حول أزمة العملة التركية – د. فياض عبدالمنعم

النظام النقدي الدولي الحالي خاضع تماما ﻷدارة الدولار…وهو نظام قررته امريكا بقرار منفرد عام 1971…فهي التي تتحكم غي المعروض من العملة العالمية النهائية-اي الدولار-..وبالتالي تتحكم بمفردها في نصف المعادلة(علي اﻷقل)،باعتبار طرفي المعادلة:عرض العملة والطلب علي العملة..وان شئت فقل هي تتحكم في سوق معين ..اسمه سوق العملة الدولية او العالمية او الاحتياطية…فهي سوق احتكارية بامتياز..والمحتكر يحدد العرض..والسعر..وبجني اﻷرباح..ويسبب الخسائر للأطراف اﻷخري في السوق.
والسؤال من أين نشأت هذه الحالة للسوق النقدية الدولية..من عوامل رئيسة ثلاثة:تسعير اهم سلعة اقتصادية وهي البترول او اانتاج الطاقة الخام بالدولار..والثاني بروز الولايات المتحدة اﻷمريكية كاكبر قوة انتاجية واستهلاكية في نفس الوقت في العالم واستمرارها لعقود..بل وتوقع استمرارها ايضا كذلك لعقود قادمة..(لا تلتفت الي ما يقال من تهويلات هنا وهناك عن الصين).وثالثها حيازتها ﻷكبر قوة عسكرية وانتشارهذه القوة علي اتساع العالم….ثم وهو اﻷهم ..ان التطورات العميقة تكنولوجيا واقتصاديا في العقود الستة اﻷخيرة..قد انتهت الي مزيد من السيطرة اﻷمريكية -عبر شركاتها العملاقة فوق الدولية-اعلي مراكز الانتاج واسواق المال ..والاستثمار في العالم بحيث صارت أعلي موارد العالم-علما وتكنولوجيا ومهارات- في خدمة الاقتصاد والشركات اﻷمريكية..
ان أمريكا بعد ان سيطرت علي النظام النقدي الدولي..اصبحت تسيكر كذلك-عبر شركاتها -علي اسواق المال في العالم.
-محتكر العرض هو من بحدد المعروض والسعر..فما بالكم وقد ضمنت استمرار الطلب بكمية كبيرة علي سلعتها(اي الدولار..التي لا يكلفها طباعتها شيئا)من ربط تسعير البترول بالدولار..وكونها اكبر بائع للسلاح في العالم..الي غير ذلك(أمريكا بوضعها الحالي شبه الامبراطوري تحتاج الي دراسات من علماء الحضارة والاجتماع المسلمين..وليس فقط الاقتصاديين).
-لا يوجد حتي اﻷن في اﻷفق المنظور تغييرا جوهريا علي الوضع الحالي للنظام النقدي الدولي القائم علي الدولار كعملة مكتسحة في المبادلات الدولية..وفي كون الدولار عملة احتياطية للبنوك المركزية في العالم ختي بالنسبة للصين وروسيا.
-لا يحدث هذا التغيير الا بأن توجد عملة اخري منافسة في القبول في السوق العالمي ..وكعملة احتياطية.
-التجارب في اقامة تكتلات اقتصادية او نقدية بديلة محدودة الأثر..طالما أن اكبر سوق في أمريكا..الي غير ذلك مما ذكرناه.
-وما العمل؟
اصدقكم القول..بأن مجال المناورة محدودا..وقد أدركت الصين ذلك مبكرا..فظلت طوال عقود منكفئة علي بناء اقتصادها بعيدا عن الصراعات في العالم..(وهو أمر ترفي لا تفدر عليه دولنا العربية والاسلامية..لعوامل
. عديدة..ليس الان مجال ذكرها).
-لا خيار..الا أنك تفتح اقتصادك طمعا في تحقيق منافع اقتصادية..وتتحمل تكلفة هذا الانفتاح.كما هو حال تركيا اﻷن…واما ان تتخذ سياسات تقييدية في الاقتصاد…وهي علي كل حال مؤقتة.وغير كغؤة اقتصاديا..فالاتفاقيات الثنائية في التجارة الدولية محدودة اﻷثر..كما ذكرت…
اذن الحل هو الاستمرار في العمل علي انجاز استراتيجي ..عبر تحمل مصاعب وتضحيات ..يؤمن بها المجتمع ككل..وليس فقط يختارها الاقتصادي..فلو فشل طردناه…لا..لا..التحول والنقلة الكبري في مسار التقدم الاقتصادي..له تكلفته وخسائره..هي قليلة مقارنة بمكاسب عديدة للأجيال المقبلة..
ولا مانع من حنكة في تصميم حزمة سياسات اقتصادية..شديدة التخصص والدقة..والمتابعة المستمرة والتقييم الدائم..مع توفر مرونة عالية في الحركة وتغيير المسار..ونقطة اخري هامة جدا..وهي الاقتناص الذكي لفرص توفرها الصراعات الدولية.

د.فياض عبدالمنعم