معوقات العمل الإغاثي الإسلامي في ميدان الكوارث
الهيثم زعفان
تبتلى الشعوب بالكوارث والنكبات من زلازل وبراكين وفيضانات وسيول وحروب وغير ذلك من الأزمات التي تخلف آلاف الضحايا، ومئات الألوف من الجرحى والمصابين، وملايين من المشردين واليتامى والأرامل، فضلاً عن فساد الأرض والحرث، وانهيار البنى الأساسية للدول المنكوبة؛ الأمر الذي يستدعي تدخل المنظمات الخيرية بشتى أطيافها لإغاثة الناجين بالمناطق المبتلاة.
والمؤسسات الخيرية الإسلامية طيف من تلك الأطياف المتباينة المنطلقات والعقائد، والتي تهرع إلى ميدان الكارثة وفق توجه شرعي يحتم عليها إغاثة اللهفان، وكفالة المكروب؛ وهي في أثناء تحركها الإغاثي هذا تواجهها كثير من العقبات والصعوبات التي تحول دون إتمام عملية الإغاثة على الوجه المأمول أو المرسوم في الأذهان.
والمقال الراهن سيحاول استعراض بعضاً من تلك المعيقات التي هي بحاجة فعلية لتضافر الجهود البحثية والميدانية لوضع تصورات عملية، وآليات حركية تمكن المؤسسات الخيرية الإسلامية من التعاطي مع تلك المعيقات، سواء بتذليلها أو بطرح بدائل تقفز فوق الإعاقة، أو تقديم رؤى تبين كيفية تكييف الوضع على أنها معيقات حتمية يستحيل تذليلها.
مع الوضع في الحسبان اختلاف الإغاثة باختلاف طبيعة الكارثة، وجغرافيا الأزمة، والاختلافات البشرية من بقعة إلى أخرى وما يصاحبها من عادات وتقاليد متباينة تفرض نفسها على عمليات الإغاثة.
ومعوقات الإغاثة التي قد تواجهها المؤسسات الخيرية الإسلامية أثناء تعاملها مع الكوارث يمكنها أن تأخذ الصور التالية:
1-عدم وجود خطة مسبقة لمواجهة الكارثة؛ نظراً لعنصر المفاجأة الذي تتسم به الكارثة، ومن ثم فقد تواجه المؤسسة الإغاثية أمور فجائية غير مرتب لمواجهتها مسبقاً، تنعكس على تحركاتها في عمليات الغوث بالسلب والعرقلة.
2- وجود المتضررون في مناطق جبلية نائية وطرق وعرة غير ممهدة، فضلاً عن فساد الطرق والكباري بتأثير الكارثة مما ينعكس على نقل الإمدادات؛ الأمر الذي يدفع بعض الهيئات الإغاثية إلى الاستعانة بالطائرات لإسقاط المعونات العينية على المشردين، مما يولد العشوائية في التوزيع، وتلف بعض المعونات أحياناً.
3- قلة عدد العاملين المدربين في الميدان الإغاثي؛ وكذلك الندرة الملحوظة في متطوعي الإغاثة، فتقع المؤسسة الخيرية الإسلامية في إشكالية محيرة فهي لديها معونات عينية ومالية كبيرة، فضلاً عن المعدات والأدوات اللازمة للعمليات الإغاثية، ولكنها تعاني عجزاً في العتاد البشري الفني مما يجعلها تستعين بالمؤسسات المضادة، وهو الأمر المصحوب بتبعات غير محمودة هي في غنى عنها من الأساس.
4- النقص الحاد في وجود المستلزمات الأساسية للحياة في بعض المناطق المنكوبة مثل ” الغذاء، الكساء، والدواء”، الأمر الذي لا يوجد معه أي احتياطي إستراتيجي للتصدي للأزمة، مما يجعل جل اعتماد المؤسسات الخيرية على المعونات الواردة من الخارج، وهو بلا شك يؤثر على عنصر الوقت في عملية الإغاثة، وما يصاحبه من تبعات في غير صالح المتضررين المنكوبين.
5- في أحيان كثيرة تتصف المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول المتفاعلة مع الكارثة بالضآلة، وذلك قياساً بحجم وهول الكارثة، مما يؤثر على عمليات الإغاثة، وضعف التحرك الإغاثي للمؤسسات الخيرية.
6- الانفصال بين المعونات الإسلامية والتفاعل الميداني مع الكارثة من قبل بعض المنظمات الخيرية الإسلامية، حيث يُكتفى فقط بإرسال الدول الإسلامية للمعونات العينية والمادية أو إسقاطها بالطائرات على المناطق المنكوبة، دون تحرك تفاعلي من قبل المؤسسات الخيرية الإسلامية لتولي مهام العمل الميداني والإشراف على توزيع معونات دولها، وفي حالات سيئة يتم إسناد مهمة توزيع المعونات لبعض المنظمات الأممية لتوزعها وفق أجندتها هي، بما يأتي بنتائج عقدية عكسية لا ترضى عنها حكومات الدول الإسلامية وشعوبها.
7- الانفصام بين التعهدات والدفع الحقيقي للتبرعات، فهناك دول تتعهد أثناء الأزمات بحجم معين من التبرعات يحسب لها إعلامياً وجماهيرياً، لكن عند الدفع تكون قيمة التبرع أقل من المتعهد به، مما يؤثر على ترتيبات المؤسسة الخيرية في التحرك الميداني الإغاثي.
8- كثرة الأزمات والصدمات النفسية المزمنة والتي تصيب الناجين من الكوارث، نظراً لعظم وهول الكارثة وفقدان الأهل والأحباب والمسكن والمال، مما يثقل العبء على المؤسسات الخيرية الإسلامية ولا يجعل مجهوداتها إغاثية فقط؛ وإنما يضاف إليها مجهود كبير في التأهيل العقدي لتقبل البلاء والكارثة، يعظُم هذا المجهود في حالة أهل المناطق الذين لا يدينون بالإسلام، مما يتطلب دعاة مؤهلين تأهيلاً عالياً في التعامل مع هذا الصنف من المكروبين، فضلاً عن تدريب أعضاء الفرق الاغاثية الإسلامية على هذا النوع من التدريب، وهنا إشكالية في عملية التأهيل؛ فقد يكون هناك داعية رزقه الله ملكات عالية في التعامل مع مثل هذه الحالات، إلا أن عنصر اللغة واختلاف طبائع الشعوب وتقاليدها قد يحولا دون توصيل رسالة الداعية على الوجه الأكمل، مما يستدعي وجود مترجم قد لا تصل الرسالة مع ترجمته على الوجه الذي يريده الداعية.
9- يضاف إلى النقطة السابقة أن الرعاية المستقبلية للمشردين تخضع في ظل وجود المنظمات الكنسية والعلمانية المضادة إلى عمليات تنصيرية وتغريبية، وتكون مصحوبة بترغيبات قد تتفوق على الترغيبات الإسلامية من حيث الكم، مما يعقد مجهودات المنظمات الإسلامية ويجعلها تعمل في حقل عقدي تنافسي لا تكاملي، وهو في نهاية الأمر يأتي على حساب المشردين.
10- الفساد وانتشار عمليات النهب والسرقة في المناطق المنكوبة، وميل الفاسدون إلى التعامل مع المؤسسات المضادة، مما يعقد أعمال ومجهودات المؤسسات الإسلامية، ويربك عملياتها التخطيطية والتنظيمية، فضلاً عن الفساد الإداري في بعض حكومات مناطق الأزمات فلا تصل المعونات إلى مستحقيها -في حالة إسناد بعض المهام لتلك الحكومات- إنما تتعرض للنهب والسرقة.
11- المفاسد الناتجة عن الاختلاط والخيام غير المستورة للنساء المسلمات في مناطق الكوارث، وما يتعرضن له من مضايقات وخلوات وخيانة أعين من قبل الجنود وعمال الإغاثة الأجانب، وقد لا تستطيع المؤسسات الإسلامية تقديم شئ في هذا الإطار لكثير من القيود.
12- قد تأتي بعض الكوارث في موسم الشتاء، وهو في مناطق عدة يكون مصحوباً بالجليد، مما يضيف هذا العائق أمام المؤسسات الإغاثية أثناء تحركها.
13- في أعقاب الكوارث تنتشر الأوبئة والأمراض المتوطنة والمعدية، نتيجة لعفن الجثث وتحللها مثل مرض الكوليرا، الأمر الذي يؤثر على عمليات الإغاثة، وتحركات فرق الإنقاذ.
14- تدمير الكوارث للمستشفيات مما يؤثر على عمليات الإغاثة داخل المناطق المنكوبة، وعدم كفاية الفرق الصحية المصاحبة لفرق الإنقاذ والإغاثة.
15-هناك تقاليد محلية في بعض مناطق الكوارث لا تسمح للأطباء الرجال بالكشف على النساء تحت أي مبرر حتى لو استدعت الضرورة ذلك، وعلى الطرف الآخر يكون هناك عجز في الطبيبات النساء اللاتي تصحبهن المؤسسات الخيرية ضمن فرق الإغاثة ، وذلك راجع لندرة النساء المسلمات المدربات على هذا الأمر، وصعوبة سفرهن وانتقالهن دون محرم، إلا في حالة أن يكون الزوج والزوجة من العاملين في حقل الإغاثة وهي حالات نادرة.
16- في مناطق الزلازل والبراكين يستدعي الأمر إجلاء المناطق وأخلاؤها من السكان لفترات قد تصل إلى ثلاثين عاماً، مما يستلزم معه توطين السكان في مناطق أخرى وإعادة تأسيس البنية الأساسية من جديد, الأمر الذي يزيد من كلفة الأعباء المالية على الهيئات الإغاثية.
17- صعوبة الإغاثة في مناطق الحروب والحروب الأهلية، نظراً لأن عمليات الإنقاذ والإغاثة تتم تحت خطر قذائف الطائرات ونيران المدفعية ورصاص الرشاشات، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان فرق الإغاثة وتعرضهم للهلاك.
18- في بعض مناطق الصراعات الحربية تصعب عملية الإغاثة نظراً لعدم ثبات أماكن النازحين، وذلك نتيجة لعدم وضوح الرؤية عما ستؤول إليه عمليات القصف الجوي والتحركات الحربية.
19- الهجمة الإعلامية الموجهة ضد العمل الخيري الإسلامي، وتبني الحكومات الغربية لتلك الهجمة وما يصاحبها من عمليات تجميد ومصادرة، الأمر الذي يؤثر على تحركات المؤسسات الاغاثية الإسلامية، وينتج عن ذلك أحياناً هاجس الخوف من التعاون معها مادياً وعملياً من قبل المتبرعين والراغبين في التطوع.
20- تعاطف بعض حكومات الدول غير الإسلامية مع المنظمات الغربية وذلك على حساب المنظمات الإسلامية، مما يعمل على تقديم تسهيلات في التحركات لا تحظى بها المنظمات الخيرية الإسلامية.
المعوقات السابقة هي بعض مما أفردته الخبرات الميدانية والمراقبات البحثية للعمل الإغاثي الإسلامي، وجميعها بحاجة إلى تضافر المجهودات البحثية للبحث في أنجع وسائل التعامل معها وتذليلها.
ولأن نجاح أي عمل يكون مرهوناً بالتعرف على مشكلاته ومعيقاته وطرائق تذليلها، فإن عملية التعرف الدقيق على خريطة معيقات العمل الإغاثي الإسلامي تمهيداً لبحث سبل مواجهتها، لا يكون إلا بتسجيل الخبرات الإغاثية الميدانية وتوثيقها، مع وجود جهة بحثية إسلامية مهتمة باستقراء تلك المعوقات وصياغتها صياغة بحثية تسمح بوضعها محل الدراسة والبحث، وكل ذلك يهدف في نهاية الأمر إلى ريادة العمل الإغاثي الإسلامي؛ وامتلاكه للاحتراف الذي يؤهله لمواجهة الكوارث والنكبات العالمية بحنكة وخبرة وتفاعل يمايز مجهودات المنظمات العاملة في الحقل الإغاثي بأهداف وأجندات مناهضة للإسلام والمسلمين.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=30
أحدث التعليقات