الأخلاقيات وصنع القرار في المنظمة التطوعية – أمجد نيوف
لا شك أن الأخلاقيات ذات صلة وثيقة مع أية مشكلة اجتماعية تعاني منها المجتمعات ، وتؤثر على صناعة القرار اليومي بالمستويات كلها.
ويمكن التمييز بين الأخلاق الفردية من جهة، والأخلاق والمعايير والسياسات لمنظمة تطوعية من جهة ثانية. وهنالك تحديدات عامة يمكن أن تكون مفيدة في هذا الاتجاه.
فالقيم هي معتقدات جوهرية توجه أداء الأفعال والأعمال.والأخلاق هي قواعد ومبادئ خاصة للقيم.أما المعايير الجماعية فهي أساليب خاصة بالممارسة.ومبادئ الأخلاق هي قواعد رسمية تحكم سلوك الجماعة.أما السياسات فهي مبادئ توجيهية للتصرف في حالات خاصة.
في حين أن معظمنا يشخصن كلمة ” الأخلاق”، فان الكلمة تشير فعليا إلى أكثر بكثير في اللحظة التي يتحول بها الفرد إلى متطوع في منظمة. في تلك اللحظة، القيم الفردية لن تعود كافية لتحديد ماهية السلوك الذي سيكون مقبولا أو غير مقبول أو يمكن التغاضي عنه.تعريف الخطأ أو الصواب يمكن أن يتغير، حتى وان كان أعضاء منظمة ما يعتقدون أنفسهم في إطار ” الأخلاقي”.
وإذا خلصنا إلى نتيجة مفادها أن الأخلاق هي مسألة شخصية على الخالص ،وأنه لكل شخص مدونة خاصة من قيم تقتضي الاحترام ، بغض النظر عن مضمون المعتقدات ، فعندها لن يكون هنالك أي أساس شرعي للتمييز، على سبيل المثال ، بين سلوبودان ميلوسيفيتش والأم تيريزا، ، حيث لكل منهما معاييره الخاصة.
وهذا هو السبب في أن العديد من المنظمات غير الربحية تضمن “الأخلاقيات ” باعتبارها جزءا هاما من تدريب الموظفين والإدارة.وضمن السياق التنظيمي،الأخلاقيات هي نظام من قواعد أو سلوك تقابل مجموعة من إجراءات يمكن أن تحكم العمل، بعد أن يكون قد وافق عليها أعضاء المنظمة التطوعية لضمان تماسك هذا العمل واستقراره.
عندما يتعلق الأمر بالعمل التطوعي.. غالبا ما تتم المساهمة بالوقت والجهد، على حساب بعض القيم والأولويات الشخصية .وبمجرد أن يتم اتخاذ هذه الخطوة ، لا بد من اتخاذ القرار ما إذا كان بالإمكان قبول المتطلبات الأخلاقية للتطوع، حتى ولو وجد بعض التناقض مع القيم والأولويات الشخصية.
ويمكن أن يؤدي إلى القرار بترك العمل الشخصي.والمعتقدات والقيم الشخصية قد تصبح ثانوية بالنسبة للقواعد الأخلاقية والمعايير والسياسات الخاصة بالمنظمة.وفي هذا السياق فان ” الأخلاقية ” لا تعني أبدا التخلي عن المسؤولية في القرارات التي تتخذ.
فمن الضروري على الجميع المرتبط بتنظيم التصرف بطريقة أخلاقية. وهذا يعني أن علينا أن نأخذ على محمل الجد الأخلاقيات. وهذا، بدوره، يتطلب الاتفاق على مجموعة من القيم المشتركة التي تخدم العمل بوصفها إطارا لاتخاذ القرارات الحاسمة، كي تقوم المنظمة التطوعية كجزء من دورها. وتأسيس مدونة لقواعد الأخلاق التنظيمية يوفر هذا الإطار ، وخارطة الطريق التي يمكن للجميع أن يعود إليها عندما ينشأ تحدي المعضلات الأخلاقية.
سنوات عديدة من الأبحاث الدولية خلقت دليلا قويا على أن الناس في كل مكان لديهم تصورات للقيمة الأخلاقية الواحدة.
فالجدارة بالثقة قد تعني الصدق، والإخلاص، والصراحة، وحفظ الوعد.والاحترام قد يعني الاستقلال الذاتي، والمجاملة.والمسؤولية قد تعني الاجتهاد ، والتحسين المستمر ، وضبط النفس.والعدالة قد تعني الإنصاف والحياد والنزاهة.والرعاية قد تعني اللطف والرحمة.
هذه القيم العالمية أصبحت أساسا لوضع مجموعة مشتركة من المبادئ الأخلاقية التي يمكن تطبيقها عند البحث عن “الشيء الصواب.” وهذه المبادئ هي مختلفة عن سياسات البرنامج أو معاييرها. وهي قواعد الاشتباك التي تركز على التفاعلات المتبادلة بدلا من الإجراءات التنفيذية وصياغة مجموعة من القيم العامة التي يمكن تطبيقها على العديد من الحالات المختلفة.
هناك العديد من الفوائد لتنفيذ مدونة لقواعد السلوك في أية منظمة. واستنادا إلى الممارسات الإدارية واتخاذ القرارات بشأن هذه القيم الأخلاقية الأساسية فان البرنامج التطوعي يمكن أن يصل إلى مجموعة متنوعة من الجماعات والأفراد، ويستقطب المتطوعين ، والجهات المانحة ، ويحافظ على ثقة الجمهور .
ومن اجل أداء أفضل للمنظمة عليها نشر مدونة لقواعد السلوك، وإتاحة الفرصة لمناقشة المسائل والقضايا الأخلاقية.فالأداء الجيد يفترض التوافق بين هذه الإجراءات والقيم.ومثل هكذا ثقافة تنظيمية من شانها إزالة الحواجز الأخلاقية لصنع القرار داخل المنظمة.
فالأخلاقيات يجب أن توجه ليس فقط ما نفعله، ولكن كيف نفعل ذلك؟!.ومهارات صنع القرار تتطلب الكفاءة والقدرة على التعامل مع قضية أخلاقية في الوقت الذي تظهر فيه.وتتطلب أيضا الثقة والتأكد من احترام الذات والبحث عن وجهات نظر مختلفة.فالأخلاق هي حجر الزاوية في الشخصية.
انطلاقا مما سبق لا بد من إنشاء فرقة عمل من المتطوعين والموظفين وأعضاء مجلس الإدارة في المنظمة لوضع مدونة لقواعد السلوك على أساس القيم العالمية الخمس ، الجدارة بالثقة ، والاحترام ،والمسؤولية والعدالة، والرعاية .
ولابد للمنظمة من اجل ذلك، من إقامة دورات تدريبية للمتطوعين، ومناقشة مدى أهمية التطبيق العملي للأخلاقيات على صنع القرار، وتحديد مسارات العمل الممكنة.واستحداث ورشة عمل تركز على اتخاذ القرارات الأخلاقية.
أحدث التعليقات