نحو تنظيم العمل الخيري محلياً.. مؤسسة الراجحي نموذجاً – محمد خضر الشريف
لا تزال مقولة الدكتور غازي القصيبي وزير العمل تطن في أذني إثر تكريم المليك – يحفظه الله – لمحمد عبد اللطيف جميل – في الجنادرية، حيث قال القصيبي: (أتمنى أن يكون في المجتمع مائة رجل مثل محمد عبد اللطيف جميل)!!
هذه المقولة أكَّدت لي ما يتميز به المجتمع السعودي من أنه مجتمع يشع خيراً، يسري الخير في عروق أبنائه، هم مولودون به، مسكونون فيه أو هو مسكون فيهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها).. يشترك في هذا الشأن الكبير والصغير والمسؤول ذو الشأن والمكانة والذي هو من عامة الناس، أو كما يقولون: (على باب الله)!
يظهر ذلك جلياً في تلك الأريحية التي يتمتع بها أبناء المجتمع في تسابقهم للتبرع لكل ما من شأنه أن يسهم في خدمة المجتمع وقنوات العمل الخيري العديدة، ولا يقتصر هذا على عامة الناس، بل ينافس خاصتهم فيه ويضربون الأمثلة الحيَّة المشاهدة على ذلك في كل مناسبة خيرية.
وبعد الهزة التي تعرَّض لها العمل الخيري عالمياً وأثَّرت عليه محلياً كان لزاماً أن يخرج عن العشوائية إلى شيء من النظام والمنهجية، وهذا ما دعت له الحالة الاجتماعية للمجتمع حفاظاً على نظافة هذا العمل وسلامة نهجه ونقاء نيته ونبل مقصده.
وتعمل المؤسسات الأهلية الخيرية في المجتمع بشكل لا ينكره أحد مساهمة في عمل الخير وفعله وإشاعته في المجتمع يساهم في تطوره وتنميته تحقيقاً للمبدأ القرآني الكريم: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وما يؤيِّد ذلك تلك الدراسة الحديثة للدكتور أحمد الويمي نشرتها صحيفة: اليوم التي أكَّدت أن دوافع العمل التطوعي هي (دوافع دينية) بنسبة 77%، ودوافع ذاتية بنسبة 39%، ودوافع اجتماعية بنسبة 84%.
وإذ كان برنامج محمد عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع خدم ويخدم عشرات المئات من الشباب في المجتمع واستطاع أن يوفر لهم التدريب الكافي والوظيفة المناسبة وأن يجعلهم أعضاء نافعين فيه، فإن هناك عشرات من المؤسسات الخيرية التي تساهم بشكل فعَّال ومؤثِّر للوصول إلى تحقيق مقاصد العمل الخيري واقعياً، فإن مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية (التي تأسست في 19-6-1421هـ وتحمل الترخيص رقم 10 من وزارة العمل والشئون الاجتماعية) هي الأخرى تساهم أيضاً في خدمة المجتمع والرقي بالخدمات التي يحتاجها أبناؤه عن طريق عدة مشروعات خيرية هدفها الأصلي ابتغاء وجه الله تعالى متمثلة خدمة أبناء المجتمع بشكل فعَّال وواقعي وملموس.
وارتكزت المؤسسة على معالجة عدة سلبيات كانت كثير من الجمعيات الخيرية تقع فيها مثل العشوائية وعدم الضبط، فقد قامت المؤسسة من خلال تكوين فريق متخصص في الإدارة والمحاسبة لوضع آلية محددة وواضحة لدعم المشاريع بالجمعيات، وشملت تلك المعايير الأهداف والوسائل والجمهور المستهدف ونوعية المشاريع، وتهدف من ذلك كله إلى عمل مؤسسي متجدد، مؤملة أن تكون رائدة في العمل الخيري، وهي تضع في حسبانها إرضاء المستهدفين من جمهورها.
وبنت المؤسسة في سياستها الجديدة العمل على ستة محاور مهمة تتمثّل في المجالات التعليمية والدعوية والإعلامية والاجتماعية والصحية والمساجد.
وتسعى المؤسسة الآن إلى خطوة غير مسبوقة في مد يد العون لا للأفراد فقط، بل للجهات الخيرية العاملة في المجتمع، مع وضع عدة اعتبارات أو معايير في ذلك، وتقوم المؤسسة على حد علمي بالإنفاق في أوجه الخير العديدة التي تحويها تلك المجالات بما لا يقل عن 500 مليون ريال سنوياً وهو مبلغ ضخم إذا قيس بتبرعات وإنفاق المؤسسات الخيرية الأخرى في المجالات الاجتماعية والخيرية.
وقد يكون عدم وجود منبر إعلامي واضح للمؤسسة، أو عدم رغبة القائمين عليها في الظهور وأن الأعمال يكتنفها مبدأ الإخلاص لله (لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه) وراء خمول ذكر المؤسسة الخيرية الرائدة.
ولعل إقامة المؤسسة سلسلة من اللقاءات مع مديري الجمعيات للحوار والنقاش حول هذه المعايير وراء تطبيقها مع تدريب الجهات المسؤولة عليها.
والمؤسسة تهدف إلى تحقيق الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية لأبناء هذا البلد الكريم، والاهتمام بالأمور الدعوية على منهج السلف الصالح، كما تخصص الأوقاف التي تمكن الجهات الدعوية من الاستمرار في تأدية رسالتها، وتساهم في مساعدة الراغبين في الزواج وتساهم في الجهود الإغاثية وتساهم في رحلة الحج لغير القادرين وهذا البرنامج له الآن أكثر من أربعين سنة.
وقد بدأت الآن في برنامج اجتماعي صحي بيئي وهو مكافحة التدخين ونجحت في ذلك نجاحاً طيباً.
ولا تألو المؤسسة جهداً في تقديم يد العون لحلقات التحفيظ القرآنية ويكفي أنها قدمت العام الماضي فقط أكثر من 17 مليون ريال تبرعاً منها لأهل القرآن الكريم وخدمته وقد كرَّمها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز على هذه الخطوة المباركة.
وكذلك تتعاون في تنظيم الحفل الخاص بمؤسسة رعاية الأيتام (إنسان) الذي يترأسه الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض. وقد نظّمت المؤسسة ملتقى لموظفي العلاقات العامة؛ في فروع المؤسسة، ومديري العلاقات العامة في المؤسسات الخيرية الداعمة، في مدينة الرياض. ويأتي ذلك لدعم المشاريع التي تنفذها مؤسسات القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، كما يأتي ضمن خطط المؤسسة وإستراتيجياتها المستقبلية لتطوير أدائها الاتصالي.
ويستهدف الملتقى وضع منهج علمي وإداري لقبول رعاية المشاريع والبرامج التي تخدم المجتمع وتنهض به، لضمان مستوى محدد من الأداء العملي في المشاريع، وجودة عالية للمنتجات والمضامين التي تقدّم لجمهور هذه المشاريع، واستفادة مثالية من كافة الإمكانات المتاحة.
ولعل الخطوة الأكثر فعالية في المجتمع وأكثر دينامكية التي اتخذتها المؤسسة هي توجهها للمؤسسات المهنية للرفع من مستوى العمل الخيري بالمملكة عامة وذلك بإعلانها قبل فترة توقيع اتفاقية مع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لوضع معايير فنية ودولية لمراجعة أعمال المؤسسات غير الربحية، وكما قال عنها د. سليمان الصالح من جامعة الملك سعود بالرياض، مؤكّداً قوله: (لعمري فإن هذه الخطوات المدروسة تدل على وعي هذه المؤسسة بالاحتياجات الملحة التي تعاني منها الجمعيات غير الربحية عامة في بلادنا).
إن الشفافية في التعامل والمحاولات الدؤوبة للرقي في تقديم الخدمات تدل دلالة واضحة على أن المؤسسة الخيرية تسير على النهج السليم الذي لا يكتنفه غبار شك أو دخن توجس، كان يمثّل هاجساً كبيراً في سير بعض الجمعيات الخيرية العاملة في الساحة في فترة من الفترات الماضية، مما حدا بها إلى إغلاقها أو توقف نشاطاتها دون أن تستطيع الدفاع عن بقائها وكيانها رغم شهرتها وبصماتها على أرض الواقع.
ومن ثم تجاوزت مؤسسة الراجحي الخيرية سلبيات الغير وسارت على النهج الواضح الذي يخدم أبناء الوطن من وحي تلك الروح الإسلامية التي تضم الكل وتزكي روح الجسد الواحد الذي (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=42
أحدث التعليقات