مقال: سمة النظام الاقتصادي الإسلامي – أ. د. فياض عبدالمنعم حسانين

لكل نظام اقتصادي سمة خاصة تطبع سائر مناشط الحياة الاقتصادية والاجتماعية.،فمثلا النظام الرأسمالي المعاصر سمته الرئيسة (اﻷعمال)..دعه يعمل،عند المؤسس اﻷول للنظام،سميث.فقواعد النظام اﻷخري تعمل لتحقيق أكبر قدر من اﻷعمال-المشروع الاقتصادي الهادف لتراكم الثروة-تخدمه قاعدة اطلاق الملكية الخاصة ،والحرية المطلقة للنشاط الاقتصادي في أي مجال كان،والربح حافز للانطلاق،والسوق الحرة المطلقة حلبة التنافس الشرس..وهكذا تستطيع أن توسع دائرة نظرك لتحصل علي مؤيدات علي صدق تلك السمة وتجذرهاوعموميتها .
.أما في النظام الاقتصادي الاسلامي فنستطيع أن نقرر أن السمة والخاصة له هي:التكافلية،وغايته تحقيق الكفاية لكل أنسان في المجتمع…فأذا بات جائع أو وجد محروم واحد كان ذلك علامة فشل النظام في تحقيق مقصده وغايته،مهما كانت انجازات النظام الاقتصادي من تصنيع أو تصدير أو استثمار.
وتتنوع دوائرالمساهمة في تحقيق التكافل وصولا الي تمام الكفاية لكل أنسان ،الذي قضي ربنا ورب السماء واﻷرض ومالكهما بتكريمه.تنوعا يشمل الفرض والمندوب ،والمتكرر والثابت والدائم،والمرتبط بالنماء في النشاط الاقتصادي..أي الزكاة،وغير المتوقف علي حدوث النماء.وكذلك الموجود بوجود حياة الأنسان وأيضا المستمر حتي بعد وفاته،أي الوقف.ويتعالي مستوي اﻷداء للمال التكافلي حتي الوصول الي بذل أجود المال المملوك وأحبه لنوال البر،
ونلاحظ أن هذه الخاصة التكافلية الاقتصادية للأسلام قد ظهرت مع اول بزوغ لشمس الهداية الاسلامية،أننا نراها في القرأن المكي بتكرار الحض علي القيام باطعام المسكين والتنفيرممن لا يفعل ذلك..والحث علي اﻷنفاق المطلق ..الي غيره مما حفلت به اﻷيات المكية.
ويرسخ الاسلام بناءه التكافلي الاقتصادي بتقرير شريعة الزكاة التي أتت مقترنة بالصلاة في أركان اﻷسلام وفي العديد من اﻷيات القرأنية،كما تكرر أيضا ربط ايتاء الزكاة بالايمان باليوم اﻷخر..في مواضع عدبدة من القرأن ا فيما يشير هذا الاقتران في نظري الي قصد ترسيخ المعرفة بأن الزكاة-مؤسسة التكافل اﻷساس- الايمان بوجوب أدائها أصل اعتقادي في دين الاسلام.
واذا أردت أن تعرف اقتناع مجتمع بشريعة الاسلام في الاقتصاد فانظر الي جانبين يلفت اليهما القرأن:اﻷول تحريم الربا لما فيه من اﻷثرة البغيضة والثاني الانفاق التكافلي ،وركيزته الزكاة.فالمجتمع المؤمن حقا تبرز فيه مناشط ايجابية في جمع الزكاة وتوزيعها(ويشمل ذلك ايضا وسائل التكافل اﻷخري)،ومنها ابداع وسائل فعالة في كفاءة جمع الزكاة وفي فعالية توزيعها تحصيلا لمقاصدها..ليكون ذلك كفاية في فعل الزكاة وايتاء الزكاة بالتعبيرالقرأني.
ومن التحليل الاقتصادي يظهر لنا (جودة مالية الزكاة)في عناصرها المعروفة في علم المالية العامة الحديث:انخفاض نفقات التحصيل وندرة المتهرب وأثر الوازع الديني في خفض كلفة الأدارة والرقابةوالملائمة وبالتأكيد العدالة ﻷنها تشريع رباني.لكن من زاوية أخري يبرز اثر الزكاة في الاستقرار الكلي(وهي اﻷزمة المتكررةالتي ليس لها علاج في الرأسمالية)بضمان وجود مستوي من الطلب الفعال كأثر لتوزيع الزكاة( الي جانب اﻷدوات اﻷخري للتكافل الاسلامي).وهذا الطلب يكون عند شرائح ذات ميل مرتفع للأنفاق..ومع ديموميته واستقراره وارتفاعه يرتفع معدل الغلة المتوقعة للاستثمار او الكفاية الحدية للاستثمار،فينشط الاستثمار بمختلف دوائره وتنخفض البطالة والتضخم.انني هنا أقصد لفت النظر الي أثر المحافظة والاعتناء بكفاءة ايتاء الزكاة(التقوي في ايتاء الزكاة)في قيام توازن كلي مستقر عند حد التشغيل الكامل في ظل ظروف الحياة العادية.وعو ما عجزت عن توفيره النظريات واﻷليات الاقتصادية الرأسمالية.كما أؤكد علي أن السمة والخاصة المميزة للنظام الاقتصادي في الاسلام هو ارتفاع مستوي وحجم القطاع التكافلي فيه بمعدلات لم تعرفها النظم الاقتصادية اﻷخري ﻷن المسلم يبادر أليه عند أي مستوي من الدخل،كما حض عليه رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم،بل أن صدقة الفطر يمكن أن يقدمها بعض من وزعت عليهم ،وهي اشارة واضحة علي صفة (تعميق النشاط،بالتعبير الفني.وهي شرط كفاءة للنشاط)بمعني وصول المجتمع الي تبني سلوك اداء الجهد التكافلي،اقتصاديا يضمن ذلك استقرار النشاط مهما اختلفت الظروف الاقتصادية. كما تتنوع أليات القطاع التكافلي في الاسلام..ويتوفر فيه مجال خصيب للابداع والابتكار في تنشيطه وتعميقه واتساعه ليسهم فيه كل نشاط اقتصادي مهما صغرحجمه ومهما كان غرضه،ونؤكد علي بروز أنشطة هذا القطاع التكاقلي منذ البدايات اﻷولي لتنزل الوحي السماوي..وتوسع وتدعم وتنوع وازدهر في العهد المدني ..واستمرفي اتساعه وتحديث أنواعه مع التاريخ المشرق للحضارة الاسلامية.والاجتهادات الموفقة لأئمة الفقه والاجتهادعلي مختلف مذاهبهم.
وأخيرا ،فأن السنة النبوية تعطينا ملمحا الي التقدير الكمي لحجم القطاع التكافلي الي حجم الناتج في الاقتصاد الاسلامي،حيث ييمكن أن يصل الي ثلث الناتج.كما نفهم من قصة الرجل صاحب الحديقة الذي كان يقسم الناتج أثلاثا،ثلث للاستهلاك ،وثلث لتكلفة الانتاج،ويخصص الثلث من الناتج للانفاق التكافلي ،وكان أن جزاه الله بتسخير السحاب له فيمطر ويسير الماء مخصصا لسقي زرعه.وتخصيص ثلث الناتج الكلي ﻷغراض التكافل – لم يعرف في التاريخ الاقتصادي .