مقال: أهمية المؤتمرات – عبدالقيوم عبدالعزيز الهندي

طالب الدراسات العليا والمؤتمرات

من عادتي كلما تيسر لي حضور مؤتمر علمي أو ندوة أو محاضرة أو دورة في تخصصي أن أقوم بتلخيص ما تيسر من تلك المناسبة تمهيدا للنشر في محيط زملاء الدراسة والتخصص قاصدا نشر المعرفة بالإضافة إلا أنني وجدت استفادتي من تلك المناسبة تحقق بشكل أكبر عند التزامي بالتلخيص والتدوين.

وبالأمس وردني سؤال من باحث مستجد بمرحلة الماجستير يسأل عن أهمية المؤتمرات وكيفية الاستفادة منها، وهذا ما دفعني لكتابة هذه الأسطر للإجابة على سؤاله مستفيدا من عدة مقالات وكتابات سابقة، ومن خلال حضوري لعدد بسيط من مناسبات الاقتصاد الإسلامي داخل المملكة وخارجها.

تمثل المؤتمرات العلمية وسيلة فعالة للتباحث في مختلف القضايا العلمية والمهنية والاقتصادية وغيرها، وقد تطورت في الآونة الأخيرة حتى غدت المؤتمرات صناعة مستقلة، لها أبعاد علمية وسياسية واقتصادية وإعلامية، وأصبح لها تقاليد ومؤسسات متخصصة في فن تنظيم المؤتمرات، ويتفاوت المنظمون في تطبيقه بحسب جديتهم وقدراتهم.

وقد حظيت الصناعة الوليدة صناعة المالية الإسلامية بنصيب وافر من هذه المؤتمرات في الجامعات والمؤسسات المالية حول العالم، وأسهمت تلك المؤتمرات في تقدم الصناعة بشكل واضح وملموس، وما هذه المعاهد والأقسام والكليات التي تدرس العلوم الاقتصادية والمالية الإسلامية إلا حسنة من حسنات إحدى مؤتمرات الصناعة.

 وللتوضيح سأعود إلى عام 1394هـ حيت اجتمع نخبة من علماء الأمة الإسلامية في مهبط الوحي بأم القرى مكة المكرمة في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي،  وأوصت بتدريس الاقتصاد الإسلامي، وإنشاء مراكز للبحوث في الاقتصاد الإسلامي في جامعات العالم الإسلامي، وجامعة الملك عبد العزيز بشكل خاص التي قامت بتنظيم المؤتمر.

وحينها تميزت جامعة أم القرى بتفعيلها لتوصيات المؤتمر، وفي عام 1398/1399هـ أنشئت  شعبة الاقتصاد الإسلامي بفرع الفقه والأصول بقسم الدراسات العليا الشرعية، وكانت شعبة الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أول صرح علمي يمنح درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي على مستوى جامعات العالم الإسلامي.

وفي أول الأمر اتجهت الأقلام والجهود للتصدي للربا الذي استشرى في العالم الإسلامي مع دخول البنوك الربوية، فوضح العلماء من خلال المؤتمرات حرمة الربا وخطورته وعظيم ضرره، ثم اتجهت المؤتمرات لإيجاد البديل الإسلامي للبنوك الربوية، وإلى يومنا الحاضر والعلماء يجتهدون في إيجاد بدائل شرعية تواكب مستجدات العصر واحتياجاته المتجددة، وتحقق مقاصد الشارع الكريم.

ولذا كان من الواجب على طالب الدراسات العليا متابعة المؤتمرات في تخصصه ليوازن بين ما يتلقاه من تنظير في الجامعات، وبين إشكالات التطبيق الواقعي الذي يناقشه العلماء في المؤتمرات بشرط أن ينتقي من هذه المؤتمرات ما يكون ملائما له ملبيا لاحتياجاته العلمية والمهارية وهنا تتأكد أهمية استشارة الأساتذة والخبراء قبل اتخاذ القرار لحضور مؤتمر ما.

وفوائد المؤتمرات لا يمكن حصرها في مقال ولكن أذكر منها:

١- التعارف العلمي بين الباحثين، والحوارات التي تتم في جلسات المؤتمر، أو على هامشه، وكم أثمرت مثل تلك النقاشات من مشروعات علمية أو عملية عادت بالنفع على الباحثين وعلى البحث العلمي في حقل الدراسات بعوائد نافعة، وقد كان العلماء قديما يرحلون من أجل مسألة يطلبون جوابها، فجاءت مثل هذه المؤتمرات لتكون تظاهرة علمية تجمع العلماء بطلاب العلم والباحثين في مكان واحد.

٢- المؤتمرات وسيلة فاعلة لصقل وتطوير وإثراء الخبرة العملية في مجال التخصص.

٣- وهي مصدر من مصادر العثور على الأبحاث والمطبوعات والكتب العلمية الجديدة في التخصص.

٤- المؤتمرات أفضل بيئة تجد فيها من يشترك  معك في الفكر والقضية، وقد تجد من لديه حل لمشكلة تواجهك في تخصصك، وهناك دراسات تقول بأن أكثر حلول المشاكل العلمية والصناعية تنبثق عبر التفاعل المباشر أثناء المؤتمرات واللقاءات العلمية ليس فقط من خلال المحاضرات أو الأوراق التي تلقى، ولكن أيضا من لقاءات غير مخطط لها، في المحادثات الجانبية والنقاشات على هامش المناسبة.

٥- لا شيء يعادل المقابلة وجها لوجه في بناء العلاقات العلمية والاجتماعية والاقتصادية فالباحث يقتني كتب العلماء ولكنه غالبا لا يستطيع أن يقيم معهم تعاون علمي ويبني معهم علاقات علمية ويستفيد من خبراتهم الطويلة إلا بلقاءهم وقد يحظى بنصائح ذهبية خاصة تغير مسيرة حياته، ولا شك أن لقاء العلماء والخبراء والكتاب المؤثرين في التخصص له أثره الكبير على الباحث من ناحية زيادة الحصيلة العلمية والتعلم منهم مباشرة.

٦- يتخرج الباحث ويدخل سوق العمل وهذا يبعده عن البحث العلمي ومستجداته وتطوراته، ولكن من خلال حضوره للمؤتمرات يتعرف على ما جد في ساحته وهي فرصة للمراجعة والتقييم ورفع الكفاءة.

٧- المؤتمرات فرصه لأن يبرز الباحث نفسه لدى المهتمين وأهل التخصص.

٨- في المؤتمرات فرصة ذهبية للباحث لأن يتعلم من مدرسة الأكابر وهو يستمع إلى مداخلاتهم، وتعدد آرائهم، وسعة صدورهم، وعظيم الاحترام والود والألفة والمحبة التي تجمعهم، ليرى بأم عينيه أن اجتهاداتهم المتباينة في كثير من المسائل لم تزدهم إلا محبة وأخوة.

٩- بقي أن أنبهك زميلي العزيز ألا تنخدع ببعض المؤتمرات والتي تهدف إلى الربح المادي لا غير ولذا أكرر على أهمية استشارة الأساتذة.

١٠- اصطحب معك كرتك الشخصي والذي يحوي اسمك وجهتك وعنوانك ووسائل التواصل معك لتقدمه عند التعارف في المؤتمر واحتفظ بالكروت التي تصلك فهي ثروة وستستثمرها يوما ما.

أطلت كثيرا ولذا سأختم بما ينسب للإمام علي رضي الله عنه أنه قال”من شاور الناس شاركهم عقولهم”، ولا خلاف حول أن أفضل الفرص التي تكتسب فيها الاستشارة العلمية هي حينما تناقش عالما مبرزا أو تحاور متخصصا متعمقا أو تستمع إلى محاضر بارع، وكل ذلك يتوفر من خلال المؤتمرات العلمية التي تعد بوتقة تنصهر فيها تجارب العلماء وتتبلور في ردهاتها أفكارهم العلمية لتفضي إما إلى فتح علمي أو منتج ابتكاري.

عبدالقيوم عبدالعزيز الهندي
عضو هيئة التدريس بقسم الاقتصاد الإسلامي بالجامعة الإسلامية/عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للمصرفية الإسلامية
المدينة المنورة
٢٨\٢\١٤٣٧