شبهات وردود حول الربا – د.علاء الدين الزعتري

شبهات وردود حول الربا

بسبب تأثير ثقافة المترفين في الشعوب المستضعفة، وبسبب ضغط المستكبرين على مراكز القرار في الدول النامية وبالذات على بعض المراكز الإعلامية والدينية، فقد راجت ثقافة المرابين الذين قالوا: )إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا(

ولقد تسربت ثقافة الربا حتى إلى البلاد العربية والإسلامية، والتي آمنت بما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أساسيات الإيمان: حرمة الربا.

فما هي الأدلة التي يعتمدها فريق من الناس في محاولاتهم لتبرير العمل بالنظام الربوي؟
1 – يقولون إن الله إنما حرّم الربا أضعافاً مضاعفة، والفوائد التي تؤخذ دون ذلك بكثير.

والجواب:

أولاً: الربا يتسبب في تجميع الثروات الوطنية لدى طبقة معينة ـ هم الذين يتعاملون بالربا ـ وتتضاعف لديهم.

ثانياً: الأدلة الشرعية على تحريم الربا لا تختص بالآية التي نهت عن أكله أضعافــاً مضاعفـــة، فهناك آيات أخرى تحرمه مطلقاً، وتصرح بأن الذي يرجع من الدين إنما هو رأسمـال المالك، حيث يقول سبحانه: )وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُــونَ([البقرة: 279].

2- يقولون: ما الفرق بين أن يؤجر المالك داره لأحد، أو يؤجره قدراً من المال يستطيع به تأجير دار لنفسه، فالثروة هنا وهناك ذات قيمة، سواءً كانت متمثلة في دار أو في ثمنها؟

ويضيفون: إن الربا المحرم هو ربا القروض الاستهلاكية – أي التي يقترضها ذوو الحاجة الملحة ويؤدونها أضعافاً مضاعفة، أما القروض الإنتاجية التي يقترضها الموسرون للتشغيل في مشروعات إنتاجية- صناعية أو تجارية أو زراعية تدر عليهم ربحاً وفيراً، فليست الفائدة المؤداة ربا محرماً لعدم توافر معنى إستغلال حاجة المحتاج.

والجواب عن ذلك:

أولاً: إن الأحكام الشرعية عامة لا تعتمد على الحالات الخاصة والمضطربة؛ ولأضرار الربا الكثيرة حرمت الشريعة كل الأبواب التي تفضي إليه.

ثانياً: إن عناصر الإنتاج غير محصورة برأس المال النقدي، فهناك العمل الإنساني، والمواد الأولية (عنصر الأرض).

والصواب أن يجتمع عنصرين من عناصر الإنتاج على الأقل، ويكون لكل منها نصيب من الناتج، زيادة أو نقصاناً، ومن الظلم أن يُعطى أحد العناصر قدراً ثابتاً قبل الدخول في عملية الإنتاج دون أن يدخل في مخاطرة واحتمال الخسارة.

ومن تبريراتهم في إباحة الفوائد: إن تحريم الربا شيء يتعلق بالعواطف أكثر مما يتعلق بالحقيقة، بل لا علاقة لـه بالحقيقة أصلاً، وأن ليس إقراض أحد غيره شيئاً من المال دونما شيء من الربا إلاّ سماحة خلقية قد شط الدين وجاوز حد الفطرة، إذ طالب بها الناس بمثل هذه الشدة والتأكيد، وإن الربا شيء معقول من الناحية المنطقية، وأمر نافع لا مندوحة عنه للإنسانية، وإنه لا يقبل أي اعتراض من الناحية الاقتصادية.

الجواب:

أولاً: لا يمكن فصل الاقتصاد عن سائر شؤون البشر، حيث إن الإنسان كل لا يتجزأ، ونظرتنا إلى الإنسان تؤثر في نظرتنا إلى الاقتصاد.

وأهم ميزة للإنسان حياته الاجتماعية، وإنما قامت الحضارات الشامخة في تاريخه على قاعدة القيم الاجتماعية، فإذا نزعناها فإن أسس بقاء الإنسان فوق هذا الكوكب يتزعزع، بل وينهار.

واليوم مع تقدم العلم وتنوع وسائل الفتك الجماعي وازدياد وسائل القهر والابتزاز، تزداد الحاجة إلى الخلق الكريم.

والإحسان صفة إنسانية لا يمكن بقاء البشر من دونه.

والإحسان يبدأ من اهتمام الوالدين بالطفل، وينتهي إلى إحساس كل فرد بضرورة مساعدة المحتاج.

وإذا كنت تملك فائض الثروة (ويسمى بالعفو في لغة القرآن)، قال تعالى: )وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ([البقرة: 219]، وكان غيرك يحتاجها، فمن واجبك الإنساني أن تعطيه؛ سواءً إنفاقاً أو قرضاً.

ومن العجب إن الدول الرأسمالية تفرض على رعاياها مبالغ طائلة من الضرائب، وهي لا تعترف بواجب الإحسان.

ثانياً: في مجتمع يؤمن ويطبق تعاليم الإسلام بتحريم الربا تبقى ثروات عائمة كثيرة، فإما تجد طريقها إلى التجارة أو المضاربة، أو تختزن لحين الحاجة.

فما أجملها أن نقضي بها حاجة الفقراء والمنكوبين، لماذا لا؟ وهم نعم الحفظة للثروة، أوَ ليسوا أفضل من صناديق الحديد؟

قد يقال إذاً نخاطر بها عندهم، إذ قد تذهب أدراج الرياح. نقول: بلى؛ ولكنها لا تذهب عند الله الذي قال سبحانه: )يَمْحَق الله الرِّبا وَيَرْبي الصَّدَقَات([البقرة: 276].

والإنسان إذا دفع لأخيه قرضاً ثم لم يستطع الوفاء به، يمكنه أن يعتبره زكاة ماله. أوَ ليس الواجب عليه دفع شيء من ماله زكاة؟ ثم يمكن للمقرض أن يستوثق من المدين قبل دفع الدين له بالرهن أو الضامن أو أي نظام آخر.

ثالثاً: لقد استمرت الحضارة الإسلامية قروناً متطاولة، وقد اتسعت رقعة نفوذها حتى شملت شعوباً كثيرة في أربعة قارات، وكان اقتصادها خالياً من الربا، بل ومما يؤدي إلى الربا من الذارئع المختلفة، وكان اقتصاداً مزدهراً مما دلّ على أن الربا لم يكن ضرورة في البنية الاقتصادية.

رابعاً: إن الربا يوقف حركة النمو في المجتمع؛ لأنه يكرس الطبقية، ولأن الفقراء يزدادون بسببه فقراً، ولذلك فهم يفقدون القوة الشرائية، وبالتالي لا يساهمون في النمو الاقتصادي.

بينما القرض الحسن، بأن يرد الآخذ مثل ما أعطى فإنه يسبب تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، ويزداد الفقراء غنى، ولا يبخس الأغنياء حقهم.

المصدر: http://www.alzatari.net/show_art_details.php?id=90