المؤسسات الخيرية وتكوين قواعد البيانات
الكاتب: الهيثم زعفان
تشكل قواعد البيانات أهمية خاصة للمؤسسات الناجحة، فبها تقتصر المسافات اللازمة لإتمام مشروعات المؤسسة؛ مما يحقق الفائدة الوقتية للمؤسسة، تلك الفائدة المصحوبة بالأشكال المتعددة للإنجاز، ومن خلالها تتحقق النتائج الفعالة لأهداف المؤسسة، وذلك نظراً للتوظيف الجيد للمعلومة.
ومؤسسات العمل الخيري قليل منها من تهتم بتكوين قواعد البيانات، لأسباب متعددة منها؛ عدم الاحتراف، قلة الخبرة، عدم التخصص، أو عدم إدراك لأهمية قواعد البيانات؛ وكل ذلك ينعكس على أهداف المؤسسة، واستمرارية نجاحها داخل المجتمع.
كما أن كثير من مسئولي المؤسسات الخيرية يعتمدون على ذاكرتهم الشخصية في استخدامهم للبيانات اللازمة لتحركات المؤسسة ومشروعاتها، دون الاهتمام بتدوين تلك البيانات في سجلات أرشيفية تمكن المؤسسة من توظيفها بغض النظر عن استمرار الأشخاص بالمؤسسة أو تركهم لها.
فقواعد البيانات تسمح بتوافر خريطة معلوماتية شاملة ودائمة لكل ما تحتاجه المؤسسة في سيرها، الأمر الذي يجعل الساحة الخيرية مكشوفة أمام المؤسسة، فتُبني خططها التحركية داخل مجتمعها وفق رؤية معلوماتية ثرية تسمح بالتحرك العلمي والواقعي المنظم.
كما أن تلك القواعد تتسم بالديمومة الخدمية، بمعنى أن المؤسسة تحتاجها بصفة دائمة في كل تحركاتها، فبدلاً من بذل المجهودات المعلوماتية المنفردة في كل مشروع أو تحرك للمؤسسة، تبدأ المؤسسة بتكوين تلك القواعد وفق رؤية توقعية للساحة الخيرية، مع الاحتفاظ بالمرونة التقنية والأرشيفية لتلك القواعد والتي تسمح بالتحديث المستمر لمعطياتها.
وتتعدد أشكال وصور قواعد البيانات التي يمكن أن تعدها المؤسسات الخيرية لتكون في خزانتها تستعين بها وقت الاحتياج، وهي تختلف قليلاً من مؤسسة لأخرى باختلاف نشاط وميدان المؤسسة الخيرية، ولكن يجمعها خيط مشترك وهو الاحترافية والتخصصية في تكوين تلك القواعد، فكلما كان فريق إعداد قواعد البيانات أكثر احترافية وتخصصية في مجال العمل الخيري، كلما كانت النتائج المرجوة أفضل وأثرى والعكس صحيح.
وبدورنا سنحاول من خلال هذا المقال المختصر تسليط الضوء على آليات تكوين بعض نماذج قواعد البيانات التي تحتاجها المؤسسة الخيرية أثناء أدائها لدورها المجتمعي، والتي قد تساهم في نجاح المؤسسة الخيرية في تحقيق أهدافها.
أولاً….تكوين قاعدة بيانات للمؤسسات الخيرية المتشابهة
الأصل في الميدان الخيري الإسلامي أنه يعمل تحت مظلة عامة واحدة، ألا وهي العمل لله سبحانه وتعالى وابتغاء الأجر والمثوبة منه جل في علاه.
وهذا الأصل التوحيدي دخلت فيه مؤسسات خيرية نوعية متعددة تهتم بأنشطة متباينة، وفي تكاملها قد يحدث نوعاً من الانجاز الجمعي لأهداف المؤسسات متقاطعة النشاط، مما ينعكس على الإشباع الكلي لاحتياجات المجتمع الإسلامي.
وهذا لن يتأتى بدون معرفة المؤسسات لبعضها البعض؛ ومن ثم يأتي دور بناء قاعدة بيانات متكاملة لكافة المؤسسات الخيرية التي يجمعها نشاط واحد سواء على المستوى المحلى أو الدولي؛ على أن توضح بتلك القاعدة سبل التواصل والتعارف بين المؤسسات، والمناطق المشتركة التي يمكن أن تفيد فيها المؤسسة نظيرتها بصورة تكاملية.
ويمكن تكوين تلك القاعدة من خلال مواقع المؤسسات على شبكة الانترنت، أو من خلال الإدارات الحكومية النوعية المشرفة على الميدان الذي تعمل فيه المؤسسة الخيرية.
كما يمكن اقتراح أن تدشن إحدى المؤسسات الخيرية النشطة والعاملة في ميدان ما “زاوية تعريفية” على موقعها الالكتروني؛ تدعو فيها المؤسسات النظيرة بتسجيل بياناتها عليها؛ لتجد المؤسسة الفعالة أنها بصدد خريطة شبكية كاشفة لمعظم المؤسسات العاملة في مجال اهتمامها، قد تشجعها على أن تسند إلى إحداها تطبيق مشروع ما في منطقتها؛ وذلك بأشراف محدود بدلاً من انتقال فريق قافلي من المؤسسة الأصلية لتحقيق هذا الهدف، وما يصاحب ذلك من وقت ومال قد يستخدم في مشروع آخر.
أيضاً فإن ذلك يشجع المؤسسة على الخوض في مشروعات خيرية واسعة الرقعة الجغرافية؛ من خلال شبكة من المؤسسات المتوافقة.
ثانياً…تكوين قاعدة بيانات لجهات التمويل الإسلامية
المال الحلال عصب المؤسسة الخيرية ومحركها؛ وبدونه تتجمد مشروعات المؤسسة، وباستخدام مضاده تمحق البركة من تلك المشروعات.
وهناك العديد من الجهات التمويلية الإسلامية التي توفر التمويل اللازم لإنجاز المشروعات الخيرية، إلا أن بعض المؤسسات الخيرية تُحرم من خدمات تلك الجهات التمويلية نظراً لجهلها بها، أو عدم معرفة طرائق الوصول إليها.
لذا فإن تكوين قاعدة بيانات شاملة عن الجهات التمويلية الإسلامية وسبل الوصول إليها، قد يحقق حداً أدني من الاطمئنان التمويلي لبعض مشروعات المؤسسات الخيرية.
وتلك القاعدة يمكن تكوينها من خلال مواقع الجهات التمويلية الإسلامية على شبكة الانترنت، أو تبني جهة بحثية إعداد دليل شامل عن تلك الجهات التمويلية الإسلامية، ويتم طرحه بصورة تجعله في متناول المؤسسات الخيرية.
ثالثاً… تكوين قاعدة بيانات للمتبرعين والأثرياء المنفقين
هناك كثير من التجار ورجال الأعمال المشهور عنهم البذل والإنفاق في سبيل الله، وإقناعهم بأهمية المشروع الخيري قد يؤدي لبذلهم لكثير من التبرعات العينية والمادية، ولكن ذلك لا يتحقق إلا إذا توافرت للمؤسسة الخيرية قاعدة بيانات شاملة عن هؤلاء المتبرعين ووسائل الاتصال بهم، وهذه القاعدة يمكن تكوينها من خلال الخبرة الاحتكاكية لمنسوبي المؤسسة، أو متابعة أخبار العمل الخيري في الوسائل الإعلامية المعينة والتي تغطي تبرعات الباذلين والمحسنين.
رابعاً…. تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية
تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية يجعل المؤسسة الخيرية واقفة على غالبية المشروعات التي أجريت على أرض الواقع، ومن ثم تتكون لديها رؤية شاملة للمشروعات تسمح باختيار المناسب لها من بينها.
ويتم إعداد تلك القاعدة من خلال المصادر البحثية الموثقة لتجارب ومشروعات المؤسسات الخيرية الإسلامية، وعمل مسح شامل لمشروعات المؤسسات الخيرية من خلال مواقعها على شبكة الانترنت، أو التقارير السنوية للمؤسسات الخيرية والموجودة بالمؤسسات الخيرية أو الجهات الحكومية المنوط بها الإشراف على تلك المؤسسات.
خامساً…تكوين قاعدة بيانات للجهات الإعلامية، والصحفيون المهتمون بالعمل الخيري
يلعب الإعلام دوراً رئيساً في تحقيق أهداف المؤسسة الخيرية، وهناك الكثير من مشروعات المؤسسات الخيرية فقدت بريقها وتقلصت ثمرتها لإخفاق المؤسسة الخيرية في تسويق المشروع إعلامياً.
وفي ذات الوقت فإن هناك عدد غير قليل من الجهات الإعلامية ومنسوبيها الإعلاميين المهتمين بقطاع العمل الخيري، ولكن تقاطعهم مع جميع المؤسسات الخيرية قد يكون فوق طاقة جهدهم البشري، لذا فإن الأوقع والأكثر تأثيراً أن تسعى المؤسسة الخيرية للجهات الإعلامية وليس العكس؛ وذلك بإرسال بيانات دورية لكافة الجهات الإعلامية عن أنشطة المؤسسة الخيرية.
وهذا لن يتحقق إلا إذا توافرت للمؤسسة الخيرية قاعدة بيانات شاملة لكافة الجهات والشخصيات الإعلامية المهتمة بالعمل الخيري، مع تسجيل وسائل الاتصال بهم من فاكسات وهواتف وبريد الكتروني وعادي، ويمكن تكوين تلك القاعدة من خلال الزيارات الشخصية للجهات الإعلامية، أو الاتصال الهاتفي بها، أومن خلال مواقعها على شبكة الانترنت.
سادساً… تكوين قاعدة بيانات للعلماء والدعاة المهتمين بالعمل الخيري
هناك الكثير من العلماء والدعاة الربانيون الذين يسلطون الأضواء في خطبهم ودروسهم وحواراتهم الإعلامية على نشاطات العمل الخيري، لذا فإن الاتصال بهؤلاء العلماء والدعاة قد يعين المؤسسة الخيرية في نجاح المشروع الذي هي بصدده، وهذا الاتصال لن يتحقق إلا إذا توافرت للمؤسسة قاعدة بيانات عن العلماء والدعاة تتضمن بياناتهم، مجالات اهتماماتهم ووسائل الاتصال بهم.
وهذه القاعدة يمكن تكوينها من خلال مواقع الدعاة على الانترنت ومن خلال العلاقات والاستفسارات الشخصية لمنسوبي المؤسسات الخيرية.
سابعاً… تكوين قاعدة بيانات للمتطوعين
التطوع عملة نادرة، وفي القطاع الخيري فإن المتطوع يعد شخصية دبلوماسية لها وضعية خاصة، وكثيراً ما يطرق المتطوع باب المؤسسة في مشروع من مشروعاتها التي علم بها، لكنه لا يطرق الباب في المشروعات التالية، وقد يكون ذلك لعدم معرفته بالمشروع، فضلاً عن نسيان المؤسسة له؛ لأنها لا تتوافر لديها قاعدة بيانات عن المتطوعين الذين تعاونوا معها، أو مع المؤسسات المشابهة داخل المنطقة التي تعمل بها المؤسسة الخيرية.
ويمكن تكوين قاعدة بيانات المتطوعين والتي تضم كافة بيانات المتطوع ووسائل الاتصال به ومهاراته النوعية، من خلال ( المتطوعين السابقين للمؤسسة- المتطوعين في المشروعات الخيرية الأخرى التابعة للمؤسسات الخيرية داخل مجتمع- مشهوري التطوع والبذل داخل المنطقة- فتح المؤسسة الخيرية لباب تسجيل رغبات التطوع لاستقطاب مزيد من المتطوعين).
ثامناً…تكوين قاعدة بيانات للمستفدين من خدمات المؤسسة
خريطة المستفيدين من خدمات المؤسسة وأصحاب الاحتياجات المجتمعية معقدة ومتشعبة الأركان، والوصول لها ومطابقتها للمواصفات الاستحقاقية أمر تراكمي يحتاج إلى فترات طويلة من الاحتكاك والخبرة المؤسسية للمجتمع، لذا فإن تكوين قاعدة بيانات للمستفيدين يمثل رصيد ثمين للمؤسسة يسهل عليها تحقيق أهداف مشروعاتها المستقبلية، ووصول ثمرتها لأصحاب الاحتياج الفعليين.
وتكوين تلك القاعدة يكون من خلال الاعتماد على التسجيل المعلوماتي الموثق للمستفدين أثناء تقديم خدمات المؤسسة؛ ليتم بعد ذلك أرشفة وتصنيف معطيات هذا التسجيل في صورة قوائم استحقاقية للمستفيدين، توظفها المؤسسة في مشروعاتها المستقبلية.
تاسعاً… تكوين قاعدة بيانات للجهات البحثية المهتمة بالعمل الخيري
هناك مراكز بحثية عديدة تهتم ببحث قضايا العمل الخيري الإسلامي فضلاً عن بعض الوحدات البحثية التابعة للمؤسسات الخيرية الإسلامية الكبرى، وهذه الجهات البحثية تقدم خدمات بحثية متنوعة للمؤسسات الخيرية تعينها على إتمام رسالتها الخيرية، وقد يساعد التعاون معها في تذليل بعض العقبات التي تواجه المؤسسة الخيرية.
وتكوين قاعدة بيانات تضم الوصف التفصيلي لكل جهة بحثية يكون من خلال الاتصال المباشر بالجهات البحثية، أو من خلال مواقعها على شبكة الانترنت.
هذه بعض النماذج من قواعد البيانات التي يمكن أن تعين المؤسسات الخيرية في تحقيق أهدافها الخيرية داخل المجتمع.
المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=29
أحدث التعليقات