المسؤولية الاجتماعية واحتياجات المجتمع
بقلم الدكتور / أحمد عبادة العربي
تفاقمت المشاكل الاجتماعية في العصر الحالي – الذي يعرف بعصر العولمة – الذي حول العالم إلى قرية صغيرة في مختلف دول العالم وخاصة الدول النامية، والتي تشكل الدول العربية جزءاً منها، ولكي لا تتبعثر الجهود وتتلاشى المسؤوليات فلا بد من تضامن أفراد المجتمع لمواجهة هذه التحديات المعاصرة.
وهذا يتطلب تحديد الدور الذي تقوم به مؤسسات أو قطاعات الأعمال تجاه المجتمع، من خلال تحسين ظروف أفراد المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
تعتبر المسؤولية الاجتماعية من أهم الواجبات الواقعة على عاتق الشركات والمؤسسات الوطنية بالدول، وهي التزام مستمر من هذه المؤسسات في تطوير وتحسين المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي والضمان الاجتماعي لأفراد المجتمع وذلك من خلال توفير الخدمات المتنوعة.
ولا تقتصر المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال على مجرد المشاركة في الأعمال الخيرية وعمل حملات تطوعية؛ فبالإضافة إلى الالتزام بالأنظمة والقوانين المتبعة، هناك ما يتعلق بالنواحي الصحية والبيئية، ومراعاة حقوق الإنسان وخاصة حقوق العاملين، وتطوير المجتمع المحلي، ، والالتزام بالمنافسة العادلة والبعد عن الاحتكار، وإرضاء المستهلك.
كما تشمل الشفافية في العمل، والبعد عن الفساد الإداري والمالي والأخلاقي.. إلى غير ذلك من العوامل التي يرتبط بعضها ببعض، وتشكل في مجموعها الأساس للمسؤولية الاجتماعية للشركات.وتكتسب المسؤولية الاجتماعية للشركات والقطاع الخاص أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومات عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدمية التي صحبتها – بطبيعة الحال – برامج اجتماعية كان ينظر إليها على أنها أمر طبيعي ومتوقع في ظل انتفاء الهدف الربحي للمؤسسات الاقتصادية التي تديرها الحكومات، وإن كانت في كثير من الأحيان تحقق إيرادات وأرباحا طائلة.
وتكمن أهمية المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وللمجتمع في تحسين الخدمات التي تقدم للمجتمع، وخلق فرص عمل حقيقية، ودفع الأجور العادلة، وضمان سلامة العمال والموظفين، والمشاركة في إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والبيئية.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية:
يرجع مصطلح المسؤولية الاجتماعية إلى القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث أعلن الفيلسوف الاقتصادي الكبير ” أدم سميث” أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع. ووجهة النظر هذه مازالت تشكل الأساس لاقتصاديات السوق في وقتنا الحاضر.
وفيما يلي بعض التعريفات لمفهوم المسؤولية الاجتماعية :
§ المسؤولية الاجتماعية هي التزام أصحاب المؤسسات بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال تحسين أوضاع الموظفين وعائلاتهم والمجتمع المحيط اجتماعياً وصحياً وعلمياً.
§ المسؤولية الاجتماعية هي الأنشطة التي تمارسها المؤسسات في سبيل خدمة المجتمع.
§ المسؤولية الاجتماعية هي الالتزام من قبل الشركات بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية ظروف المعيشة للقوى العاملة وعائلاتهم.
§ المسؤولية الاجتماعية هي تذكير المؤسسات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه. والبعض الآخر يرى أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية/طوعية- دون إلزام- تقوم بها المؤسسات صاحبة الشأن بإدارتها المنفردة تجاه المجتمع. والبعض الآخر يرى أنها صورة من صور الملائمة الاجتماعية الواجبة على المؤسسات.
مبادئ و دوافع المسؤولية الاجتماعية:
§ أن الجميع يتحمل المسؤولية تجاه النفس والأسرة والمجتمع.
§ المشاركة في العمل الخيري هو أساس الاستقلال الاقتصادي.
§ يجب أن تسعى الحكومات إلى تشجيع أفراد المجتمع لكي يساعدوا أنفسهم.
§ ربط المسؤولية الاجتماعية بالمعتقدات والقيم الإسلامية.
§ رد الجميل للمجتمع بالإنفاق على الأعمال الخيرية.
§ أن المسؤولية الاجتماعية وسيلة للالتزام الإيجابي للشركات والمؤسسات تجاه المجتمع من خلال تنمية الموارد البشرية.
أولويات المسؤولية الاجتماعية للشركات بالمملكة العربية السعودية:
1- التعليم والتدريب من خلال دعم المؤسسات التعليمية لتحسين نوعية النظام التعليمي، وسد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل لتأمين المهارات الضرورية لسوق العمل، وجودة برامج التدريب، وتأمين فرص العمل لكل فئات المجتمع وتوطين الوظائف، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
2- دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتشجيع الشباب الخريجين على العمل الحر.
3- دعم مراكز الأبحاث التي تولي اهتماما بالمسؤولية الاجتماعية ودراسات المجتمع وكذلك دعم المؤتمرات والملتقيات التي من شأنها النهوض بالمجتمع بصفة عامة.
4- البيئة: من خلال المحافظة على نظافة البيئة، والقضاء على التلوث، والإقلال من الإضرار بالطبيعة.
5- الصحة: حيث تساعد المؤسسات في المساهمة في نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه من خلال تنظيم حملات موجهة، وتدريب للموظفين على كيفية الوقاية من الأمراض، بالإضافة إلى وسائل الأمن والسلامة.
6- المجالات الاجتماعية الأخرى، مثل: القضاء على الفقر، وإعادة هيكلة المناطق العشوائية، وتشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة على مساعدة أنفسهم.
7- التنسيق مع مؤسسات العمل الخيري في تنفيذ مشروعات المسؤولية الاجتماعية والتعرف على المشكلات الاجتماعية وعلى أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع والأيتام والأرامل وكبار السن ، والعمل على إنشاء المزيد من المؤسسات الخيرية التي تعمل في تخصصات مختلفة مثل الرعاية الصحية، ودعم المشروعات والقروض الحسنة، والتنمية الاجتماعية، والتعليم، والتقنية، وحماية البيئة، ومكافحة التلوث، والإسكان، بالإضافة إلى تعزيز جمعيات الأيتام، وتعليم القرآن، والوقف، والمعاقين، والإغاثة، والدعوة والإرشاد والوعظ .
دور المؤسسات الخيرية في المسؤولية الاجتماعية للشركات:
إن المؤسسات الخيرية هي المكمل لعمل الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص ؛ حيث إنها تتغلغل وتتعمق داخل مشاكل القاعدة العريضة من المجتمع ، كما أنها تقتحم جميع المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية .لذا فإن هذه المؤسسات والتي زاد عددها وأصبحت أكثر تنظيماً وخاصة المؤسسات الخيرية السعودية والتي زاد عددها عن “1300” جمعية ومؤسسة خيرية تقدم خدماتها داخل وخارج المملكة العربية السعودية .ونظراً للدور الفعال التي تقوم به تلك المؤسسات ،فإنها قادرة على التنسيق بين شركات قطاع الأعمال والمؤسسات الاقتصادية من ناحية واحتياجات المجتمع من ناحية أخرى ؛لأن تلك المؤسسات قادرة على تحديد أولويات المجتمع المحلي، كما أنها قادرة على الوصول إلى المؤسسات الاقتصادية والتنسيق فيما بينها للقيام بمسؤوليتها الاجتماعية على أكمل وجه.ولا يتوقف دور هذه المؤسسات على التنسيق ولكنها قادرة على تولي دور الإشراف على المشروعات الاجتماعية التي تمولها الشركات.
وفي النهاية لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي تقوم به الشركات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال لخدمة المجتمع ،لكنها في النهاية جهود فردية ينقصها التنظيم والتنسيق وزيادة الوعي بأهداف وأهمية المسؤولية الاجتماعية، ويمكن لمؤسسات العمل الخيري أن تقوم بالتنسيق والإشراف بين الشركات فيما بينها وبين الشركات وقطاعات المجتمع المختلفة.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=40
أحدث التعليقات