ثقافة العمل التطوعي كقاعدة لبناء المنظمات الأهلية
إعداد أ. د / محمد ياسر شبل الخواجة
أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع – كلية الآداب
جامعة طنطا- مصر
أدت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى شهدتها المجتمعات الإنسانية المعاصرة سواء على المستوى العالمى أو المحلى فى الحقب الأخيرة إلى انتشار الدعوات التى تدعو إلى تدعيم قيم العمل التطوعى والإعلاء من شأن القيم الجماعية والتعاونية وتفعيل دور المنظمات الأهلية ، وزيادة دورها فى المجالات المختلفة للتنمية ، خاصة فى ظل انحسار دور الدولة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية وما يترتب علية من تراجع فى الخدمات التى تقدمها الدولة ، على أساس أن المنظمات الأهلية تمثل آلية لمشاركة المواطنين فى إطار لتنظيم مبادرتهم ، وتنمية وعيهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحقوقهم الإنسانية .
ومن ثم فان المنظمات الأهلية مع بداية الألفية الثالثة تؤدى دوراً مؤثراً كقوى هامة وفاعلة لتطوير و تنمية المجتمع الحديث ، حيث أنها تأخذ دور الشريك الشعبى فى تبنى القضايا القومية الهامة ، وتسهم فى بناء منظومة تكامل الأداء ، والأدوار لتطوير البنية البشرية ذات البعد المثلثى ( الدخل والتعليم والصحة) وتطوير هذه المنظومة بالتنسيق مع الأجهزة الحكومية فى مواجهة ثالوث الفقر والجهل والمرض ، فتقدم بذلك صياغة جديدة للواقع ورؤية حضارية لمفهوم العمل التطوعى القائم على المشاركة المتبادلة بدلاً من المفهوم التقليدى والذى يقتصر على تلقى خدمة فى مقابل طرف أخر مانحاً لهذه الخدمة .
وبذلك أصبحت المنظمات الأهلية تشكل النسق الثالث أو القوى الثالثة فى العالم بعد الحكومة والقوى السياسية بوصفها تمثل الحلقات الوثيقة بين الدول والناس ، وتضم الجماعات المدافعة عن قضايا مصيرية تتعلق بالانتماء والمشاركة والسلام ، فهي التي تحتج وتعارض وتتكلم باسم المجتمع ، وهى التى تشكل جزءاً أساسياً من بناء المجتمع المدنى الذى يُمكن الناس من المشاركة ، ومن إعلان رأيهم وتلبية حاجاتهم وتنمية طاقاتهم والسيطرة على حياتهم ، فالمنظمات الأهلية باعتبارها المكون الثالث فى بناء المجتمع المدنى هى منظمات طوعية يؤسسها الأفراد لخدمة مصالحهم أو لخدمة الآخرين ، وهى تستند فى تأسيسها إلى الإرادة الحرة لأعضائها وعلى قبولهم وقدرتهم على القيام بالعمل التطوعى ، وهى عادة منظمات لا تسعى للحصول على الربح المادى كما أنها لا تميل إلى تعاطى السياسة وان كان من الممكن أن تشارك فى التفاعل السياسى أحيانا .
لذا تسعى المنظمات الأهلية إلى تدعيم قيم المواطنة الشاملة باعتبارها أساسا لولاء جديد وشامل وارقٍ، بحيث تنشأ معادلة تشير إلى انه كلما كان الولاء الأشمل أو الوطني أعمق وله تاريخه، كلما كان هو الولاء الذى له الأولوية على اى ولاء أخر وهو الأمر الذى ينعكس على تماسك المجتمع وتكامل وحدته .
لكن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا السياق : ما علاقة المنظمات الأهلية بالدولة فى الوقت الراهن ؟
فى الواقع تتوقف طبيعة هذة العلاقة فى الأساس على توجهات تلك المنظمات الأهلية نحو الدولة ، ومدى التزام الدولة بفكرة التعددية وقدرتها على تنفيذ ذلك ، كذلك فان طبيعة الوظيفة التى تقوم بها المنظمات الأهلية هى التى تحدد شكل علاقتها بالدولة ، فالمنظمات التى تؤدى وظائف خدمية تختلف عن تلك التى تؤدى وظائف اجتماعية ، كما أن النوعين يختلفان من حيث علاقتها بالدولة عن المنظمات التى تقوم بوظائف تمثيلية عن جمعيات اجتماعية معينة .
ومن أجل تكملة مجهودات الدولة ومن اجل إبراز الجهد الذى تقوم به المنظمات الأهلية كان لابد من وجود علاقة ود وتعاون بينهما ، حيث إن المنظمات الأهلية لا تعتبر بديلاً عن وظائف أو واجبات الدولة وإنما مكملة لها شريطة أن يكون ذلك فى مناخ ديمقراطي تؤمن الدولة فية بمصالح وحقوق القوى الاجتماعية المختلفة التى تعمل من اجلها المنظمات غير الحكومية (الأهلية) ، ومن ناحية أخرى يمكن لهذه المنظمات أن تزيد من فاعلية ما تقوم به الدولة حيث أنها فى وضع يمكنها من ترجمة الاحتياجات المحلية إلى صياغة الأهداف وخطة العمل خاصة أنها أكثر قرباً وأوثق علاقة بالجماعات المحلية والحركات الاجتماعية وهى اقدر من الحكومة على التحرك السريع لان هيكلها الادارى أكثر مرونة ، لذا فقد رأى العديد من الباحثين أن أهم الركائز التى تدعم المنظمات الأهلية فكراً وممارسة وتعظيم القيم المضافة الفعالة لهذه المنظمات غير الحكومية وجود ثقافة نوعية تعزز العمل التطوعى على مستوى القيم والاختيار والأفعال والتصرفات وتنظيم العلاقات بين القوى والفئات الاجتماعية المختلفة بما توفره من ضوابط وتتيحة من فرص للتعليم الاهلى الذاتى ، تسمى هذه الثقافة النوعية بثقافة العمل التطوعى لكن ما هى شروط هذه الثقافة وما هى العناصر المكونة لها .
ويمكن تحديد أهم هذه الخصائص فى العناصر التالية :
1. أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من المصادر الدينية والأخلاقية والفلسفية ، حيث أن الدين أدى ومازال يؤدى دوراً أساسيا فى تحفيز العمل الخيرى والتطوعي ، فالإسلام باعتباره دين الغالبية العظمى من المجتمعات العربية حث على العطاء والتطوع والمساعدة للغير من خلال أركان الزكاة والصدقة التى ورد ذكرها فى القران الكريم اثنين وثلاثين مرة ، ولكل من الزكاة والصدقة هدفها وهو الحث على مساعدة الآخرين بالمال والجهد وكافة صور الدعم والتى تسمى بفلسفة التكافل الاجتماعى .
2. ان تنطلق ثقافة العمل التطوعى من عقد اجتماعى وتشريعى ينظم العمل التطوعى وتقنينه بشكل رسمى فى إطار مسايرة التطورات العالمية والتشريعات الدولية التى تحافظ على العمل التطوعى والاجتماعى الشعبى وتدعيمه والاهتمام بالسياق الشامل القانونى للحقوق والحريات التى تعكس تنظيم العمل الاهلى وتوفر إطار تشريعى سليم يؤهل لتأسيس منظمات أهلية متطورة وتتوجة نحو احتياجات حقيقية للمجتمع .
3. يجب تعميق قيم أساسية لتعزيز ثقافة العمل التطوعى مثل قيم التضامن والتكامل والتكافل الاجتماعى والتسامح مع الآخرين وتدعيم قيم الإيثار والمواطنة والإخاء والمساواة والعدل وبروز أهمية قيم القدوة الايجابية فى التفكير والتصرف والسلوك اليومى .
4. يجب تنقية ثقافة العمل التطوعى من قيم التحيز والعصبية والاثنية والشكلية وتكريس المصالح الفردية والأنانية وقيم استغلال الاخرين وتطوير قيم التراث الايجابية التى تعلى من شان التعاون والتكافل والتضامن النابعة من تراثنا الثقافى فى العمل الخيرى واستحداث نسق عصرى لثقافة العمل التطوعى التى تؤكد أهمية الشراكة فى عملية التنمية .
5. وأخيراً يجب أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من محاولة إشباع الحاجات الأساسية للمهمشين والفقراء وأتباع الأساليب التى تساعد على إدماجهم فى حركة المجتمع ، وذلك فى إطار تنوع أنماط المنظمات الأهلية بحسب الاحتياجات التى يحتاجها البشر ، فهناك المنظمات الرعائية التى تقدم الخدمات التعاونية والصحية والثقافية ، والجمعيات الاهلية التنموية التى تسعى إلى تحويل البشر إلى منتجين من خلال صيغة المشروعات الصغيرة ، إضافة إلى المنظمات الدفاعية ، وهى التي يدخل في نطاقها جملة منظمات حقوق الإنسان بأنواعها المختلفة ثم الجمعيات الثقافية والعلمية التى تنشأ لإشباع الحاجات الخاصة بأعضائها أو تحقيق أهدافها.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=51
أحدث التعليقات