عتزم المسؤولون عن الإدارة المالية في مصر اليوم، طرح أول صك إسلامي مصري في الأسواق العالمية بموافقة صندوق النقد الدولى وذلك لتغطية بعض ديون والتزامات الحكومة المصرية البالغة نحو 50.8 مليار جنيه ، بعد ارتفاع حجم المصروفات إلي 101.5 مليار جنيه ، حيث تم الاتفاق مبدئياً مع 10 بنوك عالمية لتتولى إجراءات الطرح، فتم الاتفاق عليه من خلال الاتصالات مع البنوك والمؤسسات العالمية، وبقيمة تتراوح بين 750 مليون دولار ومليار دولار.
ويتم الإعداد لهذا الطرح، بالتوازي مع التحضير لإصدار قانون الصكوك الإسلامية، حيث يجرى حالياً الإعداد للقراءة الأولية لمسودة مشروع قانون الصكوك الإسلامية سواء للشركات أو البنوك، أو إصدار أدوات دين سيادية عن طريق الدولة، والذي جاء بعد دراسة تجارب ماليزيا وباكستان والبحرين والسودان في ذلك الشأن، كما تخطط الحكومة المصرية لطرح صكوك إسلامية في السوق الخارجية بقيمة تتراوح بين 4 إلى 6 مليارات دولار وذلك خلال الربع الثالث من العام المالي 2013-2012.
إن لهذا الطرح من الأهمية ما يتعدى كونه مجرد وسيلة لتغطية الالتزامات وسد العجوزات التي تعاني منها الحكومة المصرية عقب ثورتها، بل ويتعدى الجوانب السياسية المتمثلة في وصول حزب ذو توجه إسلامي لسدة الحكم فيها، وبالتالي محاولة إدارة الاقتصاد وفق منظوره، بل إن أهمية هذا الطرح تظهر في كونها خطوة مهمة نحو صناعة مصرفية إسلامية متكاملة، وبداية الطريق لتسير مصر على خطوات من سبقوها من رواد التمويل الإسلامي، خاصة في ظل توقيت إعداد قانون للمصارف الإسلامية وتنظيم عملها والسماح لفتح مصارف إسلامية جديدة في مصر.
فالبداية تكمن في الإجراءات الصحيحة والأطر القانونية الواضحة لعملية الطرح وهي المرحلة التي تقبع فيها السلطات المصرية حاليا، واهم ما في هذه المرحلة؛ تحديد الجوانب الهامة من عملية الطرح، ونعني بذلك أهداف إصدار الصكوك، والعقود الشرعية المبنية عليها، وطبيعة العلاقة التعاقدية مع المكتتبين، وسعر الطرح ومعدل العائد الذي سيتم توزيعه، فنشرة الإصدار والطرح الفعلي، ومن ثم التنضيد وتوزيع الأرباح ودوريتها، وأخيرا التصفية، ويلاحظ من جوانب أو مراحل إصدار الصك أن أهمها هي الأهداف من عملية الطرح، وفي هذا تستطيع مصر أن تتخذ طريقين لا ثالث لهما.
أول الطريقين، إتباع النموذج الماليزي في عملية إصدار الصكوك وتطوير التشريعات الخاصة بها، فماليزيا تستخدم إصدارات صكوكها لتمويل مشاريع سيادية كمشاريع البنى التحتية من طرق وجسور وسدود أو مشاريع شركات الخدمات العامة والتي تعجز الشركات الفردية والخاصة على القيام بدورها، مثل خدمات الأمن والحماية والجيش والكهرباء والماء وغيرها، أو إصدار صكوك عالمية لجذب التمويل الأجنبي لشركات حكومية وخاصة مدرجة في سوق رأس المال الماليزية، وذلك لجعل تلك السوق محطة عالمية في منطقة آسيا ولترسيخ أهمية تلك السوق كلاعب أساسي في إطار تكامل السوق الماليزية من أسهم ومشتقات إسلامية بالإضافة للصكوك المتداولة، وهو تطبيق عملي لخطة تطوير سوق رأس المال الماليزية الأولى CMP والتي امتدت من الأعوام ما بين 2001 إلى 2009 لتأتي خطة مكملة لها تسمى CMP الثانية ، بهدف إلى جعل سوق المال الماليزية، سوقا عالميا ضخما بل ومن أكبر الأسواق المال الإسلامية في العالم ICMs وهي ما نجحت فيه إدارة بنك نيجارا بالتعاون مع هيئة الأوراق المالية في ماليزيا من فعله، والسبب ببساطة رؤية واضحة من البداية مع نية صادقة في التنفيذ بعيدا عن البيروقراطية ووضع العراقيل القانونية ، بالإضافة لأهم عامل وهو الشفافية في صرف الأموال المجمعة واستخدامها في أهدافها الحقيقية التي جمعت لها، وبالتالي النجاح في تطبيق الدور الحقيقي لسوق رأس المال الإسلامي ألا وهو تنمية اقتصاد المجتمع الإسلامي الماليزي.
أما الطريق الآخر، فهو طريق التخبط في تبيان الأهداف الواضحة من إصدار الصكوك، وصرف أموالها المجمعة في مجالات لم تتخصص لها، وفي هذا نرى في بعض جوانب التجربة الباكستانية والسودانية وغيرهما نموذجا لمثل هذه الحالات، حيث يتم طرح الصكوك بهدف تمويل مشاريع سيادية وتنموية، لتنتهي إلى تمويل نفقات جارية وسداد عجوزات متراكمة، فتصرف الأموال المجمعة على رواتب موظفي الحكومة وعمولات ونفقات وغيرها، يفرغ عملية الطرح من مضمونها الرئيسي، وبنهاية الأمر تبقى الصكوك( والتي هي وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في وحدات مشروع معين أو في نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها في ما أنشأت من أجله(المعيار الشرعي رقم 17، 2003)) مبلغا في ذمة المدين(مصدر الصك) لحامله يجب عليه إرجاعه بنهاية المدة مع الربح المتفق عليه، وإن لم تستطع الحكومة صرفه في الجانب المخصص له، فإنه سيتحول دينا فوق دين، وعجز فوق عجز، وهكذا دواليك، أضف لذلك مخاطر الفساد وانعدام الشفافية والمراقبة في تجارب دول العالم الثالث التي تطرح مثل هذه الصكوك، والدليل أن باكستان والسودان على الرغم من مرور سنوات على تجربة الصكوك لديهما وتطور صناعة الصيرفة الملحوظ فيهما. إلا أن الدولتين لا تزالا تعتبران من الدول المتخلفة بل قد يصنفهما البعض من الدول شبه الفاشلة اقتصاديا مقارنة بتجارب الغير كماليزيا.
لذلك الخيار الواضح يكمن في وضع خطة متكاملة لتطوير صناعة الصيرفة الإسلامية في مصر، ومن ثم الشفافية في تطبيق هذه الأهداف، والعمل على جعل التمويل القادم من طرح مثل هذه الصكوك في مشاريع سيادية ومدرة للدخل، وهو أمر تستطيع مصر الغنية بالثروات الطبيعية والبشرية القيام به وبفترة أقل من ماليزيا،-إن توفر العزم الصادق في التنفيذ- وإلا فإن البديل هو اهتزاز ثقة المستثمرين بمصداقية الصكوك المطروحة وعوائدها، وعندها لن ينفع طرح الصكوك بالعملة الأجنبية لجذبهم كما فعلت الإدارة المصرية اليوم، وبالتالي تراجع التجربة المصرية في الصيرفة الإسلامية.
على كل الأحوال تبقى الخطوات الأولى التي تقوم بها الحكومة المصرية اليوم، هي الخطوات المطلوبة لبدء طريق واعد لمستقبل صناعة الصيرفة الإسلامية في مصر، والتي تزدهر شيئا فشيئا في هذا البلد المعطاء.
خالد المقدادي *
* كاتب مقالات وكتب اقتصادية ومحلل معتمد في الصيرفة والتمويل الإسلامي من المعهد الإداري والمحاسبي البريطاني في لندن CIMA. بالإضافة إلى إكماله متطلبات درجة الدكتوراه في الاقتصاد والمصارف الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية –الأردن.
للمزيد من المقالات الحصرية الرجاء الرجوع إلى موقع مجلة الصيرفة الإسلامية: http://www. islamicbankingmagazine.org/
أحدث التعليقات