دور التمويل الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي

دور التمويل الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي
إعداد: حسين عبد المطلب الأسرج
مقدمة
أشارت عدة دراسات الى أن التمويل الإسلامي يمثل آلية للتعافي من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ،وأنه يمكن أن يكون منفذا للخروج من أزمتي البطالة والفقر اللتين تعصفان بمناطق عديدة بالعالم . وتبدو أهمية أدوات التمويل الإسلامي، في قدرتها على تحقيق العدالة بين طرفي المعاملة، بحيث يحصل كل طرف على حقه، بدلا من نظام الإقراض بالفوائد الذي يضمن حق صاحب القرض عادة على حساب المقترض، كما تضمن هذه الأدوات استخدام التمويل المتاح في مشروعات تنمية حقيقية تفيد المجتمع. إضافة الى حرص التمويل الإسلامي على الربط بين الأرصدة المالية والأرصدة الحقيقة وعلى رفض اعتبار النقود أرصدة في حد ذاتها. كل ذلك ينعكس في تحقيق الأمن الاقتصادي . فالأمن الاقتصادي يجلب وفرة الرزق وكثرة الثروات والرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع وعدمه يؤدي الى الاضطراب الاجتماعي والحروب والمجاعات والخوف.والمجتمع الحديث اليوم ، يعطي اهتماماً متزايداً لموضوع الامن الاقتصادي ، لكثرة المشكلات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية التي تحدث في اماكن متفرقة من العالم ، خاصة تلك الازمات التي تتخطى الحدود الوطنية الى الاقليمية والدولية ، التي تتطلب حلولاً على مستوى الكون . كما توجد هنالك بقاع كثيرة في العالم تعاني من ندرة الموارد والغذاء او انعدامه مما يتطلب ذلك اتخاذ التدابير المناسبة اقتصاديا لتأمين الحاجات الاساسية لحياة البشرية واستقرارهم . ويحاول هذا البحث دراسة دور التمويل الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي .

أولا: مفهوم الأمن الاقتصادي:
لعل أدق مفهوم “للأمن” هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة قريش الآيتان 3،4 ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) ، ومن هنا نلحظ أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي ، وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل “للأمن” هو: القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّى المجالات في مواجهة المصادر التي تهددها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة.
وقد ذُكرت عدة تعاريف للأمن الاقتصادي ، منها:
– أنه غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية.
– أنه يعني التنمية.
– أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكِّنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة.
وقد حاولت الأمم المتحدة أن تجد معنى جامعا يفسره فتوصلت للتفسير التالي: ” هو أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكِّنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة. وبالنسبة لكثيرين يتمثل الأمن الاقتصادي، ببساطة، في امتلاك ما يكفي من النقود لإشباع حاجاتهم الأساسية، وهي: الغذاء، والمأوى اللائق، والرعاية الصحية الأساسية، والتعليم”.
ويتطلب تحقيق الأمن الاقتصادي تأمين دخل ثابت للفرد عبر عمله المنتج والمدفوع الأجر، أو عبر شبكة مالية عامة وآمنة، وبهذا المعنى فإن ربع سكان العالم فقط هم ضمن هذه الفئة، وكما تبدو مشاكل الأمن الاقتصادي أكثر جدية وخطراً في الدول النامية، فإن الدول المتطورة كذلك، تشكو من مشاكل البطالة التي تشكل عاملاً مهماً في تسعير التوتر السياسي والعنف.
وللأمن الاقتصادي أهمية عظمى تتعدى أهمية الأمن البدني والصحي والثقافي والغذائي, فالأمن الاقتصادي” إن تحقق فعلا “ يكتنف بين طياته أمنا بدنيا وصحيا وثقافيا وغذائيا الخ.
ومن المنظور الاقتصادي لا يمكن أن يتصف أي اقتصاد بالفعالية وبالإنسانية ما لم تتوفر فيه تدابير وإجراءات كافية للأمن الاقتصادي ونظم جيدة للضمان الاجتماعي؛ حيث يكون بمقدور الناس أن يستجيبوا لتحديات الحياة، ويتكيفوا مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بهم، ويدرؤوا عن أنفسهم خطر الكوارث والآفات، ويتمكنوا من تنمية إمكاناتهم البشرية لتوفير حياة أفضل وسبل معيشة أكثر أمانا واستقرارا.
ويمكن تلخيص أهم مهددات الأمن الاقتصادي فيما يلي:-
1.    انخفاض كل من متوسط دخل الفرد ومعد ل نموه .
2.    البطالة. يعتبر العمل مصدراً اساسياً في اشباع الحاجات الاساسية للإنسان ويعمل على تحويل الانسان من حالة الفقر والجوع والخوف الى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، كما أنه هو الوسيلة والمدخل الفاعل في تحقيق القوة الاقتصادية والأمن الاقتصادي ، ولذلك ينظر للمجتمع الذي تسود فيه معدلات مرتفعة من البطالة وغير الناشطين اقتصادياً بأنه مجتمع فقير أو غير منتج أو غير نامي أو متأخر . ولذلك فان ارتفاع معدلات السكان الناشطين اقتصادياً يعكس الوضع الاقتصادي للدولة المعينة ويعكس مدى قدرتها في تحقيق الأمن الاقتصادي .
3.    الفقر. ويمثل الفقر الخطر الاكبر للمجتمعات المعاصرة وذلك لان الفقر هو أحد مهددات الامن الاقتصادي ، وبانتشار الفقراء في المجتمع تنتشر الامراض وسوء التغذية وتكثر الجرائم والسرقات كما تكثر حالة عدم الرضا الاجتماعي والسياسي ، كما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع . ولذلك ينظر لمشاريع مكافحة الفقر وكفاءتها في التدخل ، بانها عامل اساسي في تحقيق الامن الاقتصادي ، بل الأمن الشامل في المجتمع.
4.    عدم توافر شبكات الأمان الاجتماعي: يشمل التعريف الموسع لشبكات الأمان الاجتماعي الضمان الاجتماعي الحديث،وبرامج التأمين الاجتماعي. فالضمان الاجتماعي،يرتبط على العموم )ولكن ليس بصورة حصرية(، بتقديم دخل للفقراء، بينما يتعلق التأمين الاجتماعي بالادّخار،وهو اكتتابيّ بطبيعته. ويجري التمييز عادةً بين الترتيبات غير النظامية أو التقليدية، من جهة، والتي يتبادل فيها الأقارب أو أفراد العشيرة الدعم الاجتماعي والاقتصادي في حالات الضيق من جهة، وبين البرامج الرسمية، من جهة أخرى، والتي تتولاها عادةً الحكومات أو المنظمات غير الحكومية، في الآونة الأخيرة. وتقدم شبكات الأمان الاجتماعي النظامية على العموم المعونات النقدية أو العينية المباشرة، والدعم لضرورات الحياة الأساسية )وبخاصة الغذاء(، والتشغيل في مشروعات الأشغال العامة.

ثانيا: دور التمويل الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي
تضمنت الشريعة الإسلامية العديد من الضوابط الشرعية التي تكفل حسن استثمار المال وتنميته من أهمها ؛ ضابط المشروعية الحلال ، ضابط تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، ضابط المحافظة علي المال وحمايته من المخاطر ، ضابط الالتزام بالأولويات الإسلامية،ضابط تنمية المال بالتقليب وعدم الاكتناز ، ضابط التوثيق لحفظ الحقوق ،ضابط أداء حق الله في المال وهو الزكاة .
ونلاحظ أن الأمن الاقتصادي مرتبط بالعمل .فيمكن القول بأن الأمن الاقتصادي هو شعور الناس بالأمن من توفر حاجتهم المعيشية وقناعتهم وطمأنينتهم بما يصل لهم وهذا يتحصل من خلال قدرة الدولة على تأمين حاجة الناس من جهة ، وإشعار الناس بالقناعة بالعدل في توزيع الثروة من جهة أخرى. وهنا تجدر التفرقة بين فئتين بحاجة الى الأمن الاقتصادي في المجتمع، أولهما: الذين يبلغون الشيخوخة ، والعجزة ، والمعاقون ، والأطفال ، والأشخاص الذين يعانون من وطأة الفقر المدقع ، والعاطلون عن العمل بسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتهم ،وهذه الفئة لها نظام يكفل لها الأمن الاقتصادى.فقد حث الإسلام جميع أفراد المجتمع على التعاون والتكافل فيما بينهم ، ففي الشريعة الإسلامية واجبات وأحكام تعبدية -أي أنها شديدة الارتباط بأصل التدين عند المسلمين- لا تتم إلا عبر الإنفاق المادي ، أي المساهمة الاقتصادية في توطيد أسس البناء الاجتماعي ، وعليه فللأفراد دور رئيسي في توفير الأمن الاقتصادي للمجتمع ، وحيث أن الإسلام دين شامل لنواحي الحياة المختلفة ، نجد أن هناك نظاماً اقتصادياً فريداً يجمع بين الأمن الاقتصادي والضمان الاجتماعي في سياق مؤتلف ، حيث يمكن أن تتعدد الوسائل لتحقيق هذا النظام ، ونأخذ صوراً متنوعة منها على سبيل المثال:الزكاة، فالزكاة بوصفها فرعاً إسلاميا وواجبا تعبديا ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية ، فالزكاة تعتبر نظاماً فريداً يقوم بتأمين المسلمين ، وتعمل على مواجهة الفقر في ديارهم ، بعلاج أسبابه علاجاً جذرياً ، وليس بمجرّد مُسكّن وقتي محدود النطاق والمفعول ،إذاً فالأمن الاقتصادي لهذه الفئة يتحقق ابتداء بالزكاة .ثم  الصدقات،     الكفارات: عن طريق الإطعام أو العتق في حالات الصيام والأيمان والظهار وغير ذلك. ثم الوقف: وهو قسم من الصدقات ، إذ الصدقة قد تطلق ويراد بها الوقف ، بل والغالب في الأخبار التعبير عن الوقف بالصدقة ، وهو ينقسم إلى وقف عام على مصالح المسلمين ، وإلى وقف خاص كالوقوف على الذرية ، ويرى أكثر المنصفين من مؤرخي الحضارة الإسلامية أنه لو لم تبدع هذه الحضارة سوى نظام “الوقف” – كنظام يحقق هدفاً مزدوجاً يتجلى في الأمن الاقتصادي البعيد المدى لقطاعات معينة في المجتمع من خلال ريع الأوقاف من جهة ، وضمان حد أدنى من استقلالية المجتمع – لكان ذلك كافيا للحديث عن القاعدة الاقتصادية الصلبة في البناء الإسلامي.
أما الفئة الأخرى،والتى في حاجة للأمن الاقتصادي هم الفئات القادرة على العمل والباحثة عنه،ويتحقق الأمن الاقتصادي لهم من خلال الحصول على التمويل بالصيغ الاسلامية وبدأ الأنشطة الاقتصادية مما يعنى التخلص من مشكلة البطالة من جهة والحصول على دخل مما يعنى انحسار الفقر.فنقص التمويل والتوزيع غير المتوازن له يعد من أهم أسباب انعدام الأمن الاقتصادي . ويحتاج الناس إلى فهم أن قطاع التمويل الإسلامي هو وسيلة لمزاولة الأعمال بما يتوافق مع أحكام الشريعة. فهو بديل أخلاقي للاستثمار يتمتع بالنزاهة، والمسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى أنه وسيلة تساهم في تنويع محافظ المستثمرين.
والتمويل الإسلامي وسيلة هامه في تحقيق الأمن الاقتصادي من خلال ما يتميز به من حيث أنه:-
1. بديل يقوم على أسس الشريعة الاسلامية يساهم في توفير رؤوس الأموال وتدعيم القدرة التمويلية اللازمة للاستثمارات الضرورية لإنتاج السلع والخدمات.
2.يقوم على  الاستثمار المباشر في مشروعات إنمائية أو المشاركة فيها،أو القيام بتمويلها،وذلك بهدف اقامة مشروعات انمائية جديدة أو لتجديد واحلال مشروعات قائمة فعلا،مما يساهم في توسيع الطاقة الانتاجية في مختلف القطاعات،ويؤدى الى دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. ويستلزم ذلك قيام هذه الاستثمارات على أسس عملية وخطط مدروسة،وقد توجد جهات متخصصة للقيام بدراسات حتى لا تتسم بالارتجال والتخبط.
3. يساهم في تحقيق العدالة في توزيع الثروة،وذلك بتوفير التمويل اللازم لصغار المنتجين وأصحاب الخبرات والمشروعات الذين لا يملكون رؤوس الأموال الكافية لتنفيذ هذه المشروعات.
4. يوفر بدائل متعددة أمام أصحاب رؤوس الأموال لاختيار مجال استثمار مدخراتهم الى جانب اختيار نظام توزيع الأرباح الذى يتلاءم مع ظروف كل منهم.
5. يحقق التنمية المتوازنة والشاملة في المجتمع وذلك بتنويع مالات الاستثمار وشمولها لقطاعات انتاجية عديدة الى جانب انتشار المشروعات الاستثمارية في انحاء الدولة وهو ما يعنى اتباع نظام اللامركزية في التنمية.
6.  يعتمد على الموارد المحلية في انشاء وتوفير فرص العمل.
7. يحفز الطلب: فلا يشترط في عدد من صيغ التمويل الإسلامي توافر الثمن في الحال كما لا يتوافر في عدد آخر توافر المنتج في الحال فاذا افترضنا وجود رغبة لدى المستهلكين أو المنتجين على منتجات معينة نهائية أو وسيطة فان عدم توافر قيمة تلك المنتجات لا يمنع عقد الصفقات علي شراء تلك المنتجات على أساس دفع الثمن في المستقبل دفعة واحدة أو على اقساط،أيضا يمكن اتمام الصفقات بدفع قيمة هذه المنتجات مقدما على أن يتم تسليمها في المستقبل وفقا للشروط المتفق عليها.وينتج عن ذلك تشجيع الطلب على المنتجات ولا يقف عدم توافر الثمن أو المنتج عائقا يحول دون اتمام عقد الصفقات مع هذه المشروعات.ولا شك أن تشجيع الطلب يدى الى استغلال الموارد ورفع مستوى النشاط الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل وبالتالي تنشيط الطلب على منتجات المشروعات وإحداث الرواج الاقتصادي.
8. يقضي على الفقر:فالتمويل الإسلامي  يوفر المجال واسعا أمام اصحاب المهارات للإبداع والتميز وتسخير مواهبهم في الانتاج والابتكار دونما عوائق من اصحاب الأموال. وتشجعهم على بذل أقصى جهد مع حرصهم على نجاح مشروعاتهم والارتقاء بها لأنهم شركاء في الربح الناتج وبذلك نضمن آلية ماهرة لتخصيص الموارد من جهة وزيادة الانتاج من جهة أخرى ،الأمر الذى ينعكس على رفع مستوى المعيشة والقضاء على الفقر.
9. يقضي على البطالة: تسهم هذه الصيغ في القضاء على البطالة من خلال استغلال الموارد المالية وتحقيق التكامل بين الخبرات ورأس المال.

وفى الختام يجب التأكيد على أن نقص التمويل والتوزيع غير المتوازن له يعد من أهم أسباب انعدام الأمن الاقتصادي . ويحتاج الناس إلى فهم أن قطاع التمويل الإسلامي هو وسيلة لمزاولة الأعمال بما يتوافق مع أحكام الشريعة. فهو بديل أخلاقي للاستثمار يتمتع بالنزاهة، والمسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى أنه وسيلة تساهم في تنويع محافظ المستثمرين. من جهة أخري فان  افتقار التمويل الإسلامي لآلية تقييم المخاطر، وفقدان عنصر التنوع والابتكار، إلى جانب عدم وجود تشريعات وقوانين واضحة وصريحة تحدد آلية عمل هذا القطاع، اضافة الى أن عدم كفاية الكفاءات البشرية المؤهلة ؛ تعد أهم المعوقات التي من شأنها إخراج هذه الصناعة من مآزقها. فالإبداعات تأخذ مكانها في شتى أنحاء العالم، وفي المراكز المالية العالمية. لذلك فمن الضروري وضع معايير لصيغ التمويل الإسلامي حتى نجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين. .