الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبهِ ومن والاه , وبعد ,,,
فإن المتأمل في أحوال الناس لا سيما في الآونة يجد أنهم قد انشغلوا أيما انشغال في التجارة والسعي الحثيث في كسب المال , ويظهر ذلك جلياً في تتابعهم على المتاجرة والاستثمار في الأسهم من خلال الاكتتاب في المساهمات العامة والتداول في البورصة , وبلغ اهتمامهم في الأسهم درجة يُخيل إليك عندها أن التجارة قد اختزلت في الأسهم , وذلك نظراً لما تحققه من عوائد مجزية وسريعة .
ومن أجل ذلك رأيت أن من الواجب المتعين تبصير الناس في فقه الأسهم , حتى تكون تجارتهم صحيحة وبعيدة عن الحرام والشبهات , فقد أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( لا يتجر في سوقتنا إلا من فقه وإلا أكل الربا ) , وقال علي رضي الله عنه : ( من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم ) .
ولما كانت المسائل المتعلقة بالأسهم كثيرة فإني سأقتصر على أبرز المسائل وأهمها , وفي نظري أن الأهم هنا بيان الحكم الشرعي في الأسهم وكيفية إخراج زكاتها , فأقول وبالله التوفيق .
أولاً : حكم تداول الأسهم :
اتفق العلماء المعاصرون على جواز المتاجرة والاستثمار في الأسهم إذا تحقق هذان الشرطان :
الشرط الأول : أن يكون الأصل محل التعاقد جائزاً شرعاً .
الشرط الثاني : أن يكون إجراء العقد جائزاً شرعاً .
هذا إجمال ودونك التفصيل :
أما الشرط الأول : فإن المقصود فيه أن يكون نشاط الشركة المصدرة للسهم مباحاً فالأسهم يمكن تصنيفها بناء على نوع الشركة المصدرة إلى ثلاثة أنواع :
1- أسهم الشركات القائمة على أنشطة محرمة :
والمقصود أن يكون أصل نشاط الشركة قائم على أمور محرمة كالبنوك الربوية وشركات التأمين , أو أن تظهر قوائمها المالية لآخر فترة قروضاً أو استثمارات محرمة تعد كثيراً بالنظر إلى موجودات الشركة ونشاطها فيحرم التعامل في أسهم هذه الشركات مطلقاً , سواء أكان الشخص مضارباً أو مستثمراً .
وتمثل هذه الشركات ما يقارب خمسين شركة في السوق المحلية يجب على المسلم الحذر منها والابتعاد عنها .
2- أسهم الشركات القائمة على أنشطة مباحة :
والمقصود أن يكون أصل نشاط الشركة قائماً على أمور مباحة , بل وينص نظامها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال , ولا تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً , فأسهم هذا النوع من الشركات لا خلاف في جواز تداولها بيعاً وشراء .
3- أسهم الشركات ذات الأنشطة المختلطة :
وهي الشركات التي أنشطتها في أغراض مباحة , لكن قوائمها المالية لآخر فترة لا تخلو من بعض المعاملات المحرمة اليسيرة الطارئة التي لا تعد من نشاط الشركة , ولا تزيد نسبة الإيرادات المتحققة منها على ( 5 % ) من أرباح الشركة , فيجوز تداول أسهم هذه الشركات , وإن كان الأحوط اجتنابها – بشرط أن يكون غير راض بما فيها من حرام – ويجب التخلص من هذه النسبة المحرمة بإخراج ( 5 % ) من الأرباح السنوية وصرفها في وجوه الخير , أما الأرباح الناتجة عن بيع الأسهم فلا يجب إخراج شيء منها وتزيد هذه الشركات في السوق المحلية على خمسين شركة .
أما فيما يتعلق في الشرط الثاني لجواز تداول الأسهم فإن إتمام الصفقات يكون بأحد العقود الآتية :
1- العقود العاجلة :
وهي التي يتم فيها تسليم الأسهم وثمنها بعد تنفيذ العقد مباشرة أو خلال مدة قصيرة .
وهذه العقود على ثلاثة أنواع :
أ- الشراء بكامل الثمن ( العاجل العادي ) :
وفيه يقوم المشتري بدفع ثمن الأسهم المشتراه من خالص ماله وهذا النوع جائز لا غبار عليه , وبه أفتت اللجنة الدائمة , ومجمع الفقه الإسلامي .
ب- الشراء بجزء من الثمن – الشراء بالهامش – أو ( المارجن ) :
وفيه يقوم المشتري بسداد جزء من قيمة الأسهم , بينما يسدد الباقي بقرض , بضمان الأسهم محل الصفقة , ولا خلاف بين المعاصرين في تحريم هذا العقد لاشتماله على الربا .
جـ – البيع على المكشوف ( البيع القصير ) :
وفيه يقوم البائع ببيع أسهم لا يملكها عن طريق اقتراضها من آخرين مقابل الالتزام بإعادة شرائها وتسليمها للمقرض في وقت محدد , وهذا العقد أيضاً لا يجوز لاشتماله على الربا .
2- العقود الآجلة :
وهي معاملات تنعقد في الحال , ولكن يتراخى تنفيذها لتاريخ تالٍ , وهو ما يعرف بيوم التصفية , وقد ذهب معظم العلماء المعاصرين إلى تحريم الآجل وبهذا اتفقت الهيئات الشرعية ولجان الفتوى , لأنه داخل في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الآجل في البورصة الكويتية ( الآجل الإسلامي ) يختلف عنه في البورصات الأخرى , فقد تم إجراء تعديل عليه , فخرج بصورة مقبولة فقهياً , ولذا فإن الآجل في البورصة الكويتية مستثنى من التحريم .
3- عقود الخيارات :
وهو عقد يعطي لحامله الحق في شراء أو بيع أسهم في تاريخ لاحق , وبسعر يحدد وقت التعاقد , على أن يكون للمشتري الحق في اختيار التنفيذ من عدمه , مقابل عمولة يدفعها للبائع .
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه العقود , وذهب بعض الباحثين إلى جوازها ولا يظهر لي ما يمنع منها , والله أعلم .
ثانياً : زكاة الأسهم :
يفرق في زكاة الأسهم بين المضارب والمستثمر :
أما المضارب : فهو الذي يتاجر بالأسهم , فإنه يزكيها زكاة عروض التجارة , فيخرج ربع العشر ( 2,5 % )من قيمتها السوقية .
أما المستثمر : وهو من يقتني السهم للاستفادة من أرباحه السنوية , فإنه يجب عليه أن يزكي ما يقابل أصل أسهمه من الموجودات الزكوية , فإذا لم يكن يعلم الموجودات الزكوية فإنه يخرج ربع عشر القيمة الدفترية للسهم .
والحمد لله رب العالمين .
كتبه
د . نايف بن الحجاج العجمي
الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الكويت
المصدر: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68298
أحدث التعليقات