الكاتب : الهيثم زعفان
سنحاول في هذه المقالة المختصرة اقتطاف بعض الثمرات العطرة من النماذج الانفاقية الخيرية في سيرة بعض الصحابة الكرام، لنحاول بذلك الاقتداء بها في حياتنا اليومية، وفي تنمية وإذكاء روح البذل والعطاء عندنا.
وسنعيش اليوم مع أمثلة لبعض عطاءات أربعة من هؤلاء الأطهار الأبرار وهم عبد الرحمن بن عوف، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
ضرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الإنفاق في سبيل الله وفعل الخيرات، فقد تلقوا رضوان الله عليهم التوجيه الرباني الحاث على العطاء الخيري بقلوب متلهفة ومشتاقة إلى الجنة، فحولوا النصوص الشرعية إلى تطبيقات عملية في مجتمع المسلمين. وتميز عملهم الخيري بالسرية في معظمه إيماناً منهم بأن خير الصدقة هي الصدقة الخفية والتي لا تعلم شمالهم ما أنفقت يمينهم، وبها يحرق الرياء، ومن خلالها يتحقق خير الجزاء بإذن الله تعالى، كما تميز عطاؤهم بأن الأموال المبذولة فيه متحر فيها الحلال، فهم يعون جيداً أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ولذا صاحبتهم البركة من الله في إنفاقهم، وبشر بعضهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول عطائهم، وبالجزاء الأخروي الذي ينتظرهم جراء بذلهم. ومن لم يستطع منهم الإنفاق وعدهم الله تعالى بمثل جزاء من ينفق إن صدقت النوايا، وهكذا الوعد لكافة أبناء الأمة الإسلامية.
والمتطلع لسير الصحابة الكرام تعلو نفسه وهمته ويزداد انبهاره وإعجابه برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال اكتملت فيهم صفات الرجولة الحقة، أنفقوا في وقت بناء أعمدة دولة الإسلام، فكان نعم الإنفاق، وكانوا أول من أرسوا دعائم العمل الخيري الإسلامي، لذا فمن الضروري بمكان دراسة السيرة الإنفاقية لهؤلاء العظماء ليسترشد بها المجتمع الإسلامي في مساره الخيري، ولتكون بمثابة نبراساً لمؤسساتنا الخيرية، ونموذجاً نبغي من تعميمه تحفيز أثرياء المسلمين لفهم واستيعاب حقيقة الإنفاق والبذل في الإسلام كما فهمه ووعيه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبدورنا سنحاول في هذه المقالة المختصرة اقتطاف بعض الثمرات العطرة من النماذج الانفاقية الخيرية في سيرة بعض الصحابة الكرام، لنحاول بذلك الاقتداء بها في حياتنا اليومية، وفي تنمية وإذكاء روح البذل والعطاء عندنا. وسنعيش اليوم مع أمثلة لبعض عطاءات أربعة من هؤلاء الأطهار الأبرار وهم عبد الرحمن بن عوف، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
أولاً: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
قال ابن المبارك أنبأنا معمر عن الزهري قال تصدق ابن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وحمل على خمس مئة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمس مئة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “خياركم خياركم لنسائي” فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة قومت بأربع مئة ألف، قال عبد الله بن جعفر الزهري حدثتنا أم بكر بنت المسور أن عبد الرحمن باع أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسمه في فقراء بني زهرة وفي المهاجرين وأمهات المؤمنين، قال المسور فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت من أرسل بهذا؟ قلت عبد الرحمن، قالت أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون” سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. أخرجه الأمام أحمد في مسنده وصححه الحاكم.
كما أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء إسناد ينتهي عند طلحة بن عبد الله بن عوف حيث قال طلحة؛ “كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن بن عوف ثلث يقرضهم ماله وثلث يقضي دينهم ويصل ثلثاً”.
وعن عروة أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله فكان الرجل يعطى منها ألف دينار. وعن الزهري أن عبد الرحمن أوصى للبدريين، فوجدوا مئة، فأعطى كل واحد منهم أربع مئة دينار فكان منهم عثمان فأخذها، وبإسناد آخر عن الزهري أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله.
ثانياً : طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له بسبع مائة ألف فبات أرقاً من مخافة ذلك المال حتى أصبح ففرقه.
وكان رضي الله عنه يغل بالعراق أربع مئة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، وكان له بأعراض المدينة غلات، وكان لا يدع أحداً من بني تيم عائلاً إلا كفاه وقضى دينه، ولقد كان يرسل إلى السيدة عائشة رضي الله عنها – إذا جاءت غلته- كل سنة بعشرة آلاف، وقضى رضي الله عنه عن “صبيحة التيمي” ثلاثين ألفا. قال الزبير بن بكار حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن عبيد الله قضى عن عبيد الله بن معمر وعبد الله بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم.
وقال الحميدي حدثنا ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار أخبرني مولى لطلحة قال كانت غلة طلحة كل يوم ألف واف.
كما حبس طلحة بن عبيد الله داره بالمدينة المنورة، فهي صدقة بأيدي ولده، إلا شيئاً خرج منها.
ثالثاً: الزبير بن العوام رضي الله عنه
كان للزبير بن العوام رضي الله عنه ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فلا يدخل بيته من خراجهم شيئا. رواه سعيد بن عبد العزيز نحوه وزاد بل يتصدق بها كلها.
كما باع الزبير داراً له بست مئة ألف، فقيل له يا أبا عبد الله غبنت، قال كلا هي في سبيل الله.
وذكر البيهقي أنه رضي الله عنه حبس داره التي بمكة في الحرامية، وداره التي بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده وأوضح البيهقي أنها كانت محبوسة إلى عصره.
وقد روى الخصاف وابن شبه قول أبو غسان – وساق سنده – إلى عروة بن الزبير: أن الزبير بن العوام ” جعل دُوره صدقة على بنيه، لا تباع ولا تورث، وإن للمردودة من بناته أن تسكن غير مُضِرَّة، ولا مضر بها، وإن استغنت بزوج فليس لها حق”.
رابعاً: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
يخبر أيوب بن وائل الراسبي أن ابن عمر جاءه يوماً بأربعة آلاف درهم وقطيفة…وفي اليوم التالي، رآه أيوب بن وائل في السوق يشتري لراحلته علفاً نسيئة “أي دينا”… فذهب ابن وائل إلى أهل بيته وسألهم أليس قد أتى لأبي عبد الرحمن – يعني ابن عمر – بالأمس أربعة آلاف، وقطيفة؟ قالوا: بلى، قال: فإني قد رأيته اليوم بالسوق يشتري علفاً لراحلته ولا يجد معه ثمنه..قالوا: إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعها، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره، فخرج.. ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها؛ فقال: إنه وهبها لفقير. فخرج ابن وائل يضرب كفاً بكف، حتى أتى السوق فصاح في الناس:” يا معشر التجار..ما تصنعون بالدنيا، وهذا بن عمر تأتيه ألف درهم فيوزعها، ثم يصبح فيستدين علفاً لراحلته”.
وقد حبس عبد الله بن عمر داره وقال الإمام البخاري رحمه الله : “وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر، سكنى لذوي الحاجات من آل عمر”.
رحلة شيقة بين أمهات الكتب تحتاج إلى جهود مؤسسية بحثية، وذلك لاستخراج وتحليل النماذج الخيرية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم، لتفيد بها الأمة الإسلامية في واقعنا المعاصر.
أحدث التعليقات