بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله ورضى الله عن صحابته الطيبين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين
أهمية الابتكار المالي للمصرفية الإسلامية
إعداد:حسين عبد المطلب الأسرج
لا شك في أن ما يميز أيّ صناعة هو منتجاتها؛ لأن مزايا هذه المنتجات والحاجة اليها هى التي تُحدِّد الطلب عليها؛ ومن ثمّ تُحدِّد استدامة صناعتها. وقد تزايد الطلب على المنتجات المالية الاسلامية في ظل توجه عالمي متنامٍ نحو الاستثمار الأخلاقي المتوافق مع المعاملات الإسلامية التي تستبعد الرِّ با والغرَ ر والتعدي على أموال الناس، وتجتنب التعامل مع المنتجات الضارة بالمجتمع.ويلاحظ أن الإقبال الكبير على المنتجات الشرعية حاليا مصحوب بوعي العملاء الذين أصبحوا لا يقبلون على أيّ منتج يقال إنه “إسلامي”؛ بل يسألون عن التفاصيل وكيفية موافقته للشريعة. ولهذا فإن التحديات المتعلقة بالمنافسة في البيئة المصرفية العالمية تفرض على البنوك الإسلامية ابتكار أوعية ادخارية وأساليب استثمارية متطورة تلبي الاحتياجات الأساسية للعملاء، مع مراعاة الجمع ببن السلامة الشرعية والكفاءة الاقتصادية وإمكانية التطبيق. ولمّا كان هناك عمر زمني لكل منتج ينتهى بمرحلة الحاجة إلى التجديد، والمجيء بفكرة جديدة تجعل لهذا المنتج بعداً جديداً وحاجة جديدة بقبل عليها العملاء مرة أخرى؛ فان الابتكار المالي Financial Innovation أصبح ضرورة ملحة في البنوك الاسلامية . فالشريعة الإسلامية لم تحجر دائرة الابتكار، وإنما على العكس، حجرت دائرة الممنوع، وأبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار والتجديد.
ويشير الابتكار المالي في الصناعة المالية الإسلامية إلى “مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم، والتطوير، والتنفيذ لأدوات وآليات مالية مبتكرة، والصياغة لحلول إبداعية لمشاكل التمويل، كل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف” ،وهو بذلك يتضمن العناصر التالية:
– ابتكار أدوات مالية جديدة، مثل: بطاقات الائتمان؛
– ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها تخفيض التكاليف الإجرائية لأعمال قائمة،مثل: التبادل من خلال الشبكة العالمية والتجارة الإلكترونية؛
– ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل: إدارة السيولة أو الديون، أو إعداد صيغ تمويلية لمشروعات معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع؛
– أن تكون الابتكارات في الأدوات أو العمليات التمويلية موافقة للشريعة الإسلامية؛ بحيث تكون محلّ اتفاق قدر الإمكان.
والابتكار المقصود ليس مجرّد الاختلاف عن السائد؛ بل لا بد أن يكون هذا الاختلاف متميزا إلى درجة تحقيقها لمستوى أفضل من الكفاءة والمثالية. ولذا فلا بد أن تكون الأداة أو الآلية التمويلية المبتكرة تُحقِّق ما لا تستطيع الأدوات والآليات السائدة تحقيقه.
وعليه فيمكن القول بأن جوهر الصناعة المالية هو الابتكار والتجديد. وتتميز الابتكارات المالية الإسلامية بمجموعة من الخصائص عن الابتكارات المالية التقليدية، فهى تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية، وهما خاصتان مترابطتان من جهة؛ وتضمنان استفادة جميع الأطراف من جهة أخرى، هذا في الوقت الذي تتسبب فيه الابتكارات المالية التقليدية التي لا تتقيَد بأيّ قيد في حدوث الأزمات المالية من خلالانهيار البورصات وإفلاس الشركات .[2]
وعلى الرغم من إجماع الكل على أهمية الابتكار والتطوير المستمر للمنتجات المالية إلا أن هذا الاهتمام لم يترجم حتى الآن إلى منهج علمي وعملي يتناسب وأهميتها فما زالت إدارات تطوير المنتجات بحاجة الى مزيد من التخصصية والمهنية مقارنة مع غيرها من الإدارات في مؤسسات الصناعة التقليدية التي نجدها تولي اهتماما أكبر في هذا الجانب وتنفق مبالغ طائلة لتطوير وابتكار منتجاتها المالية التي تلبي احتياجاتها وتغطي طلب الأسواق.
ويمكن تلخيص حاجة البنوك الاسلامية الى الابتكار المالى في النقاط التالية:[3]
1- تنويع مصادر الربحية للمؤسسة المالية.
2- تجنب تقادم النتجات الحالية للمحافظة على النمو وكما هو معلوم أن لكل منتج دورة حياة وفي مرحلة تشبع السوق يتوقف الطلب على المنتج ويستقر عند أدنى مستوياته.
3- تقليل مخاطر الاستثمار بتنويع صيغه وقطاعاته.
4- دعم المركز التنافسي للمؤسسة المالية في السوق.
5- التطوير المستمر للمنتجات يزيد من خبرة المؤسسة ويبقيها في حيوية مستمرة.
ويمكن أن ينتج الابتكار المالى في البنوك الإسلامية من خلال طريقتين اولاهما، المحاكاة :الذي تعني أن يتم سلفًا تحديد النتيجة المطلوبة من المنتج ، وهي عادة النتيجة نفسها التي يحققها المنتج التقليدي.وثانيهما،الأصالة والابتكار: أي إيجاد صناعة هندسة مالية إسلامية والبحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات المناسبة لها، شرط أن تكون متوافقة ومبادئ الشرع الإسلامي. وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمرة لاحتياجات العملاء والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها، وذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية،
كما يتطلب وضع أسس واضحة لصناعة هندسة مالية إسلامية مستقلة عن الهندسة المالية التقليدية. ولا ريب أن هذا المنهج أكثر كلفة من التقليد والمحاكاة،لكنه في المقابل أكثر جدوى وأكثر إنتاجية ويحافظ على أصالة المؤسسات المالية الإسلامية، كما يسمح لها بالاستفادة من منتجات الصناعة المالية التقليدية ما دامت تفي بمتطلبات المصداقية الشرعية،كما يساعد ذلك على استكمال المنظومة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية.[4]
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جميع المنتجات التي تقدمها الصناعة المالية التقليدية غير مناسبة للتمويل الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها. ولكن يجب التمييز بين اقتباس ما يتلاءم مع فلسفة التمويل الإسلامي ومبادئه، وبين محاكاة الأساس الذي تقوم عليه المنظومة التقليدية ومع ذلك يترك هذا أثره الخطير ففي حين لا تتطلب إنتاج هذه الأدوات الكثير من الجهد والوقت في البحث والتطوير، بل مجرد متابعة المنتجات التي تطرحها الصناعة التقليدية وتقلدها من خلال توسيط السلع، فإنها تلقي بظلالها الفاسدة وتترك آثارا سلبية كثيرة على الصناعة المالية الإسلامية منها : [5]
- ضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية، وجعل التمويل الإسلامي محل شك وريبة وقد يؤدي ذلك إلى أن تبدأ المصرفية الإسلامية بفقد عملائها خاصة الذين لا يشكل الوازع الديني لديهم الدافع الأكبر للتعامل مع هذه المصارف.
- تحول الضوابط الشرعية إلى تكلفة إضافية. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تحمِّل المؤسسات المالية هذه التكلفة على العميل، لتكون المنتجات الإسلامية المقلدة في النهاية أكثر كلفة من المنتجات التقليدية، مع أنها تحقق في النهاية النتيجة نفسها .
- إن المنتجات التقليدية تناسب الصناعة التقليدية وهى جزء من منظومة متكاملة من الأدوات والمنتجات القائمة على فلسفة ورؤية محددة ،وتحاول معالجة مشكلاتها وأمراضها، لهذا فإن محاكاة هذه المنتجات تستلزم التعرض لنفس المشكلات ويؤدي الى أن تعاني الصناعة المالية الإسلامية في النهاية من نفس الأمراض والأزمات التي ألمًت بالصناعة المالية التقليدية. إضافة الى تهديد الصناعة المالية الإسلامية بفقدان شخصيتها حيث تغدو تابعة بالجملة للصناعة التقليدية.
وختاما ، يعتبر الابتكار المالي من أهم المجالات التي تهتم بها إدارات البنوك الناجحة, لان الابتكار المالي يجعل البنك متواجدا بشكل فعال وكفؤا في السوق المصرفية, لما فيه من تجديد منتجاته المالية لتلبية الاحتياجات التمويلية المعاصرة, لكن الأهم من ذلك أن تكون لدى المصارف الإسلامية استراتيجيات واضحة وهادفة بهذا الخصوص, لان هذه الاستراتيجيات تضبط عملية الابتكار المالي, بعيدا عن التخبط والتناقض بين الأهداف والتطبيق. ولا شك في أن الابتكار المالى يحتل أهمية قصوى في البنوك الاسلامية خاصة في ظل الضغوط التنافسية الحادة التي تفرضها التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم بالتحول للاقتصاد الحر، إضافة إلى ترابط أسواق التمويل الدولية بفضل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وما لم تصل المصرفية الإسلامية إلى ابتكار منتجات تحمل طابع الاستقلالية عن المنتجات التقليدية القائمة، فإنها ستظل غير قادرة على المنافسة في ظل المتغيرات العالمية التي أصبحت تتسم بالتجدد والتعدد والاستمرار. وهذا يتطلب اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. ومن هذه الخطوات، عدم اقتصار دور الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية على التحليل والتحريم، عليها أن تقود عمليات الإبداع والتطوير في المنتجات والآليات المصرفية لدى المصارف الإسلامية. كما لابد من التأكيد على أن ما تقوم به بعض البنوك الإسلامية من “أسلمة” للمنتجات المصرفية بإضفاء صبغة شرعية عليها من شأنه الإضرار بصناعة المصرفية الإسلامية بشكل عام. فيجب ابتكار منتجات خاصة بالأفراد، العمل في اتجاه ثقل الخبرة و المعرفة للوصول الى منتجات مبتكرة وإسلامية بشكل كامل، لدرجة أنها تختلف بشكل جذري عن المنتجات التقليدية.ايضا يجب التأكيد على أن مستقبل المصارف الإسلامية يتوقف على مدى التطوير العلمي لهذه المؤسسات، واستغلال أحدث الطرق والأبحاث العلمية في توسيع دائرة التمويل، وابتكار صيغ جديدة للمفهوم المصرفي، وتطوير الصيغ الموجودة حالياً لتتلاءم وتواكب التطورات المصرفية واتجاهات العولمة المالية، سعياً لإرضاء المتعاملين بالداخل والخارج كأحد متطلبات العولمة من ناحية، واستجابة للتطورات التي حدثت في الفكر الإداري من برامج الجودة الشاملة إلى الهندرة أو الإدارة بالتجوال؛ الأمر الذي يتطلب من إدارات المصارف والهيئات المالية الأخرى بذل مزيد من الجهد وإعمال الفكر وتحديث طرق وأساليب تقديم الخدمات .
[1] إبراهيم سامي السويلم، صناعة الهندسة المالية: نظرات في المنهج الإسلامي، مركز البحوث، شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، ابريل 2004 م، ص ٥. متاح في :
http://www.halal2.com/files/Principles%20of%20Fin%20Eng%20v3.pdf
[2] عبد الحليم غربي، الابتكار المالي في البنوك الإسلامية: واقع وآفاق،مجلة العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، العدد 9، 2009 ،ص 224. متاح في
http://www.univ-ecosetif.com/revueeco/Cahiers_fichiers/revue-09-2009/13-GHARBI.pdf
[3] محمد عمر جاسر،نحو منتجات مالية إسلامية مبتكرة،ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر المصارف الإسلامية اليمنية المقام تحت عنوان ” الواقع ..وتحديات المستقبل”، تنظيم نادي رجال الأعمال اليمنيين في الفترة 20-21 مارس 2010 صنعاء – الجمهورية العربية اليمنية،ص ص 7-8
[4] للتفاصيل راجع:عبد الكريم قندوز، “الهندسة المالية الإسلامية”، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز: الاقتصاد الإسلامي، م ٢٠ ع ٢، جدة، 2007،ص ص 5-8
[5] محمد عمر جاسر،نحو منتجات مالية إسلامية مبتكرة،مرجع سابق،ص ص 8-9
أحدث التعليقات