دور العمل الخيري في مجال الإسكان – د . وجدي شفيق عبداللطيف
يشكل المسكن والبيئة السكنية التي تحيط به الإطار المادي الذي يشبع فيه الإنسان أكثر احتياجاته، ويقضي فيه معظم أوقاته، فالمسكن مأوى ورمز للخصوصية والمكانة والتمايز؛ فهو يعكس بصورة كبيرة – ليس فقط – شخصية قاطنيه وشخصية المجتمع الذي يوجد فيه، بل يعكس – أيضاً- مستواهم التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي.
وهناك تأثير متبادل بين الإسكان والسكان، مما يجعل موضوع الإسكان يدخل في صميم كثير من الدراسات الاجتماعية والديموجرافية والاقتصادية والعمرانية والسياسية والثقافية. وبالتالي، يجب النظر إليه لا باعتباره مشكلة عمرانية أو هندسية فقط؛ لأن الجانب العمراني لا يمثل سوى أحد جوانب هذه المشكلة.
لذا يلعب المسكن دوراً اجتماعياً أساسياً في الحياة البشرية؛ ذلك أنه إطار للعلاقات الأسرية ومجال التنشئة الاجتماعية، كما أنه وحدة أساسية في إطار مجتمع الجيرة، ومن هنا فالمسكن الملائم عنصر جذب لأفراد الأسرة وجماعات الجوار، بينما يدفع المسكن غير الملائم بأفراده لإشباع حاجاتهم بعيداً عنه، وقد يترتب على ذلك مشكلات عديدة.
هذا فضلاً عن أن الإسكان والمسكن حق من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو رمز للخصوصية، وإذا افتقدت هذه الخصوصية ينتج عن ذلك سيل جارف من المشكلات الاجتماعية، مما يؤثر في قدرة المجتمع على الاستقرار. لذلك يشكل تفعيل دور العمل الخيري في مجال الإسكان مجالاً من المجالات المهمة التي يمكن أن تسهم بها الجمعيات الخيرية في حل المشكلات المجتمعية. ولتوضيح أبعاد وحدود إسهام العمل الخيري في مجال الإسكان، لابد لنا أن نحدد مفهوم مشكلة الإسكان، والشروط الأساسية له، والآثار المترتبة على هذه المشكلة.
مفهوم مشكلة الإسكان
يمكن تحديد مشكلة الإسكان على أنها عدم توفر المعروض من الوحدات السكنية لمقابلة الطلب عليها من قبل الفئات المختلفة، أو توفرها مع عدم قدرة محدودي الدخل على شرائها أو استئجارها. هذا فضلاً عن عدم توفر التسهيلات الخدمية والبنية التحتية المتمثلة في قصور المرافق والخدمات.
وبذلك نجد أن التصور الذي تطرحه المقالة لمعالجة مشكلة الإسكان ينطلق من أساسين، هما:
أ- الأساس الكمي للمشكلة : وهو عدم توفر الوحدات السكنية التي تناسب محدودي الدخل وإمكانياتهم، حيث إنها قد تتوفر مع قصور القوة الشرائية عن التعامل مع المتاح من هذه المساكن.
ب- الإطار الكيفي للمشكلة : المتمثل في عدم توفر المرافق والخدمات التي يجب أن تتوفر في الإسكان باعتباره أحد الحقوق الأساسية للمواطن، وهو ما يتعلق بجودة الظروف السكنية، أو على الأقل توافر الحد الأدنى من الشروط الصحية لهذه المرافق والخدمات.
العاملون في مجال الإسكان :
يتنوع العاملون في مجال السكان مابين عمال مهرة، وغير مهرة، وفنيين، ومهندسين ومقاولين ووسطاء ” سماسرة “، وعاملين بالشركات والبنوك، وإداريين. ونقصد بالعاملين في مجال الإسكان الفئات الآتية:
أ- الوسطاء ” السماسرة “.
ب- المقاولين والعاملين بشركات المقاولات.
جـ- المهندسين المعماريين والمدنيين.
د – القيادات الإدارية والمسؤولين في مجال الإسكان.
هـ -العاملين بالإدارات الهندسية.
وفي ضوء ذلك تمثل الفئات السابقة الجانب الرسمي وغير الرسمي للعاملين في مجال الإسكان. ولا شك أن كل فئة من الفئات السابقة تشكل مجال عمل مهم للجمعيات الخيرية من حيث تشكيل فرق عمل من المتطوعين للتوعية بأهمية توافر الأمانة والضمير اليقظ والتقوى عند هذه الفئات، وعائد ذلك عليهم وعلى أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم، ومن ثم على المجتمع كله فيما بعد ذلك.
الشروط الأساسية للإسكان
اتفقت المؤتمرات الدولية على بعض الشروط الأساسية للإسكان الكافي، ومنها ما يلي:
أ- الخصوصية.
ب- البيئة الصحية.
جـ- تحقق الجوانب الإنسانية العامة.
ء- الإتاحة الميسرة للخدمات.
هـ- الموقع المناسب والصحي.
و- التكلفة المناسبة، والتي يمكن تحملها.
ز- البيئة الثقافية المناسبة.
وإذا ما طبقنا المؤشرات السابقة على الإسكان سيتضح لنا أن الإسكان مشكلة عالمية، وأننا لا نعاني من مشكلة إسكان، بل من أزمة إسكان بكل المقاييس.
الآثار المترتبة على مشكلة الإسكان:
ينجم عن مشكلة الإسكان تأثيرات في غاية الخطورة، فهناك حاجتان أساسيتان للإنسان هما: حاجته إلى فرصة عمل، وإلى مسكن يؤويه. وإذا لم تتوافر هاتان الحاجتان، فإنه سيفتقر إلى عنصري الأمن النفسي والاجتماعي.
وليس من المتوقع أن يؤدى الإنسان دوراً إيجابيا أو إنتاجياً في مجتمعه طالما أنه يفتقد إلى عنصر الأمن النفسي والاجتماعي، فهو من الناحية النفسية يود – بشعوره الإنساني- أن يطمئن على يومه وغده، ومع عدم وجود هذا الشعور لديه فإنه سيؤدي به إلى رفض المجتمع والانسحاب منه. أما من الناحية الاجتماعية فقد يلجأ الشخص إلى الإسكان العشوائي متحملاً كل ما فيه من مشاكل، ناقماً على المجتمع عند خروجه إلى المناطق الأخرى أو مشاهدة الحياة الاجتماعية كما تعكسها وسائل الإعلام المختلفة التي تبرز التناقض بينه وبين الآخرين، وقد يلجأ إلى الانتقام من مجتمعه في سلوك إجرامي، وهو ما قد يبرر قول البعض بأن المناطق العشوائية أصبحت مناطق تفريخ للمجرمين، أو قد يعيش المواطن مغترباً داخل وطنه، مهاجراً داخل بيته.
إسهام العمل الخيري في مجال الإسكان
لا شك أن الحكومة بمفردها لا يمكن أن تحل مشكلة الإسكان، إلا أنه يجب ألا يتم ترك المجال كلية للقطاع الخاص؛ لأنه من المؤكد أنه يسعى للحصول على هامش ربح يتراوح بين الضيق والاتساع من فرد لآخر، إلا أنه من شبه المؤكد أن هذا الربح لن يتحقق في الإسكان منخفض التكاليف، وإنما في مجال الإسكان الفاخر. وهنا يأتي دور الجمعيات الخيرية من خلال قيامها بالمساعدة في تطوير المناطق العشوائية، وتقديم الدعم للفقراء للحصول على المسكن الملائم، وتحديداً المساعدة من خلال ما يلي:
– المساعدة في إيجاد مجتمعات محلية حضرية متكاملة – ليس فقط من أجل تقديم الإسكان- ولكن من أجل توفير الخدمات والتسهيلات وتشجيع فرص العمل والتعليم، ومن ثم رفع مستوى معيشة المجتمع المحلي.
– المساعدة في إيجاد نظم جمعية للتمويل، وسداد القروض، وتقليل مخاطر عدم القدرة على تسديد القروض، عن طريق مباديء تنقية المسؤولية المتبادلة في عضويتها.
– السماح لأعضائها بالتحمل التدريجي لمسؤوليات إدارة أنشطة بناء المساكن، ومن ثم تخفيض التكاليف.
– المساعدة على تعبئة المدخرات بين أعضاء المجتمع المحلي، وخلق الموارد للأنشطة الذاتية بواسطتهم.
– تقديم إجراءات فعالة للصيانة الدورية للمباني السكنية.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=48
أحدث التعليقات