مقال: اقتصاديات ما بعد الكرونا – أ. د. أحمد مجذوب أحمد على

اقتصاديات ما بعد الكرونا

*******************************

 

إغلاق النشاط الاقتصادى ، العالمى والمحلى الذى حدث لأجل مكافحة انتشار فيروس كرونا ، له آثار انكماشية واسعة وشاملة على الانتاج والدخل والتوزيع، فقد توقفت عجلة الإنتاج الصناعى وأغلقت المؤسسات المالية والمصرفية أبوابها وتوقفت حركة الاسواق المالية وتاكلت قيم الاوراق المتداولة فيها وضعفت حركة الأجهزة والمؤسسات ، وحبست قوة العمل فى منازلها ، وهى رائدة النشاط الاقتصادى ومفتاح حركته ، وتوقفت حركة النقل والانتقال الجوى والبرى والبحرى للافراد والبضائع وتحملت الشركات خسائر فادحة لن تستعيد وضعها فى الأجل القصير بل قد يخرج بعضها عن سوق النقل ، ولزم موظفوا القطاع الخاص والعاملين فى مؤسسات واجهزة الحكومة منازلهم ، زأغلقت الجامعات ومؤسسات التعليم العام ،واهتزت ثقة المرضى فى المستشفيات التى عجزت عن استقبالهم وذويهم ، هكذا وقفت الحياة فى مختلف جوانبها إلا مت حركة متواضعة عبر التقنية فى الدولة التى انتشر التعامل الالكترونى فيها ، ووقوف النشاط الاقتصادي هو ايذان بمرحلة اقتصادية جديدة يعاد فيها تشكيل وإعادة هيكلة الاقتصاد ، ولئن كانت الاثار محسوسة للافراد مباشرة ،لكنها أكبر أثرا واوسع خطرا على الحكومات ، فقد زاد عليها الانفاق لمقابلة طوارى الوباء ، وتراجعت الإيرادات فى الموازنات العامة ، بسبب وقف حركة التحصيل ووقف حركة النشاط الاقتصادى ، وواجه هذا التحدى كل الدول بما فيها دول الفائض الاقتصادى ، مثل الدول المنتجة للنفط ، حيث لم تف بعض صناديقها السيادية بسد العجز المالى ،فاضطرت بعضها للاقتراض من الاسواق المحلية والعالمية مباشرة أو بطرح السندات، ولكن هيهات أن تجد حاجتها فى ظل هذه الظروف ، ونتيجة لهذا الإغلاق الاقتصادى فمن المتوفع أن تتراجع معدلات النمو فى كل الدول ، الغنية والفقيرة على خد سواء مع اختلاف فى التوقيت والمقدار ، بحسب قوة الاقتصاد لتحمل الصدمة ، فقدرة كل دولة على تجاوز هذه الآثار الانكماشية حتما ستؤدى إلى إعادة تصنيف الدول فى سلم القوة الاقتصادى، بل ربما يؤدى ذلك إلى تغيير مراكز النفوذ الاقتصادى العالمى ، وتصبح الجائحة فرصة لظهور مراكز قوة اقتصادية جديدة فى العالم ،ولعل الفرصة مواتية للنمور الآسيوية من الانطلاق والاستفادة من الفرص المتاحة، وكذلك الفرصة مواتية لمجموعة البركس ( BRICS) من تقديم نفسها ضمن مؤسسات الاقتصاد العالمى التى كانت سائدة قبل الجائحة ، وتسعى ان تكسب بعض – ان لم نقل كل – النقاط فى سوق المنافسة بين اقتصادات العالم.

صحيح ، ستظل المؤشرات الاقتصادية الأساسية فى التصنيف واداء الاعمال وتقديم الخدمات كما هى ، لكن حتما سيتغير وضع الدول ، وكذلك سيطال التغيير بعض المفاهيم ، مثل مستوى التغطيات التأمينية ، خاصة التامين الصحى ، وسوف يتوسع النقاش عن دور الحكومات والمؤسسات والأفراد فيه ، بل وقد تتراجع كثير من نظرياته التى تجعل مساهمة الفرد هى أساس الاستفادة من التامين الصحى الخاص ، لأنها أيضا لم تتمكن من تقديم الامان الصحى المطلوب . واهم ما فى ذلك تراجع النظرية الرأسمالية التى تفترض أن الحرية الاقتصادية هى المدخل لتحقيق مصالح المجتمعات ،فها هى تفشل فى اول امتحان، حيث عجزت مؤسسات التامين أن تقدم الحد الأدنى اللازم للمتضررين ، بل وءهب بعضهم الى فشل منظومة التامين الصحى فى اوربا وامريكا وعجزها عن تقديم المطلوب والمرتجى منها، صحيح أن الجوائح لها أحكامها القانونية وآثارها المالية ونتائجها على الكافة ، ولكن دون شك ستهتز المرجعيات النظرية التى تؤسس وتحكم هذه العلاقات .

بروف احمد مجذوب احمد على