العمل الخيري والقضايا الاجتماعية المعاصرة (2) – د. محمد سعيد عبدالمجيد
انتهينا في المقالة السابقة إلى أنه على الرغم من قدم الحديث حول تأثير تكنولوجيا المعلومات الحديثة Information Technology New على الحياة الشخصية والاجتماعية، إلا أن الجديد في هذه القضية يتمثل في ما أحدثته تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة “ الحواسب والإنترنت والهواتف المحمولة والقنوات الفضائية “ من آثار متعددة على حياتنا اليومية. وبداية نتناول في هذه المقالة ” الآثار الاجتماعية لشبكة الإنترنت “.
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته شبكة الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس، وعمق في التأثير في حياة الناس على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، وتنوع في طبيعة المعلومات التي توفرها؛ الأمر الذي يجعل الإنترنت وسيلة إعلام المستقبل؛ نظراً لتميزها بما يلي ( 1):
1- اللامكان: فالإنترنت يتخطى كل الحواجز المكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس وتبادل المعارف، وبالتالي تجاوز الحواجز الاقتصادية والسياسية.
2- اللازمان: فالسرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر شبكة الإنترنت تسقط عامل الزمن من الحسبان، مما يؤدى إلى ما يسمى عصر المساواة المعلوماتية.
3- التفاعلية: فمن خلال منتديات التفاعل والحوار يمكن الانتقال من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر.
4- المجانية: أو بصورة أدق شبه المجانية، حيث تتاح الكثير من خدمات الإنترنت بصورة شبه مجانية.
5- الربط الدائم: فمن خلال التكنولوجيا المتطورة نستطيع أن نكون على ارتباط دائم بالإنترنت من خلال حاسبات الجيب والهواتف المحمولة، ونستدعي المعلومات في أي وقت.
6- السهولة: فخدمات الإنترنت لا تحتاج إلى خبير معلومات أو مهندس أو مبرمج حتى نحصل عليها؛ فاستخدامها في غاية السهولة واليسر، ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء في استخدامها، بل إلى مجرد مقدمة لا تتجاوز ساعة مع صديق لتوضيح مباديء الاستخدام.
كما تتجلى خطورة وأهمية شبكة الإنترنت فيما يلي( 2 ):
1- إن شبكة الإنترنت تخلو من الرقابة المفروضة على وسائل الإعلام الأخرى كالفضائيات، بالرغم من ضعف الرقابة في الفضائيات، لذلك فهي تقدم مادة مختلفة عما تقدمه وسائل الإعلام الأخرى.
2- طبيعة الخصوصية التي تصاحب الإنترنت مقارنة باستخدام الوسائل الأخرى، فالمستخدم للإنترنت يستخدم جهاز حاسب آلي وحيد، ولا يشاركه أحد غيره، كما أن له بريده الإلكتروني الخاص، وكلمة السر المتعلقة به.
3- قدرة الإنترنت على القفز إلى عالم الممنوع، والوصول إلى داخل المنازل، وبالتالي الوصول إلى خصوصيات الأسرة.
4- توفر الإنترنت الصوت والصورة أثناء المحادثة، كما توفر لقطات الفيديو مثلها مثل الوسائل الأخرى.
5- إذا استطاعت الجهات المعنية حجب المواقع السيئة أخلاقياً ودينياً، فليس بمقدورها منع المواد المرسلة عبر البريد الإلكتروني.
وفي ضوء ذلك اختلفت الآراء حول الآثار الاجتماعية التي يمكن أن تنجــم عن أخطر وأهم وسيلة إعلامية حتى الآن – وهي الإنترنت – وتراوحت هذه الآراء بين ما يلي(3):
1- فريق يرى الآثار الاجتماعية السلبية للإنترنت المتمثلة في تفكك الحياة الاجتماعية، وفقدان التفاعلات الاجتماعية، وانتشار المواد الإباحية والجريمة، وغيرها من الآثار السلبية.
2- فريق يرى الآثار الاجتماعية الإيجابية المتمثلة في استخدامه في التعليم، والبحث العلمي، والتجارة الإلكترونية، وغيرها من الآثار الإيجابية.
ويمكن القول إن الإنترنت شأنها شأن وسائل الإعلام الأخرى لها جوانب إيجابية وجوانب سلبية تتوقف كل منها على المستخدم وطبيعة الاستخدام؛ لذلك سنعرض للآثار الاجتماعية الإيجابية والسلبية المحتملة في شبكة الإنترنت على النحو التالي:
أولا ً: الآثار الاجتماعية الإيجابية للإنترنت:
أ- التعليم والبحث العلمي:
أدت شبكة الإنترنت إلى تغير مجتمعنا البشري تغيراً كبيراً وبسرعة؛ نتيجة لتدفق المعلومات، حيث أمكن تحويل كافة أنواع المعلومات إلى الصورة الرقمية، وانتقالها إلى ملايين من البشر في ثوانٍ قليلة، هذه المعلومات التي كانت تتطلب ساعات أو حتى أيام للحصول عليها في الفترات السابقة على ظهور الإنترنت ( 4 ).
وتعتبر تكنولوجيا شبكة الإنترنت من أنجح الوسائل لتوفير البيئة التعليمية الثرية؛ حيث يمكن العمل في مشروعات تعاونية بين مدارس مختلفة، ويمكن للطلاب تطوير معرفتهم بموضوعات تهمهم من خلال الاتصال بزملاء وخبراء لهم نفس الاهتمامات، وتقع على الطلبة مسؤولية البحث عن المعلومات وصياغتها؛ مما ينمي مهارات التفكير(5).
لذا فاستخدام الإنترنت كأداة أساسية في التعليم حقق الكثير من الإيجابيات، منها: المرونة في الوقت والمكان، وإمكانية الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور والمتابعين في مختلف أنحاء العالم، وسرعة تطوير البرامج مقارنة بأنظمة الفيديو والأقراص المدمجة، وسهولة تطوير محتوى المناهج الموجودة عبر الإنترنت، وقلة التكاليف المادية، مقارنة باستخدام الأقمار الصناعية؛ حيث يمكن وضع المادة العلمية عبر الإنترنت، ويستطيع الباحثون الحصول عليها في أي مكان وفي أي وقت( 6 ).
وفي ضوء ذلك يمكن القول بأن الإنترنت باتت إحدى أدوات البحث العلمي التي توفر الكثير من الوقت والجهد والنفقات على الباحثين، فضلاً عن إتاحتها لمجال أوسع من المعلومات والمصادر التي كانت من الصعوبة أو من المستحيل الحصول عليها في السابق.
ب – التجارة الإلكترونية E- Commerce :
تدعم الإنترنت التسوق والإعلان والمبيعات بعدة طرق، فقد يصل العملاء إلى مواقع الشركة لإيجاد معلومة عن المنتج أو لاستعراض أفضل الأسعار قبل الشراء، لذلك قدمت مؤسسات التسوق والمبيعات معلومات عن منتجاتها وخدماتها على الإنترنت، موضحة خدماتها والتحسينات في منتجاتها الحالية، وأيضاً ما توفره من تخفيضات في أسعارها ( 7 ).
فقد أصبح الإنترنت أداة قوية للتجارة، حيث يستخدم رجال الأعمال الآن صفقات التجارة الإلكترونية لخفض التكاليف في مجالات كثيرة شاملة المشتريات والمبيعات وعرض الفرص الجديدة للبيع. وتجذب التجارة الإلكترونية نسبة متزايدة من الاقتصاد العالمي تنامى حجمها بحوالي مئات البلايين ( 8 ).
وتتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في (70%) من سوق التجارة الإلكترونية؛ فالثورة التي تعيشها أمريكا الآن هي ثورة الـ (E)، حيث يبدأ كل شيء الآن بحرف (E)، وينتهي بـ dot com مثل e- marketing ، و e- business،و e- commerce، و e- trade، وتعني جميعها التجارة الإلكترونية التي لا تشكل بتقنياتها الحالية خطراً جسيماً إلا على الموزعين والعاملين في القنوات الوسيطة ما بين المنتج والمستهلك ( 9 ).
ويمكن القول إن التجارة الإلكترونية ستغير السوق التقليدي، وطريقة البيع والشراء، والتأثير على كل من المنتج والمستهلك وما بينهما، إلا أننا نرى أنه إذا كان التأثير كبيراً في الدول المتقدمة، فإنه ما زال ضعيفاً جداً في الدول النامية؛ بسبب الفجوة الرقمية والأمية المعلوماتية المنتشرة بصورة كبيرة.
جـ – الترفيه:
تعمل وسائل الإعلام بصفة عامة على مساعدة الفرد على الهروب من مشكلاته اليومية، وتساعده بذلك على الراحة والاسترخاء، بجانب شغل أوقات الفراغ، واكتساب الحقيقة والمتعة الجمالية، ومساعدته على إطلاق العواطف والمشاعر( 10).
ولا يعد الترفيه حاجة غير ضرورية للإنسان، بل هو من الحاجات الأساسية، حيث يمنح الراحة التي تمكن البشرية من مواجهة متطلبات الحياة الحديثة، أو حتى متطلبات الحياة في عمومها. وقد تكثفت الوظيفة الترفيهية لوسائل الإعلام، كما تأثرت بطرق أخرى عندما انتقلت وسائل الإعلام من جمهور محدود نسبياً إلى جمهور عريض( 11 ).
وتتجلى الوظيفة الترفيهية في الإنترنت بصورة واضحة من خلال الألعاب المختلفة، والأفلام، والدردشة التي تتسم بالتنوع والجاذبية. وتبدو هذه الوظيفة الترفيهية أوضح في مقاهي الإنترنت؛ حيث إنه بالإضافة إلى ما سبق، تتضمن هذه المقاهي الخروج مع الأصدقاء، واللعب الجماعي، أو المشاركة في برنامج معين.
د – تكوين علاقات اجتماعية جديدة:
تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في عملية التعارف الاجتماعي، وزيادة احتكاك الجماهير ببعضهم، ولو من الناحية العقلية. ولهذا الدور جانبان رئيسيان، هما: تقوية الصلات الاجتماعية بين الأفراد، واتساع دائرة معارف الإنسان نتيجة لتقديم الكثير من الشخصيات( 12 ).
وعبر الإنترنت يمكن التعرف على أشخاص جدد، إما من خلال القوائم البريدية، أو مجموعات الأخبار، أو الدردشة Chatting ، وبالتالي أصبحت الإنترنت مكاناً هاماً للتفاعل مع الآخرين. وقد أكد ذلك ” هوارد رهينجولد ” الذي وجد أن الإنترنت التي تعتبر وسيلة اتصال وسيطة تمكن من تكوين علاقات جديدة تشبه العلاقات الفيزيقية باستثناء تفاعل الوجه للوجه، وبالتالي تمنح الفرصة للتخلص من النمط الروتيني للحياة اليومية، والتحدث مع أصدقاء آخرين من مختلف أرجاء العالم(13).
ثانياً: الآثار السلبية للإنترنت:
أ- انتشار المواد الإباحية:
تتمثل المشكلة الأساسية في أن المواد الإباحية في الإنترنت يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة لا حصر لها، بعضها صريح واضح، مثل: المجموعات الإخبارية، أو المجموعات الأخرى المتخصصة في مثل هذه الموضوعات، مثل: البلاى بويplay boy والبنت هاوس pent house ، وبعضها الآخر يصعب كشف هويتها، مثل: المكتبات السرية المعروفة لتجار المواد الإباحية دون غيرهم، والخدمات الجنسية الحية من خلال الفيديو الفوري(14 ).
وقد أوضح إحصاء صدر حديثاً أن واحداً من بين كل خمسة من المراهقين الأمريكيين الذين اعتادوا الدخول إلى شبكة الإنترنت تلقوا محاولات غير مرغوبة أخلاقياً عبر شبكة المعلومات الدولية، وأبلغ (19%) من (1500) مبحوث شملهم الإحصاء، تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسابعة عشرة، عن محاولات لاستدراجهم في أمور غير أخلاقية يعتقد أنها صدرت عن بالغين؛ لذلك تم إضافة الاستدراج عبر الإنترنت إلى قائمة مخاطر الطفولة التي يجب أن تكون السلطات على دراية بها(15).
كما تفيد الإحصاءات بأن ( 63%) من المراهقين الذين يرتادون الصفحات والصور الجنسية لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحون على الإنترنت، وتفيد الدراسات بـأن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 و 17 سنة، والصفحات الإباحية تمثل لهم أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً (16).
لذلك أوصت الجمعية القومية لتعليم الصغار في أمريكا بضرورة إشراف الآباء على ما يفعله الأطفال على الإنترنت؛ لضمان وصولهم إلى مواقع الإنترنت السوية، وزيادة برامج تنقية الإنترنت من المواد الإباحية، وضرورة تعلم الأبوين لمهارات الإنترنت؛ حتى تتسنى عملية المراقبة، ووضع جهاز الحاسب الآلي في مكان يتردد عليه كافة أعضاء الأسرة كحجرة المعيشة (17).
وإذا كان ذلك يحدث في مجتمع يتصف بالانفتاح والحرية الجنسية، فكيف بالبلدان الأخرى التي يصفها الغرب بالمجتمعات المغلقة؟! ففي المملكة العربية السعودية قام مستشفى الملك فيصل التخصصي بإدخال الإنترنت كأول جهة في المملكة تقدم هذه الخدمة للاستفادة منها في أغراض البحث العلمي والخدمات الطبية، وفي إحصائية للقائمين على هذه الخدمة وجد أن (93%) من مستخدميها يستخدمونها لأغراض سيئة تحط بالدين والأخلاق(18).
كما تم فحص مجلد الـ(TEMP) ، وهو المجلد الذي تخزن فيه المواد المجلوبة من الإنترنت في سبعة مقاهي في المملكة العربية السعودية، فتم اكتشاف احتواء جميع الأجهزة على مواقع سيئة وصور جنسية، ويحتوي جهازان على مواقع سيئة فيما يسمى بالمواقع المفضلة، وهو مكان يمكن لمستخدم الإنترنت أن يخزن فيه المواقع ليتمكن من الرجوع إليه فيما بعد (19).
ومما يزيد هذه المشكلة خطورة ما يلي:
1- عدم القدرة على الرقابة التامة على ما تنشره الإنترنت من مواد إباحية.
2- أن الشباب هم الأكثر استخداماً لشبكة الإنترنت، سواء في المنازل أو في مقاهي الإنترنت.
فقد كشفت دراسة حديثة أجريت على رواد مقاهي “ عمان وأربد “ أن (37%) من الشباب والفتيان في الأردن يستخدمون الإنترنت، وأن (24%) منهم يبحثون عن مواقع الجنس(20).
وفي استبيان وزعته مجلة خليجية على عدد من مرتادي مقاهي الإنترنت، وجد أن (80%) منهم تقل أعمارهم عن 30سنة. وتوضح إحصائية أخرى أن (90%) من رواد هذه المقاهي في سن خطرة وحرجة جداً (21).
ومما لا شك فيه أن التعرض لمثل هذه المواد الإباحية قد يؤدي إلى مشكلات خطيرة في المجتمع، مثل: تدمير القيم والأخلاق، وإمكانية انتشار مشكلة جريمة الاغتصاب، هذا فضلاً عن أن استخدام الإنترنت للتشهير بآخرين عن طريق وضع صورهم وعناوينهم وأرقام تليفوناتهم في مواقع سيئة يؤدي ـ أيضاً ـ إلى مشكلات اجتماعية كثيرة.
ب – العزلة:
نتيجة للاستخدام المكثف للإنترنت يحدث تقلص في العلاقات الاجتماعية الأولية للفرد، وبخاصة مع أسرته و جيرانه، فتزايد الوقت الذي ينفق على شبكة الإنترنت يكون على حساب علاقاته الأولية.
وهذا ما أكده ” بتنان Putnon ” في عام 1995 حينما ذهب إلى أن الانتشار الواسع لاستخدام الإنترنت صوحب بانخفاض كبير في الاندماج المدني والمشاركة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أكد علماء النفس وجود علاقة إيجابية بين إدمان الإنترنت وعدم الاهتمام بالمشاركة العامة في الشؤون المحلية والقومية(22).
وذهب “ جوهان أرنولد Johann Arnold “ إلى أن الوقت الذي يقضى على شبكة الإنترنت يكون على حساب الوقت المخصص للزوجة أو الأطفال أو العمل الجماعي؛ فمع ألعاب الإنترنت والدردشة يمكن قضاء ساعات على الإنترنت، والفقدان الكامل لمسار الزمن، وبالتالي عزلتنا عن الأنشطة التي تتطلب مشاركة في العالم(23).
وأكد ذلك ـ أيضاً ـ ” يونج young ” الذي ذهب إلى أن الاستخدام الزائد للإنترنت، الذي أطلق عليه إدمان الإنترنت Internet Addiction، يؤدي إلى التفكك الاجتماعي؛ نتيجة لاستبدال الوقت الذي يقضى على شبكة الإنترنت بالوقت الاجتماعي الذي كان يقضى مع الأسرة والأصدقاء (24).
كما أن الذين يتعاملون بصورة متكررة مع الإنترنت ربما يفقدون القدرة على التفاعل التلقائي في الحياة، وربما تؤثر العلاقات غير الشخصية من خلال الإنترنت على كافة أنواع التفاعل الاجتماعي في المجتمع(25).
والقول بأن استخدام الإنترنت يؤدي إلى العزلة لا يتناقض مع القول بأن له تأثيراً إيجابياً يتمثل في تكوين علاقات جديدة، فالعلاقات الجديدة هي علاقات لا شخصية تتم من خلال الاتصال الحاسبي الوسيط. وأما العزلة فهي عزلة عن العلاقات الشخصية الأولية، كعلاقات المستخدم للإنترنت مع أسرته أو مع جيرانه أو مع أقاربه.
جـ – الجريمة:
تعتبر جرائم الإنترنت من الجرائم المستحدثة في العالم المعاصر، ويقسمها الخبراء إلى نوعين أساسيين: أولهما الجرائم التي يكون الحاسب الآلي والإنترنت هدفاً لها، وثانيهما الجرائم التي يستخدم الحاسب الآلي فيها كأداة لإتمامها وتنفيذها. ويرتكب هذا النوع من الجرائم بواسطة عدة فئات مختلفة منها الهواة، وغالبيتهم من المراهقين الذين يرتكبون جرائم الحاسب الآلي من أجل قهر النظام، وكسر الحواجز الأمنية. ولعل الفئة الأخطر من مرتكبي هذا النوع من الجرائم هي فئة الجريمة المنظمة، التي يستخدم أفرادها الحاسب الآلي لأغراض السرقة، أو السطو على المصارف والمنشآت التجارية(26). ولخطورة هذا النوع من الجرائم الحديثة على المجتمع؛ فسنعرض لكل ما يتعلق به بالتفصيل في مقالة مستقلة عن ” الجريمة الإلكترونية “.
د – الغزو الثقافي:
يعرف الغزو الثقافي بأنه الأسلوب الجديد للإمبريالية العالمية، الذي تحاول من خلاله ضمان استمرار هيمنتها وسيطرتها على الدول النامية، من خلال ما أطلق عليه بعض المنظرين الأمريكيين ” البعد الرابع”، ويعنون به إحكام النفوذ من خلال الثقافة باعتباره بعداً جديداً يضاف إلى أبعاد السيطرة السابقة (الاقتصادية والسياسية والعسكرية)، ومن خلال التغلغل الثقافي يتم نشر مفاهيم ثقافية فكرية معينة تخدم وجود الدول الإمبريالية، حيث يتم مسخ الثقافة الوطنية وتشويهها، والإقناع بأنها ثقافة متخلفة لا تواكب العصر ومتطلباته الحضارية، فيصبح كل ما هو أجنبي له السيطرة والتفوق، وهو المثال والنمط الذي يجب أن يحتذى في كافة ميادين الحياة (27).
وقد سهلت عملية تدفق المعلومات وانسيابها بلا حدود داخل الدولة من الغزو الثقافي، ويحدث ذلك من خلال عدة آليات، من أهمها النشر الواسع في كافة المجالات، سواء من خلال الصحف أو الإنترنت أو الأقمار الصناعية(28).
فنتيجة للتفوق الإعلامي للولايات المتحدة الأمريكية – وهو ما تعكسه التقارير الخاصة بتوزيع مؤشرات الإعلام والمعلومات في العالم – يعيش العالم نظاماً مختلاً صارخ المفارقات بين أجزائه في الإعلام والاتصال، مما يؤثر سلباً على حرية المعلومات، وعلى عدالة توزيعها و سهولة تداولها والإفادة منها، وتوظيفها لأغراض التنمية، وتعزيز الاستقلال الثقافي. وما يعكس هذا الاختلال أن نسبة نصيب إفريقيا والشرق الأوسط معاً في عام 2001 هو (5%) فقط مــن إجمالي الســوق الرقمية في العالم(29).
ويشير ما سبق إلى استحواذ الدول المتقدمة بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، على السوق الرقمية والإنترنت؛ مما يسهل بدوره من عملية الغزو الثقافي، وبث الأفكار التي تتناسب معها. وهذا فضلاً عن تأثير ذلك على اللغة العربية؛ حيث إن معظم الصفحات على شبكة الإنترنت مكتوبة باللغة الإنجليزية، وعدد الصفحات العربية قليل جداً؛ مما يؤدي إلى هيمنة اللغة الإنجليزية على مستخدمي شبكة الإنترنت.
وفي ضوء ما سبق فلا شك أن هناك دوراً كبيراً للجمعيات الخيرية في مجال تعظيم الآثار الاجتماعية الإيجابية للإنترنت، وفي مكافحة الآثار الاجتماعية السلبية لها، وذلك من خلال قيام الجمعيات بعدد من الإجراءات، من أهمها ما يلي:
– تعزيز دور الأسرة المسلمة لمواجهة التحديات والآثار السلبية للإنترنت، عن طريق تنظيم الندوات للتوعية بأهمية تربية الأبناء تربية إسلامية، نحافظ من خلالها على القيم الدينية والثقافية الإسلامية.
– استخدام الإنترنت بشكل فعّال في صناعة الخير والحث عليه، من خلال إنشاء مواقع إلكترونية للجمعيات الخيرية على شبكة الإنترنت.
– قيام الجمعيات بتوفير برامج الاستخدام الآمن للإنترنت على مواقعها الإلكترونية على شبكة الإنترنت بشكل مجاني.
– العمل على إحداث نقلة نوعية للأنظمة الإدارية في الجمعيات الخيرية، من خلال الحرص على امتلاك المعرفة التكنولوجية والنظم المعلوماتية الحديثة.
– العمل على تعزيز الاتجاه السلوكي للقيم الإسلامية لمواجهة المشكلات التي تعاني منها الأسرة والمدرسة من جراء المواقع والصفحات الإباحية على الإنترنت.
– تنظيم دورات تدريبية في الحاسب الآلي والإنترنت للآباء والأمهات؛ لكي يتمكنوا من متابعة ومراقبة استخدام أبنائهم لشبكة الإنترنت.
– قيام الجمعيات بنشر الوعي بالهوية الإسلامية من خلال المطبوعات الورقية، ومن خلال مواقعها على الإنترنت.
– زيادة عدد الندوات التي تنظمها الجمعيات لتوعية المجتمع بإيجابيات وسلبيات الإنترنت.
الهوامش:
1- محمد تكريتي، لماذا الإنترنت؟
http://www.alminber.net/whyinternet.htm.
2- الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض ( السعودية)، مقاهي الإنترنت وأثرها على طلابنا:
http://www.sis.gov.eg/public/achv98/html/texl 8.htm,pp.16.
3- لمزيد من التفاصيل حول الآثار الاجتماعية للإنترنت يمكن الرجوع إلى:
محمد سعيد عبد المجيد، وجدي شفيق عبد اللطيف، الآثار الاجتماعية للإنترنت على الشباب: دراسة ميدانية على عينة من مقاهي الإنترنت ، دار المصطفى، طنطا، 2004.
4-Starling , Andrew, The Internet and Society:
http://www. webdevelopers journal. com/columns /ajs-internet- effects-society.html, p.1.
5– نادر عطا الله وهبة، دعاء جبر الدجاني، العملية التعليمية في عصر الإنترنت:
http://www.najah.edu/arabic-text/internetcom/internet .htm, p.2.
6-عبد الله عبد العزيز الموسى، استخدام خدمات الاتصال في الإنترنت بفاعلية في التعليم:
http://www.riyadhedu.gov.sa/alan/fntok/12.htm , p.4 – 5 .
7- فاروق سيد حسن، الإنترنت: الشبكة العالمية للمعلومات، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص 56.
8- Institute of National Planning, Egypt : Human Development Report, 2000/2001,Cairo, 2001, p.82.
9– ثورة الـ إي (E):
http://www.balagh.com/E-business.htm.
10- محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1997، ص 54.
11- سعيد إسماعيل علي، التعليم والإعلام، عالم الفكر، المجلد الرابع والعشرون، العددان الأول والثاني، يوليو / سبتمبر، أكتوبر، ديسمبر، 1995، ص 114.
12- المرجع السابق، ص 113.
13-The Effects of the Internet on Interpersonal Communication :
http://tudents.washington.edu/km3/com300/internet.Html,p.p1-5.
14- بهاء شاهين، شبكة الإنترنت، العربية لعلوم الحاسب، القاهرة، ط2، 1996، ص 206.
15- الرياض نت، الاستدراج عبر الإنترنت في قائمة مخاطر الطفولة، الخميس، 28 يونيو، 2001:
http://www.alriyadh.com.sa/met/28-06-2001/fam.html.
16- مشعل بن عبد الله القدهي، المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت وأثرها على الفرد والمجتمع:
http://www.saaid.net/mktarat/abahiah/1.htm,op.3.
17-National Association for the Education of Young Children, The Internet and Young Children :
http://www.kidsource.com/safety/internet.Young. html,p.2.
18- الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض، مقاهي الإنترنت وأثرها على طلابنا، مرجع سابق، ص 2.
19- المرجع السابق، ص3.
20– إيمان أبو قاعود، تقارير الحدث2، جريدة الحدث الأسبوعية،20سبتمبر 2002:
http://www.al-hadth.arabia.com/article/o.8071.197-582900.html.
21– عادل العبد العالي، مقاهي الإنترنت:
http://www.alshabab.net/html/makaha.htm,p.1.
22-The Internet’s Effect on Relationships: Determental or Beneficial? :
http://www.benturner.com/other/online-relationship,htm,pp3-4.
23-The Effects of The Internet on Interpersonal Communication :
http://tudents.washington.edu/km3/com300/internet.Html,p.6.
24-What are The Effects of Internet Addiction :
http://people.whitman.edu/smithea/ddsite/effects.htm,p.1.
25-Chia, Jeremy, et. al., Distorted Boundaries :An Inquiry into the Effects of Internet use on Social Skills :
http://www.Socscimcmaster.ca/soc/cources/stpp4com/ClassEssay/social skills.htm,p.3.
26-أبو بسام، الرياض تشهد أكبر تظاهرة علمية في الشرق الأوسط:
http://www.arabiyat.com/ubb/forum4/html/00/290html,pp15-16.
27– محمد سيد أحمد، الغزو الثقافي في المجتمع العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1994، ص ص17- 18.
28– جمال علي زهران، ثورة المعلومات بين أمن وسيادة الدولة، مجلة الديمقراطية، السنة الثانية، العدد السادس، إبريل، 2002، ص 39.
29– رضا قلوز، مقترح مقاربة عربية حول موضوع الفجوة الرقمية والإعداد للقمة العالمية لمجتمع المعلومات:
http://www.itu.org.eg/arabprecom/documents/5catt/207.doc,p.4
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=82
أحدث التعليقات