عصامي في زمن «الواسطات
يعجبني هؤلاء الشباب الذين لم تنهض بهم العشيرة، ولم يرفعهم «داء الزمان» الواسطة.. تجدهم يبلغون برؤوسهم المراتب العليا، ويصنعون أمجادهم بأيديهم بعد أن صارت المناصب في قطاعاتنا المالية
والحكومية حكراً على طبقة «الواسطة» و «أبيض بياض» الناس، إلا من رحم ربي.. تجدهم قد ذللوا الصعاب وجندلوا المشككين والمثبطين.
ما أطعم النجاح عندما يأتي من سواد الناس.. ما أجمل ذلك عندما تجلس على كرسي النجاح الذي لم تبلغه إلا بعد استِصحاب العزائم.
يعجبني ذلك العصامي البسيط، الذي توكل على الله، وسادَ بشرفِ نفسِه لا بشرف آبائه، فنال العلا بكدّه واجتهاده ونال المجد بعِلمه وهمّته.
ويقابله، كما تقول معاجمنا، العظاميُّ، وهو من ساد بشرفِ آبائه ليبلغ من دون جهد منصبه الحالي.
ما أكثر هؤلاء الشباب الموهوبين الذين يرجعون من الابتعاث، ولا يجدون عملاً لهم (لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا من «بياض الناس» الذين تُجلب لهم الوظائف جلباً إلى عتبة أبوابهم أو أنهم لا يحظون بشرف معرفة أصحاب «الواو»).
لقد كنت مثلهم قبل سنوات ومررت بمثل معاناتهم.. هذا وأنا كنت محمَّلاً، بعد توفيق الله، بثلاث شهادات ماجستير!.. إلا أن هذه الشهادات قد انقلبت ضدي بعد أن أصبحت «overqualified».
ضاقت بي الدنيا ذرعاً، وأنا لا أصدق ما يجري لي.. لم أيأس وتوكلت على الله حتى وصلت لدرجة أنني ارتضيت لنفسي أن أعمل مجاناً مع البنوك لفترة شهرين حتى يقتنعوا بكفاءتي.. ومرت الشهور وبدأ والدي يقتنع بصعوبة إمكانية عملي بالبنوك المحلية بعد أن خاطبتهم جميعاً، وبدأ في نفس الوقت يتقبل على مضض عملي خارج الوطن.. حتى أحد الـ (headhunters) الغربيين، وهو الشخص المسئول عن توظيف المصرفيين، لم يصدق ما يجري لي في بلادي، ولن أبالغ أبداً عندما أقول إنه بدأ «يشفق» عليَّ!!. وقال لي وهو يتحدث من لندن: «يبدو لي أن البنوك السعودية لا تُقدر المواهب كما تفعل البنوك العالمية.. ويبدو لي أن مكانك هناك».
وبالفعل صدق حدس هذا البريطاني وهو «يصدح»من أقصى الأرض!.. لينتهي بي المطاف بالعمل لدى مؤسسة عالمية مرموقة، وبالتحديد ببرنامج خاص بالموهوبين في قطاع المالية الإسلامية.. وكان على العبد الفقير هو وزملاؤه أن يتنافس مع 700 متنافس من حول العالم، ليتم اختيار، وبكل نزاهة، اثني عشر منهم.. وعندها دارت الدنيا وأصبحت أقابل في مفاوضاتنا واجتماعاتنا، بالنيابة عن المؤسسة التي أعمل لها، مديري البنوك الذين كانوا يتحاشون مقابلتي عندما كنت أبحث عن وظيفة!.. ليس هذا فقط، بل أصبحت أتلقى اتصالات من بعض هذه البنوك السعودية للعمل معهم، بعدما كنت مستعداً للانضمام معهم قبل سنة بدون مقابل!
الأخ خبير مصرفية إسلامية
«أي شخص ممكن أن يزعم أنه خبير في المالية الإسلامية ! ولكن عندما تحصل على هذه الماجستير من جامعة مرموقة عالميا, عندها هنا تستطيع أن تُدعم إدعائك بأنك متخصص في المصرفية الإسلامية», هذه الكلمات صدرت من عميد كلية «Henley Business School» للأعمال عندما كان يتحدث معي في أواخر 2009 وأنا في بداية التحاقي ببرنامج علوم ماجستير « المصرفية الاستثمارية و المالية الإسلامية بجامعة «ريدينج» البريطانية. أخذتني العزيمة بهذه الكلمات الصادرة من عميد كليتنا وأنهيت ولله الحمد هذا التخصص الدقيق على حسابي الخاص. و خلال تلك الفترة كنت أبحث عن بنك محلي يتبنى تكاليف ابتعاثي و في المقابل ألتحق بهذه المؤسسة عندما أنهي دراستي. وجدت بنك محلي, بشراكة أجنبية, يتبنى مشروع ابتعاث لأبناء هذا الوطن الموهوبين. نافست على البرنامج ووصلت المرحلة النهائية منه. لاحظ أن المنافسة كانت على مستوى المملكة. تلقيت اتصالا من مسئولي البنك وأنا في لندن لكي أحضر للمقابلة النهائية في المملكة. طبعا «الأخوان» في البنك لا يؤمنون بوسائل الاتصال الحديثة كـ ( Skype) أو
(Conference call ) و اضطر العبد الفقير أن يتحمل تكاليف تذكرة الطيران «ذهاب و عودة» إلى المملكة. دخلت المقابلة مع مسئولي البنك من الموارد البشرية و كان التحفظ على ملفي في نقطتين : (1) لماذا أرغب بالحصول على أكثر من شهادة ماجستير ( 2) لماذا أملك في رصيدي 10 شهادات توصية من بعض رموز المصرفية الإسلامية من حول العالم ؟.
الدعم البريطاني
بعد أن أوصدت أبواب الدعم محليا توكلت على الله و أستمريت في دراستي الجامعية هناك. عندها قررت أن لا أيأس و نافست على أحد المنح الدراسية لدى جامعة «بانقور» البريطانية. و كان من المحزن و المفرح في نفس الوقت أن أفوز بمنحة دراسية «فضية» من جامعة غربية في حين تقف مؤسساتنا متفرجة حول كيفية «تبني» الغربيين للمواهب السعودية في الخارج. بعدها بسنة أنهيت الماجستير الثانية لي في إدارة الأعمال (تخصص مصرفية و مالية إسلامية). وقبل أن أغادر الأراضي البريطانية, حصلت على مقابلة مع بنك فرنسي شهير (Credit Agricole). طبعا معاملة الفرنسيين تختلف عن «إخواننا» العرب. كان مقر سكني في «ويلز» و المقابلة في لندن. كنت أتوقع أنني سأتحمل تكاليف السفر و الإقامة في العاصمة الضبابية ولاسيما أننا نتحدث عن رحلة تقدر بالثلاث ساعات. جاءت المفاجئة عندما أوضح لي مسئولو البنك أنهم سيتحملون تكاليف السفر و الإقامة و كل الذي علي عمله هو إحضار الفواتير !
رسالتي لزملائي الطلاب الذين يواجهون مثل الظروف التي واجهتها في السابق ألا ييأسوا و أن يجعلوا إيمانهم بالله قويا حتى لو أحبطهم مسئولو البنوك في الموارد البشرية. دائما اجعل ردك عليهم في دراستك.
تويتر: @MKhnifer
مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI) ومتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لصالح مؤسسات دولية متعددة الأطراف.
http://www.al-jazirah.com/writers/20132112.html#2014start
http://sa.linkedin.com/pub/mohammed-khnifer-msc-mba-csaa-cifp/12/910/669/
أحدث التعليقات