أحبتي القراء الكرام.. إن المنظرين الاقتصاديين قد أطالوا النظر في الأساس الحقوقي للفقراء والذي يؤهلهم للاشتراك في قسمة كعكة الدخل القومي لكل بلد.
فرأينا من الاقتصاديين من يؤصل للفقر، ويجعل له مزيةً، ويرى أن إعطاءهم مزيداً مزيداً من الدخل يعني خروجَهم عن استحقاقهم للفقر، وهذا يعني تلاشي هذه الطبقة التي تمثل طبقة الخدم والمستضعفين، حيث إنهم سيعلمون أولادهم مما يعني خروجهم عن هذه الطبقة، ولذا يجب عدم منحهم أي زيادة في الدخل حتى يحافظوا على استحقاقهم للفقر.
ثم تكلموا عن مزية الفقر بالنسبة للأجور، حيث إن الأجر – المستويات الدنيا للأجر – كلما انخفض كلما زادت حاجة العامل المسكين لبذلِ مزيدٍ من العمل؛ ليؤمِّن كفايتَه وكفاية أسرته ومن يعول، بل قد يخرج زوجته وأولاده للعمل في ظروف الأجر الدنيا.
ولا يخفى أن في ذلك تقليلاً للتكاليف على أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع والمنشآت.
وذهب آخرون إلى وجود إعادة توزيع الدخول (كمدفوعات تحويلية) لصالح هذه الطبقة الفقيرة المطحونة، ولكن ليس لأسباب إنسانية أو اجتماعية أو أخلاقية وإنما لأسباب اقتصادية بحتة، مثل الاقتصادي الانجليزي الشهير (جون كينز)، وذلك بهدف تحريك الاقتصاد، والقضاء على الكساد، وإنعاش الحياة الاقتصادية.
وهناك من رأى القضية قضية إنسانية، وتتبع نظام التوزيع الذي تنتهجه الإدارة الاقتصادية، ودعوا إلى أنسنة الرأسمالية (أي: جعلها كثر إنسانية) مثل (جون ستيوارت ميل) والذي يلقَّب بالأب الروحي للرأسمالية الاجتماعية، و(ادجورث) الذي رأى عدالة التوزيع أمراً هامًّا لتخصيص الموارد في النظام الاقتصادي، حيث إنها ستخصص الموارد لإنتاج رغبات المترفين دون النظر إلى السلع الضرورية للفقراء وبقية المجتمع، ولكن مع ذلك بقيت النظرة إلى إعادة التوزيع لصالح الفقراء على أنها استثناءٌ من مبادئ الديمقراطية.
أما الاشتراكية فقد رفعت شعار التشريك في الإنتاج ثم التشريك في الاستهلاك، ولكن الحقيقة أنه كان تشريكاً في الفقر، فقد استأثرت السلطات الاشتراكية في الغالب بكل الثروة، وحرمت الشعوب الاشتراكية من حق التملك الخاص، مما أنتج ثماراً اقتصادية واجتماعية سيئة لا تخفى عن الناظرين.
أما في النظام الاقتصادي الإسلامي فإننا نجده نظاما ربانيا، ولذلك يتميز عن سائر النظم الوضعية بأنه لم يُحابِ الطبقة الارستقراطية على حساب فقير أو محتاج.
ولذا فإن الإسلام قد تميز بنقطة هامة ورئيسة ومحورية، وهي:
أنه جعل الحاجة أساساً حقوقيُّا مستقلا، كالعمل واستحقاقه للأجر، فالمحتاج كفل له الإسلام حقه بما يكفيه ويوصله إلى أدنى مراتب الغنى (حد الكفاية)، وكفل له ذلك من خلال فريضة الزكاة، والتي يظهر فيها الأساس الحقوقي بكل وضوح وهو الحاجة.
بل إن أنبل حربٍ في التاريخ هي تلك التي سيَّر جيوشَها الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ضدَّ مانعي الزكاة، ولم يكن للدولة الإسلامية أية مصلحة مادية من ورائها، بل كانت غايةُ هذه الحرب استخلاصَ حق الفقراء من الأغنياء الذين منعوا الزكاة ورفضوا أداءها للمحتاجين المستحقين.
إخوتي القراء الأحبة: مما تقدم يظهر الإعجاز التشريعي في التشريع المالي الإسلامي، لأنه ليس نابعاً من مفكر غني على حساب الفقراء، ولا من مشرِّعٍ فقير على حساب الأغنياء والمترفين، بل هو تشريع رب العالمين العالِم بما يصلحنا ويوصلنا إلى صلاح مجتمعاتنا ورضوان ربنا.
بقلم: بشر محمد موفق
bishrmm@gmail.com
متخصص في الاقتصاد والصيرفة الإسلامية
أحدث التعليقات