إن صناعة الصكوك في طريقها إلى النضوج ومع هذا فهناك حاجة ماسة لتثقيف ليس فقط المستثمرين بل حتى المصرفيين حول هذه الأدوات الاستثمارية البالغة التعقيد.
مع استمرارية تعافي سوق الدين الإسلامية, بدأ المراقبون يشاهدون بوادر تعثر مرتقبة لبعض صكوك الخردة Junk Sukuk.أحد
الدوافع لذلك هو إن أزمة الديون الأوربية, في ظل طوق النجاة الذي تم اقتراحه في الوقت الحالي للخروج من الأزمة, قد تؤدي إلى نشوب أزمة «انقباض ائتماني» ثانية من جراء احتمالية تأميم بعض البنوك الأوربية. وستساهم تلك المخاوف في إنقاص السيولة المتداولة في الأسواق العالمية. مما يعني إن البنوك الأوربية والمستثمرين سيبتعدون عن الشركات الخليجية التي تنوي إعادة تمويل صكوكها أو قروضها الإسلامية. وبحسب القريبين من الصناعة فإن هناك عمليات إعادة هيكلة الديون تتم تحت الرادار بعيدا عن أعين الإعلام.
سنحاول في هذا التحليل التطرق إلى سوق صغيرة بدأت في النشوء والتطور, تعرف بـ»إعادة هيكلة الدين بطريقة متوافقة مع الشريعة». وسنقدم كذلك الآليات الثلاثة المستخدمة في الوقت الحالي لإعادة هيكلة الصكوك, مع العلم احد هذه الآليات سيكثر الحديث عنه في الأيام القادمة نظرا لاستخدامه مع السندات اليونانية.
فمنذ تقريبا ثلاث سنوات لم يُعر بعض المصرفيين الاستثماريين بالاً لحالات التعثر الصغيرة التي ضربت السوق الماليزية. وقد يكون سبب تلك الزيادة الصارخة في حالات التعثر هو «ظاهرة» وجود بنوك استثمارية صغيرة متخصصة في مساعدة شركات القطاع الخاص, ولا سيما ذات التصنيف الائتماني المنخفض, من أجل النفاذ إلى سوق السندات الإسلامية.
أما في الخليج فقد كانت شركة نخيل الباكورة الأولى التي جعلت المراقبين يأخذون مسائل التعثر وإعادة هيكلة الدين الإسلامي بطريقة جدية نظرا لضخامة إصدارها. ففي حالة نخيل تم تسليم حملة الصكوك 40% من قيمة سنداتهم بشكل «نقدي». في حين سيتم تعويضهم عن النسبة المتبقية وهي 60% عبر جعلهم يصبحون حملة صكوك في إصدار نخيل الثاني.
ويتوقع ان تقوم الشركات التابعة لحكومة دبي, بحسب بنك جي بي مورجان, بإعادة تمويل ما يقارب من 14 مليار دولا في السنة الحالية. وهذه أخبار مبهجة لشركات المحاماة وبيوت الاستثمار الدولية المتخصصة في إعادة هيكلة السندات والقروض. إلا أن من أكثر المعضلات التي تواجههم هو اضمحـال معرفــــة تفاصيل آليات إعـــادة الهيكلة بطريقة متوافقة مع الشريعة.
وبشكل مقتضب هناك ثلاث آليات تم الإجماع على إمكانية استخدام أي واحد منها:-
1-خيار الـ»هير كوت» (Haircut) أو الخصم وهو ان يتسلم حملة الصكوك ما يقارب 80% من قيمتها الاسمية أو أقل عند دنو أجل إطفائها.
2-تمديد فترة استحقاق الصكوك بزيادة سنة إلى السنتين.
3-خيار مبادلة الدين بالأسهم (Debt-to- Equity Swap)بحيث تحول ملكية أصول الصكوك إلى أسهم ملكية في الشركة التي طرحت هذه السندات.
بعد مراجعة دقيقة لهذه الخيارات فإني أرى أن الخيار الأول في أفضل حالته لا يضمن استرجاع رأس المال الأصلي الذي تم استثماره في هذه الصكوك. بالنسبة للخيار الثاني و الثالث فإن هناك نسبة كبيره باسترجاع رأس المال الأصلي وهذا يعتمد في المقام الأول على مرونة العقد الجديد الثاني الذي تم الاتفاق عليه.
التجربة اليونانية
وسنرى لاحقا في هذا التحليل كيف سيتم تكييف تلك الخيارات الثلاثة بطريقة تتواءم فيها هندستها مع الشريعة الإسلامية. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الخيار الأول ( الهير كوت) يتم تداوله بشكل واسع مع قضية الديون اليونانية. إلا أن ما أفجع المستثمرين الأجانب الذين لديهم انكشاف على هذه السندات أن الخصم المقترح على رأس المال المستثمر يبلغ 54 إلى 52%. وهذه الحالة غير مسبوقة على الإطلاق في تاريخ صناعة المال العالمية.
واستمرارا لما تم التطرق إليه أعلاه حول الآليات الثلاثة لهيكلة الديون, والتي أصبحت حديث الساحة الأوربية في الوقت الحالي, يجب علينا أن نتساءل حول كيفية تكييف هذه الخيارات المالية بطريقة متوافقة مع الشريعة.
نبدأ مع الخيار الأول وهو الـ»هير كوت» وهي حينما يقوم حملة الصكوك بالموافقة على استرداد ما يصل من 80% من رأس المال. وعملية التنازل هـــــذه يشترط فيها موافقة جميع حملة الصكوك عليها وذلك بحسب ما ترى هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وغالبا مايرغم حملة الصكوك أو السندات على تفضيل هذا الخيار عندما تدخل الشركة المصدرة للأوراق المالية مرحلة «الوضع المالي المتعثر» . بمعنى انه لا يوجد «تدفق نقدي» من الأصول التي ارتكزت عليها إصدارات الصكوك.
ولإعطاء مثال على ذلك يتداول الآن اقتراح أو بالأحرى تم الموافقة على اقتراح بأن يوافق حملة السندات الي ونانية على طلب شطب 52% من تلك الديون في حالة رغبتهم في استرجاع رؤوس أموالهم بطريقة سريعة.
تكلفة الفرص الاستثمارية الضائعة ويتمحور الخيار الثاني في «تمديد» فترة استحقاق الصك بزيادة سنتين على إجمالي المدة الأصلية وهي خمسة سنوات. ويجلب هذا الخيار معه مصطلح «تكلفة الفرص الاستثمارية الضائعة». بمعنى أنه لولا قبول عرض التمديد لقام المستثمرون بإعادة استثمار هذه الأموال بدلا من جعلها متعلقة بالصكوك.
وفي الصرافة التقليدية يتم تعويض حملة السندات الربوية عن الفرص الاستثمارية الضائعة عبر زيادة نسبة الفائدة على الدفعات الدورية المتعلقة بهذه الأوراق المالية. أما في الصرافة الإسلامية فإن ذلك يعتمد على طبيعة هيكلة الصك.
فإذا كنا نتحدث عن صكوك الإجارة, فإن التكييف الشرعي يقوم عبر تمديد عقد الإيجار بحيث يكون تحت شروط جديدة (تشمل على ايجار مرتفع). أما إذا كانت صكوك المشاركة, فإنه يتم تمديد العقد مع تعديل نسبة المشاركة في الربح (بين الطرفين). وهذا هو الخيار الذي مالت إلية شركة نخيل مع الصكوك الثانية التي أصدرتها مؤخرا مع دفعات دورية تصل إلى 10% .
أما الخيار الثالث فيتعلق بمبادلة الدين بالأسهم. ففي المصرفية التقليدية يوافق الدائنون على الغاء العقد السابق (الخاص بالسندات) شريطة دخولهم كمساهمين في الشركة التي أصدرت تلك الأوراق المالية. وهذا الخيار قد تم طرحه على الطاولة من قبل إحدى الشركات السعودية المتعثرة عندما اقترحت على دائنيها من البنوك العالمية أن يبادلوا ديونهم بأسهم في الشركة.
أما كيفية تكييف الخيار الثالث بطريقة تتواكب مع الشريعة, فإن الأمر لا يخلو من التعقيد نوعا ما. فعقود الصكوك تنقسم الى نوعين: 1) منها القائم على الملكية Equity وهنا يسهل مبادلة «ملكية» الصكوك بنسبة مماثلة بملكية الشركة 2) ومنها القائم على الدين Debt وهنا بوجهة نظري قد يكون من المخالف عمل مبادلة للدين مقابل أسهم ملكية في الشركة المصدرة. وذلك لأن الشريعة لا تجيز بيع الدين الإ في مواضع محدودة لا تكفي هذه المساحة للتطرق إليها.
إن صناعة الصكوك في طريقها إلى النضوج ومع هذا فهناك حاجة ماسة لتثقيف ليس فقط المستثمرين بل حتى المصرفيين حول هذه الأدوات الاستثمارية البالغة التعقيد.
تويتر: @MKhnifer
مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI) ومتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لصالح مؤسسات دولية متعددة الأطراف.
http://www.al-jazirah.com/writers/20132112.html#2014start
http://sa.linkedin.com/pub/mohammed-khnifer-msc-mba-csaa-cifp/12/910/669/
http://reading.academia.edu/MohammedKhnifer/Papers
أحدث التعليقات