تتطرق هذه الزاوية إلى إجمالي الفوائد التي تدفعها السعودية إلى كافة المستثمرين بشرائح سنداتها الثلاث (قيمة الإصدار 17.5 مليار دولار). في الحقيقة لم أكن أفكر بكتابة هذه الزاوية ولكن بعد أن شاهدت بعض الأرقام التي لم يحالفها الصواب من قبل بعض الأقلام، كان لابد من التطرق لهذا الموضوع وذلك لتبيين المعلومة الأدق للقارئ. مع العلم أن التحليل التالي ماهو إلا اجتهاد شخصي قائم على الطريقة التقليدية المتبعة من قبل المتخصصين في أسواق الدين (والتي هي من صلب عملنا). قبل أن ندخل في التفاصيل، قد يتفاجأ القارئ من أن إجمالي فوائد شريحة سندات الـ30 سنة تتعدى قيمة إصدار هذه الشريحة (6.5 مليارات) بقليل. إن هذا شيء طبيعي مع السندات التي تتعدى آجالها العشرين سنة. حيث من المتوقع أن تقوم الدول التي تقترض بآجال طويلة أن تستثمر هذه الأموال باقتصادياتها وذلك من أجل تحقيق عائد أعلى من الذي تدفعه لحاملي السندات على مدار الثلاثين سنة على سبيل المثال.
الفائدة الثابتة والمتحركة
بحسب نشرة الإصدار التي تم الاطلاع عليها فإن الفائدة ثابتة (fixed)، معنى ذلك أن شرائح السندات الثلاث ستدفع للمستثمرين فائدة سنوية ثابتة إلى أن يحين أجل تلك السندات. وبذلك تكون المملكة قد نجحت في إغلاق (lock in) نسبة العائد الثابت.
ونؤكد أن سنداتنا ليست قائمة على فائدة متحركة (floating). والفائدة المتحركة لا نحبذها كونها ستزيد تكلفة الاقتراض على الجهة المصدرة (خصوصاً أن كافة التوقعات تشير إلى ارتفاع الفائدة على المدى القصير والمتوسط). وعادة ما يتم ربط تلك السندات بمؤشر قياسي (benchmark) مثل الليبور او عائد سندات الخزانة الأمريكية. وهذا الإصدار على شكل (built-payment) ورأس المال لا يتم دفعه بشكل متناقص (amortized).
5 سنوات
بلغت قيمة الإصدار لشريحة الخمس سنوات 5.5 مليارات دولار. وتم تسعيرها بـ1.35 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل المماثل. وهنا تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك الشريحة هي 2.375 %. وبذلك يصل إجمالي الفوائد التي سيتم دفعها على هذه الشريحة إلى 653 مليون دولار.
10 سنوات
بلغت قيمة الإصدار لشريحة العشر سنوات 5.5 مليارات دولار. وتم تسعيرها بـ165 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل المماثل. وهنا تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك الشريحة هي 3.25 %. وبذلك يصل إجمالي الفوائد التي سيتم دفعها على هذه الشريحة إلى 1,7 مليار دولار.
30 سنة
بلغت قيمة الإصدار لشريحة الثلاثين سنة 6.5 مليارات دولار. وتم تسعيرها بـ210 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل المماثل. وهنا تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك الشريحة هي 4.5 %. وبذلك يصل إجمالي الفوائد التي سيتم دفعها على هذه الشريحة إلى 8,7 مليارات دولار.
خيار استرداد سنداتنا السيادية
يُحسب لفريق مكتب إدارة الدين إصرارهم على التحوط من كافة التقلبات الاقتصادية التي قد تؤثر على تكلفة التمويل للمملكة. فبعد الاطلاع على نشرة الإصدار، تم وضع خيار (call option) استرداد السندات من أجل إطفائها وذلك قبل حلول أجلها. والغاية من ذلك هي أنه في حالة تحقيق اقتصاد المملكة للفوائض (سواء بسبب ارتفاع أسعار النفط لمستوى قياسي أو بسبب نجاحنا في تنويع الدخل)، فإن هذا يعني ارتفاع التصنيف الائتماني للمملكة. بمعنى آخر فالسعودية ستدفع تكلفة تمويل لا تتناسب مع تصنيفها الحالي. وعليه تمتلك الجهة المصدرة خيار استرداد كامل السندات المصدرة وذلك وفقاً للشروط والأحكام المذكورة في النشرة. وعندما تأتي تلك اللحظة التي تقوم فيها السعودية بإطفاء ديونها (كما كنا نفعل بالماضي)، فإن علينا أن نضع خيار استرداد شرائح السندات الدولية على سلم أولوياتنا. ولو حدث ذلك بالفعل، فإن تلك الخطوة ستساهم في تخفيض إجمالي العوائد التي سيتم دفعها للمستثمرين.
خاتمة
فمع «عصر النفط الرخيص»، قد يتحفظ البعض منا على إجمالي العوائد التي من المنتظر دفعها على كافة الشرائح الثلاث للسندات الدولية. ولكن على الجميع أن يدرك أن المملكة تعيش في زمن الإصلاحات الاقتصادية التي جلبت معها أكبر تغير جذري للسياسة الاقتصادية. فمن المتعارف عليه أن تطفئ الدين خلال سنوات الرخاء وتستدين خلال السنوات التي تواجه فيها العجز.
—
كيف عاش «فريق الدَّين السعودي» اللحظات الأخيرة قبل التسعير النهائي للسندات الدولية؟
«ستتذاكر أجيال لم تُولد بعد إصدار المملكة القياسي (17.5 مليار دولار).. » هذا ما افتتح به كاتب العامود برويترز (جيمس سافت) زاويته البارحة. يا لها من افتتاحية رائعة نستهل بها سردنا للاستعدادت التي تم تحضيرها من أشهر عديدة بين مكتب إدارة الدَّين (وزارة المالية) والبنوك الثلاثة الرئيسة المرتبة للإصدار. حقائق وخفايا جديدة بدأت تتكشَّف ونسردها هنا عبر أربع مراحل:
كيف قلبت البنوك المركزية الآسيوية الكفة لصالح المملكة؟
المرحلة الأولى كانت تهدف لتعريف المستثمرين بالقارة الآسيوية بالقادم الجديد لأسواق الدَّين، فهم لا يعرفون عنا إلا أرامكو وأسعار النفط!.. فهم غير معتادين على ملف الجدارة الائتمانية للمملكة (وهذا ما فسر ضخامة نشرة الإصدار التي احتوت على بيانات اقتصادية تم رصدها في 220 صفحة). بناء على ذلك تم عقد جولات غير ترويجية (non-deal roadshow) في يوليو الماضي. فعندما تريد تقديم ملف ائتماني جديد للأسواق، فعليك أن تبدأ من الشرق وبعدها تتحرك نحو الغرب.. فتلك الإستراتيجية تجعل المستثمرين الآسيويين يأخذون وقتهم في دراسة السجل الائتماني للقادم الجديد، كما يقول جين – مارك (الذي يعمل بأحد تلك البنوك المرتبه للإصدار) لجلوبال كابيتال البريطانية. عندما حانت اللحظة الحاسمة للتسعير النهائي، كانت المحافظ الآسيوية التي احتضنت تسعير المملكة النهائي الذي تم ضغطه (tighten) على كافة الشرائح الثلاث.. فالآسيويون (القادمون من الخلف) (بطلباتهم الضخمة) أرغموا المحافظ الأمريكية (التي تُطالب بعلاوة إصدار أعلى) على السير وراء القارة الصفراء في تحديد التسعير.
بداية الجولة الترويجية
يقولون عندما تريد الترويج لسندات جديدة، فعليك في البداية بسرد قصة نجاح ملهمه للمستثمرين. قصة المملكة كانت رؤية التحول الاقتصادي وعزم قيادات البلاد عن تقليل الاعتماد على دخل النفط. أكثر شخصية سعودية لفتت انتباه مديري الصناديق كان خريج هارفرد ووزير الدولة محمد آل الشيخ.. كان آل الشيخ يقف بالقاعة التي اكتظت بحوالي 175 مستثمراً في فندق كورينثيا اللندني. كان المستثمرون ينصتون لقصة التحول السعودية ورؤية 2030 التي تم عرضها خلال العرض التقديمي المميز.
يوم التنفيذ واستقبال الطلبات
في الثامن عشر من أكتوبر 2016، أصدرت المملكة أسعارها الاسترشادية الأولى (5 سنوات ) 160 نقطة أساس (و10 سنوات) 185 نقطة أساس (و30 سنة) 235 نقطة أساس () فوق سندات الخزانة. يقول جين – مارك: «طالب مديرو الصناديق الأمريكيون برفع علاوة الإصدار أكثر ولكنهم في نفس الوقت غير متعودين على السجل الائتماني للقادم الجديد.. وعليه قاموا باتباع ما رآه المستثمرون الآخرون».. وكانت الأسعار الأولية تتماشى مع توقعات المستثمرين التي تقول إن علاوة الإصدار هي ما بين 45 إلى 50 نقطة أساس فوق شرائح السندات القطرية (ذات التصنيف المتقدم).. وفي الوقت الذي تم فيه بناء الأوامر (بدخول طلبات تصل إلى 10 مليارات دولار بذلك اليوم)، حدث اهتزاز بأسعار سندات الخزانة الأمريكية ذات أجل عشر سنوات! فبحسب صحيفة الوول ستريت، قام المستثمرون ببيع سندات الخزانة بذلك اليوم من أجل توفير سيولة تمكنهم من المشاركة في أضخم إصدار تاريخي قادم من الأسواق الناشئة. فالهامش التسعيري (yield) ارتفع (ليصل إلى 1.780% مقارنة مع 1.766 % في اليوم الذي سبقه) مع هبوط أسعار تلك السندات.
التسعير النهائي وإغلاق الإصدار
بعدما رأى مكتب إدارة الدَّين حجم الطلبات التاريخي، تم تضييق الهوامش التسعيرية صباح يوم الأربعاء، لتصبح علاوة الإصدار التي فوق شرائح السندات القطرية كما يلي:
(5 سنوات) 30 نقطة أساس (و10 سنوات) 35 نقطة أساس (و30 سنة) 40 نقطة أساس. بعد ذلك تباينت ردود فعل المصرفيين ومديري الصناديق حول عدالة التسعير. خلال تلك اللحظة سرت الشائعات حول انسحاب بعض المحافظ التي أوصلت طلبات الأوامر إلى 67 مليار دولار. لم يبالِ فريق الدَّين السعودي بانسحاب ما يصل إلى 4 مليارات دولار (ليتم إغلاق سجل الأوامر بطلبات تصل إلى 63 مليار دولار، وذلك بحسب تصريحات جين – مارك).. مع العلم أنه برأيي الشخصي أنه كان بالإمكان تضييق الأسعار الاسترشادية أكثر بقليل من المستويات الحالية، ولكن قد تكون الظروف الحالية في ذلك الوقت لم تشجع على اتخاذ مثل هذا القرار. عند ذلك تم اعتماد الأسعار النهائية (5 سنوات) 135 نقطة أساس (و10 سنوات) 165 نقطة أساس (و30 سنة) 210 نقاط أساس () فوق عوائد سندات الخزانة.
معلومة أخيرة، وهي أن المملكة تدفع نسبة فائدة سنوية على شريحة الثلاثين سنة (%4.5) والتي تُعد أقل مما تدفعه قطر (4.625 %) التي تفوقنا بتصنيفها الائتماني.
Twitter: @MKhnifer
– See more at: http://reading.academia.edu/MohammedKhnifer/Papers
http://sa.linkedin.com/pub/mohammed-khnifer-msc-mba-csaa-cifp/12/910/669
TV Interviews: https://goo.gl/NGcuGv
أحدث التعليقات