آليات التوازن الكلي في الاقتصاد الإسلامي – رسالة دكتوراه – د. عبدالباري مشعل
مقدمة حول سبب النشر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرفق لكم رسالتي للدكتوراة، وهي بعنوان (آليات التوازن الكلي في الاقتصاد الإسلامي)
وبهذه المناسبة أوضح الدافع للنشر وملابساته.
لأول مرة تنشر رسالتي للدكتوراة من خلال الانترنت، وهي مودعة في مكتبات الجامعات ومكتبة الملك فهد الوطنية في السعودية.
لقد كانت طيلة الفترة السابقة محبوسة على أمل أن أراجعها وأعيد تنسيقها وترتيبها بالشكل الذي أراه ملائماً. ولا يخفى أن ما يحدث في مجالس الأقسام والكليات من خلاف في مراحل الخطة البحثية، قد يتضمن بعض الاختلاف الذي لا يتوافق مع رؤية الباحث العلمية للبحث، وهو ما يجعل الباحث يقبل النصائح ويتحمل المخاطر العلمية ليتخطى العتبة، على أمل أن يفعل ما يراه بعد دخول الحلبة ويكون أحد اللاعبين الحقيقيين.
ولكن السنين مضت، والوقت استغرق في اللحاق بمستجدات الصناعة وتطوراتها، وإنجاز الكثير من الأعمال العلمية التطبيقية وخاصة في مجال الرقابة الشرعية في وقتها وأوانها مستفيداً من الخبرة العملية التي واكبت تلك المنجزات.
ولكني في زيارتي الأخيرة للجزائر، جامعة سطيف تلقيت العديد من الأسئلة والاستفسارات من طلبة برامج الماجستير والدكتوراة في مجال الاقتصاد الإسلامي -والذين سعدت بهم وبالكلية التي ينتسبون إليها عميدا وأساتذة- فوجدت بعض إجاباتها في رسالتي للدكتوراة، ووعدتهم بأن أرسلها لهم، أو أن أضعها على موقع شركة رقابة www.raqaba.co.uk ليتمكنوا من الرجوع إليها .
ومن هنا وجدت أن الحاجة قائمة لعدم التريث في النشر، ولا بأس بأن أعود لاحقاً للمراجعة والتنسيق والترتيب.
وبهذه المناسبة أنوه بأن موضوع الرسالة في مجال نظرية الاقتصاد الكلي، وهي تهم الباحثين في المجال، وكذلك سلطات النقد الإشرافية المعنية بطرح أدوات إسلامية للسياسة النقدية تحاكي في كفاءتها الأدوات التقليدية المتاحة للسياسة النقدية.
ويعود التنويه إلى أن أستاذي الدكتور أنس الزرقا -وقد كان مناقشاً لي في رسالتي للماجستير- ألمح في بعض تعليقاته الثرية والشفوية، أن الباحثين انشغلوا بصناعة التمويل عن الاقتصاد الإسلامي، وقد توجهت جميع المؤتمرات والندوات والميزانيات لدعم ذلك. وهو محق في هذا فعلى الرغم من تقدم الصناعة المالية الإسلامية على مستوى البنوك والتي تعد إحدى مؤسسات الاقتصاد الإسلامي، فإنك تجد ثغرات واسعة على مستوى الدراسات المنهجية الملائمة، فعلى الرغم من وجود أقسام للاقتصاد الإسلامي في عدد من الجامعات غير أن هذه الأقسام لا تملك مواد منهجية ملائمة على مستوى النظرية الاقتصادية الجزئية أو الكلية تتسم بصفات الكتاب المنهجي والتعليمي. ولو سألت القاصي والداني عن كتاب منهجي في النظرية الجزئية، أو الكلية، أو النقود والبنوك، أو الاستثمار، لا تجد كتاب واحداً مرشحاً للقيام بهذا الدور، وآمل أن تسفر الجهود المبكرة والممتدة لمركز الأبحاث عن شيء في هذا المجال.
ومن أبرز ما أحدثه تطور الصناعة المصرفية الفجوة الكبيرة بين الباحثين في مجال فقه التمويل والمصارف وبين الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي، فقد أصبح الذي يكتبون في مجالات فقه التمويل يظنون بأنهم قد حازوا الاقتصاد أبا عن جد رغم أنهم يكتبون في فقه التمويل أو فقه البنوك، وليس في اقتصاديات التمويل أو اقتصاديات البنوك ولا أنكر أن كثيرا مما يكتبونه هم فيه عالة -دون اعتراف بالفضل لأهله- على الباحثين الأوائل في الاقتصاد الإسلامي، وقد زهد هؤلاء ظاهراً في كتابات الباحثين الرواد من الاقتصاديين ووجدوا في الانغماس مع البنوك الإسلامية سلوى لهم، بل أصبح كثير من هؤلاء وهم من الفقهاء في أغلبهم يعنونون كتبهم بالاقتصاد الإسلامي رغم أن ما فيها كله فقه، بل إن بعضهم عندما يتحدث – وهو فقيه – يقول نحن الاقتصاديين. وهذا كرس مفاهيم خاطئة تجاه المفهوم الحقيقي للاقتصاد الإسلامي لدى كثير من العاملين في المجال. وزاد من تهميش الباحثين الحقيقيين والرواد الأوئل للاقتصاد الإسلامي والذين ضمتهم مراكز بحثية مرموقة، مثل المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ومركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وصندوق النقد الدولي، وجمعتهم مؤتمرات متقدمة في كل من جدة وماليزيا أوراقها متوفرة لدى مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي ومجلته الرائدة.
ولعل هذه الفجوة الواقعية بين فقهاء التمويل والاقتصاديين الإسلاميين هي انعكاس لصراع قديم دار بين الرواد بشأن مكان قسم الاقتصاد الإسلامي هل يكون في كلية الشريعة أم في كلية الاقتصاد، وللضبابية في الرأي نجح الفقهاء في افتتاح الأقسام في كليات الشريعة في جامعة الإمام، وجامعة أم القرى في السعودية، ولعل التطور الحالي لقسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة الإمام – وهو القسم الذي تخرجت منه – هو انعكاس لهذا الصراع القديم فقد تحول القسم إلى كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية.
وقد حضرت قبل أكثر من عشرين سنة نقاشاً بين فقيه كتب في أحكام السوق، وبين اقتصادي يدرس في قسم الاقتصاد الإسلامي، كان الفقيه يقول: الاقتصاد الإسلامي هو فقه المعاملات، والاقتصادي يقول الفقيه حاجة والاقتصاد الإسلامي حاجة تانية واشتدت النقاش بينهما، وأعتقد بأن الأمر ما زال كذلك لدى ذلك الفقيه ذكرهما الله بالخير.
وقد ظلم الاقتصاد الإسلامي من جديد وابتلي بوجود بعض الباحثين ممن درسوا الفقه، وأكملوه بتخصصات في فقه التمويل أو فقه البنوك، ثم تصدروا لتقديم النصح والتوجيه، والمقترحات الاستراتيجية على مستوى الصناعة ضاربين بعرض الحائط تلك المعاناة البحثية الجادة للرواد من الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، وجاءوا ليسوقوا أنفسهم تحت مظلة تزبب قبل أن يتحصرم. لا بأس لكل مجتهد نصيب لكن لا يصح إلا الصحيح، فلا مساواة بين كاتب مقال أو مقالات أو كتب [لطش] أفكارها من هنا وهناك دون أن يدرك عمق الأفكار [الملطوشة] ولوازمها، وبين تلك القامات العالية من الباحثين الذين غمرتهم مقالات وكتب من تزبب قبل أن يتحصرم.
إن هموم الاقتصاد الإسلامي الحقيقية موجودة لدى الرواد الأوائل، أمثال الأساتذة نجاة الله صديقي، ومنذر قحف، ورفيق المصري، وأنس الزرقا، ومحسن خان، وطارق الله خان، وعباس ميراخور، ومنور إقبال، وعبدالحميد الغزالي، ومعبد الجارحي، وغيرهم ممن عملوا في تلك المراكز التي ذكرتها، وتشهد لريادتهم أبحاثهم المنشورة في المجلات التي تصدرها تلك المراكز أو ترصدها.
إن العودة لدراسة الاقتصاد الإسلامي من جديد وتأليف كتب منهجية تغطي حاجة الأقسام العلمية ضرورة ملحة، لا يدركها الباحثون عن موطئ قدم لهم في حلبة الصيرفة الإسلامية التي أصبحت تعاني من فجوة كبيرة بين جموع الخريجين من الراغبين في اقتحام هذا المجال، وبين العاملين الفعليين في هذا المجال.
لقد كانت هذه هموم على هامش نشر رسالتي للدكتوراة ولها توابع. نسأل الله أن ينفع بذلك الطلبة والباحثين الجدد في الاقتصاد الإسلامي.
أطيب التحيات
د.عبدالباري مشعل
أحدث التعليقات