمحيص التورق المصرفي يبرر منعه

 

هب جدلا ان التورق الفردي بل حتى المنظم جائز عند جمهور الفقهاء من قديم.

هل يصح فقها ان نقول بجوازه في العصر الحاضر بصرف النظر عن مآلاته الحاضرة؟

بعبارة أعم : هل يصح ان نرفض تطبيق مبدأ سد الذرائع على مسألة اتفق عليها جمهور الفقهاء السابقين؟ فنطبقها دون نظر في النتائج .

أرى أن تعطيل مبدأ الذرائع خطأ فقهي جسيم ، وبخاصة في هذا الأمر .

فيصبح السؤال :

هل في مآلات التورق المنظم الحالي ما يبرر منعه سدا للذريعة إلى محرم معلوم ؟

بمبرر كثرة التذرع به ( مبرر المنع عند مالك )، أو بمبرر غلبة التذرع به ( مبرر المنع عند الجمهور)؟

وما هو المآل المحرم هنا؟

جوابي :

المحرم المعلوم الأكبر هنا هو قلب الدين او فسخ الدين بالدين. والمحرم الأصغر هو العينة.

إن غالب الظن عند المطلعين هو أن أكثر التمويل الحالي بالتورق يتم بالعينة الثلاثية ، ولآجال قصيرة تقل عن السنة ، فأي تمول لأجل فوق السنة يتم فيه ترتيب قلب الدين مرة بعد أخرى.

وتفسير ذلك كما يلي:

يؤكد ذوو الاطلاع أن أكثر من ثلثي التمويلات الإسلامية هي مقدمة بالتورق في الظاهر، لكن بالعينة الثلاثية في الحقيقة ( حيث تعود السلعة إلى بائعها الأصلي، وبالثمن الأصلي، من طرف ثالث وسيط اشتراها من المشتري الأول المتورق .

وهذا شبه مؤكد إذ لا توجد في اكثر البلاد سلع تصلح للتورق المنظم وتفي مقاديرها وقيمتها بالمبالغ الضخمة المطلوبة للتمويل بالتورق. فلا شك في وقوع العينة الثلاثية).

والاخطر من ذلك أن أكثر التورق هو قصير الأجل قلما يتجاوز ستة شهور، مع أنه لنشاطات أطول أجلا، فأطرافه متفاهمون ابتداء على إعادة جدولته أي على قلب الدين مرات قبل تمام الصفقة. فقلب الدين حينئذ لا يقع للخروج من ورطة طارئة ، بل يتم عمدا مع سبق الإصرار.

النتيجة : إن أكثر التمويل ” الإسلامي ” المقدم حاليا هو بالعينة الثلاثية ، مع قلب الدين المرتب سلفا في كثير من الحالات. هذه أسوأ مخالفة شائعة وأشبه حيلة بربا الجاهلية الذي نزل القرآن العظيم بتحريمه (ازيدك في الاجل وتزيدني في المال ). وأشبه في الآثار الاقتصادية ، بوصفه آلية تزيد الدين دون زيادة مقابلة في المنافع او الثروة.

ان انتشار قلب الدين ، مهما تعددت صوره ومبرراته، هو أسوأ نكسة فقهية اصابت التمويل الإسلامي.

وإن التماس سبل التقليل منه تمهيدا لنبذه كلية ، هو من أعلى الاولويات الشرعية في المرحلة الحاضرة.

محمد أنس الزرقا