قرارات المؤتمر الفقهي الثالث للمؤسسات المالية الإسلامية
شركة شورى للاستشارات الشرعية – 3-4 نوفمبر 2009
المحور الأول
عبء الإثبات في دعاوى التعدي والتقصير في المضاربة والوكالة بالاستثمار
أولا:
1. الأصل قبول قول المضارب وكذا الوكيل بالاستثمار، والأخذ به في نفي الضمان عن نفسه في حالة هلاك شيء من الأموال التي يستثمرها أو خسارته بمجرد ادعائه أن ذلك إنما وقع من غير تعدّ منه أو تقصير، دون مطالبته ببينة على صدق دعواه (باعتباره مدعى عليه، فلا يطالب بالبينة، إذ البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه). فإن أقام رب المال –وهو المدعي- البينة على تعدي المضارب أو الوكيل بالاستثمار، صار ضامنا.
2. غير أن استصحاب هذا الأصل إنما يسوغ الأخذ به والتعويل عليه في النظر الفقهي إذا غلب في الناس الصدق والأمانة والتورع عن أكل مال الغير بالباطل. فإذا تغيرت الحال، فإن دلالة الحال –وهي الأمارة الظاهرة التي تدل على صورة الحال- مقدمة على الأصل عند تعارضهما، لأنها قرائن قوية، وشواهد قائمة تنبئ بحدوث أمر يغير حالة الأصل، فتكون بمثابة دليل على عدم صدق من يتمسك بذلك الأصل. ولهذا يترجح في الحكم جانب من شهدت له من المتداعيين – وهو صاحب المال- على من شهد له استصحاب الأصل، ويكون القول قوله في ذلك، ما لم يقم أولئك الأمناء(المضارب/الوكيل بالاستثمار) البينة على صدق ادعائهم، إذ ” العلم الحاصل اعتمادا على القرائن والأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل”.
3. كما أن العمل بهذا الأصل مقيد بأن لا يكون مخالفا للعرف، فإذا جرى عرف الناس بعدم قبول قوله (المضارب/الوكيل بالاستثمار) حتى يقيم البينة على صدق ادعائه عدم التعدي أو التقصير، فإن وصفه وحكمه الشرعي ينقلب من مدعى عليه إلى مدع أمرا خلاف الأصل، فلا يقبل قوله إلا إذا أقام البينة على صدقه، لأن “دلالة العرف أقوى وأظهر من استصحاب أصل براءة ذمة الأمين (المضارب/الوكيل بالاستثمار) عند تعارضهما”.
4. كما أن العمل بهذا الأصل مقيد بانتفاء التهمة عن الأمين – والمراد بالتهمة رجحان الظن بعدم صدق الأمين (المضارب/الوكيل بالاستثمار) في ادعائه عدم التعدي أو التقصير – إذ التهمة موجب شرعي لنقل عبء الإثبات من أرباب المال إلى الأمين الحائز إذا ادعى أن ذلك إنما وقع بغير فعله أو تسببه، وهي متحققة في هذه القضية، إذ إن من المفترض في المضارب والوكيل بالاستثمار والمتوقع منه بحسب المعهود والدلالات العرفية الظاهرة حفظ رؤوس الأموال المستثمرة من الخسارة، وتحقيق الأرباح والمكاسب لهم، و”قول المتهم ليس بحجة” كما هو مقرر في القواعد الفقهية.
5. وأيضا فإن المصلحة موجب شرعي لنقل عبء الإثبات إلى هؤلاء الأمناء، وذلك لحماية أموال المستثمرين من التوى والخسارة عند ادعاء المضارب أو الوكيل بالاستثمار هلاك أموال المستثمرين أو خسارتها إذا علموا أنهم مصدقون في نفي الضمان عن أنفسهم بمجرد ادعائهم ذلك ، من غير تكليفهم إقامة البينة على صدق ادعائهم.
ثانيا:
إن نقل عبء الإثبات المنوه به يختلف تماما عن القول بتضمين المضارب أو الوكيل بالاستثمار ، الذي يقتضي تحميله تبعة الهلاك والخسارة مطلقا، أو تحميله ضمان فوات الربح المتوقع، فذلك محظور قطعا، لأنه يتنافى مع قاعدة الغنم بالغرم.
ثالثا:
يرجع في تحديد وقوع التعدي والتقصير إلى أهل الخبرة في تنمية الأموال واستثمارها ، فهم الذين يعهد إليهم بالنظر في الموضوع، وتقرير وقوع ذلك أو عدمه ، ثم تقرير ما يترتب من تبعات وضمانات على الأمناء المتعدين أو المفرطين بحسب العرف التجاري السائد.
رابعا:
يوصي المؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية أن تضمن عقودها شرط التحكيم فيما ينشأ من نزاع في هذا الأمر مع عامة عملائها، وتعيين المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في عقودها الدولية، إذ يتوافر في هيئة التحكيم الأهلية الشرعية والخبرة والدراية و الموضوعية العملية في مجال النزاع في هذا الأمر.
المحور الثاني
أحكام توزيع أرباح الودائع واستقطاع وتكوين مخصصات مخاطر الاستثمار
أولا:
ناقش المؤتمر الأسس الشرعية لتوزيع الأرباح في المؤسسات المالية الإسلامية مع التركيز على النوازل الخاصة بالأزمة المالية، وقيام بعض المصارف و المؤسسات المالية الإسلامية باستقطاع المخصصات من أرباحها التي حققتها لمقابلة انخفاض قيم استثماراتها ( مخصصات خاصة ) أو لمقابلة خسائر محتملة عن مخاطر حالية غير محددة (مخصصات عامة ) ، و ما إذا تم استقطاع المخصصات من حساب المساهمين أم من حساب المستثمرين ( المودعين) أم من كليهما، وأثر ذلك على تحديد جهة استحقاق أرباح تلك الأرصدة والمبالغ، وتحديد مآلها بعد انتفاء الحاجة إليها أو عند تصفية المؤسسة، والشروط الواجب مراعاتها في عقود الاستثمار والحسابات الاستثمارية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، ونظراً لأهمية هذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلاته والتعرف إلى جميع الآراء فيه، فقد قرر المؤتمر تأجيل البت بهذا الموضوع لمزيد من البحث والدراسة والتأصيل.
ثانيا:
يوصي المؤتمر بعقد ورشة عمل خاصة بأحكام اقتطاع المخصصات من أرباح حسابات الاستثمار بأنواعها المختلفة في المؤسسات المالية والمعايير الشرعية الواجب إتباعها في تكوين المخصصات وطريقة تحديد مبالغها، وذلك بالتنسيق والتعاون مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي الدولي تمهيدا لإصدار قرار مجمعي شامل في هذا الموضوع.
المحور الثالث
أحكام إعسار وإفلاس المؤسسات المالية
أولا:
ناقش المؤتمر موضوع أحكام إعسار وإفلاس المؤسسات المالية الذي ظهرت الحاجة إليه نتيجة الأزمة المالية العالمية وما ترتب عليها من أوضاع مستجدة، وما أحاط بها من ملابسات استدعت تحديد مفهوم إعسار وإفلاس المؤسسات المالية من جهة كونها شخصية اعتبارية، وبحث مدى انطباق أحكام الإعسار والإفلاس المقررة في الفقه الإسلامي للشخصية الطبيعية (الأفراد) عليها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الفقهية المقررة في باب الإعسار والإفلاس في الأحوال العادية أو الاستثنائية – كما هو الحال في الأزمة المالية التي تعم العالم-، ومقارنة جميع ما سبق بالتشريعات القانونية الوضعية في هذا الشأن، كما ناقش المؤتمر الوسائل والسبل التي يمكن للمؤسسات المالية اللجوء إليها في مواجهة حالات الإعسار والإفلاس، سواء كانت المؤسسة طرفا دائنا أو مدينا، ونظراً لأهمية هذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلاته والتعرف إلى جميع الآراء فيه، فقد قرر المؤتمر تأجيل البت فيه لمزيد من البحث والدراسة والتأصيل.
ثانيا:
يوصي المؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية بتفعيل المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية في حالات الإعسار والتعثر المالي من وجوب أنظار المدين إن ثبت إعساره، وعدم استغلال حاجته، وعدم إلجائه إلى حلول ترهقه وتزيد من أزمته المالية وتفقده القدرة على متابعة نشاطه الاكتسابي الذي يساعده على الوفاء.
ثالثا:
يوصي المؤتمر بعقد ورشة عمل خاصة بموضوع أحكام إعسار وإفلاس المؤسسات المالية وذلك بالتنسيق والتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي تمهيدا لإصدار قرار مجمعي شامل في هذا الموضوع
أحدث التعليقات