القمم المعلوماتية .. هل تقدم حلولاً عملية للفقراء؟
بقلم: حسام يوسف عزالدين- باحث وخبير تقني
جاءت قمة المعلومات الأخيرة في تونس وسط ضجة إعلامية غير مسبوقة؛ نظرا لأهمية الموضوعات التي تحويها أجندتها، وأهمها تقليص الفجوة الرقمية بين الدول الغنية و الدول النامية أو الفقيرة، ووضع آليات تمويل مشروعات التنمية المعلوماتية بالعالم النامي, وقضايا الحفاظ على الخصوصية والهوية الثقافية وأمن المعلومات, والتخفيف من قيود نقل التكنولوجيا والتبعية للغرب بانتهاج سبل ومناهج جديدة كالمصادر المفتوحة؛ لذا فإن القمة لهي مرحلة مهمة لانطلاق جهود العالم لاستئصال الفقر، وتحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا في إعلان الألفية.
ويهتم هذا المقال – بالرغم من مضي وقت طويل على انعقاد القمة – بتأكيد دور المنظمات غير الحكومية ـ خاصة الإغاثية ـ في دعم جهود الأمم المتحدة في تنفيذ خططها. وقد تبنى قادة العالم المشاركون في قمة مجتمع المعلومات، والذين يمثلون 170 دولة، في ختام أعمالهم بتونس وثيقتين تتعلق إحداها بتطوير تقنيات الإعلام, فيما ركزت الثانية على حرية التعبير ونقل المعلومات. كما تضمنت الأجندة التي شملت 122 بندا تفاصيل استراتيجية عالمية لتطوير تقنيات الإعلام والتواصل في البلدان الفقيرة نفسها, مع العلم أنها لا تلزم الدول الغنية بتمويل هذا المشروع.
وبالرغم من البصمات التي ربما تركتها هذه القمة على أرض الواقع بخصوص وضع حلول نظرية لمعالجة هذه الفجوة الرقمية بتنفيذ الاقتراح المقدم من الدول الإفريقية، والخاص بإنشاء صندوق تمويل دولي لمساعدة الدول الفقيرة على استكمال بنيتها الأساسية من شبكات الاتصالات والمعلومات وتطوير تقنيات الإعلام، فإن المحك الرئيس يتجلى في التزام الدول المانحة بالتزاماتها المالية، وقدرة الدول الفقيرة في التجاوب مع مقتضيات عصر المعلوماتية، والتزام حكوماتها بالعمل الدؤوب على إنشاء بنية تحتية سليمة، وتطوير المناهج الدراسية، ووضع استراتيجية لمحو الأمية التقنية لشعوبها. لكن آثار هذه البصمات ربما تُمحى إذا بقيت تلك الدول تعتمد على المعونات الخارجية وجهود هيئات الإغاثة في دفع شبح المجاعة وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لفقرائها. وإذا كان اعتراف الأمم المتحدة بتعثر خطتها الرامية إلى القضاء على الفقر بحلول عام 2015 م بسبب عدم التزام الدول الغنية بتعهداتها المالية يقف كالجدار في نهاية النفق، فهل من الحكمة الحديث عن هوة رقمية في ظل وجود هوة إنسانية ومادية تبتلع طفلا كل خمس ثوانٍ بسبب الجوع؟!
أقول إن الأمم المتحدة يجب أن تضع في حساباتها أن تعثرها في معالجة الفقر مع التخطيط للنهوض بالمجتمعات معلوماتياً في نفس الوقت يتطلب منها الاستعانة بشكل كبير بالمنظمات الإغاثية العربية، والتي يمكن وصفها بالغائب الحاضر في هذه القمة؛ فوجودها يشكل قوة ضاغطة لا يستهان بها لتمرير القرارات التي تصب في صالح الفقراء؛ فطبيعة عمل تلك المنظمات، واحتكاكها المباشر بالمجتمعات، وكذلك خبراتها المتراكمة في مجال التنمية البشرية – خاصة برامج التأهيل المهني، والرعاية التربوية، والتدريب على علوم الحاسب الآلي – تؤهلها لتنفيذ الخطة الأممية بشكل متوازن وغير متعارض إذا ما وفرت لها الأمم المتحدة الدعم المادي اللازم تحت شعار الإغاثة من أجل التنمية؛ ذلك لأن التنمية البشرية والمستدامة هي السبيل الوحيد للقضاء الجذري على الفقر.
إن النهضة الرقمية لا يمكن اختزالها في مجرد توفير حاسب آلي لكل مواطن، كما في البلدان النامية، أو إتاحة شبكة الإنترنت له – فالتقنية هي أداه للوصول للهدف في النهاية – بل تعني ما هو أشمل من ذلك بكثير؛ إنها ثقافة متكاملة لا يُنتظر أن تأتي كالمعونات العاجلة بين عشية وضحاها، ولن يقدمها لنا الغرب على ملعقة من ذهب، وإنما تبدأ بغرس حب المعرفة والتعاون لدى الصغار.
الآن وقد أسدل الستار على هذا المؤتمر، ما هي النتيجة المباشرة للفقراء؟ أعتقد أن القمم الأممية ليست هي العلاج المناسب لمشاكل الفقراء في الدول الفقيرة. وقد يكون من الحكمة التفكير في إقامة قمة أممية أخرى – غير تقنية – لردم الهوة الإنسانية بين أغنياء العالم وفقرائه.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=85
أحدث التعليقات