العرف واثره في البيوع الشرعيّة

بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى انبياء الله أجمعين, اعزائي الافاضل ان موضوع العرف واثره في البيوع الشرعيّة ليس بالجديد فقد بحثه الكثير من السادة الفقهاء, وتدبرته الكثير من المؤتمرات والهيئات الشرعيّة, لكنّي خصصت الكلام فيه لما اصابه في اسواقنا من غفلة وتقصير.

*فأثر العرف في العقد الشرعي يُلتمس من عدّة حيثيات هي:
1. معلومية المبيع
2. معلومية الثمن
3. مشمولات المبيع
4. خيارات العقد
5. قبض المبيع

1- معلومية المبيع: هي معرفة صفاته الاساسية التي يتوقف عليها رضا المشتري تبعا لاختلاف انواع المبيعات, فالمتفق عليه عند جمهور الفقهاء ان الرؤية والمشاهدة كافية لتشخيص المبيع, فلو كان مقداره غير معلوم يقوم الوصف مقام الرؤية, مثال بيع المغيّبات فالجامع بينها مفهوم العرف الذي يوصل الى معلومية المعقود عليه, كبيع ما يكمن في الارض من الزروع مثلاً.
2- معلومية الثمن: فمن شروط البيع ان يكون الثمن معلوما للمتعاقدين, لانه الوسيلة للحصول على السلعة ويكون غالباً من النقد, واختار بعض الفقهاء لصحة البيع ان لم يسمّ الثمن الرجوع الى تقديره على السعر المعلوم وهوما يسمى بثمن المثل, وذلك مصداقاً للقاعدة الاصولية بأن السكوت عن تقدير العوض يُرجع فيه الى العرف, فيدخل فيه ثمن المثل في بعض انواع البيوع, واجر المثل في بعض انواع الاجارة, ومهر المثل في الحالات التي لم يسمى المهر فيها.
3- مشمولات المبيع: هي ما تدخل في المبيع وما يحتاج العقد اليها فلا يُكتفى بذكر اسم المبيع دون التعرض لتفاصيله, كبيع الدار او السيارة او الارض, حيث يقع الخلاف بين العاقدين في مشمولات العقد وجزئياته, فيدعي احدهما دخولها في العقد وينكرها الطرف الآخر, حيث اقتصر الفقهاء على العرف بما له تعلق واثر بمحل العقد وهي على الشكل التالى:
*كل ما يتناوله اسم المبيع لغة او عرفا ويدخل في البيع كبيع الدار الذي يشمله كل ما كان ضمن اساسه من حديد واسمنت وحجر, الخ.
*كل ماتعلق بالمبيع حاجته او عدّ من مصلحته عرفاً كبيع الحديقة الذي يشملها ماكان من مصلحتها كتربتها او شجرها او مائها.
*كل مااتصل بالمبيع اتصالاً مستقراً جعله جزءاً من ماهيته كبيع السيارة الذي يشمل ماتصل بها كالهيكل والزجاج والمقود والدواليب.
4- خيارات العقد: فالشريعة دائما تنظر الى مقاصد المكلفين وحاجاتهم حيث تكفلت باحوال طرفي العقد وماقد يعرض عليهم من طوارىء او تدليس الى غيره مما يضر بالعاقد, فكانت خيارات العقد لرفع الضرر وتحقيق المصلحة, فمنها مايثبت بايجاب الشرع او صيانة للحقوق كخيار المجلس وخيار العيب وخيار الغبن ومنها مايتوقف ثبوته على اتفاق ارادة العاقدين كخيار الشرط.
5- قبض المبيع واثر العرف فيه: فهو بيان مايحصل به قبض المبيع وتسليمه, لتمكين المشتري من التصرف في المبيع والانتفاع به بدون عائق والشاهد في المسألة الى عرف الناس وعادتهم مما هو معلوم من اختلاف طبائع الاشياء المقبوضة, فتختلف كيفية القبض بإختلاف المقبوض, فكل شيء بحسب طبيعته, لذلك قسّم المال الى منقول وغير منقول, اما مايباع بالوحدات القياسية المعروفة فيقبض بالكيل والوزن والعدّ, اما القبض الحكمي فهو الذي يقوم مقام القبض الحقيقي ووسيلته مما تعورف فيه في السوق كقبض الاوراق التجارية وتوقيع ورقة بطاقة الائتمان للتاجر والقيد المصرفي عند الحوالة والبيع والشراء, وهذا كله مراعاةً للشريعة في حفظ المال والحقوق من التنازع والاختلاف وليس ذلك يعني اعتبار العرف وحكمه بأن يصبح التعامل صورياً.

اعزائي الافاضل يستفاد مما تقدم, انه لا يشترط الرؤية للعلم بالمبيع, بل ماجرت العادة برؤيته مما يدل على الجميع, كرؤية احد وجهي ثوب منقوش لايختلف, وذلك كله لحصول العلم للمبيع وانتفاء الغرر عنه, كذلك ما يحصل الحرج بمعرفة جميعه يكتفى برؤيته مايمكن منه كأساس البنيان وحشو الجبة وذلك كله باتفاق الفقهاء.
والعلم بالمبيع باللمس او الشم او الذوق وكل ما يعرف بهذه المدارك هو في حكم الرؤية, كما يكثر في شرط معلومية المبيع التعليل لعدم الصحة بأن المبيع معدوم وبيع المعدوم غير جائز, الا حيثما دل الشارع على ان المعدوم الذي جرت العادة بوجوده بصفات معتبرة واحتاجوا الى بيعه قبل وجوده فيجوز المعاوضة عليه قبل وجوده وذلك وفقاً للقاعدة الاصوليّة بأن كل معدوم مجهول الوجود في المستقبل لا يجوز بيعه, وان كل معدوم محقق الوجود في المستقبل بحكم العادة والعرف يجوز بيعه.
اعزائي الافاضل, ان بحث اثر العرف في عقد البيع هو بحث كبير لا نستطيع ان ندرك ثماره في هذه العجالة وما هذا الجهد الذي قدمته لكم الا لمبلغ العلم, سعدت بالتواصل معكم والى القاء في نشاطات قادمة, وصلى اللهم على سيّدنا ونبينا محمد وعلى انبياء الله اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.